غدير خم

  بعد انتهاء حجة الوداع ، وعودة الرسول (ص) مع أصحابه من مكة إلى المدينة ، وبينما هم في الطريق بمنطقة يقال لها غدير خم ، نزلت الآية قبل الأخيرة من ختام نزول القرآن الكريم " يا أيها الرسول بلغ ما أُنزل إليك  من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين " (67 المائدة) . يروي عدد من المفسرين والمؤرخين أن الآية نزلت في ولاية علي بن أبي طالب حيث أمر الله تعالى رسوله (ص) ليبلغ المسلمين بولاية علي ليصبح ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد رسول الله (ص) . ذكر الفخر الرازي في تفسيره في ذيل تفسير قوله تعالى " يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك " إنها نزلت  في علي بن أبي طالب وذكر أنه لما نزلت هذه الآية أخذ الرسول (ص) بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم والي من والاه وعاد من عاداه .  فلقيه عمر فقال هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة . ويؤكد ذلك الواحدي في أسباب النزول ص 150 وكذلك الترمذي ج 2 ص 298 وآخرون . ويروي الحاكم في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 109 بسنده عن أبي طفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول الله (ص) من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن ، فقال : كأني دعيت فأجيب ، أني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله تعالى ، وعترتي ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما فأنهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض إن الله عز وجل مولاي وأنا مولى كل مؤمن ثم أخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فهذا وليه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . ويروي مسلم في صحيحه ج 7 ص 122 كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب عن زيد بن أرقم أنه سمع رسول الله (ص) في ذلك الموقع قال ضمن الخطبة : أما بعد ألا يا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك  أن يأتي رسول ربي فأجيب وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أُذكركم الله في أهل بيتي ، أُذكركم الله في أهل بيتي  ، أُذكركم الله في أهل بيتي  . ويروي الترمذي في صحيحه ج 2 ص 308 وابن الأثير في أسد الغابة والحاكم في مستدرك الصحيحين ج 3 ص 109 ومسند أحمد بن حنبل ج 3 ص 17 وآخرون إن رسول الله (ص) قال : إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله حبل ممدود من السماء وعترتي أهل بيتي وأن اللطيف الخبير أخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض . فقد ذكر هؤلاء بألفاظ مختلفة هذا المضمون .

  إن هذا القرار الإلهي الذي أتخذ بشأن ولاية علي بن أبي طالب على المسلمين كان آخر أمر على الرسول (ص) أن يبلغه للمسلمين لكي يلتزموا به ويعملوا بموجبه . بل أن هذا الأمر هو أهم أمر بحيث أن عدم إبلاغه هو عدم إبلاغ للرسالة السماوية بأكملها كما جاء في مفردات الآية " وإن لم تفعل فما بلغت رسالته " .

  إن ذلك اليوم كان بمثابة إعلان رسمي لبيان أن علي بن أبي طالب إماماً وولي أمر  للمسلمين ، كما أن رسول الله (ص) نبي وولي أمر للمسلمين . أي إعلانا بخلافة الإمام علي للنبي (ص) ، وعليه فإن  القيادة الإسلامية أصبحت بين الرسول (ص) و الإمام علي بموجب أمر الله تعالى . فبعد أن كان الله تعالى قد بيّن للمسلمين إن حزب الله الذي شمل الرسول (ص) والإمام علي حينما أنزل " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (55 المائدة) ، جاء آخر أمر من الله بولاية الإمام علي على الناس أسوة بولاية النبي (ص) . وبهذا الأمر الإلهي قُطع الطريق شرعاً على ذلك الحزب للوصول إلى الخلافة بعد الرسول (ص) . وقد أراد الله تعالى بذلك أن يحمي الإسلام والمسلمين من الفتنة بعد وفاة رسوله (ص) فنصب الخليفة بعد النبي (ص).

  بعد تنصيب الخليفة ، ختم الله تعالى بعد ذلك القرآن الكريم بآية " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " (3 المائدة) فاكتمل بذلك كل آيات القرآن الكريم .

 

الصفحة الرئيسية