غادا فؤاد السمان: "عـكـاظ" تـحـاور غـادا ![]() الشاعرة السورية غادا السمان هي بالتأكيد غير الروائية غادة السمان . أرادت في كتابها "إ سرائيليات بأ قلام عربية" تحريك مستنقع النقد الأدبي بكتاب يهزّ العالم العربي وقد نجحت في مرامها إلى حدّ كبير. النقطة الأساسية التي أرادت إثباتها أن المسلّمات في الساحة الثقافية يمكن مناقشتها إن لم يكن بالإمكان دحضها، وأنّ الرموز الثقافية العربية في الرواية والشعر ؛ ليســت خارج المساءلة. وفي هذا الإطار بالذات تعرضت السمان لحملة شعواء ركّز فيها على الجانب الشخصي للكاتبة لا على النقد الموضوعي في الكتاب نفسـه . "عكاظ" التقت الكاتبة وأجرت هذا الحوار المطول حول الإشكاليات التي يطرحها الكتاب الذي لقي رواجا واسعا في معرض الكتاب العربي في بيروت 2001. مقاطع من الحوار : | يلاحظ تراجع مستوى النقد في السـاحة الثقافية العربية لحسـاب الاتباع والتقليد، ربما هذا ما دفعك إلى تأليف كتاب "إ سرائيليات بأقلام عربية"؟! لا أ ستطيع القول إنني قد قمت بمسح شامل للسـاحة النقدية، لكن يسوؤني أن تدخل الذهنية العربية هذا النوع من الركود والجمود والتسليم المطلق والمباركة لكثير من المعطيات والمفاهيم، غير القابلة للتغيير والمناقشـة أو المداولة والمقاربة والمحاكاة والمساجلة. على كل حامل قلم بتقديري أن يكون لديه هاجس ما، وأنا من خلال الهاجس الذي تشكّل لدي انطلقت، وأبحت لنفسـي الخوض في تســاؤلات طالت أسماء عدة لكن من الواضح كذلك، أن القارئ اعتاد ثبوتية تامّة للمسلمات الأدبية والفكرية في حين أن الأدب لا يمكن أ ن يتحوّل إلى مسلمات، وعندئذ يدخل مرحلة الخطر، بمعنى آخر، إن الأدب غير القابل للجد لهو أدب بائس و "منتهي الصلاحيّة". على الأدب أن يظل مجالا حيويا للتحفيز والتأ ثير والفاعلية والتفاعل والتحريض. أنا كائن أتيح له معاصرة أكثر من مرحلة ثقافية، وجيلنا تحديدا جيل مفصلي ما بين المرحلة الكلاسيكية ومرحلة الحداثوية. الأولى مرحلة الاندفاع والتحدي والثورة والتمرد والتأجيج، الثانية مرحلة اللامبالاة والسريالية والرمزية والتخلّي، لم تترك في أ دبها صدى للواقع، بل قبع معظم الأدباء في إسار "الدوغمائيات". حتى الأحزاب التي لعبت دورا ما، في مراحل معينة، اليوم توقف دورها تماما. وهذا وحده مدعاة للتساؤل وكفيل بالتأمّل والمحاكاة. | قد يقول قائل إن المثقفين والأدباء الذين عاصروا الفترة الذهبية لزمن الإيديولوجيات قد تخلّوا عن دوغمائيتهم بعد زوال عصر الإيديولوجيات وغيرواأفكارهم وجددوها فيما أنت تسيرين عكس التيار، كيف ذلك؟ لست شخصيا مع القفزات النوعية وأنا مع السير قدما، لكن عليّ أولا أن أتعرّف طبيعة الأرض التي أ قف عليها كيما تكون ثابتة ومتماسكة وآمنة إلى حدّ بعيد، وهؤلاء الذين تماشوا مع إيديولوجيات معينة وكانت لهم جماهير واسعة وعريضة، تغيروا فجأة وتخلّوا عن إيديولوجياتهم التي أ هّلتهم أ صلا للانصهار والانتشار،وسؤالي الكبير هنا، لصالح من تمّ هذا التغيير في التداول، والتجديد في المنهج؟ أنا لست مع الإيديولوجيات المطلقة ولا أدافع عنها أيا كانت، ولكني أدافع عن رواسب المعاني الكبيرة التي تركت جذورها في ذهنيتي، وشكلت شخصيتي على مبادئ وأسس وقيم ومفاهيم أهمها الهوية، إذا أنا أرفع الصوت دفاعا عن شخصيتي وهويتي وكياني. في كتابي "إسرائيليات بأقلام عربية" تكلمت عن رموز ثقافية، نعم … ولكن عندما أتبع وأثق وأومن بهذا المثقف أو ذاك، فأنا أفعل ذلك مختارة لا مجبرة، عاشقة لا مهووسة، واعية لا منقادة. محمود درويش شاعر كبير لا يختلف حوله اثنان، لكنّه لم يعد شاعرا فقط ، بل هو صاحب موقف وقضية وعناوين عريضة تشكّلت إزاءها شريحة كبرى من القرّاء والمتلقين والمفتونين ، وربما كنت واحدة من هؤلاء جميعا. ولكن عندما توغلت إلى حدّ ما في قراءة محمود درويش في مشتمله العام كشاعر موقف، وجدت مفارقات كبيرة أصابتني بخلل ما، لإطلاق مشاعر معينة تجاه شاعر معيّن، هذا التضارب دفعني للاستيضاح أكثر، حيث لم يكن أمامي سوى لقاءات صحفية ومجموعات شعرية وكتاب الرسائل بينه وبين سميح القاسم والكثير والكثير من الكتب النقدية التي لا تعرف سوى الإطناب بشاعر غير قابل للجدل . وهكذا أقمت نوعـًا من التحليل والتفكيك والربط ، ووجدت أن هذا الكائن الموغل في ذاكرتي وصميم الملايين ، هو شخصية غير قابضة على ماهيتها، فمن هي تلك الشخصية في حقيقة وجودها؟ وهكذا حاولت أن أجمع معالم هذه الشخصية ومعالمها من خلال المادة المطروحة. | محمود درويش برأيك يعاني من التباس الهوية أم هو قلق وجوديا، أم أنّه مثقّف محبط وليس شاعر مقاومة مثلا، بل شاعر تطبيع؟ لا أستطيع إطلاق الأحكام بشكل قاطع.كل ما هنالك أنني طرحت مجموعة من التساؤلات، إذ من الخطأ الادعاء أن أحدا قادر على اكتناه الحقيقة ككل،وأنا لا زلت باحثة من باب المجازفة أولا، ومن باب المغامرة أخيرا. والمغامرة عندي تكمن في أ همية استنباط الحقيقة . لا أستطيع القول إن درويش شاعر محبط ، وأشك أن الواقع قد فعل فعله في شعر درويش وكذلك الأمر بالنسبة للمعطيات السياسيّة والإيديولوجية. أنا باختصار أحاول إقامة حوار متبادل من منظار ومنظور ذاتي له آ راؤه ورؤاه وقناعاته مع شخصية هي محل استقطاب الجميع، ومن هذا المنطلق أ بحث وأستقصي. همّ المثقّف الأول والمشروع برأيي مد جسور الحوار، وعلى عاتقه أن يكون مثيرًا لجدل ما، أو باعثا لحوار مفتوح بشكل أو بآخر، أو محرضا لتناول قضية محورية هامّة تتعلّق في الشأن العام تطرح على نطاق واسع . ولا أستطيع أن أفهم تماما لماذا استهجن معظم المثقفين فكرة إنشاء حوار مع شخصية محمود درويش، بالأحرى شخصيات محمود درويش، فالشاعر بتصوري ليس شخصية واحدة، كما أ قول عن نفسي إنني مجموعة من النساء، لكن لا بدّ من أن يرتفع صوت شخصية على حساب الشخصيات الأخرى. وهذا هو بالضبط ما حاولته مع محمود درويش، عندما رحت أ بحث عن الصوت الأعلى من بين الشخصيات المتراكمة التي تقع تحت عباءة الشاعر، وهذا دليل عافية فعلا ، لأن درويش كائن إبداعي بكل ما للكلمة من معنى، وتفاوت الشخصيات وتعددها وتمازجها وتناقضها كل ذلك يدل على تركيبة الشخصية الإبداعية الوافية. لكن كان ثمّة صوت يعلو على مجموع هذه الكائنات والشخصيات، بشخصية تتيح المسايرة والمهادنة لمغتصب الأرض ، شخصية تقف على الضفة الأخرى من موضوع الصراع الوجودي العربي الصهيوني، شخصية تحاور المثقف الصهيوني وتجيز التفاهم والتفهّم والفهم معه. | في مرحلة ما قبل نكسة 1967 كان هناك عرب منسيون، هم عرب إسرائيل وينظر إليهم بعين الشك وبدأنا باكتشافهم بعد ذلك، حتى فوجئنا أخيرا بالانتفاضة الحالية أنّهم فلسطينيون حقا، ألا يعتبر محمود درويش وسميح القاسم وسواهما من الأدباء الفلسطينيين جزءا من المفارقة والالتباس في الواقع أولا، ونوعا من الخصوصيّة ثانيا؟ لعلني لم أ بحث في حيثيات هذا الواقع ومعطياته، بل توفر لديّ النص الذي عملت عليه، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الضغوط التي عانى منها عرب 1948 هي عينها التي يعاني منها عرب الأرض المحتلة أ جمعين اليوم، وإذا كانت الضغوط الداخلية مدعاة لحمل الهوية الاسرائيلية، فلن تكون مدعاة لتصالح المثقف مع جزاره، وتسامح الضحية مع جلادها، هكذا أرى وهكذا أ فهم ، وهكذا بنيت النص النقدي، وهكذا خطّـأني الآخرون وهكذا أخطّىء الآخرين، إنها دوامة الواقع التي تغرقنا جميعا، مثقفين ، مفكرين ، مناضلين ، مساومين ومدّعين كذلك . مقطع من حوار طويل أ جراه هشام عليوان جريدة "عكاظ" السعودية 15 / 6 / 2002 ![]() معـــارج الـــروح: فاتحة للبوح | مرآة شخصيـّة | حوارات ولقاءات | إسرائيليات بأقلام عربية | قصائد ونصوص | كشـّافات وشهادات | أغلفة الرّوح | مقامات وأحوال | خربشات على جدار الوقت | ركن النميمة | طي الوجدان | تواصل | روافد | بريد إلكتروني |