غادا فؤاد السمان:
جريدة "الصـّحافة" التـّونسيـّة تحاور غادا




| توجد أحيانا نصوص جيده دون أسماء مهمّة ، وتُحدث الأسماء ضجّة دون نصّ جيد: فهل هي أزمة نقد أم أزمة تواصل ؟

بتقديري هي أزمة ضوء ، وأزمة انبهار ، وأزمة مواقع ، وأزمة وقائع ، وأزمة قراءة لحقيقة " الفاعل من المفعول " ، الناسخ من الممسوخ ، الغثّ من الثمين .. كل ذلك برأيي يتحكّم بزمامه ثلّة ممن كرّستهم المنابر بالصدفة ، وكبّرتهم الأقلام بحكم الإعلام ، الذي يؤثر المراوغة على الحقيقة ، والزيف على الأصالة ، ناهيك عن التدليس الثقافي المتفشّي بلا هوادة بين سراديب وشرايين الإعلام ودهاليزه وأزلامه وميليشياته .

| ونحن مأخوذون بهوس العولمة هل يمكن الحديث عن جيل مبدع يغرّد خارج السرب محاولا ترميم المشهد الأدبي ؟

ليس لديّ أدنى شكّ بأنّه في غياهب الرؤى التشاؤمية التي نشهد تفاقمها ، لا بد ثمّة كائن جديد يتشكّل بصمت ، وهو شبيه بالعنقاء الخرافية التي تنتصر دائما على كامل انكساراتها وعلى كل الخراب القائم ، ثمّة أصوات خبيئة تعي الحقيقة جيدا .. كما أنّه ورثه لمناضلين ستتشكّل أيضا من طين المراحل القادمة ، فلن يتوارى سعد زغلول تحت التراب إلى أبد النسيان ، ولن ينتهي تاريخ سلطان باشا الأطرش ، فالتاريخ يعيد نفسه دون ريب ، ولن يخمد وهج أبو القاسم الشّابي وحافظ ابراهيم ، والمتنبّي نهائيا ، لكل هؤلاء أجيال سيتناسلها الزمن ولو بعد حين .

| كتابك الأخير " إسرائيليات بأقلام عربية " يعتبر محاولة لمحاولة ألم الفضح ، ونبش الأشياء المحظورة بدفق لغوي تمتزج فيه انفعالاتك الخاصّة ، وأنت تحتضنين همّ الحقيقة لحظة تأويل نصوص تأسيسية لأسماء كبيرة ذات مرجعيه ، كيف يمكن أن تصف غادا هذا التوتر اللغوي ، وهذا القلق الغاضب ، وهي تعي رهانات الكتابة في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأمة العربية ؟

بتقديري أهمية الكاتب أن يكون موضوعا لإشكالية يتداولها المتلقّي والناقد على حدّ سواء .. وفي كتابي هذا حاولت أن أنتزع الحقيقة من براثن التمويه والمواربة ، حاولت أن انزع الأقنعة عن وجوه تحمل ملامح ملتبسة مغلـّفة بالسولوفان الفاخر المبهر حاولت أن نصوصا لاشكّ ستكون مطلبا لجيل قادم ، وكمتلقيّة أولا ، وأحب أن أشير هنا أنني لا أدعي حرفنة النقد واحترافه ، فقط أقلقني أن يُشار إلى المخادعة باسم الشرعيه ، وأن يحلل التبرير لأصحاب الوهج الذين سطعوا باسمنا ، وباسم لهفتنا ، وباسم مصادقتنا على مشروعيتهم للسير قدما فوق أكتافنا ومناكبنا وأفئدتنا ، مستثمرين كامل الدم النازف ، وجل الأرواح المهدورة ، ووجدت لنفسي أحقيّة الصراخ باسم الجراح التي لن تندمل في يوم من الأيام ، طالما لدينا ذاكره نشطه لا نرهقها بالمهدآت والمبررات والأحابيل . في كتابي / إسرائيليات / حاولت أن أتصدّى للخديعة ، وأعلنت موقفي كما هو سافرا قفازات .. لي قناعاتي ورؤيتي وبراهيني ، التي أدنت فيها بعض النصوص التي تنتمي لأصحابها وليس العكس ، ومن أفواههم أدنتهم ، وإدانتهم لم تكن تهكما أو تجنيا اعتباطيا ، ومن كان لديه أدنى شك في كل ما أعلنته فليقرأ كتابي جيدا وليكن لديه الجرأة لمواجهة النصّ بالنصّ ، بموضوعية ومصداقية واحترام الذات ، وليبتعد عن روح التبعيّة والاستزلام والمصادرة وليحسن متابعة الخيط الذي يوصل إلى الحقيقة التي لا يمكن التغاضي عنها مهما طال السُبات ، ومهما تفاقم النفاق ، وتفشّت أوبئة المصالح المشينة والمحسوبيات المشبوهة.

| ألا تعتقدين بأنّك تنسفين وتشوهين رموزا لا يغفر لك القارئ التشكيك في مصداقيتها ومصداقية نصوصها ، أو حتّى في أحقيتها في الريادة بتأسيس النص الأدبي الحديث ، مهما كانت مبرراتك وبراهينك ؟

عندما تشتم رائحة نتن من نصّ ما ، لا يكفي أن تنحيه عنك جانبا ، فربّ متلقّ آخر لا يميّز جيدا ، وربّما عاث فساد النص في رؤيته فسادا مشابها ، ألسنا جميعا نشهد بأمّ العين تلوّث الذائقة وخرابها الذي طال شتّى الميادين في حياتنا وعمومها وخصوصها فنيّة كانت أم سياسية أم اقتصادية أم اجتماعيّة ، فلماذا سنعتقد أن الثقافة مصانة بعيدا عن التلوّث العام ؟ لعلّ الرموز صنعتها سلبيتنا عندما أتقنّا حسّ التلقّي والتسليم ، وأهملنا دور المراجعة ، والتدقيق ، والمساءلة ، والمناورة ، والمحاكاة ، والمساجلة ، لأي نصّ كان ، دون الوقوع تحت رُهاب الاسم والهالة والترويج .. كل ذلك بتقديري من بديهيات العقل وفاعليته وتفاعله ، ومن أدوات المعرفة البدائية جدا التي تبدأ بالشكّ حتى تصل إلى الحقيقة . لقد أحسن الرموز استثمار الكلمة وتمادوا في صنع المشهد اللائق الذي يناسبهم ويكرسهم ويبرزهم ويعززهم ، واستطاعوا بجدارة أن يستجرّوا المتلقي بأحسن طرق الغواية لبضاعة ثمنها دمنا ودموعنا وانكساراتنا ، هي إذن وباختصار شديد تجارب عرفت كيف تعيد تشكيل وتلوين هزائمنا .. بعبارة أخرى : هي خبرت اللعبة جيدا ومنها جنت نشوة الانتصار ، انتصار "الهالة" على حساب "انكسار الحلم" ، حلم الكبرياء ، حلم الحرية ، حلم التحرر، حلم الكرامة .. ومهما كان فارق التجربة بيني وبين / الرمز / هذا أو تلك ، فإني لا أخجل من وضع إصبعي في موطن الجرح ، لتسمية الأشياء بمسمياتها بعيدا عن التزيين ، و" التجيز " . "إسرائيليات بأقلام عربية" كتاب أردته خضّة أو نعرة لتيقظ المتلقّي وإيقاظه ، كتاب أردته عاصفة تهبّ على كل المسلمات المتكلسة وتكنسها ، علـّه يعي معي أهمية إعادة النظر بإمعان ، لإدراك حقيقة النصّ والرؤية ، ومصداقية النيّات المبيّتة .

| لكتابك ، لرؤيتك ، لحضورك أصداء شتّى .. ماذا يمكن أن تقول الشاعرة غادا فؤاد السمان في كلمات وهي تكرّم في تونس ؟

لأن تونس مهد الحضارة ، وبوابة عبور كبار المبدعين إلى العلا ، فلا شكّ أنه كان لي شرف هذه المناسبة التي سأعيش على أثرها طويلا بعيدا عن مستلزمات الإحباط الاعتيادية وضغوط الواقع الباهظة أحيانا . زوادتي كبيرة من هذه المدينة العريقة " صفاقس " وقد سوّرتني وزيّنتني ببعض جمالها وحميميتها ولهفتها وجديتها ورونقها وبريقها ومثقفيها والقيمين على هذا اللقاء الجميل. حزينة لأمر واحد هو أنّ ذراعيّ قصيرتان لعناقها كلّها .. تكريم تونس لي لؤلؤة أضفتها للعقد الذي بوسعي أن أباهي به من سلسلة ما أكرمني به القدر يوما بعد يوم . وتكريم مدينة صفاقس لي هو تاج " أليسار " أعود به إلى مهدها الأول بيروت ، وعشاقها في دمشق .. شكرا لكم ، لهذا الصدق الكبير الذي غمرني بجدارة . وأحسد كتابي عني لأنـّه ضاهى اهتمامكم بي ، اهتمامكم الباهي به .

مقاطع من حوار طويل أجراه الشاعر نعمان الفخفاخ
جريدة "الصحافة" التونسية ، 10 / 3 / 2002



معـــارج الـــروح:
فاتحة للبوح | مرآة شخصيـّة | حوارات ولقاءات | إسرائيليات بأقلام عربية | قصائد ونصوص | كشـّافات وشهادات | أغلفة الرّوح | مقامات وأحوال | خربشات على جدار الوقت | ركن النميمة | طي الوجدان | تواصل | روافد | بريد إلكتروني