كــــاتــــبــات عــــربــــيــات فـي
اتـحــــــاد كــــتــاب مـصــر
الـنـــــهــج الـشـــــعــري الـمـــحـــــافـــــظ لا يــــزال
عـــلـى رســـــوخــه
النهار- بيروت
4 أكتوبر/ تشرين أول 2007
القاهرة/ فاطمة ناعوت
عقدت اللجنة الثقافية في
اتحاد كتاب مصر في القاهرة أخيرا أمسية شعرية حملت عنوان "مبدعات عربيات"، قدّمتها رئيسة اللجنة الثقافية في الاتحاد الشاعرة إيمان بكري،
التي نراهن كثيرا على احتفائها بالكاتبة المصرية التي تجاهلتها المؤسسة الرسمية
طويلا، واستهلت كلمتها بجملة شفيفة تقول: "دائما وراء هذا الزمن الصامت، تسمع أصواتٌ تعلن عن بدء الصلاة
في معبد الجمال والكلمة. الشعر روحٌ مقدسةٌ متجسدةٌ في ابتسامة تحيي القلب أو
تنهيدة تسري في العين مدامعها".
يتساءل المرء عن السر وراء
إصرار اللجان التابعة للمؤسسة الثقافية المصرية على تبني الاتجاه المحافظ السلفي،
إذا ما تعلق الأمر بالشعر حصريا، رغم أنها تنتصر للجديد
في الرواية والمسرح والفن التشكيلي والنحت وألوان الفنون الأخرى. حتى لجان الترجمة والفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية، شرعت
داخل المجلس الأعلى للثقافة تأخذ بالمدارس الجديدة وتنتصر لفكرة التطور والتطوير. وفي
حين نجد في بيروت مهرجانا "جسورا" يحمل عنوان قصيدة النثر، ونشهد في سوريا، كما في الأمس القريب،
الدورة الحادية عشرة لمهرجان "السنديان" الذي تصر فيه الشاعرة رشا عمران، ابنة الشاعر التفعيلي الراحل محمد عمران، على خلوصه وإخلاصه التام للقصيدة
الجديدة، نشهد قبل سنوات في المجلس الأعلى للثقافة ندوة عنوانها قصيدة النثر لم
يحضرها سوى رهط قليل بزعامة شيخ الشعراء المحافظين عبد الحليم عبد اللطيف الشهير بـ "أبو همام"، الذي هتف
قائلا: "نحتسب عند الله عمود الخليل"، ما أشعرني يومذاك أن الحرب دقّت طبولها وأن باب القاعة سوف يدكّ تحت
أقدام خيول وفرسان، وسوف تتكسر النصال على النصال. ثم شهدت القاهرة، الحزينة بسلفييها، مهرجانا قريبا في
شباط الماضي يحمل عنوان "مهرجان القاهرة الدولي
للشعر" لنجده وقد أقصى ثلاثة أجيال كاملة من
فردوسه، هي الأجيال التي تكتب القصيدة الجديدة! حتى أن
بعض الشعراء الشرفاء، من غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قاطعوا المهرجان وتركوا
أمكنتهم فوق المنصة فارغة، اعتراضا على ذلك الإقصاء وتلك الرجعية الأحادية البائدة.
ذرّاً للرماد في العيون جاءت لجنة الشعر في رئاسة الشاعر
أحمد عبد المعطي حجازي، بالفعلة الأكثر مكرا ودهاءً، من تمام الإقصاء المفضوح. إذ
جلبت نماذج قليلة لا تتجاوز الاثنين أو الثلاثة من شعراء النثر هم الأسوأ على
الإطلاق ولا يمثلون التجربة الموارة للقصيدة المصرية
الجديدة. فكأن لسان الحال يقول: انظروا، ها هي قصيدة النثر بكل هشاشتها وضعفها،
فكيف بالله لا نقصيها من دائرة الشعر! هكذا يكرّس حجازي مقولته الأجمل والأصدق،
ولكن في سياق آخر، حين قال في أحد أربعائياته الجميلة (موعد
كتابة مقاله الأسبوعي) في "الأهرام" "نحن أمة تنفق من ماضيها على حاضرها".
تفتنني هذه
العبارة وأستخدمها كثيرا لكن في سياقاتها الأكثر منطقية من وجهة نظري، في سياقها النهضوي التنويري، باكيةً على زمن قريب في أوائل القرن الماضي
كانت في مصر حرية فكرية رفيعة تسمح لكاتب بأن يكتب مقالا عنوانه "لماذا أنا ملحد؟" فيرد عليه كاتبٌ آخر بمقال
عنوانه "لماذا أنا مسلم؟"، من دون أن يطعن الأول بخنجر، أو يقيم
الثاني على الأول قضية حسبة. مصر ولا شك تنحدر سياسيا وثقافيا وفكريا، والأخطر نهضويا وتنويريا. لكن الأمر يختلف
في الكلام عن الشعر، إذ هو فن، والفن قوامه التمرد والاختلاف والخروج على السائد
منذ 1500 عام.
مثل هذه الأشياء العجائبية نجدها في مصر، درة الشرق، كل يوم. ولا أمل قريبا
يلوح في الأفق. أما شاعراتنا الكاتبات في أمسية اتحاد
الكتاب فغلب عليهن النزع المحافظ من عمود وتفعيلة. وربما
كان البطل الحقيقي لتلك الأمسية هو قصيدة العامية المصرية التي قدمتها الشاعرتان
المصريتان أمل عامر وسحر سامي التي زاوجت بين الدارجة المصرية والفصحى. تقول أمل
عامر: "على دقة ساعة الجامعة/ شايفاه بيمد/ وبيسبق
كل ساعات الكون في ثواني/ شايل أمله وحلمه وقلمه/ ف شنطة إيد/ وبينكش
بعينيه في الزحمة/ وبيسأل كل خيال بيعدي/
عن بنت جميلة/ غير كل بنات الدنيا/ في عينيها شروق الشمس/ وف ايدها
غير كل بنات الجامعة/ أوراق الغرفة 8/ والرباعيات".
وتقول سحر
سامي في وصف العازف: "هذا المرتجل نبوءاتٍ منهك/ ساقاه
الدنيا/ غارقةٌ في غي ما/ وصباحه سنبلةٌ/ تخرق قانون العادة/ أظافره المغروسة في
لحم الوقت/ تؤجج فيه حكايات / عن ساعات الرمل/ وعن أزمنة أسرع من خطف العين/ لطيف
غزالٍ مر." بينما قدمت السورية خديجة مكحلي قصائد عمودية "متينة البنية": "خمسٌ قضتْ وأنا ألوذ بحضن
فيئك من هجيري/ وأغادر الأسماء زائفةً واسمك في ضميري/ عذبٌ
عبيرك راح يسري في شعوري/ ويصب نشوته البهيجة لي فتأخذني إلى أقصى حبوري". ومن قصائد المصرية فادية مغيث نجتزئ: "إلى الذين استباحوا روعتي/ والذين اقتطفوا عمري وردةً فوردة/ ومشوا
فوق أهداب حلمي مرحا/ وسلّموا للتيه أغنيتي/ وعدا بما لم يأت قط/ برغمكم لم يبق لي/ سوى أن أمارس حقي/ في أن أظل أنا". أما الشاعرة نور نافع، التي قدمتها إيمان البكري بوصفها "أمنا وأم الشعر، فمصرية خمسينية تنحو قصائدها "العمودية" النحو الرومنطيقي والديني، فألقت
ثلاث قصائد، ثم قدمت عواطف الحسيني خواطر منها:
"ما
جدوى الدنيا بلا صديق صادق/ وما نعمة العيش بلا رأي سديد/ وصدق دافئ/ فللرفق
والصدق والنور/ أنا قنديل عاشق". والقت كاتبة هذه السطور قصيدتين.
أما الأجمل في تلك الأمسية فكان هبةً من الفرقة
الموسيقية "نجوم الليل" بقيادة المطرب عبد الرحمن
مرسي الذي أطرب الحضور بأغنيات لمحمد فوزي ووديع الصافي وسيد مكاوي وأم كلثوم
وكارم محمود. فكأنما غسل بصوته جرائم الشاعرات التي ارتكبت للتو في قاعة اتحاد
الكتاب.
ولئن
كانت فرحتي غامرة لأن اللجنة الثقافية بدأت أخيراً تنتعش وتعقد الندوات والأمسيات
بعد طول كسل، إلا أني أتمنى عليها أن تنظر حولها لتستمع الى
اجيال واعدة من الشعراء المصريين الجدد، احتفى بهم
العالم العربي كله، وتجاهلتهم بلادهم مصر!
فاطمة ناعوت
القاهرة