!!! وتحرك الرئيس بوش .. ليغسل العار ....

و أخيرا وكما هو متوقع , إستجابت الإدارة الأمريكية لضغوط اللوبى إياه ... ! بعد عملية تسخين ناجحة قام بها الصحفى المشهور " توماس الفريدمان" فى مقاله المنشور بصحيفة " نيويورك تايمز" يوم الأحد 4 أغسطس 2002 وعنوان المقالة " العار على بوش " Bush's Shame و الذى سبق وأن أشرنا إليه المقال حيث إنفردت كل من صحيفتى "شيكاغو تريبون" و صحيفة " واشنطن بوست" بالحديث عن ربط - أى معونات إضافية لمصر بالوصول إلى مخرج للإفراج عن الدكتور سعد الدين إبراهيم وذلك فى العدد الصادر يوم الخميس 15 أغسطس 2002 - فى أول سابقة من نوعها للربط بين برامج المعونة لدولة شرق أوسطية و قضايا حقوق الإنسان .

و يبدو أن رأى بعض المحللين السياسيين الأوربيين الذى يصف أداء الإدارة الحالية للرئيس بوش " بالإرتجالية و عدم الإتزان والإفتقار إلى الموضوعية" كان علىدرجة كبيرة من الصواب وإتفق معهم على نفس الرأى وزير خارجية فرنسا السابق , و الغريب أن الإدارة الأمريكية بأساليبها وإمكانياتها المعلوماتية والمخابراتية قد عجزت عن فهم الشخصية المصرية و أغفلت حقيقة ثابتة ومتأصلة فى وجدان كل مصرى فالعامل المصرى الأمى البسيط من أجل كرامته لايضحى فقط برغيف الخبز وكوب الماء بل يضحى بحياته كلها , و لعل ذلك كان مضمون الرد الفورى المصرى القوى على لسان وزير الخارجية الذى عبر بجلاء عن شعور كل المصريين بمن فيهم الدكتور سعد الدين إبراهيم نفسه !

أما السياسة الإنتقائية التى تتبعها الولايات المتحدة فيما يتعلق بقضيتى الديموقراطية و حقوق الإنسان فهو أمر يبعث على الغثيان ! و إليكم الأسباب :

· أن ترسل أمريكا بعض المعتقلين من تنظيم القاعدة إلى بلدانهم فقط لكون التعذيب مباحا فى تلك البلدان من أجل الحصول على إعترافاتهم !!! حينئذ لم يستيقظ الضمير الأمريكى لكونه مستفيدا ؟!!!

· أن تتم حملة الإعتقالات العشوائية المحمومة على عرب ومسلمين ليس لهم أى صلة بتنظيم القاعدة و المعاملة التى لقوها , كل ذلك لم يخالف مبادىء الديموقراطية و لم يخرق قوانين حقوق الإنسان !!

· الأبرياء الأفغان الذين سقطوا بالمئات تحت قصف القنابل الذكية .. !! كان أيضا ديموقراطيا و متبعا لقوانين حقوق الإنسان !

· المعاملة التى يلقاها نزلاء فندق " جوانتانامو" من النوع ذات الخمسة نجوم ولكن .... " فى عز الظهر" !

· عدد وأسماء المحتجزين من العرب والمسلمين فى السجون الأمريكية منذ أحداث سبتمبر الذى مازال لغزا حتى الآن ...

· الضغط الأمريكى الرهيب من أجل تمييع قضية ضحايا " مخيم جنين " و قبلها خسارة الأمين العام السابق للأم المتحدة د.بطرس غالى لموقعه من أجل قضية مخيم " صبرا وشاتيلا " و أيضا خسارة السيدة مارى روبنسون لموقعها , والدرس والعبرة التى إستخلصها الأمين العام الحالى !

· التدخل السافر جهرة فى الشئون الداخلية لدول ذات سيادة , يتعبر أيضا ديموقراطيا !! لأنه تحت ذريعتها !! فالرئيس الفلسطينى ياسر عرفات هو الرئيس العربى الوحيد الذى تم إنتخابه فى حضور مراقبين غربيين !!

· الحالة التى يعيشها الشعب الفلسطينى منذ قرابة العامين ليس فيها ما يحرك المدافعين عن حقوق الإنسان !

· عدد الوفيات من الأطفال العراقيين سواء لنقص الغذاء والدواء أو بسبب المواد المشعة التى إستخدمت فى بعض الذخائر أثناء حرب الخليج رقم 1 , و منذ عشرة سنوات لم يتحرك دعاة الديموقراطية و حماة حقوق الإنسان .. الآن فقط يريدون التحرك للإجهاز على ما بقى من العراق .. لتحرير شعب العراق المسكين من حكم صدام حسين لإمتلاكه أسلحة الدمار الشامل ... !!! علما بأن التاريخ سوف يتوقف طويلا على حقيقة ثابتة وهى أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الدولة الوحيدة حتى الآن التى إستخدمت أسلحة دمار شامل ضد اليابان فى الحرب العالمية الثانية .

· أما إذا أردنا الحديث عن الأسباب والدوافع الحقيقية وراء السياسة الأمريكية الحالية تجاه كل من مصر والسعودية , فالسبب واضح للعيان وهو موقف الدولتين من قضيتى الرئيس عرفات و العراق , ليتهم تركوا الأمور تبدو بثوبها الحقيقى إحتراما للعقول و تمسكا بفضيلة المصداقية !! و لكنها السياسة ... التى تفرض إستخدام الأوراق الرابحة ! و إن بدت مثيرة للضحك تصديقا للمقولة الشهيرة" شر البلية .. مايضحك "

· وكون الدكتور سعد الدين إبراهيم مريضا و مسنا فهذا أمر آخر و أعتقد أن القيم الإنسانية النبيلة والمتوارثة منذ خمسين قرنا من الزمان متأصلة فى الشخصية المصرية قادرة بيسر و سهولة على تقرير ما هو واجب , و لكن ليس بمثل هذه الطريقة الفجة ! التى تم بإستخدامها إلحاق ضرر بقضية الدكتور سعد الدين و تلك هى السمة الواضحة على السلوك الأمريكى الحالى من عدم إتساق الوسيلة مع الهدف ولعل الأمثلة على ذلك عديدة .

· و بقى درس بليغ علينا إستيعابه و هو أن التاريخ لن يحترم إلا أولئك الذين إحترموا أنفسهم ولو كان فى ذلك نهايتهم ! ... لماذا لم يتحرك إعلامنا بريادته ردا على مقالة الكاتب المشهور بطريقة تتناسب مع تعديه على هيبة القضاء المصرى ومساسه بشخص الرئيس ? .... حيث إكتفى فقط بنشر خبر قصير عن قيام مستشارنا الإعلامى فى نيويورك بالرد على الكاتب بطريقة تبريرية أكثر منها إحتجاجية ... ! و لم يطلب من الكاتب الإعتذار رسميا على هذا التجاوز والتعدى الصارخين , وإنى على يقين لو أن هذا الكاتب وأمثاله ممن يتطاولون علينا وعلى ديننا لو وجدوا من يقف لهم ليردعهم بالحجة و المنطق ثم أخيرا بالقانون لو لزم الأمر ... لما تجرأوا علينا مثل ماهم عليه الآن .

17/08/2002