! أمريكا و التراخى المقصود .. المفروض

بعد أحداث 11سبتمبر ظهرت على إستحياء بعض المقولات والتحليلات المستندة إلى دلائل وشواهد بعضها قوية عن وجود شبهة علاقة لجهاز المخابرات الإسرائيلى بتلك الأحداث.. وما نشر وقتها يترواح فقط بين علمه المسبق - وعدم الإبلاغ أو الإبلاغ بطريقة منقوصة ومضللة ! - لجهاز المخابرات الأمريكى رغم العلاقة الوثيقة بينهما .. والمؤيدون لتلك التحليلات يعتمدون فى ذلك على الماضى القذر لجهاز الموساد و الخيال المستوحى من كتابات رجال مخابرات سابقين كما هو الحال فى رواية " العملية هيبرون " التى يعتبرها البعض تفسيرا خياليا أو سينمائيا لأحداث 11 سبتمبر كما نشرت قناة الجزيرة المقال . , و صدر أخيرا الحكم فى حادثة سقوط " إسقاط ! " الطائرة المصرية وذلك بإدانة الطيار المصرى " البطوطى" وسوف أكتفى هنا بمقالة بعنوان " من الذى أسقط الطائرة ؟ " عن مجلة The New York Review of Books الأمريكية و نشرها الأستاذ محمد سلماوى بجريدة الأهرام المقال وهناك سؤال يطرح نفسه : هل هى براءة الصدفة أن يكون منفذو هجوم 11 سبتمبر طيارين عرب ومسلمين وأن يكون فى نفس الوقت ضمن ركاب الطائرة المنكوبة نخبة من الطيارين العسكريين المصريين المتميزين بلغ عددهم 33 طيارا ؟!! .. ومع التوتر القائم فى العلاقات الأمريكية\الفرنسية وجدت جريدة Intelligence l'information stratégique globale الفرنسية الفرصة المواتية لنشر خبر عن وجود شبكة عملاء للموساد كانوا يراقبون عن كثب منفذى الهجوم على برجى التجارة العالمية علاوة على قيام مجموعات أخرى بالتجسس على بعض المرافق الحيوية الأمريكية خاصة النووية الأمر الذى سارعت الأجهزة الرسمية الأمريكية بنفية على أساس أنهم بعض طلبة مساكين خالفوا فقط قوانين الهجرة وقامت بترحيلهم إلى إسرائيل ! ثم عادت الصحيفة الفرنسية وأكدت حصولها على نسخة من تقرير أعدته لجنة خاصة أنشأتها " وزارة العدل الأمريكية خصيصا لهذه الغاية" , وأضافت صحيفة لوموند الفرنسية بأن هذه العملية تُعد أكبر قضية تجسس إسرائيلية في الولايات المتحدة يتم الكشف عنها منذ عام 1986 بعد معاقبة جوناثان بولارد -وهو يهودي أميركي سرب أسرارا عسكرية أميركية إلى إسرائيل- بالسجن مدى الحياة , و عندئذ فقط إلتزمت السلطات الأمريكية الصمت التام ! تماما وبنفس الطريقة التى سبق بها أن أحاطت بالسرية التامة تفاصيل واقعة ضرب الطائرات والقطع البحرية الإسرائيلية وإغراقها لسفينة " الأبحاث " - وهو المرادف الدبلوماسى "للتجسس" - الأمريكية " ليبرتى" الغير مسلحة ! فى البحر الأبيض المتوسط قبالة مدينة العريش فى 8 يونيه سنة 1967 أثناء الحرب .. حيث إدعت إسرائيل أن الضرب كان لإعتقاهم أنها سفينة إمداد مصرية ! ثم كشفت الأيام تفاصيل مذهلة حول هذه العملية وردت فى كتاب صدر سنة 2001 فى لندن تحت عنوان " كتلة الأسرار Body of Secrets " للكاتب المتخصص James Bamford وقد نشرت قناة الجزيرة مقالا مختصرا حول هذا الكتاب . المقال , كما نشرت صحيفة World Tribune الأمريكية مقالا بتاريخ 12\3\2002 بعنوان " قد يتم إستبعاد الإسرائيليون من التعاقدات مع وزارة الدفاع الأمريكية Israelis may be excluded from Pentagon contracts " و تضمنت التفاصيل إستبعادهم أيضا من مجال تكنولوجيا المعلومات فى المؤسسات الحساسة المقال .. مع العلم أنه كان قد صدر قرارا منذ شهور بمنح الأجهزة والمعدات الإسرائيلية إسثناءا خاصا يبيح تركيبها على الطائرات العسكرية الأمريكية ! كسابقة فى تاريخ الصناعات العسكرية الأمريكية فماذا حدث ؟!

إستطاع رئيس الوزراء الإسرائيلى من خلال زياراته المتعاقبة إلى واشنطن أن يقنع الرئيس بوش وطاقم الرياسة الأمريكية بأن الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات لا يتحرك إلا تحت ضغط شديد و الدليل على ذلك إضاعته للفرصة الثمينة و االسخية التى عرضها عليه باراك و الرئيس السابق بيل كلنتون فى كامب دافيد و ساهمت الحملة الإعلامية التى قادها بالطبع اللوبى اليهودى و المتزامنة مع هذه اللقاءات على تأكيد ذلك وتحركت الإدارة الأمريكية بكل ثقلها فى هذا الإتجاه ليواجه عرفات أسوأ عزلة سياسية له فى حياته ولم يكتفى شارون بذلك بل أخذ يردد أنه فى حاجة فقط إلى بعض الوقت كى يقضى تماما على الإنتفاضة وكان له ذلك أيضا ! ولكنه لم ينجح فى القضاء عليها رغم الدعم السخى الأمريكى له فى جميع المجالات .. ومن هنا كان على أمريكا أن تتحرك بنفسها لمساعدة شارون و إخراجه من المأزق ! رغم يقين أمريكا أن شارون ليس لديه أى نية أو تصور حقيقى لتسوية سلمية , و كل ما لديه هو حلم مريض يتمثل فى تدمير السلطة الوطنية - " تصفية لحسابات قديمة " - و إلغاء إتفاق أوسلو تصفية لحسابات حزبية مع " حزب العمل " و خلق جو من النار والدمار تختلط فيه كل الأوراق حيث المناخ الوحيد الملائم له لتحقيق ذاته من خلاله ! أى أن الهدف هو وقف أو القضاء على الإنتفاضة .. و تبقى الوسائل .. .

ساهم نجاح الحملة العسكرية على أفغانستان كثيرا فى تعزيز دور جبهة الصقور المكونة من"ديك تشينى" نائب الرئيس و "كوندليزا رايس " مستشارة الرئيس للأمن القومى و "رامسفيلد" وزير الدفاع و " جورج تينيت" رئيس جهاز المخابرات أمام جبهة الحمائم التى يمثلها وحيدا "كولن باول " وزير الخارجية و عدد قليل من المعاونين الذين نفذ صبرهم إزاء سياسة شارون وتجاوزاته حتى أن أحدهم قال" إذا أعطيت شارون إصبعا إلتهم يدك بالكامل ! " . وتدور فى واشنطن تحليلات مفادها أن قرار الرئيس الخاص بإرسال زينى كان تلاشيا لإستقالة وزير الخارجية المتوقعة إذا واصل الرئيس تجاهله لرأيه وليس بسبب تأييد الصقور لوجهة نظر "باول" كما أن خوف الرئيس بوش من تأثير قراره بإرسال زينى على اليهود من المرشحين الجمهوريين قد بدده اللقب الذى منحه الجنراال زينى للرئيس عرفات " زعيم المافيا " و علاوة على ذلك حرص الرئيس " بوش" فى حديثه عن رئيس الوزراء الإسرائيلى أمام أجهزة الإعلام بذكره بـ " صديقى شارون " فى محاولة منه لمحو آثار نقد " باول" لشارون أمام الكونجرس أى أن زيارة الجنرال زينى سوف تحقق أهدافا كثيرة فى آن واحد وهى حسب الترتيب إخراج شارون من ورطته , الظهور بالداعم للفلسطينيين , إسعاد العرب بالكرم الأمريكى السخى ثم المطالبة بالرد الأكثر سخاءًا والمشهور عن العرب دائما ! .

ومع تجهيز مسرح العمليات للمرحلة الثانية فيما يسمى بالحرب ضد الإرهاب وبعنوان فرعى "إسقاط نظام الحكم فى بغداد " حيث يقوم" ديك تشينى " نائب الرئيس الأمريكى وصقر الصقور بزيارته للمنطقة الآن لوضع اللمسات الأخيرة وتوزيع الأدوار وتحديد المهام التفصيلية وحيث تفيد المعلومات أن الدول العربية المعتدلة أو المستعدلة ! سوف تواجه حكوماتها مأزقا حرجا مع شعوبها نظرا لحالة الغليان التى تعيشها شعوب المنطقة بسبب الصمت الرسمى المخجل لحكوماتها إزاء ضرب العراق وذبح فلسطين فى نفس الوقت إذن المطلوب الآن هو التهدئة المؤقتة - و أكرر المؤقتة - على الساحة الفلسطينية/الإسرائيلية ببعض معسول الكلام سواء أخذ ذلك شكل قرارا مائعا لمجلس الأمن " القرار رقم 1397 لسنة 2002 " يضاف إلى قرارت صدر بعضها منذ نصف قرن و لم تطبق ! ; هذا إذا لم يكن المقصود منه إهالة تلال من النسيان على القرارات 181 "قرار التقسيم لسنة 1947", 194 "قرار حق العودة للاجئين" , 242 , 338 تمهيدا لطبخة سياسية جديدة ! أو أخذ شكل فلاش أمريكانى على هيأة زيارة للجنرال زينى وكلام عن بعض المراقبين ! - أمريكا التى إستخدمت حق الفيتو ضد إستصدار قرار لمجلس الأمن يقضى بنشر مراقبين دوليين عندما قام جيش الإحتلال بسحق عظام الأطفال والنساء فى فلسطين الصامدة تتحدث الآن عن مراقبين يا لها من سياسة .. ! وسبحان من يغير ولا يتغير - والمقصود هنا بالمراقبين بعض رجالات المخابرات الأمريكية ! المهم الآن هو .. سكوت حنضرب ! وهذه المرة فى بغداد ! ويعلم الله وحده أين ستكون الضربة التالية ؟! ولكن بالقطع سوف تكون فى أحد بلاد المسلمين !!!

الخلاصة

بالرغم من قدرة الولايات المتحدة على ممارسة الضغط على إسرائيل إلا أن هذه القدرة تظل مقيدة وفق حسابات معقدة يمتد تأثيرها من كرسى الرئاسة حتى تهديد الأمن القومى الأمريكى كله ! بدأ هذا الإدراك فى التنامى داخل دوائر صغيرة جدا و لكن بصورة غير كافية لوصوله إلى العامة كى يتحرر صانع القرار الأمريكى وتصبح لديه مرونة أكبر فالمواطن الأمريكى ضحية تعتيم و تضليل إعلامى و الدائرة شديدة الإحكام حيث الحاكم المقيد والمحكوم المغيب ! وبذلك يبقى على عاتق العرب والمسلمين مسئولية مزدوجة فى تحسين صورتهم أمام الرأى العام العالمى عامة و الأمريكى خاصة بخطة مدروسة وفى نفس الوقت كشف الصورة الحقيقية للوجه الصهيونى القبيح المتغلغل فى تفاصيل التفاصيل الأمريكية !
و المسئولية هنا تقع على أعناقنا جميعا وليس فقط دور الحكومات و الهيئات الرسمية التى قد تكون مهمتها أصعب بكثير ! ونعلم مسبقا أننا سوف نتهم بمعاداة السامية و إثارة الفتن وزرع بذور الحقد ! .. ولكن علينا الإستمرار فهذه هى المعركة الحقيقية للإنسان فى كل زمان ومكان وهى المعركة بين الخير والشر طبقا للفطرة النقية و التعاليم الإلهية الواردة فى كل الكتب السماوية . وذلك الهدف يمثل إستراتيجية للتحرك والعمل على المدى الطويل أما فيما يتعلق بالحاضر فإعتقادى الشخصى أنه لم يعد هناك مجالا للتفريط .. حتى ورقة التوت الأخيرة للسياسة العربية قد سقطت مع تلك المبادرة .. ! - وهذا هو موضوعنا القادم إن شاء الله - أى أن وقف الإنتفاضة دون الحل السياسى معناه ضرب العراق ثم .... تكملة مشوار الضرب ...! و يسأل البعض وما العمل إذن ؟ لا حل سوى أن يجتمع العرب على قلب رجل واحد و لنأخذ الدرس من هؤلاء الأطفال الذين واجهوا الدبابات بصدورهم العارية ماتوا واقفين كالأشجار .. أليس لهم علينا حق النصرة ! والله لو أحس العالم أننا فعلا أمة واحدة لحسم كل شىء فلنسمعهم أصواتنا جميعا وفى كل أنحاء العالم لماذا لا تقوم المسيرات الحاشدة الواعية الحريصة على أمن وسلامة أمتها لنثبت للعالم أننا أمة إذا أرادت فعلت , اللهم إنا نعوذ بك من حب للدنيا يورثنا المذلة ومن كراهة للموت تجلب علينا الهوان , ونعوذ بك من أن يٌجهل علينا , ونسألك الثبات على الحق وأن تؤلف بين قلوبنا و تلهم ولاة أمور المسلمين السداد والرشاد وتجنبنا الفتن وتؤيدنا بنصر من عندك فإنك نعم المولى ونعم النصير .

إسلام العربى

16/3/2002