الأطفال والحرب : الآثار النفسية

لقد نشطت وسائل الإعلام وخاصة المرئية منها بشكل كثيف في تغطية الحرب السادسة الدائرة رحاها بين رجال المقاومة المتمثلة في حزب الله اللبناني وجيش اسرائيل البغيض، حيث أبدعت وتفننت في رصد وبث مجموعة من الصور البشعة التي تخدش قدسية الإنسان وكرامته على حد سواء.
مهما تكن أسباب الحرب، ومهما يكن الحق مع هذا الطرف أو ذاك فإن مبدأ الإنسانية لم يعد يعترف به أمام المصالح المادية وأمام وحشية وهمجية القرن21.
لقد باتت حرمة الإنسان بصفة عامة وبراءة الطفولة وعفويتها عنصرا غير ذي قيمة، فأصبحنا نرى وعلى مدار الساعة انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان، وخروقات واسعة لمضامين المواثيق الدولية الخاصة بحماية الطفل.
وهكذا عوقب الطفل من غير ذنب، وشرد من بيته من غير سبب، وحرم من حنان أهله من غير إذن وزج به في غيابات السجون من غير تهمة.
إنه الطفل، رمز البراءة، نور المستقبل وشعلة الحاضر ...
لقد استبيح دم الطفل العربي تحت مظلة الديمقراطية وميثاق حقوق الإنسان على مرأى ومسمع من أنصار ترسيخ مبادئ حقوق الطفل بين كل الأوساط العرقية والإثنية. أستبيح أسمى حق من حقوق الطفل الوديع ألا وهو حقه في الحياة، غصب وهو لا يزال برعما يافعا لم ينضج بعد، بثر من شجرة الحياة من غير رحمة ولا شفقة.
بالله عليكم أهؤلاء بشر ينتمون إلى عالم الإنسانية ؟
كلا، إنها مجرد كلمات يتبجحون بها على منابر الخديعة والخذلان، كلمات تلوكها ألسنتهم الخادعة المظللة .
لفد تفنن الغاصبون في قتل بل تقتيل الأطفال الأبرياء، قتلوا وهم رقود قد أسلموا أرواحهم لرب العالمين، قتلوا وهم يلعبون في منازلهم أو في حاراتهم، قتلوا وهم يفرون من ويلات الدمار والقذائف الملعونة.
اتقوا الله في الأطفال ولا تساهموا من قريب أو من بعيد في اغتصاب عفويتهم ولا في تشويه خلقتهم...
إذا كان الأطفال يشتكون من الآثار الظاهرة للحرب  ويعانون بسببها من عدة مشاكل صحية لا يجادل أحد في عواقبها الوخيمة فإن نفسياتهم ستهتز لا محالة وستخلف لهم على المدى المتوسط آثارا لا يعلم حقيقتها ولا خطورتها إلا الله.
سأحاول في سظور قلائل أن أرصد بعض الآثار النفسية للحرب على الأطفال :
1) الخوف والكوابيس الليلية  
إن هول سقوط الصواريخ والقذائف باستمرار وسماع صفارات الإنذار من غير استئذان ومتابعة أحاديث الأهل في البيوت وتعليقات الصحفيين على جهاز التلفاز، سيولد لدى الطفل حالات متعددة من الذعر والخوف المركب، ستجعله يتقزز من غير تأثير، يرتعد ويتفصد عرقا من غير جهد، ينزوي ويحتمي بأقرب مخلوق من غير استشعار.
سوف تتكرر لديه نوبات الهلع والأزمات النفسية مستشعرا دائما بين عينيه هول الحرب والقصف العشوائي أو المركز، سوف تطارده الكوابيس في منامه وتحرمه من أحلامه المشروعة كما ستحاصره في يقظته وترغمه على الإنطواء ...
2) الحقد والانتقام :  
إن الطفل الذي يشاهد يوميا جثث جيرانه أو أحد أقاربه أو  أخ عروبته أو يعاين عن قرب مقتل أو احتضار أحد أبويه أو أحد إخوانه ستزرع في قلبه دون أن يدري أو يرغب حبة أو حبات من الحقد والكراهية نحو المعتدي.
وبهذا سيشب الطفل وقلبه مليء بالغل حيث يتحين الفرصة قصد الانتقام ورد الاعتبار لأهله وبلدته، سيحتفظ بحقده الدفين مما سيساهم في تأزيم نفسيته أكثر ويجعله حقلا خصبا لسلوكات مشينة وإنسانا مطواعا لنزوات المتطرفين يتشوق لإزهاق الأرواح و إسالة الدماء....