غادا فؤاد السمان:
صـالـون الإذاعـة الـلـّبـنـانـيـّة




إعداد وتقديم : عصام العبد الله

عنوان الحلقة : ندوة حول أدب الشاعرة غادا فؤاد السمان
الضيوف المشاركون : د. مروان فارس ، الشاعر شوقي بزيع ، الشاعر عصام العبدالله ، الشاعرة غادا فؤاد السمان

مقتطفات من حوار طويل مفتوح



شوقي بزيع :

تختلف غادا فؤاد السمان الشاعرة والإنسانة ، اختلافا نوعيا حيث تمتلك لغتها الخاصّة ، وتوجهاتها المفاجِئة ، ورؤيتها الشاملة المتضمّنة لكل العلاقات الإنسانية التي يأتي في مقدمتها الحب ، حيث يكمن عنصر المفارقة بشكل واضح ملحوظ وجريء من حيث تكوين الجملة أو توالي الصورة الشعرية ، فدائما الجملة الشعرية عند غادا جملة مركّبة مختلفة عمّا عهدناه في اللغة الشعرية ، والصورة تأتينا من حيث لا نتوقّع ، مثلا عندما تقول : / أيلول طفل راشد بشيب مستعار / جملة مركّبة قائمة على الاستعارات ، أو عندما تقول : / أكداس الأمنيات / أو : / مسلخ الرحمة / ، دائما غادا تصنع الحلم وتكسره ، تتكلّم عن الخير وتباغته بالشرّ ، بلغة "بودليريّة" مستمدة من قسوة العالم الخارجي ، الذي يبدو جليا بقصيدة غادا ربما لشدة شفافيتها ، وقدرتها على قراءة الواقع قراءة علنية بعيدة عن التصنيع والتغليف والتحايل . أيضا ثمّة ميزة في نصّ غادا حيث يبدأ عندما ننتهي من قراءته ، كأن تقول : / فراغ يملأ المكان وفردتي الحذاء / قامة فارعة ملأت الحذاء وظلّ المكان قفرا / فبعد القول : ظلّ المكان قفرا / تبدأ القصيدة ، حيث تترسّب عند القارئ طعم السخرية الفاجعة ، وهنا تبدأ الإحالة الشعرية والمشهدية في المخيلة حيث تستيقظ المخيلة على المفارقة التي وضعتها غادا تحت طائلة "المضحك المبكي" ومضت ، أيضا أستطيع القول أنني في معظم ما قرأت لغادا أجد دائما ما يمكن تسميته "الحكمة المضادة" بمعنى نقد الوضع الاجتماعي وإعلان الفوضى على ما هو سائد ، بتلغيم الحكمة ، وتفجير البالي من العلاقات الممجوجة ، لبلوغ المنطق اللامأهول ، واللامألوف وهذا بالطبع ناجم عن جرأة عالية ليس من السهل أن نتعرفها بشخصية عادية ، كما عودتنا غادا أن نتوقّع منها أكثر من المتوقّع في وقت سادت فيه الكثير من علاقات التدليس الاجتماعي ، والنفاق الإنساني الرهيب . بتحدي كل القيم الإجتماعية التي تتصدى لها غادا بلغة مغايرة ، أشبه بمرآة لا يسع المتلقي إلا أن يرى فيها كامل ملامحه ، أو معظمها على الأقل . المدهش في نصّ غادا الذي يغيب عنه الوزن والقافية التقليديين ، براعتها في إقامة توازنات بين المقاطع وبين الجمل ، حيث تقسّم النصّ ، تقسيما صوتيّا ، يحمل إلى جانب الدلالة الشعرية ، إيقاعيته الخاصّة ، بحيث تتوفّر عبر المقاطع ، ذات الشحنات التعبيرية ، بنفس الدفق الشعري ، ونفس الإنسياب ، سواء كان انسيابا بطيئا ، أو سريعا ، كما تتمتّع قصيدة غادا بضربة ختامية موفقة ، وأحيانا تحيل القصيدة إلى ماقبلها ، وأحيانا إلى مايليها ، وبهذه البراعة البنائية الهندسية نجد أن القصيدة الحداثوية عند غادا قصيدة مختلفة في المبنى الشعري ، والمعنى الشعوري ، قياسا للتجارب الحداثوية الأخرى . ومن هنا استطيع القول بجدارة أن غادا شاعرة حقيقية ، لتجربة شعرية شرعية ومشروعة . ولا أخفي أنه بوسعي قول الكثير في هذه التجربة ولكن ضيق المقام ، يجعلني أكتفي بأهم النقاط التي ذكرتها ، واستوقفتني فعلا.



عصام العبد الله :

غادا فؤاد السمان الصديقة والشاعرة بمناسبة حضورك معنا ينعقد صالون الإذاعة اللبنانية ويسرّني أيضا أنه يشاركنا هذا اللقاء الدكتور مروان فارس والشاعر الصديق شوقي بزيع ، ليكونا شاهدي ثقة على هذه الشاعرة الهاجمة علينا بكل موهبتها وجرأتها واندفاعها اللي الله يستر ، برأيي غادا فؤاد السمان لا تحب ، فقط هي تقوم بنصب أفخاخ من لغة جذابة ، ومخيلة جريئة قادرة على الإيحاء للتغيير ، والعطاء للسلب ، كأن تعطي الصورة المتناقضة للحياة ، لتسلب الرجل كل تناقضاته ، غادا هذه الصبية الجميلة التي تكتنز مخيلتها بالجمال ، وترتدي دائما كل ما هو جميل ، نجدها باستمرار تحاول أن تتحلّى بالقبح عندما تعلن في وجهنا جميعا ودون مهابة أننا على قدر هائل من الخطأ والزلل والهفوات ، من لغتها ودلالة السياق الذي ألفناه عند غادا في شاعرية غير مألوفة نستطيع الجزم أن غادا لا تحب ، ومع ذلك عندما تفاجئنا في النهاية لا نستطيع إلا أن نصدّق تماما كل مارمتنا به ، لأنها عندما تقول حبيبي ، تكون قد اختصرت أبجدية الحب في كلمة واحدة ، وذلك عندما تتعادل الجرأة والصدق في كفتين كفيلتين بالتوازن التام ، لفرط الدقّة في المعايير الشعورية ، والتعابير الشعرية . أقل ما تسكبه غادا على الرجل هو اللعنة، وكأن الحب عند غادا قد أصبح من الخطورة بمكان أنه يتجاوز كل ما قيل في الرجل ، من تحليل موضوعي ، لتعلن غادا ببساطة وجرأة كامل ضجرها من هذا المركّب لتنعقد الدائرة على كلمتها هي ، كمقولة أخيرة بحقّه بالقول : أحبّك لكن بعد أن تتكفّل غادا بصياغته من جديد ، وذلك بمنتهى الدراية والخبرة والمعرفة ، وهكذا يمكن القول أن قصيدة غادا نشيد ضدّ الرجل لأنها تحبّه ، بمعنى أنه نشيد لتجديد الرجل حتى تحبّه . كأنها غادا لا تحب أحدا حتى يكون ضد ذاته ، وضدّ ذاتها إن أحبّته كما هو ، واكتمال الضدّية هنا يعمّق جدلية الحب عند غادا ويشكّلها .



د. مروان فارس :

ليست هذه هي المرّة الأولى التي سأتحدّث عن تجربة غادة فؤاد السمان الشعرية فقد سبق لي أن قدمت غادا في مهرجان الشاعرات بمدينة جبيل ، وأيضا كتبت عن تجربتها في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية ، كذلك تحدثت عنها في مداخلة نقدية في / مجلس الفكر لمؤسسة حنينا أبي نادر الثقافية / وكان لي مداخلة نقدية عبر إذاعة "صوت لبنان" مع الشاعر هنري زغيب وجورج مغامس ، ولعلّ هذه السلسلة النقدية التي شاركت فيها حول تجربة غادا فؤاد السمّان إن صحّ التعبير ، إذا دلّت على شيء ، فإنّما تدل على وقع شعر غادا عند المتلقّي عموما وعندي خصوصا ، فجملة غادا الشعرية تعتمد على السياق الفلسفي ، سابقا تعاطيت بمفهوم الزمن عند / جبران خليل جبران / وبيّنت في كتابي / علم الإبداع / أن جبران غير متصوّف ، يعني عكس ما يشاع ، بمعنى أن الحب هو الذي يلغي الأشياء والوقت ، وهنا يبدأ التناص المفهومي ، حيث أن الحب عند غادا يجب وضعه في هذا السياق المفهومي ، الذي يتجسّد في النصّ الشعري ، والمخيلة عند غادا نسبية تعتمد على نسبية انشتاين ، حيث تضع الشعر في المكان واللامكان الشعري . تحاول أن تعوّض فراغ الكون بكينونتها هي ، والفراغ بمنظور غادا هو فراغ شامل ، لاينوب عنه سوى الإمتلاء الكامل ، الإمتلاء المطلق ، الإمتلاء بالحب لرجل يستعصي على غادا التسليم بوجوده من غير اشتغالها على كيانيّته جملة وتفصيلا ، لعلّنا نُفاجىء بمنطق غادا ، وندهش لرؤيتها ، واستطاعتها الضارية في وضع الرجل ، أو الآخر عموما أمام مرآة الذات ، على طاولة التشريح ، ولكننا دون ريب نسلّم إلى هذه الموهبة المختلفة في قراءتها ، وإحداثياتها الشعرية ، وهندستها اللغوية وبنائيتها الحكمية ، الناجمة عن صدق ، وعمق ، وسبر ، وجرأة . الحديث عن تجربة غادا لاينتهي في ندوة ، أو صفحة نقدية ، بل يحتاج إلى الوقوف على قاموسها الشعري كاملا ، وأسلوبها الكتابي ، للقبض على جذور هذه الموهبة ، الضاربة في أعماق الوجود الإنساني الذي يتخطّى الزمان والمكان ، ليبتدع تاريخه منفردا بكل الأضداد الممكنة .



معـــارج الـــروح:
فاتحة للبوح | مرآة شخصيـّة | حوارات ولقاءات | إسرائيليات بأقلام عربية | قصائد ونصوص | كشـّافات وشهادات | أغلفة الرّوح | مقامات وأحوال | خربشات على جدار الوقت | ركن النميمة | طي الوجدان | تواصل | روافد | بريد إلكتروني