غادا فؤاد السمان:
المهرجان العربي للأغنية والصورة



جانب من الندوة المكرسة للعلاقة الموضوعية بين محتوى الأغنية والصورة



دعوة

إلى الأديبة غادة فؤاد السمان المحترمة

يسر هـيئة المهرجان العـربي للأغـنية والصورة دعوتـكم للمشاركة الشرفـية حسب مجالات اختصاصكم.

و سيحضر هذا المهرجان الذي من المنتـظر أن يـدوم أربعة أيـام من 22 إلى 25 ماي2003 عدد من الـفنانـين و المخرجـين المـشهـود لهم بالإبـداع فـي مجال الـفــيديو كليب إلى جانب بعـض الملحـنـين و كتاب الأغــنـية.

و من المـنتظر أيضا أن تـقام ضمن هذا المهرجان نـدوة لتأمـين علاقة موضوعـية بـين محتوى الأغـنية والشكل الذي يتم إخراجها به لتحقيق الانسجام الكامل بـينهما نظـرا لما تعـانيه أغـنية الفـيديو كـلـيب العربية من خلل واضح بـيـن هذين العنصرين.

و ستدرج ضمن هذا المـهرجان مـسابقة لمكافـأة أفـضـل إخـراج أغـنية مصورة من الأغاني المعروضة و سهرات فنية متنوعة و منوعات.

ونحن نتمنى أن تـتفضـلوا خلال هذا المهـرجان بالمساهمة في النـدوة الفـكرية المكرسـة للعلاقـة الموضوعـية بين الأغـنـية و الصورة, لما لـكم من معرفة في هذا المجـال حتى يستـفـيـد الحاضـرون مـن هـذه الـندوة و نخـرج منها بتـوجهـات تساعـد على تحقـيـق قفزة نوعـية في مجال الفيديو كليب.

نبقى على ذمتكم لترتيب كل الظروف الملائمة لاستضافتكم

ختاما نغتنم هذه الفرصة لنعرب لكم عن تمنياتنا بمزيد من التوفيق والسداد.

نرجو رقم هاتفكم الخاص .

رئيس المهرجان
الأسعد الغائب




الفنان يوسف شعبان يسلم الجائزة الأولى لممثل قناة فلسطين
أغنية مش هنسى إخراج معتز ابو سيف غناء مروان عكرماوي


متى اقتران الأغنية بالصورة على قاعدة الأصالة ؟

ثالحديث عن الحركة الفنية اليوم(*) محفوف بلا ريب بإشكاليات عديدة، نظراً الى ما تؤول اليه ظروف المنطقة العربية عامة، من سياسية واقتصادية واجتماعية.

إن اقتران الجملة الشعرية بالمشهدية الحركية ليس حديث العهد، وليس رهن التكنولوجيات الكثيفة الطارئة على حياتنا، اذ اتسم الشعر بالغنائية تبعاً لمناخاته وطقوسه وبيئته وأحواله، ودائماً كان الموروث الشعري على اتساق تام مع الموسقة والمتخيل في آن واحد، فالشعر رافق حياة الناس بدءاً من الترحال مروراً بالمعارك والحروب، انتهاءً بالمعابد. وتلك الأشكال تراوحت ما بين الحداء والتغبير والتهليل بلوغاً الى الرجز الذي انبثقت منه الألوان الموسيقية الموزونة والمتعددة التي سجلها الخليل ابن احمد الفراهيدي في ما بعد. ولم تكن هناك عبر هذه المراحل أي غربة بين ما تنسجه المخيلة كقماشة للصورة الشعرية، وما تجسّده تلك الصورة في واقع الناس وحياتهم. وظل هاجس الشاعر مسرحة الصورة الشعرية من خلال تعابير الوجه وحركات اليدين لتحرير الصورة من اللامحسوس الى المحسوس الذي وجد احتفاءً عميقاً لدى المتلقّي. ومع اقتران الموسيقى بالشعر وُلد نمط آخر للتعبير، فالايقاع الشعري يحرّك الروح، والايقاع الموسيقي يحرّك الجسد بلغة تعبيرية عميقة او ساذجة، وفق المنظومة الفكرية المشرفة على العلاقة الجدلية بين الشعور كمصدر، والحركة كترجمة وتأويل.


الفنان حسن مصطفى يسلم الجائزة الثانية لممثل التلفزيون السوري
أغنية أجراس بيت لحم لميادة بسليس أخراج باسل الخطيب

ولعل حاجة الانسان الملحة الى الافصاح عن مكنونات المخيلة ومكوناتها الحية جعلت الرواد يتسابقون على صنع المشهدية بتجارب مختلفة، بدأت بولادة المسرح الغنائي مع أبي خليل القباني في سوريا، ومع سيد درويش في مصر، ثم مع مسرح الرحابنة في لبنان. وعمل هؤلاء الرواد على ترجمة لغة الروح والفكر والوجدان والمخيلة في أمانة وصدق عبر مفردات الجسد وابجدية التعبير، سواء في التشخيص او الغناء او الرقص أيضاً.

ومع انبثاق الفن السينمائي، لعب التناص بين المتخيّل والمرئي دوراً جديداً في تفعيل مكونات الصورة والابهار، عبر اقحام العناصر الجديدة المركّبة لصناعة المشهد توثيقاً للعلاقة المنطقية بين الكلمة واللحن والصوت كثالوث متّسق لا يمكن الاخلال بأي من عناصره الفاعلة. وهكذا تجلّت الأعمال الدرامية في تناغم تام مع الاستعراض والحركة والصورة في مشهدية متكاملة استطاعت ان تصمد الى يومنا هذا، كأفلام أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأسمهان وليلى مراد وسواهم.

ومع تطور الصورة المرئية عرفت السينما مخرجين عمالقة امثال يوسف شاهين الذي اشتغل ايضاً على الأغنية وأحسن توظيف الدلالة كما في فيلم "عودة الابن الضال" مع ماجدة الرومي ذات الصوت والأداء المميزين، كذلك في فيلم "الآخر" حيث بلغت الفانتازيا المشهدية أرقى تجلياتها متمثّلة في الصورة الشعرية لآدم وحنان، وفي فيلم "سكوت حنصوّر" واغنية "تعرف تتكلم بلدي" التي أدّتها لطيفة التونسية في احساس عال وانسجام جميل مع لحن الموسيقار عمر خيرت. كذلك محمد منير في فيلم "المصير" الذي اوصل تعبيرية الإيقاع في رقص ليلى علوي الى أهم الأدوار التي لعبتها، ضمن مشهدية عميقة الدلالة بعيدة عن المجانية الايحائية والاسفاف.

قصدت في هذه العجالة البانورامية للصورة المرئية وعلاقتها الوطيدة بالأغنية، التمهيد للحديث عما يسمّى اليوم بـ"الفيديو كليب" الذي تتهافت الشركات على انتاجه الكمّي لا النوعي، في ترويج وتكريس للعبثية المشهدية التي لا نعرف الهدف منها إلا صرف النظر عن الجدية الفنية الهادفة، وثمة بلا ريب من يعمل على تهميشها، عبر استسهال مفجع في كتابة الأغنية وتسطيح هائل في محاكاة الذهنية وتخريب متعمّد للذائقة الانسانية، وكل ذلك نظير الكليشهات اللحنية التائهة عن علاماتها الموسيقية العربية الأصيلة، واعتماد القوالب الإيقاعية المستودرة والمستنسخة بعضها من البعض الآخر.

والمحزن ان العلاقة بين الصورة المتخيلة والصورة المرئية أضحت في عهدة مخرجين هواة او حتى طفيليين بحجة ان الاخراج مهنة متاحة للتجريب الحر، لا لعمل فني يعتمد على الابتكار والخلق وينشأ على قواعد وأسس وقيم ومسؤوليات اخلاقية والتزامات انسانية. غدا الفيديو كليب مجالاً شاسعاً لتوظيف عارضات الأزياء، أو حتى عارضات الأجساد اللواتي يتقنَّ "الخلاعة" وهن بعيداً كل البعد عن أي مخزون ثقافي أو معرفي لأولى أبجديات الجسد ولغته التعبيرية، فأصبحت الصورة مزاداً للمشاهد الغريزية البعيدة عن السجال الانساني الروحي الخلاق والنبيل.


جانب من المشاركين في المهرجان

تبقى منصّة المسرح هي الحكم الفاصل بين الدخيل والأصيل، فالمطرب محمد عبده مثلاً لم يقترب من عالم الصورة المركّبة، ومع ذلك هو فنان العرب المتجدد والمتجذّر في ذهن المتلقّي سواءً على المسرح أو على الشاشة الصغيرة. كذلك الفنان المميز صاحب الخامة الصوتية النادرة أبو بكر سالم بالفقيه، لم يدخل الفيديو كليب وظلّ سيد المنصّة. كما لا يخفى تمكن الفنان لطفي بشناق من المساحات الصوتية والعرُب الاصيلة التي تتيح للمتلقّي ان يمضي معها عميقاً في مداخل الصوت ومخارج الحروف التي يتقن اداءها أيّما إتقان، أيضاً الفنان القدير صاحب الصوت الجبلي الرخيم والمتعدد المقام وديع الصافي، والمطرب المجلي صباح فخري وعلي الحجار ووردة الجزائرية وميادة الحناوي... جميع هؤلاء استطاعوا ان يحافظوا على هيبة حضورهم خارج الفيديو كليب بجودة العطاء وحسن اختيار الكلمة الشعرية، والجملة اللحنية.

هل تشفع قلّة الخبرة بتراكم هذا الفيض من الفيديو كليب الهادفة الى... لا شيء؟

هل يضمن هذا التراكم الهابط في غالبيته الخروج من الدائرة العبثية المحكمة؟

هل يمكن الفن الأصيل ان يسطع من جديد؟

حتى يصحو الجميع من بلادة الحاضر تبقى الجدارة والجدية أمانة في يد صنّاع الفن الحقيقيين.

غادا فؤاد السمان

(*) ألقيت هذه الكلمة في الدورة التأسيسية لـ"المهرجان العربي للأغنية والصورة" في تونس وشارك فيها عدد من الموسيقيين والفنانين والشعراء والمثقفين العرب.

نشرت في "النـّهار"، 9 حزيران 2003

مجلة "الشاهد" تغطي المهرجان



معـــارج الـــروح:
فاتحة للبوح | مرآة شخصيـّة | حوارات ولقاءات | إسرائيليات بأقلام عربية | قصائد ونصوص | كشـّافات وشهادات | أغلفة الرّوح | مقامات وأحوال | خربشات على جدار الوقت | ركن النميمة | طي الوجدان | تواصل | روافد | بريد إلكتروني