تمتلك سلطنة عُـمان موقعا استراتيجيا بالغ الأهمية كان له دوما صدى قويا في سياساتها وخياراتها وأسلوبها في التعامل مع كثير من القضايا والتطورات.

       تقع سلطنة عُـمان في أقصى الجنوب الشرقي لشبه الجزيرة العربية وتمتد بين خطي عرض 40،16 و 20،26 درجة شمالا. وبين خطي طول 50،51 و 40،59 درجة شرقا، وتطل على ساحل يمتد أكثر من 1700 كيلومتر يبدأ من أقصى الجنوب الشرقي حيث بحر العرب ومدخل المحيط الهندي، ممتدا إلى خليج عُـمان حتى ينتهي عند مسندم شمالا، ليطل على مضيق هرمز مدخل الخليج العربي.

       وترتبط حدود عُـمان مع جمهورية اليمن من الجنوب الغربي ومع المملكة العربية السعودية غربا، ودولة الإمارات العربية المتحدة شمالا.  

        ويتبعها عدد من الجزر الصغيرة في خليج عُـمان ومضيق هرمز مثل سلامة وبناتها، وفي بحر العرب مثل جزيرة مصيرة ومجموعة جزر الحلانيات.

       وتقع عُـمان شمال مدار السرطان وجنوبه فتنتمي بذلك الى المناطق الحارة الجافة للكرة الأرضية الا أنه بجنوبها امتدادات للمناخ الاستوائي.

       ومن هذا الموقع تسيطر سلطنة عُـمان على أقدم وأهم الطرق التجارية البحرية في العالم وهو الطريق البحري بين الخليج العربي والمحيط الهندي. ومن هذا الموقع أيضا اتصلت طرق القوافل عبر شبه الجزيرة العربية لتربط ما بين غربها وشرقها وشمالها وجنوبها. وتبلغ مساحة عُـمان حوالي 309 آلاف كيلومتر مربع.

       تتميز جغرافية عُـمان بوجود سلسلة جبال الحجر التي تمتد من منطقة رؤوس الجبال في رأس مسندم (حيث يقع مضيق هرمز بوابة الخليج العربية) الى رأس الحد أقصى امتداد للجزيرة العربية من جنوبها الشرقي في المحيط الهندي، ذلك على شكل قوس عظيم يتجه من الشمال الشرقي للبلاد إلى جنوبها الغربي، ويصل أقصى ارتفاع له إلى 3000 متر في منطقة الجبل الأخضر.

وفي محافظة مسندم ترتفع الجبال إلى 1800 متر فوق سطح البحر، ويطلق البعض على رأس مسندم لقب النرويج الاستوائية لكثرة الأزقة البحرية التي تكتنفها الصخور والمداخل الملتوية، ويقع مضيق هرمز بين ساحل ايران وعُـمان لكن الجزء الصالح منه للملاحة هو الذي يقع بالقرب من الساحل العُـماني، ومن اهم مدن محافظة مسندم خصب ومدحا ودبا وبخا.

       وشبه العُـمانيون هذه السلسلة من الجبال بالعمود الفقري للإنسان فيسمون المنطقة التي تقع على خليج عُـمان بالباطنة والمنطقة التي تقع الى الغرب من المرتفعات بالظاهرة، فالباطنة هي الشاطيء الساحلي الذي شكلته الوديان الهابطة من الجبال ويتراوح اتساعه ما بين 15 و 80 كيلومترا. كما يتجاوز طوله 300 كيلومتر، وهي المنطقة الزراعية الرئيسية في البلاد، حيث البساتين التي ترويها المياه الجوفية وهي تمتد شمالا من مسقط حتى الحدود مع دولة الإمارات العربية المتحدة ، ولهذا فهي أكثر مناطق السلطنة ازدحاما بالسكان وتقع فيها عدد من المدن مثل بركاء والمصنعة والسويق والخابورة وصحم وصحار وشناص.

       أما منطقة الظاهرة فتقع على الجانب الآخر من الجبال وهي أيضا سهول تكونت من طمي الوديان تمتد غربا حتى تتلاشى في الصحراء.

       وهناك عدة وديان تقطع هذه السلسلة من الجبال أكبرها وادي سمائل الذي يصل بين مدينة مسقط على الساحل إلى ازكي ونزوى في الداخل. لهذا يطلق العُـمانيون على المنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال إلى الغرب من ذلك الوادي منطقة الحجر الغربي وفيها تقع منطقة الجبل الأخضر ومدن الرستاق ونخل والعوابي وغيرها والمنطقة التي تقع فيها سلسلة الجبال الى الشرق من وادي سمائل تسمى منطقة الحجر الشرقي وفيها تقع مدن سمائل وبدبد وغيرها وأعلى منطقة في جبال الحجر هو جبل شمس بمنطقة الجبل الأخضر إذ يبلغ ارتفاعه 3 آلاف متر فوق سطح الأرض.

 يضيق الساحل العُـماني عند مرتفعات القرم بمسقط ليصبح الشاطيء صخريا مليئا بالجيوب المائية، كما هو الحال في رأس مسندم في أقصى شمال البلاد ثم يعود فيتسع تدريجيا جنوب مسقط حتى رأس الحد.

       ومن رأس الحد إلى المضيرب بالمنطقة الشرقية الى فيلم على الشاطيء في خليج مصيرة تمتد رمال وهيبة بطول حوالي مائة وستين كيلومترا وعرض حوالي ثمانية كيلومتر والى الجنوب الغربي من جزيرة مصيرة تقع مساحة شاسعة من الأراضي المستوية الحجرية تعرف باسم جدة الحراسيس بينما تقع إلى الغرب من رمال وهيبة أراضي منبسطة صخرية واسعة عرضها حوالي مائتين وخمسين كيلومترا تتخللها وديان تجري من الشمال إلى الجنوب مثل وادي حلفين ووادي عندام.

       وتقع غربي مصيرة شبه جزيرة بر الحكمان، ويفصلها عن جزيرة مصيرة مجرى مائي يبلغ اتساع 14 كيلومترا، وتتكون منطقة بر الحكمان من ملاحات منبسطة. وفي بعض المواسم يغطي البحر خمسة كيلومترات من أراضيها.. ويعتمد سكانها في حياتهم على صيد الأسماك.

       وعلى ساحل بحر العرب تمتد سلطنة عُـمان مسافة 560 كيلومترا تغمر الأمطار الموسمية حوالي مائة وثلاثين كيلومتر منها، تضم سهلا ساحليا بعرض لا يزيد عن ثمانية كيلومترات، تقع فيه صلالة حاضرة محافظة ظفار وغيرها من المدن مثل مرباط وسدح ورخيوت وضلكوت، وتزخر الشواطئ الساحلية بالمحافظة بثروة سمكية هائلة في مقدمتها سمك السردين الذي يستخدم علفا للحيوانات وسمادا للمزروعات فضلا عن انه طعام للإنسان.

       أما منطقة جبل ظفار فتمتد من الشرق الى الغرب بطول حوالي 400 كيلومتر قبالة جزر الحلانيات الى الحدود مع جمهورية اليمن وبها ثلاث مناطق جبلية تشكل سلسلة واحدة متصلة. فالمنطقة الواقعة في أقصى الشرق تسمى جبل سمحان والوسط جبل القرى والغرب جبل القمر ، ولا يزيد عرض هذه الجبال عن 23 كيلومترا واقصى ارتفاع لها 2500 متر. وهناك 75 كيلومترا من هذه الجبال تكسوها الخضرة من يونيو إلى سبتمبر، إذ تتميز هذه المنطقة عن بقية مناطق الجزيرة العربية بهبوب الرياح الموسمية عليها الآتية من الجنوب الغربي في الفترة من يونيو الى سبتمبر مما يسبب هطول الأمطار وانتشار المراعي، كما تنمو على بعض أجزائها أشجار اللبان التي كانت لها تجارة رائجة اشتهرت بها هذه المنطقة وكانت مصدر ثرواتها في العصور القديمة كما تنفجر منها عيون تتدفق بالماء على مدار العام.

       معنى هذا أن عُـمان كانت قبل اختراع وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة من سيارت وطائرات وبرق وهاتف وإذاعة وتلفزيون وشق طرق جزيرة كبيرة تقع بين بحرين : بحر من المياه المالحة شرقا ( بحر العرب جنوبا خليج عُـمان شمالا ) وبحر من الرمال غربا ( الربع الخالي ) لكن هذه الجزيرة الكبيرة كانت تجد لها منافذ للاتصال بالعالم الخارجي لأسباب تجارية وحضارية وسكانية، فمن جهة البر كانت هناك عدة منافذ أهمها: طريق القوافل من مرباط عبر النجد بمحاذاة الربع الخالي الجنوبي الى شبوه على حدود حضرموت، ومنها الى اليمن ثم مصر ومدن حوض البحر الأبيض المتوسط.

       - الطريق من بهلاء بالمنطقة الداخلية الى البريمي وعبري من خلال وادي الجزي ووادي الحواسنة.

        - طريق القوافل من ظفار جنوبا مرورا بمدينة وبار (منطقة شصر حاليا) والتي تقع على صحراء الربع الخالي، ومنها إلى أسواق الإسكندرية وروما حيث ثبت مؤخرا أن هذه المدينة كانت عاصمة رئيسية من عواصم التجارة العالمية ومركزا لتجارة اللبان.

       أما البحر فقد تفوق العُـمانيون أولا في صناعة السفن، حتى كانو أصحاب أكبر أسطول تجاري وعسكري في الخليج في النصف الثاني من القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر، وبهذا استطاع العُـمانيون أن يصلوا في وقت مبكر جدا الى ساحل أفريقيا الشرقي غربا (حوالي القرن الأول الميلادي) وحتى كانتون في الصين شرقا (حوالي القرن السادس الميلادي).

       واذا كانت عُـمان ككل - قبل اختراع وسائل المواصلات، والاتصالات الحديثة -جزيرة وسط بحرين من المياه المالحة والرمال، فإنها كانت أيضا بدورها مجموعة من مئات الجزر تفصلها عن بعضها البعض سدود جبلية وبحار رملية .. وقد كان الفضل لنظام الأفلاج في معظم أنحاء عُـمان الوسطى في إيجاد نظام إداري يعمل على تماسك قاطني هذه الجزر السكانية. ذلك أن عُـمان لا تتمتع بنهر يربط بين أجزائها مثل أنهار دجلة والفرات والنيل التي قامت على ضفافها حضارات كبرى، لكن الطبيعة لم تبخل عليها بمياه جوفية تجود بها الآبار حينا والافلاج حينا آخر.

       والفلج - من الفعل فلج بمعنى فلق وشق - هو باختصار قناة مائية لها مصدر من فجـوة في مكان مرتفع في طبقة صخرية ومنها تمتد قناة مسافة أميال عديدة حتى تصل الى أرض قابلة للزراعة، فإذا كانت في مستوى سطح الأرض تقام قناة سطحية فإذا صادفت أرضا مرتفعة تم مدها عن طريق حفرها بأسلوب يدل على مهارة معمارية متقدمة أما اذا تطلب مدها المرور بأرض منخفضة عن مستواها أقيم لها جسر.

       والذي يهمنا هو الأسلوب الإداري الحضاري للأفلاج الناشئ عن ضرورة تعاون المستفيد من مياهها في ري أراضيهم الزراعية ومختلف الاستخدامات الأخرى .. فهناك ترتيبات دقيقة تنظم الأولوية في استعمال مياه الفلج والاستفادة منه وهكذا يتضح أن الفلج لعب دورا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا في تاريخ المجتمع العُـماني .. كان له أثره البارز في التوجيه الإداري بل في إيجاده من أجل الاتفاق على توزيع مياهه والالتزام بهذا الاتفاق والاحتكام الى سلطة ما عند وقوع خلاف حول هذا التوزيع.

       وهكذا نجد أن جغرافية عُـمان تقوم على أساس تفاعل الثنائيات .. البحر والبر .. والساحل والداخل، الجبل، والسهل، الواحات الخضراء والصحراء الصفراء .. فلا عجب أن كان هذا التفاعل هو محور التاريخ العُـماني.

       وتكمن عبقرية الإنسان العُـماني في التكيف مع هذه الثنائيات حينا وتطويعها لخدمته حينا آخر.