من إعداد وتقديم  الأخ : بلمبروك جمال عبد العزيز                               البريد الإلكتروني : bel-dja@maktoob.com

 

تاريخ المقاومــــة الشعبيــــــة  الجزائرية

بمنطقة -  الأبيض سيدي الشيخ -

مقاومـــة الشيخ بوعمــامـــــة

 

 

v   الإعـلان عـن المقاومـة الشعبيــة

 

                            إن الاستعمار الفرنسي منذ دخوله الجزائر وخاصة الغرب الجزائري كان يفكر دائما في جميع الطرق التي تؤدي به إلى احتلال أكثر للأراضي المحررة كاحتلال جبال القصور والهضاب العليا الغربية ، وهذا ما أدى بالشيخ الروحي والسياسي بالمنطقة ومريديه وكذا القبائل التي ساندت أبناء عمه أولاد سيد الشيخ في الثورة المقدسة في الإعلان عن الجهاد ، وقد أوفد جميع مقدميه إلى جميع النواحي حتى عند سيدي قدور بن حمزة الذي جاء بنفسه إلى الزاوية بمقرار وكذا إلى مريديه من قبيلة الشعانبة الذين كانوا يقطنون الجنوب الشرقي الجزائري وقبل كل شيء كان الشيخ يدرس جيدا المنطقة حيث أنه كان يجول في الصحراء ويسافر من مقرار إلى فقيق بالمغرب ومن المغرب إلى قير بالعبادلة وإلى زوزفانة وواد النامـوس والواد الغربي مرورا بواد سقر إلى نواحي الأغواط ومتليلي والمنيعة عن طريق الصحراء وهذا كله كان بمباركة أولاد سيدي الشيخ الشراقة .

            وفي أوائل أفريل 1881 جاءت إلى تيوت بعثة فرنسية لتجسس عن أهالي المنطقة فعرفت من خلال جولاتها أن جميع قبائل القصور والبدو والرحل بتلك المنطقة كان مساندين للشيخ بوعمامة ولكن الشيخ بوعمامة كان قد لم الكثير من المقاتلين والمقاومين حوله وكان ينتظر بفارغ الصبر اللحظة الموالية لإعلاء كلمة الله ضد المستعمر الغاشم ، من أجل تحرير الأرض المحررة أما العلم بالتهيئة إلى الجهاد فجاء من الشمال لأن الموفودون من طرف الشيخ سيدي بوعمامة كانوا ينتقلون من قبيلة إلى أخرى من تيارت عند قبيلة الأحرار إلى البيـض ( جيريفيل ) شمالا عند الطرافى وعند الرزاينة بعمالة سعيدة وفي كل قبيلة قد سبق للشيخ أن نصب مقدما يمثله ويمثل زاويته .

           وفي 06/أفريل /1881 فإن بشاقا ناحية فرندة أخبر قائد القوات المسلحة بعمالة وهران بأن جميع القبائل ينتظرون إلا الإشارة من الشيخ بوعمامة لإندلاع المقاومة وهذا ما جاء به الموفودون من طرف الشيخ فطلب القائد العسكري أنذاك توقيف جميع هؤلاء الموفودون .

         وفي 22/أفريل /1881 ذهب أحد الضباط الفرنسيين يلقب " بوين بريمر- Wein brenner" رفقة أعوانه من الجيش الفرنسي إلى أولاد زياد الشراقة لكي يوقف موفودي الشيخ بوعمامة وحينما وصل إلى دوار الجرامنة

قتل من طرف أعوان الشيخ بوعمامة  رفقة اثنان من السبايس ،  وحينما كان الجرامنة متجهين إلى الجنوب الغربي إلى نواحي بوسمغون ، للإلتحاق بالشيخ بوعمامة بعث أغا سعيدة بـثمانمـائة ( 800 ) فارس لإيقافهم عبر الشط الشرقي لكن هذه البعثة تصدت لمقاومة من طرف قبيلة الطرافى من : 27 إلى 29 أفريل 1881 فرجعت منهزمة أم القبيلة فتمت طريقها مرورا بتسمولين فجاء الخبر إلى الشيخ بوعمامة إلى زاويته بمقرار التحتاني فأمر بالاستعداد إلى جميع القوات المسلحة وإلى جميع القبائل التي كانت تحت لوائه فترك الزاوية ونادى إلى الجهاد في سبيل الله فتوجه إلى المكان الذي كانت قد تمركزت به قبيلة الطرافى وتجمعت هنا جميع القبائل بفرسانها ومقاتليها بالمكان المسمى عين تيورطلت على بعد 12 كلم شمال تيوت ، فهنا يمكننا أن نذكر من بين القبائل التي حضرت هذا التجمهر: الطرافى – تيري لعمور – الشرفـة – أولاد سيدي أحمد المجدوب – أولاد جرير – أولاد سيدي الشيخ –

          فاتجه الشيخ بوعمامة  على رأس هذا الجيش العارم إلى الطريق الشمالية الشرقية المتجهة نحو الشلالة الظهرانية ، فزار ضريح جده سيدي محمد بن سليمان والد سيدي الشيخ وسار في طريقه عن 25 كلم  شرقا فصادف في طريقه القوات الفرنسية القادمة من سعيدة تحت القائد الفرنسي اللواء " INNECENTE " كانت يوم : 19/05/1881 عن بعد 07 كلم من عين تزينة شمال ملوك القبلي فكلفتها جيوش سيدي بوعمامة خسائر فادحة في العتاد والأرواح فانطوت هذه الجيوش الفرنسية على نفسها ورجعت منهزمة

                        فكانت فرحة كبيرة وانتصار عظيم للقبائل المقاتلة مع الشيخ سيدي بوعمامة  فهذا الانتصار كان صدا كبيرا للشيخ وكانت عظمته كبيرة عند القبائل العربية فشد الرحال منتصرا إلى الشمال عبر طريق العافية .

                        النصر هذا جلب إلى الشيخ بوعمامة  جميع القبائل المجاورة وحتى تلك التي كانت بعيدة أخذت في لم شملها وتهيئة نفسها وفرسانها للدفاع جنبا لجنب مع جيوش الشيخ بوعمامة ، ومن هنا تخوفت فرنسا من أن قبيلة أولاد سيد الشيخ ستعيد ثورتها امتدادا إلى تلك التي كانت قد انتصرت فيها بسنة 1864 م فشرعت في اعداد جيوشها فسلحتهم وأرسلتهم إلى جبال العمور وإلى تيارت عند الأحرار وإلى العريشة عند حميان وكلفت فئة صغيرة بالاتصالات ما بين جيوش فرنسا المرابطة في سعيدة والتي كانت في جريفيل هذه الفئة الصغيرة كانت تقيم وتنشط في مخيم السفيصيفة تحت لواء الجنرال " Detrie  " في مهمة خاصة للبحث عن الشيخ بوعمامة وأتباعه

        أما  الشييخ بوعمامة  فكان مشغولا في إعادة وتهيئة جيوشه والخوض في المعركة من جديد وجلب إليه أبناء عمه زواى الشراقة بقيادة سيدي قدور بن حمزة وزواى الغرابة بقيادة سيدي سليمان بن قدور الذي هرب من مكناس حيث كان يقطن هنالك بمباركة سلطان المغرب وأبو إلا أن يشاركوا الشيخ بوعمامة  في الجهاد وإن أمكن أن يكونوا هم الذين يقودون المعارك .

       وقد لبوا الدعوة كذلك أغواط أكسال لأن الكثير من خيام هذه القبيلة بعد المعركة التي جرت في القعدة أخذتهم فرنسا إلى أفلوا تحت قيادة الدين

لعموري أغا لأفلوا بجبل العمور وقسمتهم إلى قسمين أولاد مومن والرزيقات ، وفي 1873 جاءت فئات أخرى من تلك التي كانت مرابطة للمغرب فرأت النور القسمة الثالثة أولاد عيسى والقراريج .

       وبسمع الخبر بمعركة تازينة شدوا الرحال واتصلوا بأولاد سيدي طيفور 800 مقاتل و 400 فارس وتمركزوا بواد شارية بين الكراكـدة وبريـزينـة ، ثمانية أيام بعد ذلك كانت قافلتهم متوجهة إلى الشرق أين سيخيمون في واد الزرزور بين أربوات والأبيض سيدي الشيخ للإلتحاق بالشيخ بوعمامـة ، وبينما كانت قوات الفرنسية تحت قيادة الجنرال " Detrie " في البحث عن الشيخ تنقل سيدي بوعمامة عبر الشط جنوبا وضرب فرندة .   

            وفي 09/05/1881 كان الشيخ بوعمامة  بسيدي عبد الرحمان فأقنع أولاد زيان لضمه معه ( أولاد زيان هم من الأحرار الغرابى ) وفي 11/12 من نفس الشهر كان بضواحي سعيدة فأتباعه دخلوا إلى الحساسنة فاستولوا على مخازن القمح والمؤونة وحرقوا بعض الأماكن التي كانت تؤوي المستعمرين الفرنسيين بعين الحجر عن بعد 10 كلم من سعيدة .

           وتغلبوا عن عمال الحلفة الذين كانوا من أصل إسباني وإيطالي في طريقهم فتغلبوا عليهم فمنهم من قتل ومنهم من سجن من طرف أتباع الشيخ بوعمامة  في خلف الله من 14 جوان من نفس العام فعبر الشط عن طريق شعيب وأصبح في الجنوب الغربي على"فكار" وكان الشيخ بوعمامة  يمر بسرعة لكي لا يلتقي بالقوات الفرنسية التي كانت تبحث عنه ، وفي ذلك الوقت قبيلة أغواط أكسال التي زادت على قبيلة أولاد سيد الناصر دخلت إلى الشط من الجهة الشرقية وفي 10 جوان نشبت معركة بين الحراس الذين كانوا يراقبون الطريق الخلفية للقافلة فقاتلتهم قوات الجنرال ديتري في المكان السمى مقام سيدي الشيخ بواد سيدي الناصر وفي هذه المعركة استشهد ما يقرب عن 20 فارس وفي 14 جوان أغا الحاج قدور صحراوي وأتباعه وعميل فرنسا ضرب بقصوى مخيم أغواط أكسال استشهد هناك عن ما يقرب 85 رجل من رجال المقاومة وأخذ كل أمتعتهم وقافلتهم وما شيتهم .

وما  إن وصلوا إلى عين الخشب فقاتلهم لارباع من الأغواط تحت قيادة الخيالة الفرنسية القائد « Belin » وكانت المعركة ضارية وفقدت أغواط أكسال 105 قتيل دون ذكر الجرحى والمساجين وهذه كانت تسمى بمعركة قارة غشـوة جنوب عين الخشب حيث كان الشاعر محمد بلخير رحمه الله يقول "

يـوم في قـارة الغشـوة نهـار كبيـر     كاملين ثلاث ضربات في عودي

هو يشكر أغواط أكسال الذين كانوا قد دخلوا المعركة بشجاعة وشرف ولو أنهم هزموا من طرف المستعمر الفرنسي وبعد هذه الهزيمة التي كلفتهم الكثير من الخسائر في العتاد والأرواح أبو إلا أن يرجعوا  إلى الصحراء في بـــلاد سيدي قدور بن حمزةحيث كانوا يريدون الذهاب إلى بلاد سيدي قدور بن حمزة إلى خيامهم المرابطة بوادي الزرزور لكي يهاجر بعد ذلك إلى المغرب الأقصى كانوا يريدون الالتحاق بسيدي قدور بن حمزة بواد قير ولكن قبيلة دوي منيع منعتهم من الدخول إلى وادي قير ، حتى جاء سيدي قدور بن حمزة فتبادل مع دوي منيع الماشية بالقمح والشعير فسلكوا سبيلهم متجهين إلى المخيم ، وفي هذا المكان بالذات الشاعر محمد بلخير نظم قصيدة قارة الغشـوة ، إذ كان الشيخ محمد بلخير يعظم أولاد حمزة وأعوانهم وكان يقصد كذلك قبيلة أغواط أكسال كما كان يدع المولى عز وجل أن ينصر قبيلة أولاد سيد الشيخ وأن يرجعهم إلى بلادهم -الأبيض سيدي الشيخ – وكانت رغبته الوحيدة هي زيارة الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد المدعو سيدي الشيخ .

           أما سيدي بوعمامة في ذلك الوقت رجع إلى جبال القصور في أوائل شهر جويلية كأنه دائما منتصرا وقد ألحق به جيش متكون من 400 شعنبي من متليلي والمنيعة على جمالهم فتوجه إلى الناحية الشمالية يوم 05 جويلية 1881 وشق طريقه بالقرب من جبل عنتر إلى المشرية وفي 07 من جويلية كان في فيكـارين ، أما يوم 09 من نفس الشهر دخل إلى الخيثر حيث تصدت له جميع القوات الفرنسية المرابطة هناك ، فشق طريقه إلى فرندة في : 13 جويلية من نفس العام ، فاستولى أحد فرسانه عن قطيع من الغنم بعين الحديد من قبيلة الأحرار الغرابى الذين قرروا يومها الابتعاد عن المعركة فهربوا إلى التل ، وفي 14 جويلية سيدي بوعمامة ومعظم قواته المسلحة تصدى لهزيمة كبيرة من طرف القوات الفرنسية المرابطة بتيارت ، فشق طريقه مرورا بالقطيفة وشرق الشط ولم يرد البقاء في الهضاب ، فجاء فيلق عسكري فرنسي بقيادة

الجنرال كولونيو يوم 18 من شهر أوت من نفس العام المذكور سالفا ، إلى مشرية ونصب هناك مقر عسكري دائم لمراقبة الشيخ بوعمامة وجيوشه فاضطر الشيخ إلا أن يدخل إلى المغرب فنصب الشيخ مخيمه غرب صفيصيفة وبعد ذلك دخل إلى المغرب مرورا بجبل دونق وشق طريقه جنوب شط تيقري بالقرب من بوعرفة .

          فهنا الكثير من القبائل أرادت الانفصال عن الشيخ من بينهم الطرافي أولاد أمعلى أولاد عبد الكريم وذهبوا إلى سيدي سليمان بن قدور بعقلة السدرة بوادي الشارف .

          أما قبيلة أولاد الزياد ودراقـة فانضموا إلى سيدي قدور بن حمزة بتفيلالت ولم يبقى من القبائل في المهجر مع سيدي بوعمامة إلا قبيلة أولاد سرور وبعض المحبين من القبائل الأخرى ، وعدد قليل من أولاد سيدي الشيخ الغرابى ، أما أولاد بودواية وأولاد بن عيسى فذهبوا لكي يلحقوا بقافلة الدراقة وأولاد الزياد ولكن شاءت الصدف أن يلتقي ببني قيل الذين عاركوهم بمنطقة عين العراك غرب بوعرفة ، أما الشيخ سيدي بوعمامة فتمركز قرب بودنيب بالمغرب الأقصى ، في ذلك الوقت جاءت قوات فرنسية معتبرة إلى ضواحي الهضاب العليا الغربية من بينها فيلق بقيادة العقيد نيقري توجهت إلى الأبيض سيدي الشيخ حيث قامت القوات بإلقاء القبض على القائد الأسبق للقصر الغربي بالأبيض سيدي الشيخ سي قدور ولد بوبكر من أولاد سدي الحاج أحمد وقد أودع السجن من طرف السلطة العسكرية بمعسكر ، وهذا كان بعد كسب خبر معركة تازينة لأن معظم سكان الأبيض سيدي الشيخ  فروا من البلاد لتدعيم والانضمام إلى قوات الشيخ بوعمامة ، فعند دخول الجيش الفرنسي رأى أن قصور الأبيض سيدي الشيخ " القصر الشرقي – القصر الغربي" كانت خالية من سكانها فدمروا كل ما كان حيا أي هدموا المنازل وقطعوا النخيل يقال أن بالأبيض سيدي الشيخ كانت توجد أكثر من 3000 نخلة ، وأخذوا الماشية وقاموا بردم الآبار بالتراب وبعد ذلك ذهبوا إلى قبة سيدي الشيخ فأخذوا رفاة الولي الصالح سيدي عبد القادر بن محمد إلى البيض الذي كان يدعى أنذاك بجريفيل وهدموا القبة بالمتفجرات ، كان ذلك يوم 15 أوت 1881 أما القبب الأخرى والأضرحة حرقوا بدورهم ، ولم تنجوا حتى المساجد ، حيث أنها هي الأخرى هدمت وحرقت ، أما الرجال الذين كانوا بجوار الأبيض سيدي الشيخ  فسجنوا بالبيض ولم يبقى بالأبيض سيدي الشيخ إلا الشيوخ والنساء والأطفال بالهضاب والجبال المجاورة كتيسمرت والزرزور ……إلخ.

 

‹ السابــــــق                                                          › التالـــــــي