تعليقات على الحديث المحمدي

سلسلة الهداية

الجزء السادس

مقدمة

قبل أن نبدأ:

هذا الكتاب صدمة لكل من يُمسك به.

صدمة: لمن يقرأ عنوانه.

صدمة: لمن يقرأ مادته، مسيحياً كان أم مسلماً.

لمن يقرأ عنوانه: فهل تحتاج الأحاديث إلى تعليق؟ وهل يمكن أن يقدم هذا الكتاب أي جديد؟ وهل يمكن أن يقبل المسلم أن يناقش مسيحي أساس معتقداته؟ أما المسيحي فسيسأل: ما حاجتنا إلى دراسة الحديث؟ لماذا لا تقدمون لنا كتباً في العقيدة المسيحية؟

هل يقبل المسلمون هذا الكلام؟

ولكني أدعو المسلم والمسيحي معاً ليقرءوا هذا الكتاب ويتأملوا محتوياته، ويختلفوا معاً إذا لزم الأمر.

ولكن هناك توضيح لابد أن نقدمه للقراء من مسلمين ومسيحيين. لماذا هذا الكتاب؟ فإذا كنا لا نؤمن بكل ما جاء في كتب الحديث الإسلامي أو بعضه، فلماذا نكتب عنه؟ الإجابة: إنه ليس من مصلحتنا أن نصم آذاننا عما يقوله الآخرون، ولا أن نهمس بما نؤمن به لكي لا يسمعه غيرنا. وهذه الدعوة نقدمها لكل باحث أمين. هي دعوة للحوار الحر غير المتعصب، دعوة للبحث من جديد في كل ما نؤمن به، فالشك أول خطوات اليقين. وإذا كان المسلمون يعلنون أنهم يدينون بدين العقل والمنطق، فإن العقل لا يرفض الحوار، والمنطق لا يرضى بدفن الرأس في الرمال. وإذا كان المسيحيون يعلنون أنهم يدينون بدين الحب فإن الْمَحَبَّةَ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لَا تَحْسِدُ. اَلْمَحَبَّةُ لَا تَتَفَاخَرُ، وَلَا تَنْتَفِخُ، وَلَا تُقَبِّحُ، وَلَا تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلَا تَحْتَدُّ، وَلَا تَظُنُّ السُّؤَ، وَلَا تَفْرَحُ بِالْإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ (1كو 13: 4-6 فلنقرأ هذا الكتاب، ولنتعمق في التفكير في ما جاء به، سواء اتفقنا مع ما جاء به أو اختلفنا معه، فالحقيقة بنت البحث، والبحث ابن القراءة.

وقد قسمنا هذا الباب إلى أربعة أجزاء: أولاً: المقدمة، وهي تعريف عام بالحديث والسنَّة. ثانياً: تعليقات على بعض الأحاديث. ثالثاً: شخصية المسيح في الحديث. رابعاً: من غريب الحديث الصحيح.

منهج البحث:

اخترنا في بحثنا هذا ألّا نكتب إلا ما يعترف به المسلمون، ما عدا بعض الأحاديث الموضوعة عن شخصية المسيح التي ذكرناها لشيوعها بين عامة المسلمين, وإننا نرجو من القارئ ألا يتوانى في الكتابة إلينا مستفسراً، أو موضحاً، أو معترضاً حول مادة هذا الكتاب، لنتمكن سوياً من الوصول إلى الحق الذي ننشده جميعاً. ونسأل الله أن يوفقنا لذلك.

الناشرون

الجزء الأول:

تعريف بالحديث

ما هي السُّنة؟

السّنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام، وهي التي تبيِّن كل مُبهَم في القرآن، وتوضِّح المعاملات والعبادات. والسنّة والحديث حسب الرأي السائد عند المُحَدّثين، وخاصة بين المعاصرين منهم، مترادفان متساويان، يوضع أحدهما مكان الآخر. ففي كل منهما إضافة قول أو فعل أو تقرير أو صفة إلى النبي محمد غير أن الدراسة التاريخية لجذور هذين اللفظين تثبت أن السنة كانت تُطلق على الطريقة الدينية التي كان النبي محمد يسلكها في سيرته، لأن معنى السنة لغة الطريقة. وهي ترادف السيرة أيضاً مِما يُبين من استعمالها معها مثل: وكان من سنة عمر وسيرته أن يأخذ العمال بموافاة الحج في كل سنة, فإذا كان الحديث عاماً يشمل قول محمد وفعله، فالسنة خاصة بأعمال محمد. وفي ضوء هذا التباين في المصطلح يمكن أن ندرك قول المُحَدّثين: هذا الحديث مخالف للقياس والإجماع والسنة أو قولهم: إمام في الحديث، وإمام في السنة.

وفي أول الأمر عندما عبر الإسلام عن الطريقة بالسنة لم يفاجئ العرب، فقد عرفوها بهذا المعنى، وكان بوسعهم أن يستوعبوا هذا المعنى حتى عند إضافته لله، مثل قولهم: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ (سورة الأحزاب 33: 62). وقد سُميت المدينة دار السنة لحرص أهلها على تقليد محمد

وتنقسم السنة إلى أنواع هي:

أ - القوليَّة: وهي ما قاله النبي وثبَت عنه، من خلال رُواةٍ موثوق بهم عند علماء المسلمين. مثل قول النبي: "أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول"

ب - الفعلية:> والسنة الفعلية تشكل أهم جزء من أجزاء السنة قاطبة، إذ عليها تعتمد العبادات المفروضة في الإسلام مثل الصلاة والصيام والزكاة, وأما الصلاة على سبيل المثال فالقرآن لا يخبرنا إلا بصلاة الصبح والعشاء بينما الأوقات الأخرى للصلاة وطريقة أدائها تؤخذ من الأحاديث فقط, والسنة الفعلية هي ما رواه أصحاب محمد من أفعاله كصفة وضوئه وصلاته إلخ,

ج - التقريرية: وهي ما كان موجوداً قبل الإسلام وأقرَّه النبي كإقراره اللعب بالحِراب، وغناء الجاريتين، وأكل لحم الضبّ، أو ما فعله بعض الصحابة ورآهم النبي يفعلونه، وأقرَّه؟ ", أما أهم جزء في سنّة النبي فهو أقواله أو ما يُطلق عليه الأحاديث. وأحياناً يُطلق لفظ حديث على السّنة جميعاً.

ما هي الأحاديث؟

يُراد بالحديث ما رواه الصحابيُّ من الكلام المتّصل بعضه ببعض ولو كان جُملاً كثيرة، كحديث بدء الوحي، وحادثة الإفك. وقد يكون الحديث من جملة واحدة أو اثنتين.

ولقد ورد الحديث في القرآن بعدة معان منها:

1 - بمعنى رسالة دينية: "اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً" (سورة الزمر 39: 23). و فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ (سورة القلم 68: 44).

2 - بمعنى قصة عامة أو دنيوية: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ (سورة الأنعام 6: 68).

3 - بمعنى قصة تاريخية: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (سورة طه 2 : 9)

4 - بمعنى حوار جارٍ: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً (سورة التحريم 66: 3)

أما في الأحاديث المروية عن محمد فإن لفظة الحديث وردت فيها أيضاً على الوجوه الأربعة كما هو الحال في القرآن نفسه:

1 - بمعنى رسالة دينية: أحسن الحديث كتاب الله

2 - بمعنى قصة عامة أو دنيوية: ومن استمع لحديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه صب في أذنيه الأنك.

3 - بمعنى قصة تاريخية: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

4 - بمعنى حوار جارٍ: إذا حُدِّث الرجل حديثاً ثم التفت فهي أمانة.

والحديث الصحيح أنواع، منه ما تلقّاه المسلمون بالقبول فعملوا به، ومنه ما تلقاه المحدثون بالقبول والتصديق وأجمعوا على صحته. مثل أحاديث البخاري وبالرغم من ذلك، فهناك علماء نازعوا البخاري ومسلم في بعض أحاديثهما، كحديث مسلم في خلق السماء والأرض أنكره عليه البخاري ويحيى بن مَعِين. ومثل حديث البخاري عن النبي أنه قال عن الحسن:

إن ابني هذا سيد، وسيُصلِح الله به فئتين عظيمتين من المسلمين أنكره عليه أبو الوليد الباجي.

ويتكوّن كل حديث من عنصرين:

(ا) الإسناد، ويحوي أسماء رواة الحديث.

(ب) المتن، وهو النص عن محمد أو أحد أصحابه. وفيما يلي نقدم حديثاً نموذجياً: حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شعبة قال: أخبرني منصور، قال: سمعت ربعي بن حراش يقول: سمعت عليا يقول: قال النبي: لا تكذبوا عليّ فإن من كذب عليّ فليلج النار,

ويتضح من هذا المثال أن صحة الحديث في الإسلام تتوقف على سلسلة الرواية وأمزجة الرواة فيها. وعلى المحدث أن يأخذ الإسناد بالدراسة والتدقيق ليعرف إن كان الرواة يتصلون بعضهم ببعض أو لا، وإذا كانوا معتبَرين ممن يوثَق بهم. وتُسمَّى المادة التي تعالج هذا الموضوع في علم الحديث الجرح والتعديل.

أما فيما يتعلق بالمواضيع التي تعالج في الأحاديث المروية عن محمد فقسمٌ كبير منها يتناول ما يُسمى بالأحكام والمعاملات، ويفسر ما هو الحلال والحرام، ويصف قواعد الطهارة والصلاة والصوم والزكاة والصدقة والحج وأمور البر والأدب. كما توجد في مصنفات الحديث أبواب تتناول العقيدة والجهاد ومشاهد القيامة وما إلى ذلك من الجنة والنار والملائكة والوحي والأنبياء والرسل السابقين، وكل ما يمكن أن يخطر على بال في العلاقة بين الله والعباد.

ويلعب الحديث في مجال التشريع الإسلامي دوراً هاماً جداً، إذ يرى بعض العلماء جواز نسخ آية قرآنية سابقة بحديث متأخّر يناقضها.

بما أن الحديث الذي حظي في وقت مبكر بمكانة عليا، تم تدوينه بعد وفاة محمد بما يقرب من 24 سنة، بعد ما تنوقل شفاهاً، فلا يمكننا البت في صحة ما وصل إلينا تحت هذا العنوان. يُروى عن أبي حنيفة أنه لم يعترف إلا بصحة 17 حديثاً., ويقول أبو داود (888م) صاحب السنن في مقدمة تصنيفه إنه اختار من بين نصف مليون حديث 48 حديثاً موثوقاً به فقط, ولا يمكن النظر إلى معظم الروايات في كتب الحديث كآثار تاريخية وموثوق بها عن حياة محمد وسيرته، فكثيراً ما نصادف في تلك الروايات ميول وقناعات الأجيال الناشئة بعد محمد، وقد صيغت في كلام نبي الإسلام. فإذا رأينا محمداً يدين بالمذهب القدَري، وفي الوقت نفسه يحذّر المسلمين مِن اتّباع نهج القدريين لا يصعب علينا الحسم في ضعف الحديث، إذ لم يكن هذا المذهب معروفاً في أيام محمد.

وإليك عدد مصنَّفات الحديث المعترف بها عند أهل السنة، وهي ستة، وكلها دُوِّنت في القرن الثالث بعد هجرة محمد من مكة إلى المدينة:

1 - صحيح البخاري (870 م)

2 - صحيح مسلم (875 م)

3 - سنن أبي داود (888)

4 - سنن الترمذي (895)

5 - سنن النَّسائي (915)

>

6 - سنن ابن ماجه (886).

>

وتُسمى هذه المجموعات الست أيضاً: الكتب الستة وتُعتبر من حيث الأهمية في المرتبة الثانية بعد القرآن.

وقد دوَّنت الشيعة مصنفاتها الخاصة للحديث لشكِّها في كل رواية في المصادر السُّنية ورد في إسنادها من لم ينتمِ إلى شيعة علي. وأهم مجموعة للحديث عند الشيعة هي أصول الكافي أو الكافي في أصول الدين للعلامة الكليني (941م). وتحتوي هذه المجموعة على 16199 حديثاً، أي تقارب مجموع الاحاديث الواردة في الكتب الستة, كما أن لأهل السنة الكتب الستة ، تتمسك الشيعة بكتبها الأربعة وهي: الكافي في أصول الدين و من لا يحضره الفقيه لأبي جعفر القمى 381 هـ 991 م, يوجد خلاف في عدد الأحاديث الواردة في هذا الكتاب، ويتراوح الرقم بين و9, أما الكتابان الآخران فهما تهذيب الاحكام و الاستبصار في ما اختلف من الاخبار لأبي جعفر الطوسي (46 هـ 1 67 م)، ويقال إنهما يحويان ما يقارب 18 حديثاً,

3 - أشهر من جمع الأحاديث

(من المجموعات الستّ)

أول من قام بجمع الأحاديث (بشكل فعلي) هو الإمام البخاري، حوالي عام 25 هـ (865م). وجمع في كتابه حوالي 7398 حديثاً بدون المكرر. إلا أن هذه العبارة يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عُدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين, يقول أحمد أمين: فإذا أضيفت إليه المعلقات والمتابعات والموقوفات والمقطوعات بلغت 9 82 وإذا اقتصر على عد الأحاديث الموصلة السند غير المكررة كانت 2862 حديثاً - وهناك من يقول إن صحيحه يحوي 262 حديثاً بغير المكرر, وقد جمعها من نحو ستمائة ألف حديث. وبعده تلميذه مسلم ، الذي جمع في صحيحه حوالي إثني عشر ألف حديث بالمكرر.

ويعتبر بعض العلماء أن الموطأ والمسند قد جُمعا قبل البخاري ، ولكننا هنا نتحدث عن أول مَن جمع الحديث من الستة المعتمَدين عند جميع المسلمين.

وأشهر الكتب عند المسلمين هما الصحيحان للبخاري ومسلم ، ثم سنن أبي داود وسنن ابن وسنن الترمذي والنَّسائي

1 - البخاري:> هو محمد بن إسماعيل البخاري، وُلد ببخارَى سنة 194ه (81 م), بدأ في تصنيف وتقسيم أبواب كتابه الصحيح بمكة، ولبث في تصنيفه ست عشرة سنة بالبصرة وغيرها حتى أتمَّه في بخارى موطنه. ومات سنة 256ه (87 م). نسب إليه قوله أنه خرّج جامعه من ست مائة ألف حديث (وفيات الأعيان، 4: 19 ),

ورغم ما تعرض له من هجمات عنيفة وانتقادات شديدة فقد نال صحيح البخاري المرتبة الثانية بعد القرآن وذلك بإجماع الأمة, فيقول الخطيب البغدادي مثلاً بمناسبة حديث أورده البخاري موصولاً في ثلاثة مواضع بأن البخاري يروي جزءاً من حديث الإفك عن أم عائشة وأم رومان عن طريق مسروق فهذا وهم (أي غلط) لأن مسروقاً لم يسمع عن أم رومان، فهي توفيت أيام النبي ومسروق في السادسة من عمره وخفي على البخاري, وأما مسلم فتفطن إلى ذلك فأبى نقله,

2 - مُسلِم:< هو مسلم بن الحجّاج القشيري، ولد بنيسابور سنة 2 6ه (821 م)، وتوفي سنة 261ه (875 م)، وقد فاق البخاري في جمع طرق الرواية وحُسن الترتيب.

قال الذهبي عن أبي عمر وحمدان: سألت ابن عقدة أيهما أحفظ، البخاري أو مسلم؟ فقال: كانا عالمَيْن. فأعدْتُ عليه السؤال مراراً فقال: يقع للبخاري الغلط في أهل الشام، لأنه أخذ كتبهم ونظر فيها، فربما ذكر الرجل بكنيته، ويذكره في موضع آخر باسمه، يظنهما اثنين. أما مسلم فقلَّما يوجد له غلط في العلل. جاء في مقدمة مسلم لصحيحه أنه جمع مصنفه من بين ر3 حديثاً، وروي أن كتابه يحوي أربعة آلاف حديث دون المكرر، وبالمكرر 7275 حديثاً, قال إنه ألف كتابه هذا من ثلثمائة حديث سمعها,

3 - أبو داود: هو أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجستاني ولد سنة 2 2هـ (817 م) ومات بالبصرة سنة 275ه (889م),

قال الخطابي: لم يصنف في علم الحديث مثل سنن أبي داود، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصحيحين. وقال ابن كثير في مختصر علوم الحديث : إن الروايات لسُنن أبي داود كثيرة، يوجد في بعضها ما ليس في الآخَر. كما ذكرنا أعلاه أنه جمع 48 حديثاً من بين ر5 حديثاً كتبت عن النبي,

4 - الترمذي: هو أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وُلد سنة 2 9ه بترمذ وتوفي بها سنة 279ه (892 م). يتكون جامع الصحيح للترمذي حسب طبعة شاكر من 3956 حديثاً وتوجد في شرح الأحوذي 4 51 حديثاً,

وقال ابن الأثير : في سُنن الترمذي ما ليس في غيرها من ذكر المذاهب ووجوه الاستدلال وتبيين أنواع الحديث الصحيح والحسن والغريب. وتتلمذ الترمذي على يد البخاري وأبي داود أبي داود.

5 - النَّسائي: هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي. وُلد في نسا من نيسابور سنة 215هـ 83 م وتُوفي في مكة سنة 3 3هـ (91 م). لقد قيل إن النسائي أحفظ من مسلم وإن سننه أقل السنن ضعفاً,

قال الذهبي: سُئِلَ النسائي بدمشق عن فضائل معاوية، فقال: ألا يرضيه رأساً برأس حتى نفضّله. فنُفي إلى مكة وقيل الرملة.

أما كتابه المعروف بالمجتبى ففيه صعوبة في اتصال السماع والقراءة. قال أبو جعفر بن : من قال قرأت أو سمعت كتاب النسائي، ولم يبين الرواية التي سمع أو قرأ، فقد تجوَّز في الذي ذكره تجوُّزاً قادحاً في الرواية.

6 - ابن ماجه: هو أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه، وُلد سنة 2 9هـ (824 م). قال ابن الجوزي تعليقاً على كتاب ابن ماجة السنن : إن فيه نحو ثلاثين حديثاً موضوعاً، وقد اشتهر بضعف رجاله. وتُوفي ابن ماجه سنة 273هـ (886م). تتكون سنن ابن ماجه من 4341 حديثاً,

7 - الإمام مالك: وهناك أيضاً الأحاديث التي جمعها الإمام مالك، وهو أبو عبد الله مالك بن أنس وُلد سنة 95 هـ 713 م بالمدينة وتوفي سنة 179 هـ 795 بها أيضاً, يعتبر مؤلفه الموطأ من أول ما دوّن من مجموعات الحديث, قيل إن مالكاً روى مائة ألف حديث، جمع منها في الموطأ عشرة آلاف، ثم اختار منها 172 حديثاً5 ",,

كيف جُمعت الأحاديث؟

مما تقدم في تراجم جامعي الأحاديث نرى أنهم لم يبدأوا في جمع الأحاديث إلا حوالي عام 25 هـ ، أي بعد وفاة محمد بنحو 24 سنة. وهذه الفترة هي التي حفلت بظهور الأحاديث في فضائل بني أمية أو ذمّهم، وكذلك فضائل بني العباس، وأيضاً ظهرت فيها أكثر الطوائف الإسلامية كالخوارج والشيعة والمرجئة وغيرهم. والذي يراجع كتب أهل الحديث يرى أن معظم الموجودين في هذه الفترة الزمنية ضعاف عند أغلب أهل الحديث. بالإضافة إلى المنافع الشخصية التي تعود على من يضع الحديث، خاصة أثناء خلافة بني أمية. أبرز مثال لهذه الظاهرة هو سيرة النسائي صاحب السنن، فبعدما عاد النسائي سنة 3 2 (914) من مصر، طلب منه الناس في الشام أن يروي لهم احاديث في فضل معاوية على علي, ولما رفض النسائي الرواية في فضل معاوية تعرض لضرب شديد في المسجد وتوفي من جراء ذلك في طريق مكة سنة 3 3 (915),, ويقول في ذلك محمد بن اسحاق الأصبهاني: سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق، فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال: أما يرضى معاوية أن يخرج رأساً برأس حتى يفضل؟ وفي رواية أخرى ما أعرف عنه فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك 5,وكان يتشيع فما زالوا يدفعون في حضنه حتى أخرجوه من المسجد، ثم حُمل إلى الرملة فمات بها, والقارئ لكتب الحديث يرى أن أشهر الرواة طُعنوا بالضعف أو بالكذب كالسُّدي وقتادة وسُفيان الثوري، وكذلك أشهر جامعي الحديث طُعنوا بالتدليس على اختلاف مستوياته، كالبخاري ومسلم ومالك بن أنس وغيرهم,

5 -التدليس وأنواعه

التدليس لغةً هو كتمان عيب في شيء ما حتى لا يعلمه المستفيد من هذا الشيء. والتدليس عند علماء الحديث هو أن لا يسمِّي الراوي من حدَّثه، أو أن يوهِم أنه سمع الحديث ممن لم يسمعه منه. وقد اشتُقّ من الدَّلَس، وهو اختلاط الظلام بالنور,وينقسم التدليس في اصطلاح المحدثين إلى ثلاثة أقسام: (أ) تدليس الإسناد، و(ب) تدليس الشيوخ، و(ج) تدليس التسوية.

أ - تدليس الإسناد: تدليس الإسناد هو أول أنواع التدليس، وهو أن يُسقِط الراوي اسم شيخه الذي سمع منه إلى من يليه بلفظٍ لا يقتضي الاتّصال، كقوله عن فلان أو قال فلان. أو أن يروي عمَّن لقيه وسمع منه مالم يسمع، ولا يذكر ذلك.

قال البزَّاز : إن كان يدلس عن الثقات فتدليسه مقبول عند أهل العلم.

أما شُعبة وأكثر العلماء فقد بالغوا في ذمِّه. فروى الشافعي عن شُعبة قال: التدليس أخو الكذب. وقال: لَأَنْ أزني أحبُّ إليَّ من أن أُدلس.

وكان الشافعي يردُّ مطلقاً من عُرف عنه التدليس في الإسناد ولو مرة واحدة. ولكن أكثر العلماء اتفقوا على أن الراوي الذي نُسب إليه التدليس، يُقبل من روايته ما صرح فيه بلفظ السماع، ويرد ما كانت عبارته محتملة مبهمة,

وأشهر من عُرف عنه تدليس الإسناد الأصبهاني أصبهاني صاحب حلية الأولياء وزيد بن أسلم العمري بن أسلم العمري ، والدارقطني صاحب السنن والبخاري وأبو داود وسفيان الثوري ، والإمام مسلم جامع الصحيح.

ب - تدليس الشيوخ: وهو أن يصرّح الراوي باسم المروي عنه باسمٍ أو كنية لم يُعرف بها لضعفه، كقول أبي بكر بن مجاهد أبي بكر بن مجاهد أحد أئمة القراء: حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله يريد به عبد الله بن أبي داود السّجِستاني، وفي هذا تضييع للمروي عنه.

ويرى ابن الصلاح ابن الصلاح أن الخطيب البغدادي كان لهجاً بهذا القسم في مصنفاته, وينقل عنه بعض الأمثلة في ذلك منها أن الخطيب البغدادي كان يروي في كتبه عن أبي القاسم الأزهري، وعن عبيد الله بن أبي الفتح القاسمي، وعن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع شخص واحد من مشايخه.

ويعلق الدكتور صبحي الصالح: نحن في الواقع نجلّ الخطيب البغدادي عن أن يكون قصده تعمية أمر واحد من هؤلاء الشيوخ. ولكننا لا نكتم استغرابنا من ذكره هذه الأسماء التي يصعب معها معرفة الشيخ، مع أنها لشخص واحد، وهو يعلم أنها لشخص واحد. وإن كثيرين لا يفطنون لذلك,

ومن أمثلة من كانوا يدلسون من الشيوخ: مروان بن ، ومجاهد ، ومحمد بن إسحاق بن اسحاق ، وقتادة

ج - تدليس التسوية: وهو أن يروي المُحَدِّث حديثاً عن ثقة، (أي عن راوٍ موثوق به) عن ضعيف، عن ثقة. فيُسقِط المُدلس الضعيف الذي في السند فيجعل الحديث عن ثقة عن ثقة، فيستوي بذلك الإسناد، كله ثقات.

وهذا النوع هو أشرّ أقسام التدليس، لأن الثقة الأول لا يكون معروفاً بالتدليس، ويجده الواقف على السند كذلك (بعد التسوية) قد رواه عن ثقةٍ آخَر، فيحكم للحديث بالصحة.

وقد اشتهر بهذا النوع من الحديث بعض أكبر أئمة الحديث، مثل مالك بن أنس صاحب الموطأ وأبي إسحاق أبو اسحاق ، والوليد بن مسلم.

وكان بعض المدلسين من أئمة الحديث يجدون في التدليس متعة نفسية، فلا تحلو لهم الدعابة إلا بهذا الضرب من الرواية المبهمة يخوضون فيه متساهلين، ثم يندمون ويتوبون. قيل

لهيثم بن بشير: ما يحملك على التدليس؟ فأجاب: إنه أشهى شهي!,

ولم يكن هيثم بن بشير هو الوحيد في هذا الفن، فقد اعترف علماء الحديث بوقوع التدليس من أشهر أئمة الحديث مثل: ابن عُيينة ابن عُيينة والأعمش أعمش وقتادة والحسن البصري الحسن البصري وعبد الرزاق والوليدبن مسلم. والغريب في الأمر وصف علماء الحديث لهيثم بن بشير وابن عُيينة ابن عُيينة بالأمانة والحفظ والضبط.. والأغرب أنهم يبررون هذه الظاهرة بقولهم: فما أقل الذين سلموا من التدليس, حتى ابن عباس لم يسمع من محمد إلا أحاديث يسيرة. قال بعضهم أربعة وبقية أحاديثه سمعاً من الصحابة عن محمد. ولكننا نجده لا يكاد يذكر أحداً بينه وبين محمد فيقول: قال رسول الله,

6 -أنواع الأحاديث

قسم أهل العلم الأحاديث إلى بضع وثلاثين نوعاً، سنورد بعضها مع التعريف بها:

1 - الصحيح: >هو الحديث المسنَد الذي يتّصل إسناده بنقل ثقةٍ عن ثقة إلى مُنتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معلّلاً6 ",,

والأحاديث الصحيحة توجب العمل بها باتفاق الأئمة، فقد اتفق أهل العلم بالحديث على أن أصح الأحاديث عن رسول الله هي ما رواه أهل المدينة، ثم أهل البصرة، ثم أهل الشام. وقال الخطيب البغدادي : أصح طرق السنن ما يرويه أهل الحرمين مكة والمدينة، فإن التدليس عندهم قليل. والعجيب في الأمر أن الخطيب البغدادي نفسه كان ممن اشتهروا بالتدليس. وأما أهل الحرمين فيكفي فيهم ما ذكرناه سلفاً عن ابن عباس وهو من كبار الأئمة. وقد اعترف علماء الحديث بأن الصحيح لا يجب أن يفيد دائماً الصحة: إذ يقول بعضهم أصح شيء في الباب كذا، فلا يلزم من هذا التعبير صحة الحديث,فإنهم يقولون وإن كان الحديث ضعيفاً، ومرادهم أرجح ما في الباب أو أوله ضعفاً,

2 - المسنَد:> هو ما اتصل إسناده إلى الرسول، وقال الخطيب: هو ما اتّصل إلى نهايته. وقال ابن عبد البر ابن عبد البر : هو المروي عن الرسول سواء كان متصلاً أو منقطعاً.

3 - الحسَن:< وهو الذي سنده ثقات، ولكن فيه ضعف محتمل مثل قلة الضبط، ويُحتجّ به عند أهل الحديث,

4 - الضعيف:< وهو ما لم تجتمع فيه صفات الصحيح6,ولا صفات الحسن. ويُقسم الضعيف إلى أنواع حسب مواطن ضعفه، فمنه الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلّل، والمضطرب، والمرسَل، والمعضِل.

5 - المتّصل أو الموصول: وهو ما اتّصل سنده ولم ينقطع بسقوط أحد الرواة، ولم يرسَل بسقوط أكثر من راوٍ.

6 - المرفوع:> هو ما أُضيف للنبي من قولٍ أو فعل، سواء كان متصلاً أو منقطعاً.

7 - الموقوف:> وهو الذي يُروى عن الصحابة من حيث قولهم وفعلهم.

8 - المقطوع:> وهو الموقوف على التابعين قولاً وفعلاً، ويكون غير منقطع الإسناد.

9 - المرسَل:> وهو أن يُروى عن أحد التابعين الذين لم يعاصروا النبي، ولكن عاصر بعض الصحابة، فيقول: قال النبي مرسِلاً كلامه للنبي مسقِطاً مَن سمع منه مِن الصحابة,

1 - المنقطع:> وهو أن يُسقَط من الإسناد رجل، أو يُذكر فيه رجل مجهول. وقيل هو كل ما لا يتصل إسناده، مثل المرسل. غير أن المرسَل هو ما يُطلق على ما رواه التابعي عن النبي,

11 - المعضِل:> وهو ما سقط من إسناده اثنان فصاعداً. ومنه ما يرسله تابع التابعي,

12 - المدلس:< وهو قسمان أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، مُوهماً أنه سمعه منه، كأن يقول قال فلان أو عن فلان. وقد رُويت في الصحيحين أحاديث من هذا النوع مثل أحاديث سفيان الثوري وسفيان بن عُيينة والأعمش وقتادة. والثاني هو ذكر اسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور، تعميةً لأمره وتصعيباً للوقوف على حاله.

13 - الشاذ (الغريب): وهو أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما رواه الناس منفرداً به وليس له طريق آخر، كحديث إنما الأعمال بالنيات فلم يُروَ إلا عن عمر بن الخطاب وعنه علقمة وعنه محمد بن إبراهيم التيمي بن ابراهيم التيمي ، وعنه يحيى بن سعيد الأنصاري. وهذا الحديث ليس له وجه آخر إلا هذا,

14 - المنكر:< وهو مثل الشاذ، غير أن راويته فيها ضعف، فهو منكر مردود لا يُحتج به,

15 - المتابعات والشواهد: وهو أن يروي مجموعة من الصحابة حديثاً واحداً، فيصل لنا من عدة طرق، بعدة أسانيد، ويتغاضى فيه عن الضعيف قريب الضعف، لأن تعدد الطرق يقوي بعضها بعضاً.

16 - الإفراد : وهو أن ينفرد به الراوي عن شيخه كالشاذ، أو ينفرد به أهل القطر، كانفراد أهل العراق بحديث تحليل النبيذ في حجة الوداع، وهو ما نقله ابن عبد البر ابن عبد البر في العقد الفريد,

17 - زيادة الثقة: وهو أن يزيد أحد الثقات في نص الحديث جملة أو أكثر.

18 - المعلل:< وهو أن تجمع طرق الحديث وينظر في رواته، فيقع في نفس العالِم العارِف بالحديث أن الحديث معلول، فيحكم بعدم صحته,

19 - المضطرب:> وهو أن يختلف الرواة في شخصٍ بعينه في الإسناد، أو في جملة بعينها في المتن، مثل حديث غدير خم في ولاية علي بن أبي طالب ، وهو ما تحتج به طوائف الشيعة، ومثل أحاديث زواج المتعة في كل كتب الحديث.

2 - المدرَج:> وهو أن تُزاد لفظة أو جملة في نصّ الحديث من كلام الراوي فيحسبها السامع مِن نصّ الحديث فيرويها كذلك. وقد وقع هذا كثيراً في الصحاح والمسانيد وكتب السنن.

21 - الموضوع:> ولذلك شواهد كثيرة، منها إقرار واضعه، أو ركاكة ألفاظه، أو فساد معناه، مخالفة لما أتى في القرآن والسنة الصحيحة، وهو أن يباين المنقول، أو يخالف المعقول، أو يناقض الأصول (وسوف نتكلم عن هذه الموضوعات بالتفصيل في فصل لاحق).

22 - المقلوب:> وهو أن يوضع إسناد حديث على نص حديث آخر، وقد يكون في الإسناد كله أو بعضه,

7 - الأحاديث الموضوعة

أحياناً نتعجب من المسلمين حين نسألهم: ألم يقُل نبيُّكم كذا؟ فيكون الرد أنه موضوع مُختَلَق. فهل بهذه البساطة ينكرون كلام نبيّهم؟ ووجدت جواب ذلك في أنه من كثرة ما طُعن في رواة الحديث أصبحت معظم الأحاديث تحتمل الصحة والغلط في وقت واحد! فالراوي الذي يكذّبه البخاري يوثّقه النَّسائي، والذي يقبله الشيعة تنكره أهل السُنة، حتى وصل الأمر إلى إنكار معظم الأحاديث.

والذي ينظر إلى ما كُتب في الأحاديث الموضوعة يرى كثرتها وشهرتها، ويكفي أن تعرف أن النسائي في كتابه الضعفاء والمتروكون ذكر أكثر من ستمائة اسم بين وضاع وضعيف ومتروك ومُغْفَل.

وذكر أهل الحديث أسماء مشاهير الرواة، واتهموهم بوضع الحديث كأبي الحامد الغزالي، وعبد القادر الجيلاني ، وأبي طالب المكي (وهم من الصوفية) والسُّدي وأبي إسحاق وقتادة ومجاهد. بل وصل الأمر في عهد الصحابة إلى قيام عمر بن الخطاب بضرب أبي هريرة بدُرَّته ليمنعه عن كثرة رواية الحديث, ومما يُذكر في الكتب من وضع عبد الله بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه للحديث كثير.

وجاء في بعض الكتب أن هناك 14 ألف حديث وُضعت على النبي، تُحلل الحرام وتُحرِّم الحلال، والذي ساعد على ذلك أن محمداً أمر بألاّ يُكتب عنه غير القرآن، فقال: لا تكتبوا عني غير القرآن. فكانت الأحاديث تُحفظ ويُزاد فيها أو يُنقص منها حسب الهوى، فقد كانت فِرَق الرافضة والخوارج والشيعة إذا اجتمعوا على رأيٍ استحسنوه جعلوه حديثاً وهناك أسباب عديدة أدَّت إلى وضع الحديث، أهمها الأسباب السياسية والعقائدية. فقد حاول كثيرون الترويج لمذهبهم أو تبرير سلطتهم من خلال الأحاديث التي تُروى عن محمد ، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك منها: قيل لمأمون بن أحمد الهراوي : ألا ترى إلى الشافعي ومن تبعه بخراسان؟ فقال: حدثنا أحمد بن عبد الله. حدثنا عبد الله بن معدان الأزدي عن أنس مرفوعاً: يكون في أمتي رجل يُقال له محمد بن إدريس - الشافعي - أضرّ على أمتي من إبليس. ويكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة أبو حنيفة ، يكون في أمتي رجل اسمه النعمان (أبو حنيفة) مروياً عن أبي هريرة (!), هو سراج أمتي, وأغرب من ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي ، قال: كنت عند سعد بن طريف، فجاء ابنه من الكُتَّاب يبكي. فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلم. قال: لأخزينَّهم اليوم. حدثني عكرمة ابن عباس مرفوعاً: معلّمو صبيانكم شِراركم، أقلّهم رحمة لليتيم وأغلظهم على المسكين, ويذكر عبد الله بن يزيد المقرئ أن رجلاً من أهل البدع رجع عن بدعته فجعل يقول: انظروا هذا الحديث عمن تأخذونه. فإنا إذا رأينا رأياً جعلنا له حديثاً,

وذكر الأستاذ صبحي الصالح ما فعله الوضّاعون في الحديث فقال: ولو ذهبنا نستقصي ما افتراه الوضّاعون ونسبوه إلى رسول الله لما أمكننا إحصاؤه. فالزنادقة وحدهم وضعوا (كما قال حماد بن يزيد) أربعة عشر ألف حديث. وعبد الكريم بن أبي العوجاء وضع (باعترافه) أربعة آلاف حديث. فإنه لما أُخذ لتُضرب عنقه في خلافة المهدي صاح قائلاً: لقد وضعتُ فيكم أربعة آلاف حديث أحرّم فيها الحلال وأُحلّ الحرام,

البيئة العقائدية لمحمد:

لم تكن الجزيرة العربية خلواً من الديانات، بل كان بها كثير من العقائد الدينية. وكانت إرهاصات النبوة تملأ الجزيرة العربية، فاليهود ينتظرون مجيء المشيح المنتظر ، والمسيحيون ينتظرون المجيء الثاني للمسيح ، والحنفاء ينتظرون نبياً لهم. وفي هذا يقول أمية بن أبي الصلت أمية بن أبي الصلب :

ألا نبي لنا منا فيخبرنا

ما بعد غايتنا من رأس محيانا,

فنشأ محمد في وسط هذه البيئة، يلتقي بقَس بن ساعدة في سوق عكاظ ويسمعه. ويجلس مع زيد بن نفيل عند الكعبة فيما يرويه البخاري: فقُدِّم لهم طعاماً فقال زيد: لستُ آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذُكر اسم الله عليه.

ثم يتزوج محمد من خديجة ويظل خمسة عشر عاماً قبل نبوّته قريباً من ورقة بن ، ابن عم خديجة، وهو على ما تذكر كتب السيرة كان يترجم الإنجيل للعربية، ويدعو للتوحيد الكتابي، ومن المنطقي أن يدعو محمداً إلى ذلك (السيرة النبوية لابن هشام).

ونقرأ في صحيح مسلم عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: ردفت رسول الله فقال: هل معك من أُمية بن أبي الصلت شيء؟ قلت: نعم، قال: هيه. فأنشدته بيتاً، فقال: هيه. ثم أنشدته بيتاً. فقال: هيه. حتى أنشدته مائة بيت, ثم نجد حديثاً آخر عن أبي هريرة: قال رسول الله: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل, فهذا محمد يطلب أن يسمع شعر الحنفاء، ويحفظ منه، ويلتقي بهم في أسواقهم الثقافية، ويرافق أحدهم خمسة عشر عاماً، ويلتقي بآخر حول الكعبة. بل ذهب الدكتور القمني في كتابه الحزب الهاشمي إلى أن عبد المطلب جد محمد كان أحد زعماء الحنفاء، وذلك بالإضافة إلى جده الأكبركعببن لؤي الذي ابتدع يوم الجمعة، فكان يدعو قريشاً ويعظهم فيه ويدعوهم للتوحيد، ويحملهم على التأمل في خلق السماء والأرض، واختلاف الليل والنهار، وكان يتصدق، ويحفظ العهد، ويفشي السلام. فكل هذا كان متوارثاً في بيئة محمد ولم يكن جديداً عليها.

وكما رأينا أن هذه الأخلاط من الديانات التي نشأ محمد في وسطها واحتك بها لا بد أن يكون لها تأثيرها على موروثه العقائدي، ومِن ثمَّ على دعوته التي لم تختلف كثيراً عن أغلب الدعوات قبلها، إلا في تبنّيها لشريعة الجهاد (كما ترى ذلك في تعليقنا على أحاديث الجهاد، في الجزء الثاني من هذا الكتاب). لقد وُلد محمد في مجتمع يعرف الله، وإن كانت معرفته غير سليمة، ثم عاش في بيئة تنتمي إلى الحنفاء وتوحيدهم. ونعتقد أن أخلاط ديانات الجزيرة هي التي أوجدت محمداً ، وأنه هو الذي نشرها وتبنّاها مضيفاً لها شرع الجهاد مسمياً إياها الإسلام. والواضح أن لهذا الموروث العقائدي أثره حتى على الحديث الصحيح، كما سنرى في الأحاديث التي جاءت بشأن المسيح، أو حتى في أحاديث الحدود.

 

الجزء الثاني:

تناقضات الحديث

 

1 - أحاديث الطهارة

تتميَّز أحاديث هذا الباب بكثرتها واضطرابها وضعف أكثر رُواتها، إما بالكذب أو النسيان أو التغفيل. وبالرغم من أن عنوان هذا الباب هو كتاب الطهارة فإنه يحتوي على ما لا ينتمي للطهارة بصلة، مثلما رواه أحمد والبخاري من حديث صلح الحديبية عن مروان بن الحكم قال: ما تنخَّم النبي نُخامة إلا وقعت في كفّ رجلٍ، فدلك بها وجهه ورجليه (تنخَّم أي دفع شيئاً من صدره أو أنفه).

وأيضاً ما رواه ابن عباس مرفوعاً: إن في أبوال الإبل شفاء للذربة بطونهم,(الذرب داءٌ يصيب المعدة فلا تهضم الطعام، ويفسد فيها فلا تمسكه).

وعن أنس بن مالك أنس بن مالك قال إن رهطاً من عُكل (قبيلة من قُضاعة) أتوا المدينة فأمر لهم النبي بلقاح (نياقٍ ذات لبن) وأمرهم أن يشربوا أبوالها وألبانها,

ورغم أن محمداً أمر أتباعه أن يشربوا من بول الإبل، إلا أن حديثاً آخر يقول إن محمداً قال: تنزَّهوا من البول، فإن أكثر عذاب القبر منه. وعن ثوبان قال: قال النبي: الماء طهور إلا ما غلب على ريحه وطعمه.

ورغم هذا فإن محمداً شرب وتوضَّأ من بئر بضاعة وهي بئر تُطرح فيها محايض النساء ولحم الكلاب وعذر (براز) الناس، وماؤها متغيِّر اللون,وأعجب ما في الأمر أن هذه الأحاديث وردت في كتاب واحد هو كتاب الطهارة بل وفي مرجع واحد هو نيل الأوطار. ورغم أن رُواتها هم أئمة الحديث عند المسلمين، كالبخاري وأحمد والشافعي والنَّسائي وابن ماجة والدارقطني والحاكم والبيهقي ، فإن المسلمين أنكروا نسبة أغلبها للنبي، أو برَّروا هذا الخبط بالناسخ والمنسوخ. فمثلاً يروي أبو داود والنسائي: نهى النبي أن يغتسل الرجل بفضل وضوء المرأة، أو المرأة بفضل وضوء الرجل,(فضل الوضوء: هو الماء المتبقّي من الوضوء). ثم يروي أبو داود والنسائي أيضاً أن النبي كان يتوضأ بفضل وضوء ميمونة وعائشة وهما جُنُبان,

وحين نتساءل عن هذا التضارب نجد الإجابات تتأرجح بين ناسخ ومنسوخ أو التخفيف على المسلمين أو إن ذلك رخصة للنبي وحده، مثل الرخصة له في التزوُّج بمن يشاء.

وأحياناً تجد مجموعة من الأحاديث التي لا يمكن تفسيرها تفسيراً مقبولاً، مثلما رواه البخاري عن ابن عباس ، قال: توضأ النبي مرةً مرة، لم يزد على هذا, ثم يروي البخاري في نفس الباب عن عبد الله بن زيد ، قال: إن النبي توضأ مرتين مرتين, فيردّ عليه مسلم في صحيحه عن عثمان بن عفان قال: ألا أريكم وضوء النبي؟ فتوضأ ثلاثاً ثلاثاً,

ولنا الحق أن نتساءل: هل كان وضوء محمد مرة أم اثنتين أم ثلاثاً؟

رُوي عن عمار بن ياسر قال: قال النبي ثلاث لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمِّخ بالخلوق (أي: المتطيِّب بالزعفران) والجُنُب إلى أن يتوضأ. ورغم ورود هذا الكلام على لسان محمد فإنه قال في موضع آخر: حُبِّب إليَّ الطّيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة,

ورغم أمر القرآن باعتزال النساء في فترة الحيض بالقول: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ (سورة البقرة 2: 222) سورة البقرة2: 2,4إلا أنه كان يأمر عائشة أن تَأتزر (أي: تغطي ما بين السُّرة إلى نصف الفخذ) ثم يباشرها بعد ذلك. والواضح أن محمداً كان يأمر بشيء ثم ينساه، أو يكتشف خطأه فيأمر بغيره، ويترك لأتباعه مهمة التوفيق بين كل ما قال وفعل!

وللتعليق نقول: ماذا يقول علماء المسلمين في هذه الاختلافات؟ ومن أراد معرفة المزيد من هذه الاختلافات فليقرأ كتاب الطهارة في أي كتاب من كتب الفقه أو الحديث.

2 -أحاديث الصلاة

الصلاة صلة شخصية بين الإنسان والله، تقوم على حب الإنسان لله، وليس على خوفٍ أو رعبٍ منه.

ولن نتكلم في هذا الفصل عن تناقضات مواقيت الصلاة كما جاءت في الحديث، ولا عن الاختلاف في طرق أدائها، فسوف نسلِّم لعلماء المسلمين بقولهم: إن في الاختلاف رحمةً بالمسلمين أو كما نُسب إلى محمد نفسه قوله: إن في اختلاف أمتي رحمة. ولكن سنورد بعض الأحاديث عن علاقة الإنسان بربِّه، ذلك الإله المحب، الودود، الغفور، الرحيم الذي يرحم الجميع ويريد أن يخلِّصهم.

قال محمد : مُرُوا الصبيَّ بالصلاة إذا بلغ سبع سنين. وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها, وقال أبو هريرة إن محمداً قال: أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوِّل الله رأسه رأس حمار؟,

كتب شاب مسلم اهتدى للمسيح يقول: كنت وأنا صبي أجري للصلاة حالما أسمع الأذان خوفاً من الضرب. وذات يوم سمعت الإمام يذكر حديثاً في النهي عن رفع الرأس قبل الإمام، فزاد خوفي من أن يتحول رأسي إلى رأس حمار. فكنت أتطلع إلى وجهي في المرآة بعد كل صلاة لأرى إن كان رأسي قد تحول أو لم يتحول بعد إلى رأس حمار! كنت مرتعباً من الضرب إن لم أصلِّ، ومرتعباً من أن يصبح رأسي رأس حمار لو أسأت التصرف في الصلاة.

علاقة الصلاة بين المسلم والله علاقة خوف وعبودية، فالله كما يراه المسلم لا يبالي بمن يدخل الجنة أو يدخل النار، فإنه ما خلق الإنس والجن إلا ليكونوا له عبيداً كما جاء في القرآن وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (سورة الذاريات 51: 56). ورغم هذا التشدُّد في الإسلام فإنك تجد التساهل، أو ما يسميه المسلمون الترهيب والترغيب. عن أبي هريرة ، قال محمد : الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّراتٌ لما بينهن، إذا اجتنب الكبائر, وعن ابن مسعود، قال إن رجلاً أصاب مِن امرأة قُبلةً فأتى النبي فأخبره، فأنزل الله وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (سورة هود 11: 114). فقال الرجل: يا رسول الله، أإليَّ هذا؟ فأجابه: لجميع أمتي كلهم,

لقد جعل محمد الصلاة أحد طرق دخول الجنة، وقال إنه إذا أذنب شخصٌ فالصلاة تكفيه. فأين هذا من قول الله في كتابه العزيز: مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لِأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا (لوقا 17: 1 )

ما يقطع الصلاة:

وتجد في كتاب الصلاة تناقضاً صريحاً، يعتذر المسلمون عنه بأنه من الناسخ والمنسوخ أو يقوم أحد أصحاب محمد بتصحيحه له، مثل ما ورد عن أبي هريرة أبي هريرة ، قال: يقطع الصلاة: المرأة، والكلب، والحمار وفي رواية الكلب الأسود, وعندما سمعت عائشة هذا الحديث قالت: بئسما عدلتمونا بالحمار والكلب. لقد رأيتُ النبي يصلي صلاته من الليل وأنا معترضةٌ بين يديه. فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي فضممْتُها إليَّ ثم يسجد, وعن الفضل بن عباس قال: أتانا النبي ونحن في بادية لنا ومعه عباس ، فصلى في صحراء ليس بين يديه سترة، وحمارة لنا وكلبة تعبثان بين يديه، فما بالى بذلك. وقال أبو داود بعد هذه الأحاديث: إذا تنازع (اختلف) الخبران عن الرسول نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده. فهذا هو الرد على التناقضات! وقد يزول العجب إذا عرفنا أن محمداً قال لأصحابه: ذَرُوني وما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بشيء فخذوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا, ثم يقول في الحديث التالي: مَن أطاعني فقد أطاع الله، ومَن عصاني قد عصى الله, ويقول القرآن: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَا نْتَهُوا (سورة الحشر 59: 7) وقال أيضاً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ (سورة المائدة 5: 1 1). فأحاديث محمد وقرآنه تأمر بطاعة محمد وبالنهي عن التفكير في ما قال، وتأمر بعدم السؤال عما لم يقُل، حتى وصل الأمر ببعض المسلمين إلى اعتبار البحث في ذات الله كفراً. فهل يحّوِل الإسلامُ تابعيه إلى كائنات مغيَّبة العقول، لا تفكر في ما تسمعه؟ لقد أمر المسيح تابعيه أن يفتِّشوا الكتب المقدسة ويدرسوها (يوحنا 5: 39) ورحَّب رُسله بأن يفحص المستمعون الكتب المقدسة ليروا لأنفسهم أن المسيح هو المخلِّص الذي تنبّأ أنبياء التوراة بقدومه (أعمال 17: 11) فقد علموا أن الكتب لم تتكلم إلا عن المسيح، ولم تأمر إلا بالإيمان به! أما محمد فقد نهى عن قراءة الكتب المقدسة السابقة له.

الصلاة في الإسلام هي الباب الواسع لدخول الجنة، مع أن الصلاة الإسلامية وأسلوبها كانت موجودة قبل محمد بنفس طريقة الركوع والسجود، وفي نفس الأوقات تقريباً عند الصابئة وعابدي الكواكب. فالإسلام لم يأت بجديد، بل أخذ ما كان قبله ووافق عليه، من مراسم الحج والعمرة والصوم والصلاة، فأخذه كما هو، أو أنقص منه أو زاد عليه,

 

3 - أحاديث الصيام

الصوم هو أحد الأبواب الواسعة لدخول الجنة في الإسلام، فقد قال محمد : مَن صام إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه,

كان محمد يرغِّب أصحابه في الصوم واعداً إياهم بملذّات الآخرة، فيُروى عن أبي عمر أن النبي قال: إن الجنة تُزخرَفلرمضان من رأس الحول إلى الحول. فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح تحت العرش من ورق الجنة على الحور العين، فيقلن: يارب؛ اجعل لنا من عبادك أزواجاً تقرّ بهم أعيننا، وتقر أعينهم بنا.

ورغم أن الصوم هو تقديس وتكريس وقت للجلوس بين يدي الله، إلا أن الإسلام جعل منه شيئاً آخر، فهو مجرد جوع وعطش إلى حين.

وكعادة محمد في أفعاله المتضادة نراه يحرّم شيئاً ثم يُبيحه، فيُروَى عن أنس أن رجلاً سأل محمداً عن شخصٍ قَبَّل امرأته وهما صائمان فقال له قد أفطرا, ولكن عائشة تقول إن النبي كان يُقبِّلها وهو صائم ويمصُّ لسانها, وعنها أيضاً: كان النبي يُقَبِّل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه,(يباشر: أي يضع بشرته على بشرتها. أربه أي غرضه، وإربه: عضوه).

وعندما أمر محمد أصحابه بالصوم حرَّم عليهم النساء والطعام بعد العشاء إلى غروب شمس اليوم التالي. فلما شكوا له ذلك قال في سورة البقرة 2: 187 أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ. والرفث هو الإفصاح بما يجب أن يُكنى عنه، وكُني به هنا عن مقاربة النساء,

وبرغم كل هذا فلم يكن الصيام شيئاً جديداً أتى به محمد ، بل (مثله مثل الصلاة) اقتبسهما وغيرهما مِن شعائر مَنْ كانوا قبله. فقد كان الحنفاء يصومون شهر رمضان من كل عام، وكان اليهود يصومون أياماً كثيرة، فأخذ محمد منهما.

-أحاديث الجهاد

أمر القرآن في بداية الدعوة الإسلامية بالمعروف ونهَى عن المنكر، ونادى بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن، والإعراض عن الجاهلين (راجع السُّور القرآنية المكية مثل: القلم، المدثر، الأعلى، النجم، البروج، القيامة، يوسف، النحل، الروم، الرحمن، العنكبوت).

وبعد الهجرة من مكة إلى المدينة تغيّرت استراتيجية محمد من الدعوة بالمعروف، إلى ردّ العنف بالعنف أو إلى الدفاع المسلّح. وبعد أن قويَت شوكة المسلمين تحّولوا إلى الهجوم المسلح والغزو العسكري (راجع سُور القرآن المدنيّة، مثل: البقرة، الأنفال، محمد، الفتح، المائدة، التوبة).

ويختلف علماء المسلمين كثيراً في موضوع الجهاد، لأن باب الجهاد يحتوي على أكثر الأحاديث تضارباً، وأكثر الآيات القرآنية اختلافاً. ونورد في هذا الفصل بعض هذه الأحاديث والآراء:

استراتيجية الدعوة:

بدأ محمد دعوته باللين فكان يقول: إنما أنا رحمة مُهداة. وكان يقول: إني لم أُبعَث لعّاناً وإنما بُعِثت رحمة,

ولكن بعد مرور فترة على دعوته قام بتوضيح هذه الرحمة المُهداة فقال: بُعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجُعل رزقي في ظل رمحي، وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري,وحينما سمع أصحابه هذا الحديث، ووجدوا أنه قد يكون سبباً في ترك الناس لهم، ذهبوا إليه ليسألوه إن كان حقاً قد قال هذا الكلام، فأجابهم: نعم ووالله إني قد جئتهم (أي من خالف دينه وأوامره) بالذبح (الحِكَم الجديرة بالإذاعة في شرح حديث بُعثت بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب الحنبلي). وقال محمد في موضع آخر: أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا عصموا منّي دماءهم وأموالهم,

آراء علماء المسلمين:

تضاربت آراء علماء المسلمين في الجهاد، فمِن قائل إن آيات القتال نسخت كل آية تأمر بالعفو والصفح، ومن قائل إنه لا نسخ في القرآن، وثالث يرجّح العمل بالترتيب التاريخي لنزول الآيات. ووصل بهم الأمر إلى تكفير بعضهم البعض، وحكم كل طائفةٍ لنفسها بالنجاة وللآخرين بالهلاك.

وكتب بعضهم يقول: إن أحداً لم يُخلَقْ من دون الله.. وإن أحداً لم يَخلُقْ مع الله.. فليس من حق أحدٍ أن يُشَرِّع من دون الله.. وليس من حق أحدٍ أن يُشَرِّع مع الله.. وليس لأحدٍ أن يحكم بين خَلْق الله، لا بين المسلمين، ولا الكفار.. إلا بحكم الله ورسوله. إن الناس لم يخلقوا أنفسهم، ولم يخلقوا الأرض التي عليها يحيون وعليها تقوم مجتمعاتهم، فليس من حقهم أن يهيمنوا أو يهيمن بعضهم ليُشَرِّع ويحكم، يأمر وينهى من دون الله.

إننا مأمورون بتحقيق سيادة شَرْع الله على أرض الله وعلى خَلْق الله. إننا مأمورون أن لا ندع أي طائفة على وجه الأرض تحكم الناس بغير شَرْع الله. فمن أبى ذلك ورفض الإذعان قاتلناه. إن الجهاد حتميّة يفرضها الشَرْع وتمليها علينا عدة فروض شرعية لا يتم أيٌّ منها إلا بالجهاد.

1 - يمليه علينا الإجماع المنعقد على وجوب خلع الحاكم الكافر.. أليس حكام بلادنا قد كفروا باستبدال الشرع وبحكم الخلق بشرعٍ جاهلي؟ أليس الجهاد واجباً اليوم لخلع هؤلاء الحكام؟

2 - يمليه علينا الإجماع المنعقد على وجوب قتال أي طائفة ذات شوكة تمتنع عن شريعة أو أكثر من شرائع الإسلام حتى تلتزم بها.. أليست الطوائف المهيمنة على بلادنا ممتنعة عن أكثر شرائع الإسلام؟ أليس الجهاد اليوم واجباً لإجبار هذه الطوائف على الالتزام بما امتنعت عنه؟

3 - يمليه علينا الإجماع المنعقد على وجوب نصب خليفة للمسلمين. أليست الخلافة غائبة عنا اليوم؟ ألم يسقطها أعداؤنا بالسيف والقهر؟ أليس الجهاد هو طريق عودتها.

4 - يمليه علينا الإجماع المنعقد على وجوب الدفاع عن ديار الإسلام، واسترداد ما استولى عليه الكُفّار منها.. أليس الجهاد واجباً لاسترداد فلسطين والأندلس وفرنسا وبلاد البلقان والجمهوريات الإسلامية في روسيا وغيرها؟.

هذا هو إيمان إحدى الجماعات الإسلامية (الجهاد). ونتيجة اعتقادهم هذا كانت أفعالهم، فقام تنظيم الجهاد في مصر في الفترة من 1979 حتى 1992 باغتيال عدة أفراد من القيادات السياسية في مصر (منهم الرئيس أنور السادات أنور السادات ) وبعض الصحفيين والكتّاب (منهم الدكتور فرج فودة ) بعد أن حكم بتكفيرهم. وقام أيضاً بحرق عشرات الكنائس، وقتل عدد كبير من المسيحيين. وموَّلوا هذه الأنشطة من سرقة محلات المجوهرات التي يمتلكها مسيحيون ومسلمون! وظهرت جماعات مماثلة في الجزائر والمغرب وباكستان وإيران وأفغانستان والأردن والسودان ولبنان واليمن وتونس.

الجهاد وأهل الكتاب:

بدأ موقف المسلمين من أهل الكتاب، يهودٍ ومسيحيين، على يد محمد نفسه. فبعد أن نادى بالمودّة والرحمة، وأعلن أن المسيحيين هم أقرب الناس موَدّة للمسلمين، قرر في آخر أيامه أن يُخرِج المسيحيين واليهود من جزيرة العرب8.

فكان بعد موته أن استوعب أتباعه الدرس جيداً، فهذا عمر بن الخطاب يكتب ما عُرِف؟ "بالوثيقة العُمَرية؟ ويحدِّد فيها معاملات المسيحيين. ونقدم هذه الوثيقة دون أي تعليق، فنصُّها يتحدث عن نفسه:

عن عبد الرحمن بن غنم : كتبتُ لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين صالح نصارى الشام، وشرَط عليهم فيه

ألّا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلّاية ولا صومعة راهب،

ولا يجدِّدوا ما خُرِّب،

ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم،

ولا يؤووا جاسوساً،

ولا يكتموا غشاً للمسلمين،

ولا يعلّموا أولادهم القرآن،

ولا يُظهِروا شِركاً،

ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا،

وأن يوقّروا المسلمين،

وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس،

ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم،

ولا يتكنّوا بكناهم،

ولا يركبوا سرجاً،

ولا يتقلّدوا سيفاً،

ولا يبيعوا الخمور،

وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم،

وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا،

وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم،

ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين،

ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم،

ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً،

ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين،

ولا يخرجوا شعانين،

ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم،

ولا يَظهِروا النيران معهم،

ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين.

فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم،

وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق,

فإن كان هذا ما حدث في عهد عُمَر الخليفة العادل(!!!!؟؟؟؟؟) فماذا كان يحدث في عهد الخلفاء الظالمين؟! ولكي لا تكون الصورة قاتمة أمامنا، نقول إن الشروط العُمَرية هذه لم يقبلها كل المسلمين، بل رفضها قومٌ منهم، وهناك آخرون (وهم غالبية المسلمين في وقتنا الحاضر) لا يعلمون عنها شيئاً. وتقابل هذه النبرة المتشدّدة نبرةٌ أخرى حانية، فتجد بعضهم يردد حديث محمدعليكم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً، فإن لهم ذمة ورحماً (وهو يقصد : إذا فتح الله هاجر المصرية أم إسماعيل، ومارية القبطية أم ولده إبراهيمالقرآن بالمعروف بعضهم يردد آيات (التي يقول آخرون بنسخها) والتي تأمر ). وتجد والصفح، ولا إكراه في الدين.

وبينما يحاول المسلمون تأويل هذه الآية بأنها تدل على روح التسامح وحرية الاختيار في الإسلام، لكن كل من يدرس سياق النص الذي وردت فيه الآية ويقارنها بنص القرآن لا إكراه في الدين لا يجد أنها تدل على أي تسامح. بل على العكس، فهي تعبير واضح عن خيبة أمل نبي الإسلام في أهل الكتاب من يهود ونصارى بعد أن خابت محاولاته وجهوده لكسبهم إلى صفوفه,

وللتعليق نقول:

مرَّت الدعوة الإسلامية بعدة تغيرات جوهرية، فقد كانت في بدء عهدها سلميّة بالحكمة والموعظة الحسنة. ولكن بعد الهجرة إلى المدينة تحوَّلت إلى دعوة عسكرية مسلحة بالْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ (سورة الحديد 57: 25) وكان لا بد لهذه الدعوة التي بدأت سبيلها لتأسيس حكومة دينية، يكون محمد على رأسها، في حماية عسكرية داخل المدينة وخارجها. فكانت شريعة الجهاد طوال الفترة المدنية، وكان التحريض على القتال، وحل مشاكل الإمارة السياسية، وتوزيع الغنائم وتمويل الجيوش (راجع سورتي الأنفال والتوبة).

وبعد وفاة محمد انقسم أصحابه على خلافته، ثم ارتدّ عرب الجزيرة عن الإسلام، مما يدل على أنهم رأوا في رسالة محمد إمارة أكثر منها نبوّة. فأرسل أبو بكر الجيوش إلى كل جهات الجزيرة لردهم إلى الإسلام وسلطانه. ثم بعد فترة كانت الفتوحات أو الغزوات الإسلامية لمصر والعراق والشام، وتأسست أركان الإمبراطورية الإسلامية من أسبانيا إلى إيران.

والأمر الطبيعي أن تجد تضارباً فيمثل هذا الفكر الذي امتدّ فترة زمنية تجاوزت الألف عام قبل انحساره. وأنت اليوم ترى هذاالفكر يحاول الظهور على السطح مرة أخرى من خلال جماعات الإسلام السياسي المنتشرة في معظم الدول الإسلامية، وأن تجد دعاة السلام ودعاة الحرب يحتجون جميعاً بالقرآن والسُنَّة.

قد كان للسيف دور كبير في تاريخ الإسلام، فلولاه ما فُتِحَتْ مكة ولا خيبر. ولولا حروب الردّة ما رجع العرب إلى الإسلام، ولكان اقتدى بالنبي كثيرٌ من المتنبّئين الكذبة واقتطعوا لهم دويلات دينية في أنحاء شبه الجزيرة العربية، ولضاعت على العرب الوحدة الدينية والقومية التي صنعها لهم محمد.

5 -أحاديث الحدود

الحدود في الفقه الإسلامي تعني العقوبة التي قدّرها المشرِّع على فعلٍ خاطىء. ولم يقتصر الأمر على العقوبات التي قدّرها القرآن، بل زيدت عليها جزاءات رُويت عن النبي، وجزاءات اجتهد فيها الصحابة، فاتّسع معنى المشرِّع ليشمل الاجتهاد والقياس بجوار أقوال القرآن والنبي.

والحدود - على هذا المعنى - ستة: حد السرقة، وحد القذف، وحد الزنا، وحد شرب الخمر، وحد قطع الطريق (الحرابة)، وحد الردة وهي ترك الإسلام,

حد السرقة:

المقصود بحدّ السرقة هو العقوبة المفروضة على من أخذ مال أو متاع شخصٍ آخر على وجه الخفية والاستتار، قاصداً بذلك تملّك الشيء المأخوذ. ولا يدخل في ذلك الاختلاس لأنه استلاب المال دون وجه حق، لكن دون خفية أو استتار، بل قد يكون ذلك علناً. وكذلك النهب، وهو أخذ مال الغير بالقوة، فيدخل تحت حد قطع الطريق. وأيضاً خيانة الأمانة، وتعني جحود وإنكار شخص لأخذه متاعاً أو مالاً من آخر، وادّعاءه ملكيته له.

وطبقاً لهذه التعريفات ورد حديث عن محمد يقول ليس على الخائن، ولا على المختلس، ولا على المنتهب قطع, وأيضاً لا يدخل في ذلك العبيد والإماء وأهل الكتاب، فقد قال محمد: ليس على العبد الآبِق إذا سرق قطع ولا على الذمي. وعن ابن عباس قال: إنه لا يرى على العبد حداً ولا على أهل الأرض من اليهود والنصارى حداً,

ولم يترك المسلمون هذا التحديد فيمن تُحدد عليه العقوبة، بل حددواً أيضاً مقدار المال المسروق. فعن محمد قال: لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعداً. ورُوي أيضاً عنه: لا يقطع السارق إلا في عشرة دراهم. وعلى ذلك فإذا سرق شخص ربع دينار طبقوا عليه الحد. أما إذا اختلس أو انتهب مليون دينار فليس عليه عقاب! وكذلك أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين ليس عليهم حدود، بالرغم من أن محمداً رجم يهوديين زنيا في المدينة,

وقد أضاف بعضهم شرط العودة، أي تكرار السرقة، حتى يصدق على الشخص وصف السارق الذي ورد في الآية وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ (سورة المائدة 5: 38) وهذا الوصف في الآية لا يتحقق بفعلٍ واحد، وإنما يلزم له التكرار. كما استلزم البعض ألّا تكون بالسارق حاجة لما سرقه. فقد رفض ابن الخطاب أن يُقيم حدّ السرقة على غلمانٍ سرقوا ناقةً لجوعهم.

وللتعليق نقول:

يتطلّب حدّ السرقة شروطاً يصعب أن تتحقق فيلزم بها الحد. وهو لا ينطبق أيضاً على من يسرق أموال الدولة، لأن لكل فرد حقاً في مال الدولة، وهذا الحق هو ما يُسمى فقهياً بشبهة الملكية، وهي ما يسقط بها الحد فلا تقوم الجريمة أساساً. كما أن النص لا ينطبق على المختلس - كما ورد سابقاً - الذي يحوز مال الحكومة أو أي مؤسسة ثم يغيّر نيَّته فيحوز لنفسه ما كان يحوزه للحكومة.

حدّ القذف:

جاء في سورة النور 24: 4 وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.

وفى نفس السورة آية 23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

لم تحدَّد عقوبةٌ للقذف السب أو الاتهام بالزنا في الإسلام إلا في سورة النور، بعد اتهام بعض الصحابة لعائشة زوجة محمد بالزنا مع صفوان بن المعطل ، وهي القصة المعروفة في كتب التفسير والحديث بحادث الإفك (راجع الجزء الرابع من هذه السلسلة، فصل تعليقات على سورة النور).

وفضلاً عن عقوبة الجَلد فإن آيتي 4 و23 من سورة النور أَلحقتا بالقاذف وَصف الفسق واللعنة في الدنيا والآخرة، وكذلك إسقاط شهادته. وقال البعض إن الحكم القرآني اقتصر على تأثيم قذف النساء، ولكن البعض الآخر رأى التسوية بين قذف الرجال وقذف النساء، وأوجب الحدّ فيهما معاً، مع مخالفة ذلك لظاهر النص. وهناك بعض الأحاديث في عقوبة قذف الرجال، ولكن أكثر علماء الحديث حكموا بضعفها أو وضعها.

وهذا مثل حديث عكرمة ابن عباس عن النبي قال: إذا قال الرجل للرجل يا مخنَّث فاجلدوه عشرين، وإذا قال الرجل للرجل: يا لوطي فاجلدوه عشرين, وهذا الحديث مطعون فيه من طريق عكرمة، فقال أكثر من واحد إنه متروك الحديث.

حد الزنا:

قرر محمد تأثيم الزنا وتقرير عقوبته على ثلاث مراحل:

1 - وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (سورة النساء 4: 15) فالعقوبة هنا هي الحبس المطلق، أو قيام سبيل من الله.

2 - وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَّوَاباً رَحِيماً (سورة النساء 4: 16) والعقوبة هنا هي الإيذاء غير المحدد، المتروك تقديره لولي الأمر.

3 - الّزَانِيَةُ وَالّزَانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمْا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (سورة النور 24: 2) 24 سورة النور. إذن فعقوبة الزنا قرآنياً هي الجَلد مائة جلدة لكلٍ من الزاني والزانية. غير أن النبي عاقب بالرجم، ورُوي في ذلك أنه كانت هناك آية في القرآن تُسمَّى آية الرجم لكنها نُسِخَتْ نصاً مع بقاء حكمها,

تاريخ الرجم:

أول ما أمر محمد بالرجم كان في واقعة زنا حدثت بين يهودي ويهودية احتكم فيها اليهود إلى محمد، فأمر برجمهما بحسب حكم التوراة في التثنية 33: 23,22.

وفي كتابه أصول الشريعة قال المستشار محمد سعيد العشماوي: إذا كان النبي قد سار على حكم التوراة، فأمر بالرجم بعد ذلك مع أنه مشكوك فيه أنه رجم بعد نزول آية الجَلْد فهل يعني ذلك أن النبي نسخ بفعله هذا حكم القرآن، أم أن ما فعله يمكن أن يُحمل على أنه حكم خاص بالنبي وحده!؟ فالثابت قرآنياً أن هناك أحكاماً خاصة بالنبي وحده، كالزواج بأكثر مِن أربعة، وعدم حقه في أن يطلّق أزواجه، وعدم حل أزواجه لأحدٍ مِن المسلمين بعده.

وبالرغم من أن محمداً أمر برجم يهوديين زنيا إلا أن هناك أحاديث تقرر عدم جواز ذلك، فقد ورد عن محمد ليس على العبد، ولا على أهل الكتاب حدود,

شروط تطبيق الحد:

وضع الإسلام شروطاً لتطبيق حد الزنا تكاد تجعله مستحيلاً إلا إذا اعترف الزاني، فقد اشترطوا رؤية أربعة رجال عدول للزانيَين، ولا تُقبَل شهادة المرأة، وضرورة التأكد من شخصية الزانيين، ورؤية الفعل تفصيلاً وفي وضح النهار, رُوي عن عمر : ارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد فجمع عمر بينهم (الشهود) وبين المغيرة (الزاني)، فقال المغيرة: سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني: مستقبِلهم أم مستدبِرهم؟ وكيف رأوا المرأة وعرفوها؟ فإن كانوا مستقبِليَّ فكيف لم أستتر؟ أو مستدبِريَّ فبأي شيءٍ استحلّوا النظر إليَّ في منزلي وعلى امرأتي؟ والله ما أتيتُ إلا امرأتي، وكانت شبهها (يعني شبه الزانية). فبدأ عمر بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة. فسأله عمر : كيف رأيتَهما؟ قال: مستدبرهما، قال: فكيف استثبت رأسها؟ قال: تحاملت. ثم دعا بشبل. فشهد بمثل ذلك، وكذلك نافع. ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم، بل قال إنه لم يره كالميل في المكحلة والرشاء (الحبل) في البئر. فأمر عمر بالثلاثة أن يُجلدوا حد القذف,

وتقدم الرواية السابقة نموذجاً رائعاً لمذكرة الاتهام. فالشهود متوافرة، وقد رأوا الواقعة نظراً لظروف البناء وقتها والحد كان على وشك أن يُقام لولا تلجلج زياد في جزئية أورثت شبهة، فما كان من عمر إلا أن طبَّق قول محمد ادرأوا الحدود ما استطعتم عن المسلمين، فإن وجدتم للمسلم مخرجاً فأخلوا سبيله، فخيرٌ للإمام أن يخطئ في العفو من أن يخطئ في العقوبة,

فكما ترى أن جريمة الزنا في التشريع الإسلامي بأركانها وشروطها جريمة يصعب إثباتها. فإن حدثت بصورة يمكن إثباتها تكون أقرب إلى الفعل العلني الفاضح الذي يفعله شخصٌ لا يتحرّج عن الظهور أمام الناس بما يخدش الحياء. فالزنا إن حدث في الخفاء، أو بغير أن يشهده أربعة موثوق بهم، فإن الزاني يفلت من الحد!

وكان محمد يحاول أن يجد مخرجاً للزاني. ورد في البخاري عن أنس قال: جاء رجل إلى النبي وأنا عنده، فقال: يا رسول الله، أصبتُ حداً فأقِمْه عليَّ. فلم يسأله النبي عنه. وحضرت الصلاة فصلى مع النبي. فلما قضى النبي الصلاة قام إليه الرجل فقال: يا رسول الله إني قد أصبت حداً فأقم فيَّ كتاب الله. قال النبي: أليس قد صليتَ معنا؟ قال: نعم، قال: فإن الله قد غفر لك ذنبك، أو قال: حدك,

وفي حديث ماعز عن ابن عباس قال: لما أتى ماعزُ بن مالك النبيَّ، قال له النبيُّ: لعلك قَبَّلْتَ أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أَنِكْتَهَا لا يكني ، قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه (ألم يكن من الأدب أن يقول من أدعى النبوة وكرم الأخلاق لماعز: (هل ضاجعتها) بدل قوله السابق؟)

ولم يقرر محمد رجماً على العبيد والإماء، بل قال: إذا زنت الأمَة، فتبيَّن زناها، فليجلدها ولا يثرب، ثم إن زنت فليجلدها ولا يُثَرِّب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبلٍ من شعر, فلو كان محمد يقصد قداسة أتباعه لما فرَّق بين أمَة وحُرّة أو أسياد وعبيد.

(د)حدّشُرب الخمر:

لم يقرر الإسلام في بادئ الأمر أي إثمٍ على الخمر، لا قرآنياً ولا نبوياً، بل تم ذلك بتدرُّج مرحلي. بدأ قرآنياً بقول القرآن: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً (سورة النحل 16: 67). ثم قال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا (سورة البقرة 2: 219) ، ثم بعد ذلك قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ (سورة النساء 4: 43) ، وأخيراً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة المائدة 5: 9 ).

أما في السُنّة والحديث فلم يقرر محمد أي عقوبة محددة على الخمر، بل كان يضرب فيها بالجريد والنعال, ومما يدل على عدم تقرير محمد أية عقوبة على شرب الخمر ما قاله علي بن أبي طالب : ما كنت أُؤدي (أدفع دية) من أقمتُ عليه الحدّ (أي مات أثناء التطبيق) إلا شارب الخمر، فإن رسول الله لم يسنّ فيه شيئاً. إنما هو شيء جعلناه نحن, والأصل فيما قاله علي هو اجتهاد عليّ نفسِه حين سأله عمر عن شرب الخمر، لأنها كانت منتشرة وقتها لعدم تقرير عقوبة عليها، فقال علي: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، وحدّ المفتري ثمانون جَلدة,

تساؤلات حول الخمر:

أثار المستشار سعيد العشماوي في كتابه أصول الشريعة ثلاثة تساؤلات حول الخمر:

1 - هل الخمر محرّمة (مع عدم وجود نص بذلك) أم مأمور باجتنابها وهو ما ورد به نص؟

2 - ما هي الخمر المقصودة في النص؟

يرى جمهور الفقهاء أن الخمر - لغةً - هو ما خامر العقل فخمره (غيَّبه عن الوعي)، وفي ذلك رُوي عن النبي كل مسكر حرام. ويرى آخرون أن الخمر لا تُطلَق إلا على النيئ من ماء العنب إذا غلا واشتد، وأن الخمر الوارد في هذه الآية هو هذا النوع لا سواه ( العقوبة لمحمد أبو زهرة، والرأي لأبي حنيفة). وأما ما عدا هذا النوع من الخمور فلا يُعتبر خمراً، ولكنه إن أسكر أوجب الحد قياساً لا نصاً لأن هناك أنبذة تؤخَذ من أطعمة حلال مثل نبيذ الذرة والحنطة والشعير والذرة والعسل والتين وقصب السكر والتفاح. وهذه (في رأي أبي حنيفة) لا حدَّ فيها، لأن الأصل فيها الحل، والسُّكر طارئ عليها. فلا عبرة بالطارئ، وإنما العبرة بالأصل وحده.

3 - هل هناك عقوبة محدَّدة شرعاً للخمر؟

اختلف الفقهاء في ذلك، لأن القرآن لم يتضمن أي عقوبة، كما أن النبي لم يأمر بحدّ واضح وإنما ضرب بالأيدي والجريد والنعال والثياب، وترك أحياناً مَن شرِب الخمر ولم يفعل به شيئاً سوى أنه ضحك وقال: أَفَعلها؟. ولكن العقوبة المقررة حالياً مجرد اجتهاد فقهاء كما سبق ووضحنا.

هل حرّم محمد الخمر فعلاً؟

من المشكوك فيه تحريم محمد للخمور والأنبذة على الإطلاق، ولكنه حرّم السُّكْر فقط، فقد ورد في صحيح مسلم كتاب الحج باب فضل القيام بالسقاية,

عن بكر بن عبد الله المُزني قال: كنت جالساً مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي، فقال: مالي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ. أَمِن حاجةٍ بكم أم مِن بُخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله، ما بنا حاجة ولا بخل! قَدِم النبيُّ على راحلته وخلفه أسامة فاستسقى، فأتيناه بإناءٍ من نبيذ، فشرب وسقى فضله أسامة، وقال: أحسنتم وأجملتم. كذا فاصنعوا فلا نريد تغيير ما أمر به الرسول.

وهناك أيضاً أثر ورد في العقد الفريد لابن عبد ربه ابن عبد ربه (باب احتجاج المحِلّين للنبيذ كله): أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت، فأُتي بنبيذ من السقاية، فشمّه، فقطب. ثم دعا بذَنوبٍ مِن ماء زمزم، فصُبَّ عليه ثم شربه. فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا.

وقال الشعبي: شرب أعرابي من إداوة (إناء صغير للماء) لعمر، فانتشى، فحدّه عمر ، وإنما حدّه للسُكر لا للشراب (لاحظ أن الإناء والخمر التي به كانا لعمر وليس للأعرابي).

حد الرِدّة:

قبل أن نعرض الآراء في حد الرِدّة ذاته سوف نستعرض أشهر من قُتِلوا بتهمة الكفر والارتداد عن الإسلام منذ وفاة النبي وحتى اليوم.

تاريخ الفكر الدموي:

لعل أول من قتلَتْهُ فتوى هو عثمان بن عفان بن عفان ، وكانت الفتوى صادرة من عائشة زوج النبي، فكانت تقول: اقتلوا نعثلاً. لعن الله نعثلاً (نعثل اسم رجل مسيحي من المدينة كانوا يشبّهونه بعثمان لعِظم لحيته). ثم تذكر كتب السيرة بعد ذلك منع الناس من الصلاة عليه لكفره، ودفنه في مقابر اليهود.

وفي فترة الخلافة العباسية قُتل الحلاج الصوفي بتهمة الكفر، فصُلب وقُطِعت أطرافه وحُرقت جثته. وفي خِلافة أبي جعفر المنصور قُتل ابن المقفع بتلفيق تهمة الكفر له، وأمر المنصور بشيّ أعضائه وإطعامها له ",,

أما في العصر الحديث فقد قامت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقتل الشيخ حسين الذهبي لأنه انتقد فكرَهم، فاتهموه بالكفر وقتلوه. وبعد ذلك قامت جماعة الجهاد في مصر (عام 1992) بقتل الدكتور فرج فودة لأنه انتقد فكرهم أيضاً، فكانت فتوى من أميرِهم بأنه كافر ومرتد، لذلك يجب أن يُقتَل، فقُتِل! وقد أصدر الخميني قبل موته فتواه الشهيرة بقتل سلمان رشدي لارتداده وكتابته كتاب آيات شيطانية.

وتلاحظ أن هذه التهمة تُلصق دائماً بالمخالفين في الرأي، وفي الرأي فقط. فأشهر من اتُّهِموا بالارتداد لم يحمل أحدهم سيفاً وما كان يوماً عنيفاً، بل أحياناً تُلقى هذه التهمة على أئمة الإسلام كأحمد بن حنبل ومالِك بن أنس وابن تيمية ، الذين سُجِنوا وعُذِّبوا لأنهم مرتدون من وجهة نظر مُعارضيهم. فهل حد الردّة هو القفاز الذي يُلقى في وجه من يخالفك في الرأي، فتتحيَّن الفرصة لقتله لأنه كافر؟

آراءٌ في الردّة:

أنكر بعض المفكرين المسلمين حد الردّة، ومنهم محمد سعيد العشماوي.يقول في كتابه أصول الشريعة :

كان أساس الدولة في العصور الوسطى يخالف أساس الدولة في العصر الحديث. ففي تلك العصور لم تكن فكرة الدولة في ذاتها واضحة محددة، وكان الدين هو أساس الدولة، كما كان التدين هو الجنسية وهو المواطنة. ففي الشرق الأدنى كان الإسلام هو الدولة، وفي أوربا كانت المسيحية. وكان المسلم مواطناً في أي مجتمع إسلامي وعضواً في كل جماعة مسلمة، كما كان المسيحي كذلك في المجتمع المسيحي والجماعات المسيحية. وكانت الأقلية الدينية تتمتع بحماية الأغلبية.

وبهذا المفهوم يُعتبر الخروج من الدين اقتراف جريمة الخيانة العظمى، لأن الذي يترك دينه إنما ينضم إلى دين الأعداء، وهو دولتهم. لذلك رُوي عن النبي أنه قال: مَنْ بَدَّل دينه فاقتلوه. وقال: لا يحل دم مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. ولم يحدد النبي القصد بتبديل الدين: هل هو أي تبديل ولو كان إلى الإسلام من غيره؟ أم أن القصد تغيير الإسلام إلى غيره؟ غير أن السياق يفيد المعنى الأخير. ومِن ثمَّ فقد رُئي أن القتل هو جزاء المرتد عن شريعة الإسلام. وهناك خلاف فيما إذا كان يُستتاب أم لا.

على أنه لم يثبت أن النبي أقام حد الردّة على أحد.

(ولنا تعليق سنورده بعد كلام العشماوي).

ويورد المستشار سعيد العشماوي في ذلك آياتٍ قرآنية:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ (سورة البقرة 2: 256)

أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ؟ (سورة يونس 1 : 99)

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُُّهُمْ جَمِيعاً (سورة يونس 1 : 99)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (سورة المائدة 5: 69)

وتترك هذه الآيات للناس حرية اختيار الدين، ولا ترى إكراههم على الإسلام. ومن جانب آخر فإن عدم إكراههم على الإسلام ابتداءً يفيد عدم الإكراه للاستمرار عليه. ولا شك أنه لا خير فيمن يظل مؤمناً بدينه على خوف أو على إكراه. فمن أراد تغيير دينه حراً مختاراً فإن دينه براء منه. لن يخسر بفقدانه شيئاً، بل الخسارة في بقائه ملحداً به في البطن وهو في الظاهر يدّعي الإيمان.

هذا هو كلام أحد علمائهم، ولكن هناك من يعترض عليه ومن يؤيده. وسنورد الرأيين، ولكن قبل هذا نذكر تعليقنا على ما قاله سعيد العشماوي.

هل طبَّق النبي حد الردّة؟

ذكر العشماوي أن النبي لم يطبق حد الردّة. وقد اعترض البعض على ذلك مستندين إلى أحاديث البخاري في كتاب المحاربين من أهل الكفر والردّة حيث ذكر عن أنس أنس قال: قَدِم على النبي نفر من عُكل فأسلموا فاجتووا (أتوا) المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا. فصحُّوا وارتدّوا وقتلوا رعاتها واستاقوا الإبل. فبعث في آثارهم فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم لم يحمهم (يكوي جراحهم) حتى ماتوا.

ويقول البعض إن النبي لم يطبق عليهم حد الردّة بل حد الحِرابة (سنتكلم عنه لاحقاً) وهذا واضح من قطع أيديهم وأرجلهم لأنهم قتلوا الرعاة وسرقوا الإبل.

طريقان لا غير:

هناك طريقان للتعامل مع المرتد: إما أن نعتبره مجنوناً ونتركه حياً، مع حرمانه من كل حقوق المواطنين، أو أن نُنهي حياته بالقتل. ومن المؤكد أن الطريقة الأولى أشد قسوة من الثانية لأنها تجعله لا حياً ولا ميتاً، فالقتل أفضل له، إذ يضع نهاية لعذابه ولعذاب المجتمع في وقت واحد.

هذا الكلام السابق ليس لأحد الكتَّاب الذين يهاجمون الإسلام، لكنه للشيخ أبي الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان، في كتابه عقاب المرتد الذي نقتبس منه أيضاً قوله: عندما توضع عقوبة الإعدام للمرتد موضع التنفيذ في حكومة إسلامية جديدة يبقى المسلمون داخل الجماعة المسلمة. لكن هناك خطر من وجود عدد كبير من المنافقين بينهم، وهذا يمثل تهديداً دائماً بالخيانة. وحلاً لهذه المشكلة أرى أنه حينما تقع ثورةإسلامية يُعلن جميع المسلمينغير الملتزمين تحّوُلهم عن الإسلام وخروجهم من المجتمع المسلم.. وذلك خلال عام واحد. وبعده يُعتَبَر المسلمون بالمولد مسلمين، وتسري عليهم كل القوانين الإسلامية، ويكونون ملزَمين بأداء كل فرائض الدين الواجبة. ومن أراد منهم بعد ذلك ترك الإسلام يُعاقَب بالإعدام.

ونعرض رأياً ثالثاً لأحد أئمة الطائفة الأحمدية، التي يعتبرها كثير من علماء الإسلام خارجة عن الإسلام ومن ينتمي إليها مرتد هو ميرزا طاهر أحمد إذ يقول: إن حرية التحول من الدين وإليه هي المحك الحقيقي لمبدأ لا إكراه في الدين. لا يمكن أن تكون الحرية في اتجاه واحد، هو اتجاه دخول الإسلام، ثم لا مخرج منه. هناك عشر إشارات في القرآن إلى الرجوع عن الإسلام، إحداها مكية في سورة النحل والتسع الباقية مدنية. ولم يرِد قط في أي واحدة منها ولو تلميحاً أن الإعدام جزاء من يرجع عن الإسلام. ويقول في موضع آخر من نفس الكتاب هناك آية في سورة النساء تقول: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (سورة النساء 4: 137). فكيف يمكن للمرتد أن يتمتع بمهلة التردد بين الإيمان والكفر إذا كانت عقوبته القتل؟ فليس عند المقتول فرصة ليؤمن ثم يرتد مرة أخرى!. ويروي ميرزا طاهر أحمد طاهر أحمد قصة عفو النبي عن عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي كان كاتباً للوحي، ثم تنصّر ولجأ لمكة، فطلب النبي قتله يوم الفتح ولو كان متعلِّقاً بأستار الكعبة. فتشفَّع فيه عثمان بن عفان بن عفان لأنه أخوه في الرضاعة، فتركه النبي. ثم يقول ميرزا طاهر أحمد : وهكذا لا نجد هناك ولا شاهداً واحداً على أن النبي عاقب أحداً لارتداده عن الإسلام,

هل أمر محمد بقتل المرتد؟

المرتد يُقتَل!.. المرتد لا يُقتل بل يُستتاب!.. المرتد يُحبَس!

هذه العبارات ليست هذياناً وليس تهكماً، ولكنها حكم الإسلام. فالمرتد في الفقه الإسلامي يُقتَل، ولا يُقتَل، ويُحبَس، ويُستتاب، وكل هذه لها شواهد عند أهل الحديث. فمحمد يقول: من بَدّل دينه فاقتلوه, ولكنه لم يقتل عبد الله بن سعد بن أبي سرح، الذي كان كاتباً للوحي فتنَصَّر وترك المدينة إلى مكة, وعند فتح مكة أمر محمد بقتله ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة هو وابن خطل ولكنه لم يقتله لأن عثمان بن عفان طلب له الأمان,

أحاديث الردّة:

من المناسب أن نذكر الأحاديث التي وردت في عقوبة المرتد ونعلّق عليها من حيث السند والنص. وأول هذه الأحاديث وأشهرها:

1 - عن عكرمة قال: أتى علي بزنادقة، فأحرقهم. فبلغ ذلك ابن عباس ، فقال: لو كنتُ أنا لم أحرقهم، لنَهْي رسول الله لا تعذِّبوا بعذاب الله ولقتلتُهم لقول رسول الله مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه. فبَلَغَ ذلك علياً فقال: ويح ابن عباس.

2 - وردت عدة أحاديث في سنن الدارقطني ، تحمل معنى واحداً وهو المرتدة عن الإسلام تُحبَس ولا تُقتَل.

3 - وردت أحاديث أخرى في سنن الدارقطني تحمل معنى مخالفاً وهو كل مرتد عن الإسلام مقتول إذا لم يرجع، ذكراً كان أم أنثى.

وللتعليق نقول:

سنتناول أولاً الأحاديث التي وردت في شأن المرتد في سنن الدارقطني، وقد تكلم محمد شمس الحق شمس الحق ، صاحب التعليق المغني على الدارقطني في بعضها وقال:

1 - حديث 118 لا تُقتَل المرأة إذا ارتدت فيه عبد الله بن عيسى كذاب.

2 - حديث 119 عن ابن عباس في المرأة ترتد، قال تُجبر ولا تُقتَل خالفه جماعة من الحفّاظ في المتن.

3 - حديث 12 المرتدة عن الإسلام تُحبَس ولا تُقتَل فيه محمد بن عبد الملك وضّاع بن عبد الملك وضّاع.

4 - حديث 122 أمر النبي بعرض الإسلام على أم مروان فإن رجعت وإلا قُتِلَتْ فيه معمر بن بكار وفي حديثه وهم.

5 - حديث 125 ارتدّت امرأة فأمر النبي أن تُستتاب وإلا قُتِلت فهو حديث منكر لأن فيه عبد الله بن أذينة.

6 - حديث 128 كل مرتد عن الإسلام مقتول فيه أبو جعفر أبو جعفر سيئ الحفظ. هذا ما قاله صاحب التعليق، بينما سكت عن أحاديث أخرى مما يعني صحة إسنادها. ويعني أيضاً أن لدينا أحاديث بقتل المرتد، وأحاديث أخرى بعدم قتله، وكلها صحيحة. أما الحديث الأول (حديث عكرمة عن ابن عباس) فقد ورد في معظم كتب الصحاح، والمفترض فيه الصحة. ولكن لنفحص هذا الحديث من حيث الراوي والسند والنص.

يقع هذا الحديث في طائفة أحاديث الآحاد (أي رواه راوٍ واحد، هو عكرمة). ومن الممكن أن يكون الحديث صحيحاً ومعتبراً، ولو كان من طريق راوٍ واحد. ولكنه لا يتساوى مع حديث له أكثر من طريق.

عكرمة:

وإذا بحثنا في شخص عكرمة نفسه نجد أنه كان رقيقاً عند ابن عباس وتلميذاً له، ولم يكن تلميذاً متحمساً بشهادته هو، حيث كان يقول إن ابن عباس كان يقيّده من يديه ورجليه ويعلّمه القرآن والسنّة, ويقول الذهبي إن عكرمة كان من المعارضين لعلي ، وكان يميل إلى الخوارج، وكان خارجياً، وروايته مريبة لا يُعتدّ بها. وكان مالك بن أنس يصنّف الأحاديث المروية عن عكرمة في بند الضعيفة الواهية.

ويرى بعض العلماء مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وعلي بن عبد الله بن عباس وعطاء بن أبي ربيع أن عكرمة كان يميل إلى المبالغة,

ومن طريف ما يُروى عن عبد الله بن الحارث أنه عندما زار علياً بن عبد الله بن عباس وجد عكرمة مقيّداً خارج باب علي ، فقال لعلي : ألا تتّقي الله فيه؟ فأجابه علي بأن عكرمة كان يعزو أقوالاً باطلة إلى أبيه عبد الله بن عباس.

هذا هو الرجل الذي روى الحديث، وهو المرجع الوحيد الذي تتوقف عليه حياة الذين يُغَيّرون.. أو يُتَّهَمون بتغيير عقيدتهم.

موضوع الحديث:

إذا فحصنا موضوع الحديث وجدنا في بعضه أموراً غريبة:

1 - شخص في منزلة علي إسلامياً، هل يجهل منع الإسلام تعذيب الإنسان بالنار؟

2 - جملة مَنْ بَدَّل دينه فاقتلوه يمكن تفسيرها بعدة طرق. وهي على إطلاقها تَصْدق على الرجال والنساء والأطفال. ومع ذلك اختلف كثير من الفقهاء في هل تُقتَل المرأة المرتدة والطفل أم لا.

3 - لفظة دينه لفظة عامة لا تحدد ديناً معيناً. وعلى هذه الدلالة في لغة القانون يُقتَل كلمن يترك دينه لدين آخر.

لقد أطلنا الشرح في عقوبة المرتد في الفقه الإسلامي لنبيّن أن حياة الإنسان إسلامياً يمكن أن تُنهى نتيجة نسيان راوٍ أو ضعفه، وأنه بإمكانك أن تجد مبرراً إسلامياً لكل ما تفعل، سواء قلت بقتل المرتد أم لا.

أين هذا من تعاليم الراعي الصالح الذي يترك التسعة والتسعين ليبحث عن الواحد الضال حتى يُعيده ثانية حاملاً إياه على كتفيه فرِحاً؟ (لوقا 15: 5)

جاء رجلٌ من عند أبي موسى الأشعري إلى عمر بن الخطاب، فسأله عمر : هل كان فيكم من مغربة خبر؟ (خبر غريب) فقال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه. فسأل عمر : فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه. فقال عمر: هلا حبستموه ثَلاثاً (أي ثلاثة أيام)، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستتبتموه لعله يتوب ويرجع لأمر الله؟ ثم قال عمر : اللهم إني لم أحضر ولم آمر ولم أرضَ إذ بلغني,,

ولنا سؤال: هل كان عمر لا يعلم حديث عكرمة أو لا يعلم أمر محمد بقتل المرتد؟ أم أن هذا الأمر اختُرِع بعد عمر ؟

حد الحِرابة (قطع الطريق):

جاء في سورة المائدة 5: 33 و34 إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

مناسبة هذه الآية أن قوماً قاموا من عرينة بقتل راعي أغنام محمد وسرقوا الغنم. فأرسل محمد مَن يأتي بهم. فلما جيء بهم، أمر أن تُقطع أيديهم وأرجلهم وتُفقأ أعينهم وأن يُتركوا في الصحراء حتى يموتوا1. والواضح من الآية وسبب نزولها أنها تقضي بالجزاء على من يُحارب الله ورسوله. فهل هي بذلك من الآيات الخاصة بشخص النبي، وأنه وحده الذي يوقّع الجزاء على من يحاربه ويحارب الله في شخصه؟

لقد جرى الفقه الإسلامي على اعتبار هذه الآية وهذا الحديث سنداً في إيقاع الحد على مَن يُحارب الجماعة وعلى قطع الطريق4,، مع أن هناك حديثاً يقول مَن حمل علينا السلاح فليس منّا 1. وهناك حديث آخر يقول: مَن خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهلية. ومَن قاتل تحت رعاية عمية يغضب لعصبيَّة، أو يدعو لعصبيَّة أو ينصر عصبيَّة، فقُتل، فقتلةٌ جاهليَّة. ومن خرج على أمتي بسيفه، يضرب برَّها وفاجرها. ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهدٍ بعهده. فليس مني ولست منه.

وهذان الحديثان لا يقرران حكماً على من يحمل السلاح على الجماعة أو يخرج عليها. فواضح بذلك أن الجزاء المنصوص عليه في الآية ليس جزاءً لمن يحمل السلاح على الجماعة أو يخرج على طاعتها، ولكنه خاص بشخص النبي. يؤيد ذلك سبب نزول الآية وظروف الحديث نفسه.

فقهٌ بلا فقه:

أوضح مثال للخلط هو توسُّع الفقه الإسلامي في تطبيق الآية على شيء ليست له. ولم يقتصر الأمر على تطبيق الآية والحديث في غير موضوعهما فقط، بل تعدّاهما إلى إعمال اجتهاد الفقهاء أيضاً. وطبقاً لذلك أصبح كل مَن يخالف الحاكم أو الفقيهفي الرأي يُتَّهم بالحرابة والخروج على الجماعة. ولو كان الخروج على أية جماعة كفراً، فسوف نجد أن جميع الأنبياء كفار، لأنهم خرجوا على جماعتهم وأتوا بما يخالف اعتقاد هذه الجماعة! بل أن بعضهم حمل السلاح على جماعته. فهل الخروج علىأي جماعة يُعتبر كفراً، وإن كانت جماعة فاسدة!؟

قد يُرَدُّ على هذا الكلام بأن الحرابة الموجبة للحد هي حمل السلاح على الجماعة المسلمة.

ولكن هذا الكلام لا يخلو من غلط، فالآية والحديث تعاقب مَن يحارب الله ورسوله. وقد يقوم مدعٍ فيقرر أن جميع الأمة خارجة على الله ورسوله، كما تفعل جماعات الإسلام السياسي. فكيف الحل؟ هل تقوم الأمة أيضاً بإلقاء نفس القفّاز في وجوه مخالفيها وتتّهمهم بالخروج على الجماعة، فيستحقون القتل؟ وتكون النتيجة سيولاً من دماء؟

6 - أحاديث النكاح والزواج

تبنَّى الإسلام من المرأة عموماً، سواء كانت زوجة أو أماً أو بنتاً، نفس النظرة التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية في زمن محمد. وسنحاول في هذا الفصل أن نعرض وجهة النظر الإسلامية في المرأة من خلال الأحاديث التي رواها أصحاب محمد عنه.

مكانة المرأة:

أول ما يطالعنا في شأن المرأة وضعها الغريب ككائن أقل من الرجل، فالاسم الذي اختاره المسلمون للزوج هو البعل وهو يعني السيد أو الرب أو الصاحب، مما يعني امتلاكه للمبعولة (الزوجة) أو المربوبة. وقد صار هذا التقليد حتى اليوم في كل الدول العربية الإسلامية حتى في أعلى المستويات ثقافياً واجتماعياً، فتجدهم يقولون حرم الرئيس أو حريم السلطان.

محمد والمرأة:

وإذا حاولنا أن نرسم صورة المرأة في الإسلام من خلال الأحاديث فسنجدها تقول:

1 - إن المرأة تُقبِل في صورة شيطان وتُدبِر في صورة شيطان، فإذا أحدكم أعجبته امرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلى امرأته فليواقعها، فإن ذلك يردُّ ما في نفسه.

2 - إن المرأة خُلِقَت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوَج، وإن ذهبْتَ تُقيمها كسَرْتَها، وكسرها طلاقها.

3 - لولا بنو إسرائيل لم يخنز (يفسد) اللحم، ولولا حواء لم تخُن أنثى زوجها الدهر.

4 - إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تُصبِح.

5 - لو كنتُ آمر أحداً أن يسجد لأحدٍ، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها.

6 - لا يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته عليه

7 - ثلاثة لا تُقبَل لهم صلاة، ولا تصعد لهم حسنة: العبد الآبِق حتى يرجع إلى مواليه، والمرأة الساخط عليها زوجها، والسكران حتى يصحو.

8 - ما تركتُ بعدي فتنةً أضرّ على الرجال من النساء

9 - اطَّلعتُ في النار فرأيت أكثر أهلها النساء، وأطَّلعتُ في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء

1 - الشؤم في ثلاثٍ، في: المرأة، والفرس، والدار

11 - الحصير في ركن البيت خيرٌ من امرأة لا تلد, وهذا الحديث ضعيف، ولكن له طرق أخرى يقوي بعضها بعضاً.

12 - النساء ناقصات عقلٍ ودين

صورة المرأة:

المرأة بناءً على الأحاديث السابقة هي:

الشيطان الذي لم تُترك فتنة على الرجال أشد منها، والضلع الأعوج الذي لا يستقيم، وهي أكثر أهل النار، وناقصة عقلياً ودينياً، ولا تساوي أكثر من حصير إذا كانت عاقراً، وهي مَن يُضرَب دون أن يُسأل ضاربها عن السبب، وهي تكاد أن تكون جاريةً عند زوجها حتى كاد النبي أن يأمرها بالسجود له، وهي وسيلة التفريغ الجنسي لزوجها، وهي مأمورةٌ بإجابة زوجها في شهواته تحت أي ظرف، وإن هي رفضت لعنَتْها الملائكة، وهي أحد رموز الشؤم.

ولنا أن نسأل: هل هذا هو التكريم؟ هل هذه هي الصورة التي يقدمها الله ورسوله للمرأة؟

المرأة والزواج:

بالرغم من تحديد محمد للزوجات بأربع، فإننا لا نكاد نجد في صحابته من التزم بهذا. فقد تزوج كل من عمر وعلي وعثمان بن عفان تسعاً. ولعل عليّاً تزوجهن بعد وفاة محمد ، فقد رفض محمد أن يتزوج عليٌّ زوجة أخرى مع فاطمة ابنة محمد. وسبب هذا العدد الكبير من الزوجات أن محمداً جعل لهم في الطلاق وسيلة بديلة عن تعدد الزوجات، فكانوا يتزوَّجون ويطلقون كيفما شاءوا، بالإضافة إلى ما ملكت أَيْمانهم. ومن الصحابيّات من تزوَّجت بأكثر من أربع، كعاتكة بنت زيد ابنة عم عمر بن الخطاب تزوجت عبد الله بن أبي بكر وعمر بن الخطاب وطلحة بن عبيد الله ومحمد بن أبي بكر بن أبي بكر وعمرو بن العاص.

قيمة المرأة:

رُوي عن سهل بن سعد : أن رسول الله (ص) جاءته امرأة فقالت: يا رسول الله، جئت أهب لك نفسي. فنظر إليها رسول الله (ص) فصعّد فيها النظر وصوّبه ثم طأطأ رأسه. فلما رأت المرأة أنه لم يقضِ فيها شيئاً جلست. فقام رجلٌ من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجة فزوِّجنيها. فقال: وهل عندك شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله. فقال: اذهب إلى أهلك فانظر، هل تجد شيئاً؟ فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدتُ شيئاً. فقال محمد : انظر ولو خاتماً من حديد. فذهب ورجع فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا ردائي. فقال سهل: ما له رداء غيره، فلها نصفه. فقال رسول الله: ما تصنع بإزارك؟ إن لبسْتَه لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسَتْهُ لم يكن عليك منه شيء. فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله مُولِّياً فأمر به فدُعي. فلما جاء سأله: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا. فقال: تقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم. قال: اذهب فقد ملكتها بما معك من القرآن.

فهل إلى هذا الحد تُمتَهَن المرأة حتى تُمَلَّك لأي شخصٍ وبأي ثمنٍ؟!

محمد وتعدد الزوجات:

أمر محمد أصحابه بتعدد الزوجات، أو قل أباحه لهم. فهل كان هو نفسه يقبل تعدد الزوجات؟

هذا أمرٌ فيه نظر، فقد رُوي عن النبي أنه قال: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب ، فلا آذن، ثم لا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما ابنتي بضعةٌ مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما أذاها,

فبالرغم من أن محمداً أباح تعدّد الزوجات لنفسه ولأصحابه، إلا أنه لم يقبله لزوج ابنته، لأنه يعلم ما في ذلك من إيذاءٍ للمرأة.

وهناك حديث آخر لمحمد عن عائشة قالت: جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي فقالت: إني كنت عند رفاعة فطلَّقني، فبتَّ طلاقي (أي طلقها ثلاث مرات) فتزوجتُ بعده عبد الرحمن بن الزبير، وما أنا معه إلا مثل هُدبة الثوب (كناية عن الضعف الجنسي). فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك كناية عن الجماع نعتقد أن هذا الحديث لا يحتاج منا إلى تعليق، فمكانة المرأة ومشاعرها عند محمد تتجلى فيه بأوضح صورة.

الإسلام والطلاق:

في موقف الإسلام من الطلاق امتهان للمرأة، فليس للمرأة حقٌّ في طلب الطلاق. قال محمد : أيُّما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة والزوج إذا طلق امرأته له أن يعيدها إليه في أي وقت يشاء قبل انقضاء عدّتها (ثلاثة أشهر) دون أن يحتاج إلى موافقتها. أما إذا أرادت المرأة أن تترك زوجها فعليها أن تردّ له كل شيء لها، أو أن تشتري نفسها منه، وهو ما يُسَمّى في الإسلام الطلاق بالخُلع فقد ورد عن نافع أن صفية بنت أبي عبيد اختَلَعَتْ من زوجها بكل شيء لها فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر

حديث فاطمة بنت قيس:

عن فاطمة بنت قيس في المطلقة ثلاثاً أن النبي قال: ليس لها سكنى ولا نفقة

وقد أثار حديث فاطمة هذا جدلاً كبيراً بين أصحاب محمد أنفسهم، فقد طعن فيه عمر بن الخطاب وعائشة وأسامة بن زيد أسامة بن زيد ومروان بن معاوية وسعيد بن المسيب، وغيرهم.

ولنا أن نسأل: إذا كان الحديث صحيحاً رواه مسلم وغيره، فما موقف الذين طعنوا فيه؟ وإن كان الطاعنون فيه على صواب، فما قوة الحديث، وبالتالي ما هي قوة صحيح مسلم؟

وهل للمطلقة ثلاثاً نفقة وسُكنى أم لا؟

هذا هو ما قاله محمد عن المرأة والزواج. ولعل أعجب وأغرب شيء هو إباحة محمد لزواج المتعة (سنتكلم عنه تفصيلياً في الفصل القادم) الذي لا يخرج عن كونه زنا مقنّناً.

ولنا سؤال أخير: هل هذه هي شريعة الله؟

7 -أحاديث زواج المتعة

زواج المتعة من المواضيع التي أرَّقَتْ كثيرين من علماء المسلمين إلى اليوم، وهو من أكثر المواضيع التي اختلف عليها الفقهاء. فما هو زواج المتعة؟ ولماذا كل هذا الاختلاف حوله؟

طبيعة زواج المتعة:

زواج المتعة هو الزواج لأَجَلٍ (زواج مؤقّت) مقابل أجرٍ (مهر) يُتَّفق عليه بالتراضي، ولو كان قبضةً من تمرٍ أو من دقيق، وينتهي بانتهاء المدة المحدَّدة بغير حاجة إلى إجراءات طلاق. وله حدٌّ أدنى لدى السنّة ثلاثة أيام وليس له حدٌّ أقصى، أما عند الشيعة فقد يكون الأَجَل ساعة وقد يكون عدة سنوات، ويثبت بزواج المتعة نسب الأبناء وميراثهم. أما الزوجة فلا ترث وليس لها نفقة إلا إذا اشترطت ذلك عند الزواج.

وزواج المتعة غير محدد بعدد كالزواج العادي، فقد رُوي عن ابن جريج فقيه مكة أنه تزوج سبعين امرأة بالمتعة تأكيداً لحلِّها. ويجوز إسلامياً تجديد مدة الزواج بعد انتهاء المدة المتفق عليها مرّة ومرّات دون الحاجة إلى محلِّل ( إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة لمصطفى الرافعي، و روح التشيُّع لعبد الله نعمة وهما مرجعان شيعيان، يؤمن صاحباهما بحلّ المتعة، على عكس أهل السنّة).

بناءً على ما سبق يستطيع أي مسلم من وجهة نظر المُحلِّين للمتعة أن يتزوج أية امرأة مسلمة أو كتابية بعقد زواج محدد (خمس ساعات مثلاً) مقابل مبلغ محدّد يتفقان عليه (عشرة دنانير مثلاً). فإذا انتهت الساعات الخمس انتهى الأمر بلا حاجة للطلاق. (ماذا يفرق هذا عن الزنى …)

أحاديث المتعة:

نظراً لغرابة الموضوع وخطورته وحساسيته، ننقل نصوص أحاديث المتعة كما جاءت في كتب الحديث. وسنكتفي بالتعليق وتوضيح بعض الأمور في نهاية هذا الفصل، مكتفين بذكر روايةٍ واحدة للحديث دون ذكر المكرَّر.

صحيح البخاري:

جاء في صحيح البخاري أربعة أحاديث:

1 - عن أبي طالب أبي طالب قال نَهَى رسول الله عن المتعة عام خيبر وعن لحوم الحمُر الإنسية

2 - عن ابن عباس أنه سُئِل عن متعة النساء فرخّص فيها، فقال له أحد مواليه: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قِلّة أو نحوه فقال ابن عباس : نعم

3 - عن جابر قال: كنا في جيش فأتانا الرسول فقال إنه قد أُذِن لكم أن تستمتعوا، فاستمتِعوا

4 - عن سلمة بن الأكوع عن أبيه عن النبي قال: أيُّما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال. فإن أحبّا أن يتزايدا أو يتتاركا تتاركاً.

صحيح مسلم:

ورد في صحيح مسلم,تسعة وعشرون حديثاً أغلبها مكرر، ولذا سنذكر رواية واحدة لكل حديث دون ذكر المكرر. وجميعها من الباب المذكور:

1 - عن قيس قال: سمعت عبد الله يقول: كنا نغزو مع الرسول ليس لنا نساء، فقلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك. ثم رخَّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أَجَلٍ. ثم قرأ عبد الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ,(سورة المائدة 5: 87)

2 عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: خرج علينا منادي الرسول، فقال: إن الرسول قد أذن لكم أن تستمتعوا، يعني متعة النساء

3 - قال عطاء : قدم جابر فجئناه في منزله، فسأله قوم عن أشياء. ثم ذكروا المتعة. فقال نعم. استمتعنا على عهد الرسول وأبي بكر أبو بكر وعمر

4 - عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: رخص الرسول عام (أوطاس) في المتعة ثلاثاً ثم نهى عنها

5 - عن سبرة الجُهَنيّ قال: أذن لنا الرسول بالمتعة، فانطلقت أنا ورجلٌ إلى امرأة من بني عامر كأنها بكرة عيطاء (ناقة فتية). فعرضنا عليها نفسينا. فقالت: ما تعطي؟ فقلت ردائي، وقال صاحبي: ردائي. وكان رداء صاحبي أجود من ردائي، وكنت أشبَّ منه. فإذا نظَرَت إلى رداء صاحبي أعجبها، وإذا نظَرَت إليَّ أعجبْتُها. ثم قالت: أنت ورداؤك يكفيني. فمكثتُ معها ثلاثاً. ثم إن الرسول قال: مَنْ كان عنده شيء من هذه النساء التي يتمتع بهن فلْيُخَلِّ سبيلها,

6 - عن علي بن أبي طالب أنه سمع ابن عباس يُلَيِّن في النساء فقال: مهلاً يا ابن عباس ، فإن رسول الله نهى عنها يوم (خيبر) وعن لحوم الحمر الإنسية

7 - عن ابن الزبير قال: إن أناساً أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم (يعرّض بابن عباس لإصابته بالعمى في آخر حياته) يفتون بالمتعة. فناداه ابن عباس وقال له: إنك لجلف جاف، فلعمري لقد كانت المتعة تُفعل على عهد إمام المتّقين رسول الله. فقال ابن الزبير : فجرب بنفسك! فوالله لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارك ",,

سنن أبي داود:

1 - عن الزهري قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فتذاكرنا متعة النساء. فقال له رجل يُقال له ربيع بن سبرة: أشهد على أبي أنه حدث أن الرسول نهى عنها في حجة الوداع (لاحظ أنه سبق ذكر ثلاث مناسبات للتحريم، هي غزوة خيبر، وفتح مكة، ويوم أوطاس. وحجة الوداع هي المناسبة الرابعة)

2 - عن الربيع بن سبرة عن أبيه أن النبي حرَّم متعة النساء

سنن ابن ماجة:

ورد في سنن ابن ماجة ثلاثة أحاديث في باب نكاح المتعة، أحدها عن علي بن أبي طالب عن تحريم المتعة عام خيبر، والثاني عن سبرة عن تحريمها في حجة الوداع، والثالث وهو ما سنذكره لأنه لم يرد في المراجع السابقة. عن عمر بن الخطاب قال لما وَلي الخلافة، أذن النبي لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها. واللهِ لا أعلم أحداً يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة. إلا أن يأتيني بأربعةٍ يشهدون أن رسول الله أحلَّها بعد أن حرَّمها

سنن النَّسائي:

ورد في سنن النَّسائي أربعة أحاديث في زواج المتعة، ثلاثة منها تكرار لحديث علي عن تحريمها يوم خيبر، والرابع هو حديث سبرة دون تحديد زمن النهي. غير أن هناك إحدى الروايات تقول عن علي إنه قال: نهى الرسول عن المتعة يوم خيبر. قال المثني يوم حنين، وقال: هكذا حدّثنا عبد الوهاب من كتابه

الملاحظ أن المثني ذكر يوم حنين كمناسبة للتحريم، وهي المناسبة الخامسة.

سنن الترمذي:

ورد في الترمذي حديثان عن المتعة، أحدهما هو حديث علي بتحريمها زمن خيبر، والآخر عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام. كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتُصلح له شيئه، حتى إذا نزلت إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ (سورة المؤمنون 23: 6) قال ابن عباس : فكل فَرْجٍ سوى هذين فهو حرام

والملاحظ على هذا الحديث اختلافه عمّا هو مشهور من رأي ابن عباس في المتعة.

سنن الدارمي:

جاء في سنن الدارمي ثلاثة أحاديث، كلها سبق ذكرها، وهي تنهى عن المتعة. غير أن كلاً منها يحدد أن النبي نهى عنها في زمنٍ مختلف. فيقول أحدها إن النهي كان عام الفتح، والثاني في حجة الوداع، والثالث في عام خيبر

مُسنَد ابن حنبل:

ورد في مسند ابن حنبل عدة أحاديث عن المتعة معظمها مكرر، وسنكتفي بذكر حديثٍ واحد فقط لأهميته، وهو عن جابر بن عبد الله قال: كنا نتمتع على عهد رسول الله وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم حتى نهانا عمر عنه أخيراً يعني متعة النساء

وللتعليق نقول: لعل القارئ لاحظ غرابة موضوع زواج المتعة وغرابة أحاديثه، ولعله لم يصل أيضاً إلى أي نتيجة بخصوصه، ولم يعلم هل الذي حرمه هو النبي أم عمر بن الخطاب؟ وإن كان النبي حرمه، فهل كان هذا في حجة الوداع أم في عام الفتح، أم في أوطاس، أم في عام خيبر، أم في حُنين؟ أم أنه حرّمه في كل هذه المناسبات جميعاً؟

وإن كان النبي حرّمه في كل هذه المناسبات، فهل هذا يعني أنه كان يبيحه ثم ينهى عنه حسب الحاجة وحسب الظروف؟ أم أنه كان ينهى عنه دون إباحة بين مرات النهي المتعددة؟ ولماذا؟ هل كان ينهى أصحابه عنه لكنهم لا ينتهون، فيضطرّ لنهيهم مرّة أخرى، أم ماذا؟ ولعل القارئ يتعجب إذا عرف أن أصحاب النبي أنفسهم اختلفوا اختلافاً شديداً حول المتعة، فكان من المعارضين له عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وأبو حنيفة ومالك والشافعي وزيد وابن حنبل وغيرهم. وأما المؤيدون له، فهُم عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب وابن جريج أبو جريج وقتادة وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيّب ، وجميع أئمة الشيعة.

والأعجب من هذا هو موقف أهل السُّنة والشيعة حول زواج المتعة، فالسنة يرون أنه زنا وبغاء ودعارة ومحرَّم إلى يوم القيامة، بينما يرى الشيعة أنه زواج لا شُبهة فيه، وأن النبي لم يحرّمه، بل حرَّمه عمر بن الخطاب.

وهنا سؤال مُلحّ: هل المتعة زواج أم زنا؟ وهل قال النبي هذه الأحاديث مع تضاربها، أم لا؟ فإن كان قالها، فما تفسير هذا التضارب؟

وإن لم يكن هو قائلها، فما هي قوة كل كتب الحديث التي روت هذه الأحاديث؟

أحاديث الأضاحي

الأضحية في الإسلام:

موضوع الأضاحي والذبائح من المواضيع الأكثر إبهاماً في الإسلام، فليس للأضحية في الإسلام فلسفة ما. والمسلمون يذبحون سنوياً (في عيد الأضحى) لقول محمد مَنْ كان له سعة ولم يضحِّ فلا يقرُبنّ مُصلَّانا

ومن الذبائح في الإسلام ما يُسمى بالعقيقة وهي ذبيحة تُذبح عن المولود في اليوم السابع، فقد قال محمد : كلُّ غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه اليوم السابع، ويُحلق رأسه، ويُسمَّى 15.

وفي حديث آخر يقول محمد : ما عمل ابن آدم يوم النحر (الذبح) عملاً أحبَّ إلى الله من هِراقة (سفك) دمٍ، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدَّم ليقع من الله عّز وجلّ بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً

وبالإضافة إلى ما سبق فقد وضع محمد شروطاً خاصة للذبيحة، منها أن تكون ذكراً، فقد قال: أمِرتُ بيوم الأضحى عيداً جعله الله لهذه الأمة. فقال له رجل: أرأيت إن لم أجد إلا منيحة أنثى، أفأضحّي بها؟ فقال: لا، ولكن خذ من شعرك وأظفارك وتقُصُّ من شاربك، وتحلق عانتك، فذلك تمام أضحيتك عند الله

ومن شروط الذبيحة أن تكون بلا عيب لقوله: أربعٌ لا تُجزى في الأضاحي: العوراء البيِّن عوَرها، والمريضة البيّن مرضُها، والعرجاء البيِّن عرَجها، والكسيرة التي لا تُنقى (لا تقدر على السَّير) هذا بالإضافة إلى عدة شروط أخرى، كأن يكون الذبح لله، وبنيّة خالصة، واختيارياً، وقدر استطاعة الفرد.. إلخ,

وكل الأحاديث السابقة تجعلنا نسأل:

لماذا وُضِعَتْ هذه الشروط للذبائح؟

ولماذا يقع الدَّم من الله بمكانٍ قبل أن يصل للأرض؟

ولماذا يُرهَن الغلام بذبيحة تُذبح عنه في اليوم السابع؟

فلسفة الذبائح في المسيحية:

بسبب غموض موضوع الذبائح في كتب الفقه والحديث الإسلامية، ندرس موضوع البحث دراسة مسيحية خالصة. وقد جاءت أول إشارة عنه في تكوين 3: 21 وَصَنَعَ الرَّبُّ الْإِله لِآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا فوجود أقمصة الجلد يلزمه وجود ذبيحة. وهذه أيضاً أول إشارة عن دور الذبيحة في تكفير (تغطية) الخطية. وتوالت بعد ذلك الإشارات للذبيحة في قصة قايين وهابيل (تكوين 4). أما العبادة اليهودية فكلها ذبائح وأضاحي، فقد كان اليهود يعيّدون عيد الفصح كل عام فيذبحون شاة، تذكاراً لنجاتهم من استعباد فرعون لهم، وعبور الملاك المهلك على بيوتهم التي وضعوا الدم على عتبة أبوابها العليا وعلى قائمتي أبوابها (خروج 12). كما كانوا يحتفلون بيوم الكفارة العظيم سنوياً للتكفير عن ذنوب الشعب (لاويين 16). وكما في الإسلام كذلك في التوراة، هناك شروط في الذبيحة. وقد وُضعت شروط التوراة لتوضح العلاقة بين الرمز (الذبيحة) والمرموز له (المسيح)، وهذه الشروط هي:

1 - أن تكون الذبيحة، كل ذبيحة، بلا عيب، لأنها ترمز للمسيح الذي بلا خطية، فيقول في تثنية 15: 21 وَلكِنْ إِذَا كَانَ فِيهِ عَيْبٌ، عَرَجٌ أَوْ عَمىً، عَيْبٌ مَا رَدِيءٌ، فَلَا تَذْبَحْهُ لِلرَّبِّ إِلهِكَ.

2 - وكانت هناك ذبائح اختيارية، إشارة إلى أن المسيح وضع نفسه بإرادته واختياره (لاويين 22: 19 4وعدد 15: 3 وتثنية 16: 1 وعزرا 3: 5 ).

3 - يكون تقديم الذبيحة لله فقط، رمزاً للمسيح الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحةً لله رائحة طيبة (خروج 22: 2 و أفسس 5: 2)

4 - يجب أن تُقَدّم الذبائح بالشكر (مزمور 5 : 8 و14) وبقلبٍ مستقيم (إشعياء 1: 13).

ويعلّمنا الكتاب المقدس أنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة (عبرانيين 9: 21) وهذا ما فعله المسيح الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ (أفسس 1: 7)

وقد جاءت في العهد القديم عدة إشارات عن دم المسيح (خروج 12: 13 و29: 16 و3 : ولاويين 1: 45.. إلخ). وفي العهد الجديد وَرَدَت عدة نصوص تؤكد الفداء والتطهير بدم المسيح (كولوسي 1: 2 وعبرانيين 1 : 19 و12: 24 و1بطرس 1: 2 6 1 بطرس1 يوحنا1:,4. إلخ).

وقد وَضّحَ المسيح هذه الرمزية بينه وبين الذبائح حينما قال: هـذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا (متى 26: 28). وكذلك فَعَل يوحنا المعمدان حين رأى المسيح، فقال: هُوَذَا حَمَلُ اللّه الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ (يوحنا1: 29 و36).

كانت القرابين والذبائح في اليهودية رمزاً للذبيح الأعظم، حَمَل الله الذييرفع خطية العالم، وكان الدم رمزاً لدمه الذي يطهر من كل خطية. فالكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يدور حول فكرة الفداء بدم المسيح، ففي العهد القديم نجد أكثر من 3 نبوة وإشارة عن المسيح، وفي العهد الجديد نجد تحقيق هذه النبوات,

كيف دخلت الذبائح الإسلام؟

عندما نريد أن نعرف تاريخية شيءٍ ما فعلينا أن نرجع لجذوره التراثية. فلنرجع لتاريخ العرب قبل الإسلام، وهم بشرٌ يؤثّرون في الآخرين ويتأثّرون بهم.

ومن الثابت تاريخياً أنه ليس للعرب أية سجلات تاريخية توضح حال شبه الجزيرة العربية في فترة ما قبل الميلاد. فالمعروف أن النبي إبراهيم، خليل الله، عاش تقريباً من 2 25 - 185 ق.م، ولكن التاريخ العربي لم يسجل شيئاً عنه، وكانت قصته مجهولة تماماً عند العرب القدماء.

ومن المعروف أيضاً أن الديانة اليهودية ديانة غير كارزة، لا تدعو أحداً للدخول فيها، بل تقتصر على بني إسرائيل. لذا فاليهود لا يعنيهم ما يعرفه الآخرون عنهم. ولكنهم وجدوا أنفسهم مضطرين لتأليف مجموعة من القصص تمكّنهم من العيش وسط العرب، بعد أن طُردوا من فلسطين على عدة مراحل، كان أولها على يد تيطس الروماني عام 7 م، ثم عام 132م حينما حاولوا القيام بثورة ضد الرومان. وكان الملجأ الوحيد لهم هو شبه الجزيرة العربية لأنها لم تكن خاضعة للحكم الروماني. فكان عليهم أن يوجِدوا صلةً ما بينهم وبين العرب، تتيح لهم أن يعيشوا في بلادهم، فقاموا بصناعة الحلي والسيوف والكهانة، ثم اخترعوا فكرة قرابتهم للعرب، لأنهم أبناء عمومة، فجدّهم جميعاً هو إبراهيم، الذي أنجب اليهود من نسل ابنه إسحاق، وأنجب العرب من نسل ابنه إسماعيل! وهذه الصلة بالجد البعيد إبراهيم جعلتهم يربطون بين بئر سبع وبئر زمزم، وبين برية فاران التي عاش فيها إسماعيل وبين مكة,وانتقلت هذه القصة في الموروث الشعبي، نتيجة عدم تسجيل العرب لوثائق تاريخهم، كما كان يفعل اليهود والرومان والمصريون.

كان نتيجة ذلك أن استقرت هذه القصة في الأذهان كحقيقة واقعة مفادها أن إسماعيل عاش في مكة وأنه أبو العرب وأخو إسحاق أبي اليهود. ولذا فالعرب واليهود أبناء عمومة!

التراث اليهودي - الإسلامي:

نتيجةً لما سبق تأثّر العرب بالتراث اليهودي فظهر الحُنفاء الذين اتّخذوا طقوساً كثيرة من اليهودية وجعلوها نبراساً لهم، وكان منهم قُصيّ بن كِلاب أحد أجداد النبي، ومنهم جدّهُ عبد المطلب ، وزيد بن عمرو بن نفيل عم عمر بن الخطاب9, بن الخطاب.

وكانت نتيجة كل ذلك هو مولد محمد وسط هذا الموروث العقائدي الذي تأثر به كثيراً نتيجة لاحتكاكه بأقربائه الحنفاء, كما تأثر محمد بيهود المدينة موطن أخواله، وبيهود الشام واليمن في رحلاته التجارية. فكان أن أخذ محمد الطقس الموروث دون مدلولاته، فإنه أخذ أشياء كثيرة ممن كانوا قبله، كالصوم والصلاة والحج والحدود وكذلك أخذ طقس الفصح السنوي عن اليهود، لكن دون مدلوله وهو المسيح. ولعلنا لا نتجنّى إذا قلنا إن مفهوم الكتاب المقدس عن الذبائح يوضّح لماذا يقع الدم من الله بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض. وذلك لأن هذا الدم كان يرمز إلى كفارة المسيح، الذي سُفِكَ دمه عن كثيرين وبه تُغفَر الخطايا. ولقد انتهت الآن كل الذبائح والقرابين التي تُقَدّم لله لأن المسيح لَيْسَ بِدَمِ تُيُوسٍ وَعُجُولٍ، بَلْ بِدَمِ نَفْسِهِ، دَخَلَ مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى الْأَقْدَاسِ، فَوَجَدَ فِدَاءً أَبَدِيّاً (عبرانيين 9: 12).

9 -أحاديث الإمارة (الخلافة)>

الخلافة (الإمارة) من الموضوعات الهامة لكل من أراد أن يعرف حال المنطقة العربية طوال 14 سنة هي تاريخ الإسلام، فبناءً على فهم المسلمين للخلافة كان تاريخهم. ولنبدأ من يوم وفاة محمد.

يروي الشيخان (البخاري والمسلم) أن عمر خطب الناس عند عودته من الحجّ، فقال: قد بلغني أن فلاناً منكم يقول: لو مات عمر بايعتُ فلاناً. فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وتمَّت. ألا وإنها قد كانت كذلك. ألا إن الله وقى شرها، وليس فيكم اليوم من تُقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر ، وإنه كان من خيرنا حين تُوفي الرسول، وإن علياً والزبير بن العوام ومَنْ معهما تخلَّفوا في بيت فاطمة، وتخلّفت الأنصار عنّا بأجمعها في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، أبي بكر فقلت له: يا أبا بكر أبي بكر ، انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار. فانطلقنا نؤمّهم حين لقينا رجلين صالحين، فذكرا لنا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ قلت: نريد إخواننا من الأنصار فقالا: عليكم ألّا تقربوهم، واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين. فقلت: والله لنأتينَّهم. فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون، وإذا بين ظهرانيهم رجل مُزمَّل، فقلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة ، فقلت: ما له؟ قالوا: وَجِع. فلما جلسنا قام خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله، وقال: أما بعد، فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط منّا، وقد دفَّت دافة منكم (أي المهاجرون) تريدون أن تختزلونا (أي الأنصار) من أصلنا وتحضنونا من الأمر (أي الخلافة). فلما سكت أردت أن أتكلم وقد كنت زوَّرت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر، وقد كنت أداري منه بعض الحد، وهو كان أحلم مني وأوقر. فقال أبو بكر : على رِسْلِكَ فكرهت أن أغضبه، وكان أعلم مني، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قال في بداهته مثلها وأفضل منها، حتى سكت، فقال: أما بعد فما ذكرتم فيكم من خير فأنتم أهله، ولم تعرفوا هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايِعوا أيَّهما شئتُم. فأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح أبو عبيدة بن الجراح وهو جالس بيننا، فلم أكره مما قال غيرها، وكان والله أُقَدَّم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك من إثم أحبُّ إليَّ من أن أتأمَّر على قوم فيهم أبو بكر. أبو بكر فقال قائل من الأنصار: أنا جزيلها المحكَّكُ، وعُذَيقها المرجب (أي أنه الجمل الذي يحتك لجربه) والغصن المتشعّب، (أي الذي يخالف الناس ولا يوافق على ما قيل)، مِنّا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش. وكثر اللغط، وارتفعت الأصوات حتى خشيت الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده، فبايعتُه وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار. أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمراً هو أوفق من مبايعة أبي بكر أبو بكر ، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة، فإما أن نبايعهم على مالا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فيه فساد هذا الحديث من أطول وأوضح الأحاديث عن الخلافة، وقد رويناه كاملاً لعدة أسباب منها:

1 - الراوي: الشيخان، البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهما أصح كتب الحديث عند المسلمين.

2 - المروي عنه: عمر بن الخطاب ، ثاني الخلفاء، وهو الذي قال فيه محمد : بينما أنا نائم أُتيت بقدح لبن، فشربت حتى أنِّي لأرى الرّيَّ يخرج في أظفاري. ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب بن الخطاب. قالوا: فما أوَّلته يا رسول الله؟ فقال: العلم.

3 - وقت الرواية: يوم موت النبي وهو مُسجى في البيت لم يُدفن بعد.

4 - موضوعها: الخلافة وهي من المسائل الهامة للدولة الوليدة.

5 - الحاضرون: أبو بكر وعمر وغيرهما من كبار المهاجرين، وسعد بن عبادة وغيره من كبار الأنصار.

6 - الغائبون: علي بن أبي طالب ، وهو من محمد بمنزلة هارون من موسى والزبير بن العوام ، وهو حواريّ النبي

7 - النتيجة: مبايعة أبي بكر الصديق. أبي بكر الصديق

قريش و السقيفة :

من الغريب وجود عدّة أحاديث صحيحة مع وجود الحديث السابق، أو مع حدوث حادث السقيفة، فقد طلب الأنصار أمر الخلافة لأنفسهم رغم وجود حديث يقول: لا يزال هذا الأمر (الخلافة) في قريش ما بقي منهم اثنان ألم يكن أبو بكر وعمر وسعد بن عبادة وجميع من في السقيفة يعلمون بهذا الحديث، وهم من كبار أصحاب محمد ؟ أم أن هذا الحديث مُختلَقٌ رغم وجوده في صحيح البخاري؟

ثم كيف يتفق موقف أبي بكر في محاولته أخذ البيعة لعمر أو لأبي عبيدة مع وجود حديث في صحيح مسلم عن عائشة قالت: قال لي رسول الله في مرضه: ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك، حتى أكتب كتاباً، فإني أخاف أن يتمنَّى مُتمنٍّ ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر

فهل كان أبو بكر يجهل هذا الحديث وهو من هو؟ أم أنه كان يعلمه ويخالفه؟

ثم إذا كان هذا الحديث صحيحاً، لأنه ورد في صحيح مسلم، وحديث السقيفة صحيح لأنه ورد في البخاري ومسلم، فما هو موقف الحديث الصحيح الذي يرويه ابن سعد في طبقاته في باب ذكر ما قال العباس لعلي ج 2 ، حيث يقول عن فاطمة بنت محمد إنها قالت: لما توفي رسول الله قال العباس : يا علي ، قم حتى أُبايعك ومن حضر، فإن هذا الأمر، إذا كان، لم يرد مثله. والأمر في أيدينا. فقال عليّ : وأحدُ؟ (يعني يطمع فيه غيرنا). فقال العباس : أظن والله سيكون! فلما بويع لأبي بكر رجعوا إلى المسجد فسمع علي التكبير، فسأل: ما هذا؟ فقال العباس : هذا ما دعوتُك إليه فأبيتَ عليَّ! فقال عليّ : أيكون هذا؟ فقال العباس : ما رُدّ مثلهذا قط! فقال عمر : قد خرج أبو بكر من عند النبي، حين توفّي وتخلّف عنده عليّ وعبّاس والزُّبير ، فذلك حين قال عبّاس هذه المقالة,

فهذا الحديث يؤكد أن عليّاً حاول أن يكون الخليفة. فهل يجهل علي حديث خلافة أبي بكر وهو باب مدينة العلم؟ ثم كيف سلّم عليٌّ بالخلافة لأبي بكر ، رغم عدم مبايعة علي لأبي بكر ؟ وهناك عشرات الأحاديث الصحيحة التي تؤكد أن الخلافة من حق علي دون غيره، كما نذكر مثلاً لا حصراً:

1 - عن جابر، قال النبي وهو أخذ بضبع علي (ما بين الإبط إلى نصف العضد): هذا إمام البرَرة، قاتل الفجَرة، منصورٌ من نصَرَه، مخذولٌ من خَذَله,

2 - روى الحاكم عن محمد قوله: أُوحي إليَّ في علي ثلاث: أنه سيد المسلمين، وإمام المتقين، وقائد الغرّ المحجلين,

3 - قول النبي لعلي : مرحباً بسيد المسلمين، وإمام المتقين,

حديث غدير خم:

عن زيد بن أرقم، قال: لما دفع النبي من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقام فينا خطيباً فقال: كأني دُعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفونني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. ثم قال: إن الله مولاي، وأنا وليُّ كل مؤمن ثم إنه أخذ بيد علي، فقال: من كنت وليُّه فهذا وليه. اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه

فكيف يترك علي الخلافة وهناك كل هذه الأحاديث التي تكاد تصل من صحتها (حسب رأي علماء الحديث) حد التواتر، وقد يقول قائل: إن علياً ترك الخلافة تواضعاً. فنجيبه بقول علي نفسه في نهج البلاغة مُعرِّضاً بأبي بكر وعمر : أما والله لقد تقمَّصها (لبسها كالقميص) فلان (يقصد أبا بكر) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرَّحا. ينحدر عني السيل، ولا يرقى إليَّ الطَّير، فسدَّلتُ (أرخيت) دونها (أي الخلافة) ثوباً، وطويتُ عنها كشحاً (مِلتُ عنها) وطفقتُ أرتئي بين أن أحول بيد جذَّاء (مقطوعة)، وأصبر على طخية (ظلمة) عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى (ألزم). فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى (جرحاً). أرى تراثي نهباً، حتى مضى الأوَّل لسبيله (أبو بكر )، فأدلى بها إلى فلان (عمر) بعده، فيا عجباً!! بينما هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر (يعني عثمان) بن عفان بعد وفاته - لشدَّ ما تشطّرا ضرعيها (أي اقتسمها أبو بكر وعمر) (نهج البلاغة - الخطبة الشقشقية). فهذا علي لا يرغب عن الخلافة بل يرغب فيها.

فهل كان عليٌّ يجهل كل هذه الأحاديث في حقه، ومنها حديث غدير خم الذي كان هو حاضرهُ، فيحتج بها عليهم؟ أم أن كل هذه الأحاديث موضوعة؟.. وإن كانت موضوعةً، فما هو موقف الكتب التي تروي هذه الأحاديث، وهي كل كتب الحديث عند المسلمين تقريباً؟

معاوية والسفاح:

القارئ لأحاديث الخلافة ولأحاديث فضائل الصحابة يتعجب أشد العجب حين يجد أن النبي أوصى بالخلافة بعده لكلٍ من عمر وأبي بكر وعثمان بن عفان وعلي, ليس هذا فقط، بل هناك حديث عن عبد الملك بن عمير قال: قال معاوية: ما زلتُ أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله: يا معاوية، إذا ملكتَ فأحسِن, رواه الطبراني وابن أبي شيبه وهناك حديث آخر عن أبي سعيد الخدري أبي سعيد الخدري قال: إن رسول الله قال: يخرج رجل من أهل بيتي، عند انقطاعٍ من الزمان وظهورٍ من الفتن، يُقال له السفاح، فيكون إعطاؤه المال حثياً

وهكذا لو شاء القارئ لوجد أحاديث في خلافة أي شخصٍ ممن حكموا طوال فترة الحكم الإسلامي للمنطقة العربية. والأعجب أنه سيجد أن معظم هذه الأحاديث، إن لم يكن كلها، مطعون في صحتها، إما من حيث السند أو المتن أو كليهما، رغم ورودها في كتب الأحاديث الصحيحة.

وللتعليق نقول:

بُدئ في جمع الأحاديث عام 25 هـ تقريباً، أي بعد موت محمد بنحو 24 سنة، فكان كل خليفة يأمر بأن توضع له الأحاديث في أحقيته بالخلافة، أو كان يضعها المنافقون ليتكسَّبوا بها أقواتهم. فهؤلاء لم يكن يعنيهم مَنْ هو الخليفة بقدر ما كان يعنيهم مَنْ الذي سيدفع أكثر، حتى وصل الأمر بشخصٍ كأبي هريرة الذي كان يُلقَّب بشيخ المضيرة (وهي نوع من الحلوى) أنه كان يأكل مع معاوية، فإذا حضرت الصلاة صلى خلف علي. فإذا سُئل في ذلك قال: مضيرة معاوية أدسم وأطيب، والصلاة خلف علي أفضل

ولم يتوقف الأمر عند هذا، بل ظهر من العلماء مَن ينكر مفهوم الخلافة جملة وتفصيلاً، ومنهم الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الإسلام وأصول الحكم والعشماوي في الخلافة الإسلامية وفرج فودة في الحقيقة الغائبة. وهؤلاء مفكرون مسلمون لهم شأن! لكن الأمر لم يستمر، فقد كان هناك الإسلام الآخَر أو الإسلام السياسي الذي قام بتكفير هؤلاء، فصدرت كتب تكفّر مَنْ ينكر الخلافة مثل كتاب الخلافة لعبد الرازق السنهوري وكتاب كلمة حق للدكتور عمر عبد الرحمن وكتاب الشهادة للشيخ صلاح أبو إسماعيل وكتاب الحكومة الإسلامية لأبي الأعلى المودودي، وكتاب آخر بنفس العنوان لآية الله الخميني,

لهم جميعاً ولأتباعهم نقول: أعطونا ما اتفقتم عليه لنناقشه معكم. أرونا مصدراً واحداً في الحديث تتَّفقون على صحته، لنناقشه معكم.

1 -أحاديث الأطعمة والأشربة<

مَن أراد أن يرى أوضح الأمثلة للتناقض، أو ما يسمّيه علماء الفقه الإسلامي الناسخ والمنسوخ فليقرأ الأحاديث في موضوع الأطعمة والأشربة. وسنورد كل حديث فيها متبوعاً بحديث آخر يعارضه! ثم نورد بعض الطرائف والغرائب، بعدها نورد تعليقنا.

نَهَى أم أباح؟

هناك أطعمة كثيرة لا يمكنك أن تعرف هل نَهَى عنها النبي أم أباحها.

1 - عن جابر بن عبد الله قال: ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.

2 - عن خالد بن الوليد قال: نهَى رسول الله عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ويعتذر أبو داود عن تناقض الحديثين بقوله: لا بأس بلحوم الخيل، وليس العمل عليه. وهذا منسوخ.

3 - عن أبي قتادة، أنه رأى حماراً وحشياً فعقره (ذبحه)، فقال النبي: هل معك من لحمه شيء؟ قال: معنا رجله، فأخذها فأكلها

أكل الجراد:

1 - عن أبي أوفى، قال: غزونا مع رسول الله سبع غزوات، كنا نأكل معه الجراد

2 - عن سلمان، قال: سُئل النبي عن الجراد فقال: أكثر جنود الله، لا آكُله ولا أحرِّمه.

الخليطان:

1 - عن جابر بن عبد الله قال: نهَى رسول الله أن ينتبذ الزبيب والتمر جميعاً، ونَهَى أن ينتبذ البُسْرُ جميعاً,(والبُسْرُ: خليط البلح والتمر).

2 - عن عائشة: أن رسول الله كان يُنبذ له زبيب فيلقي فيه تمراً، وتمر فيلقي فيه زبيباً

حلال أم حرام:

1 - عن ابن عمر قال: قال رسول الله كل مسكر حرام، ومن مات وهو يشرب الخمر يدمنها لم يشربها في الآخرة

2 - عن بكر بن عبد الله المُزني قال: كنت جالساً مع ابن عباس عند الكعبة فأتاه أعرابي يقول: ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن، وأنتم تسقون النبيذ؟ أمِنْ حاجةٍ بكم أم من بُخل؟ فقال ابن عباس الحمد لله، ما بنا حاجة ولا بُخل! قدِم النبيُّ على راحلته وخلفه أسامة، فاستسقى، فأتيناه بإناءٍ من نبيذ، فشرب وسقى فضله أسامة، وقال: أحسنتم وأجملتم. كذا فاصنعوا. فلا نريد تغيير ما أمر به الرسول

وهناك حديث آخر يقول: أن النبي عطش وهو يطوف بالبيت، فأُتي بنبيذ من السقاية، فشمّه، فقطب. ثم دعا بذَنُوبٍ مِن ماء زمزم، فصُبَّ عليه ثم شربه. فقال له رجل: أحرام هذا يا رسول الله؟ فقال: لا

قائماً أم قاعداً:

1 - عن أنس: أن النبي نَهَى أن يشرب الرَّجل قائماً,

2 - عن عمر بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، قال: رأيت رسول الله يشرب قائماً وقاعداً

أكل اللحم:

1 - عن عائشة قالت: قال رسول الله: لا تقطعوا اللحم بالسكِّين فإنه من صنيع الأعاجم، وانهشوه فإنه أهنأ وأمرأ,

2 - عن عمرو بن أميَّة أنه رأى النبي يحتزّ من كتف شاة في يده، فدُعي إلى الصلاة فألقاها والسكين التي يحتز بها، ثم قام فصلى ولم يتوضأ,

الصلاة والطعام:

1 - عن ابن عمر أن النبي قال: إذا وُضِع عشاء أحدكم وأُقيمت الصلاة فلا يقوم حتى يفرُغ. زاد مسدد: وكان ابن عمر إذا وُضع عشاؤه، أوحضر عشاؤه، لم يقم حتى يفرُغ، وإن سمع الإقامة، وإن سمع قراءة الإمام

2 - عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله: لا تُؤَخِّر الصلاة لطعام ولا لغيره

وَسْم (وضع علامة) البهائم:

1 - عن جابر، قال: مرَّ على النبي حمار وُسم في وجهه، فقال: لعن الله الذي وسمه

2 - عن أنس، قال: غدوت إلى رسول الله بعبد الله بن أبي طلحة ليحنكه، فوافيته في يده الميسم يسم (يضع علامة على) إبل الصدقة

الذباب والوزغ (البُرص):

1 - عن أبي هريرة، قال: إن رسول الله قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كلَّه ثم ليطرحهُ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء.

2 - عن أبي هريرة، قال: إن رسول الله قال: من قتل وزغاً (بُرْصاً)في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك

3 - عن عبد الله بن مُغَفَّلٍ، عن النبي قال: لولا أن الكلاب أُمَّة من الأمم، لأمرت بقتلها كُلِّها، فاقتلوا منها كل أسود بهيم وفي رواية فإنه شيطان

4 - عن أبي هريرة قال: شكا رسول الله إلى جبريل قلة الجماع، فتبَّسم جبريل حتى تلألأ مجلس رسول الله من بريق ثنايا جبريل، ثم قال: أين أنت من أكل الهريسة؟ فإن فيها قوة أربعين رجلاً,(قال المعجم الوجيز إن الهريسة نوع من الحلوى يُصنع من الدقيق والسمن والسكر. وفي المنجد : طعام يُصنع من الحب المهروس واللحم. وتطلِق العرب كلمة هريسة على الفلفل الحار المدقوق بخلّ).

5 - عن ابن عمر، أن النبي قال: مَنْ أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يَقْرَبَنَّ المساجد,(الشجرة الخبيثة هي الثوم).

 

وللتعليق نقول:

في هذا الباب آراء غريبة كمنع الصلاة على آكل الثوم، أو كتابة حسنات لقاتل البُرْصْ، أو مثل ما أوردناه سالفاً في أحاديث الطهارة من أن في بول الإبل شفاء للإسهال، بالإضافة إلى أحاديث الذباب والهريسة وغيرها,

أما باقي أحاديث هذا الباب فمتضاربة. وإنّا نتساءل:

هل تقع هذه الأحاديث في باب الناسخ والمنسوخ؟

إذن، لماذا كُتبت الأحاديث المنسوخة - مع ملاحظة أنه لا يُثاب أحد على قراءة الحديث كالقرآن. هذا مع ما تفعله هذه الأحاديث من تجهيل أمور كثيرة للعوام ومن لا يعرفون بنسخها؟

أم أن الأمر لا يتعدّى أكثر من كتابة كل ما قال محمد؟

ثم أليس من حقنا أن نقول للمسلمين: أرونا ما اتفقتم عليه من أمور عقيدتكم بدلاً من الهجوم على عقائد الآخرين؟

وأخيراً أليس الأجدر بعلماء الحديث أن يُنَقّوا كتبهم من الغرائب بدلاً من اتهام غيرهم بعدم الفهم؟

11 -أحاديث أُمّية محمد

لاقت مقولة أُميّة محمد رواجاً في الفكر الإسلامي، رغم أنها ليست فضيلةً لمحمد. ولكن المسلمين رأوا في أُميّة محمد زيادة في إعجاز القرآن، وتأكيداً على الصلة الغيبية بين القرآن والله، ونفي تدخل محمد في الوحي بأي صورة.

فهل صحيح أن محمداً كان أمياً؟

كلمة أُمي لغةً تحمل معنيين: الأول هو الجهل بالقراءة والكتابة، والثاني هو أنصاحبها ليس من أهل الكتاب. ورد في القرآن قل لأهل الكتاب والأُميين: أأسلمتم؟ (سورة آل عمران 3: 2 ) 3 سورة آل عمران. فأي المعنيينهو المقصود بأُمية النبي؟

أدلة المتخالفين:

لم يعترف كثير من المفكرين بأُمية محمد، وقرروا أنه كان يكتب ويقرأ، واستندوا في رأيهم هذا على عدة أمور نذكر منها:

1 - صلح الحديبية: روى الشيخان (البخاري ومسلم) عن البَرَاء، قال: لما اعتمر النبي في ذي القعدة، أبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام. فلما كتبوا الكتاب، كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله قالوا لا نُقرُّ لك بهذا. لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئاً، ولكن أنت محمد بن عبد الله. فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. ثم قال لعليّ: امحُ رسول الله. قال علي: لا والله لا أمحوك أبداً. فأخذ رسول الله الكتاب وليس يُحسن يكتب، فكتب هذا ما قضى محمد بن عبد الله

هذا هو الحديث الذي يحتج به من يقول بعدم أُمية محمد، وقد أورد الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم آراء المحتجّين والمخالفين لأُمية محمد، ونورد هنا نصَّها لشمولها على الرأيين:

قال القاضي عياض: احتج بهذا الحديث بعض الناس على أن النبي (ص) كتب بيده على ظاهر اللفظ وذكر البخاري نحوه (وهو الحديث الذي أوردنا لفظه). وقال أصحاب هذا المذهب إن الله أجرى ذلك على يده، إما بأن كتب ذلك والقلم بيده وهو غير عالم بما يكتب، أو أن الله علَّمه ذلك حين كتب، وجعل هذا زيادةً في معجزاته. فإن كان أُمياً فكما علّمه ما لم يعلم من العلم، وجعله يقرأ ما لم يقرأ، ويتلو ما لم يكن يتلوه، كذلك علَّمه أن يكتب ما لم يكن يكتب، وخطّ ما لم يكن يخط بعد النبوة، أو أجرى ذلك على يده. قالوا: وهذا لا يقدح في وصفه بالأُمية. واحتجوا بآثارٍ جاءت في هذا عن الشعبي وبعض السلف أن النبي لم يمت حتى كتب. قال القاضي: ذهب أبو الوليد الباجي، وحكاه عن السمعاني وأبي ذر وغيره، وذهب الأكثرون إلى منع هذا كله، قالوا: وهذا الذي زعمه الذاهبون إلى القول الأول يبطله وصف الله تعالى إياه بالنبي الأُمي، وقوله: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ (سورة العنكبوت 29: 48) وقول النبي: إنّا أمة أُمّية لا نكتب ولا نحسب. قالوا: وقوله في هذا الحديث معناه أمر بالكتابة، كما يقال رجم ماعز، وقطع السارق، وحد الشارب، أي أمر بذلك. واحتجوا بالرواية الأخرى: (فقال لعليّ: أُكتب محمد بن عبد الله). قال القاضي: وأجاب الأوّلون عن قوله تعالى إنه لم يتْلُ ولم يخط، أي من قبل تعليمه، كما قال (من قبله) فكما جاز أن يتلو جاز أن يكتب، ولا يقدح هذا في كونه أُمياً إذ ليست المعجزة مجرد كونه أُمياً، فإن المعجزة حاصلة بكونه كان أولاً كذلك، ثم جاء بالقرآن، وبعلوم لا يعلمها الأُميون. قال القاضي: وهذا الذي قالوه ظاهر. قال: وقوله في الرواية التي ذكرناها (ولا يُحسن أن يكتب) فكتب كالنص أنه كتب بنفسه، قال: والعدول إلى غيره مجاز، ولا ضرورة إليه. قال: وقد طال كلام كل فرقة في هذه المسألة، وشنَّعت كل فرقة على الأخرى في هذا. والله أعلم,

وهكذا انتهوا إلى: الله أعلم ! ولكن هناك رأياً آخر في الموضوع، وهو رأي القرآن. فالقرآن لم يُسَمِّ محمداً النبي الأُمي (سورة الأعراف 7: 156) إلا اصطلاحاً لا لغةً، فقد كان المصطلح الشائع لهذه الكلمة هو ما أشاعه اليهود في مهاجرهم والحجاز: فكل ماعداهم من الناس أُميون أي من الأمم الذين لا كتاب مُنزَل لهم. فالعرب كتابيون وأُميون وقل للذين أوتوا الكتاب والأُميين: أأسلمتم (سورة آل عمران 3: 2 ). لذا فمحمد نبي أُمي أي من الأُميين العرب. فالقرآن لا يقول إن محمداً كان أُمياً لا يقرأ ولا يكتب، بل إنه النبي الأُمي أي العربي الذي ليس له كتاب من قبل. والمنطق السليم يفترض أن محمداً قد تثقَّف بكل ثقافة الأرستقراطية القُرَشية، مثل ابن عمه وربيبه، علي بن أبي طالب. وتشهد سيرة محمد أنه كان تاجراً ناجحاً، مما حمل خديجة بنت خويلد أن تدفع له تجارتها، ثم تتزوجه. فهل يُعقل أن تدفع خديجة كل أموالها وبعد ذلك نفسها إلى راعي غنم، وهي سيدة أرستقراطية لها مكانتها في قريش!

وهناك رواية أخرى وردت في الجامع في علوم القرآن الذي صدر محققاً للمرة الأولى عام 1992 بعناية المستشرق الألماني ؟ Miklos Muranyi تدعم رأينا أن أمية محمد لم يكن المقصود منها عدم معرفته بالكتابة والقراءة,

قال أبو الأسود، وقال عروة بن الزبير: إن الناس اختلفوا في قراءة لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب, فدخل عمر بن الخطاب على حفصة بأديم، فقال إذا دخل عليك رسول الله فاسأليه يعلمك: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب، قولي له يكتب لك في هذا الأديم, ففعلت فكتب لها,

ثقافة محمد:

بالرغم من كل ما سبق من قرائن على عدم أُمية محمد، فإننا سندع هذا جانباً، لنتناول ثقافة محمد النبي الأُمي ، وسوف نعرض بعض أحاديثَ في هذا الأمر، تبيّن أن محمداً كان عالماً مثقّفاً يعرف أديان عصره، متقناً لفن الاستماع، وهو الأمر الذي ينفي عنه الأمية الثقافية. ثم نُعلق على هذه الأحاديث.

1 - أخرج الطبري عن ابن عباس قال: كان رسول الله يعلم قيناً (غلاماً) بمكة اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول الله يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا إنما يعلمه بلعام، فأنزل الله وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (سورة النحل 16: 1 3) (وهذا الحديث سنده ضعيف ولكن له عدة طرق يقوي بعضها بعضاً).

2 - عن عبد الله بن مسلم الحضرمي قال: كان لنا عبدان: أحدهما يقال له يسار، والآخر جبر، وكانا صقليين، فكانا يقرآن كتابهما ويعلمان علمهما، وكان النبي يمرّ بهما فيستمع قراءتهما، فقالوا: إنما يتعلم منهما

3 - عن زيد بن ثابت قال: قال النبي: أتُحسن السريانية فإنها تأتيني كتب قلت: لا. قال: فتعلَّمْتُها في تسعة عشر يوماً ، وفي رواية للبخاري أن النبي أمره أن يتعلم كتابة اليهود ليقرأ عليه إذا كتبوا إليه

4 - عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله (ص) مع أبي وعَليَّ قميص أصفر فقال رسول الله: سناه ، قال عبد الله: وهي بالحبشية حسنة

5 - عن أبي هريرة، أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فمه، فقال النبي بالفارسية: كخ كخ، أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة

6 - عن أبي هريرة، قال: هجَّر النبي فهجَّرت. فصلّيت ثم جلست، فالتفت إليَّ النبيُّ فقال: أشكمت درد؟ (فارسية معناها: تشتكي بطنك) قلت: نعم يا رسول الله، قال: قم فصلِّ، فإن في الصلاة شفاء

وللتعليق نقول:

هذه الأحاديث التي رويناها عن محمد، بغضّ النظر عن معرفته الكتابة من عدمها، تؤكد أنه كان يقف ويستمع إلى غلامين صقليين وهما يقرآن كتابهما، وأنه أمر زيداً أن يتعلم السريانية (وفي رواية لغة اليهود) وأن محمداً تكلم بالحبشية والفارسية. ولعل هذه الأحاديث لا تتفق والقول بأُمّية محمد.

المعروف لنا جميعاً والثابت في كتب السيرة النبوية أن محمداً كان تاجراً ناجحاً، وكانت تجارته رائجة في اليمن والشام، مما دفع بخديجة لأن تتزوجه. ومن المعروف منطقياً لنا أنه إذا أراد تاجر أن ينجح فلا بد وأن يعرف عادات وتقاليد وبعض ثقافة من يتعامل معهم، فكان احتكاك محمد بأهل اليمن والشام دافعاً له لأن يتعلّم الكثير عنهم. وكذلك فإنه من غير المعقول أن يقف محمد ليستمع لغلامين أعجميين دون أن يفهم ما يقولان، خصوصاً وأن هذا الوقوف إليهما تكرر، مما دفع بقريش أن يقولوا إن محمداً يتعلم منهما. هذا بالإضافة إلى الجُمَل أو الكلمات التي كان يقولها محمد أحياناً بالحبشية والفارسية. والقرآن يشتمل على كلماتٍ كثيرة غير عربية. وقد كان محمد (على عكس ما يصوّرون لنا) مهتماً بالثقافة الشخصية والأدب، وكان يحضر سوق عكاظ أحياناً وذلك فيما يرويه ابن كثير عن عبادة بن الصامت. قال: لما قدِم وفد إياد على النبي قال: يا معشر وفد إياد، ما فعل قس بن ساعدة؟ قالوا: هلك يا رسول الله. قال: لقد شهدتُه يوماً بسوق عكاظ على جمل أحمر يتكلم بكلام مُعْجِب مُونِق لا أجدني أحفظه (السيرة النبوية لابن هشام - باب ذكر قس بن ساعدة).

وكل هذا لا يقدح في أُمية محمد، ففي رأينا أن محمداً كان واسع الاطلاع، غزير الثقافة بغضّ النظر عن أميته. ولم يكن من الصعب على شخص مثله أن يصبح ملمّاً بأخبار أهل الديانات الأخرى الذين كان يحتك بهم كثيراً. ونتيجةً لهذا الاحتكاك تعلّق قلبه وروحه بالله، فحاول البحث عنه، ولأن كل من كانوا حوله مِن يهود ومسيحيين كانوا إما هراطقة أو زائغين عن الحق فقد حاول أن يكتشف طريقاً آخر غير طريقهم، فحاد عن الصواب.

ولعل الأحاديث السابقة توضح أن محمداً كان باحثاً مخلصاً عن الله، ولكن المثير للعجب هو موقف المسلمين من هذا الرأي، فإنهم يصرّون على أن محمداً لم يكن يكتب ولا يقرأ، وليس لديه أي علم سابق عن أية ديانة حتى هبط عليه الوحى فجأة بغار حراء، ومن ثم تعلم كل شيء فوراً. وهذا الرأي لا يستقيم عقلياً أو تاريخياً، وإلا فليفسّروا لنا أحاديثهم حول علاقة محمد بأهل الكتاب قبل هبوط الوحي عليه في غار حراء فجأة.

أحاديث الفضائل

هناك عدة أبواب في كتب الحديث تحت عنوان الفضائل والمناقب مثل فضائل القرآن، وفضائل النبي، وفضائل الصحابة. وسنتناول هذه الأبواب كلها تحت العنوان نفسه، مبتدئين بفضائل النبي.

(أ) فضائل النبي:

1 - عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله، متى وجبت لك النبوة؟ قال: وآدم بين الروح والجسد 19.

2 - عن عبد الله بن سلام، قال: مكتوب في التوراة: صفة محمد، وعيسى بن مريم يُدفن معه. قال أبو مودود (أحد رُواة الحديث): وقد بقي في البيت (حجرة عائشة) موضع قبره

3 - عن أبي هريرة، قال: يا رسول الله، ادعُ على المشركين. قال: إني لم أُبعث لعّاناً؛ وإنما بُعثت رحمة

4 - عن عبد الله بن مسعود، قال: إن النبي قال: اللهم عليك بعمرو بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن الوليد ثم قال النبي: وأَتْبِع أصحاب القليب (مكان بالقرب من بئر بدر) لعنة

5 - روى البخاري عن عائشة أنه لما فتر الوحي عن النبي حزن حزناً شديداً جعله يذهب مراراً ليلقي بنفسه من شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل ليُلقِي نفسه منه، تبدَّى له جبريل، يقول: يا محمد، إنك رسول الله حقاً

للتعليق نقول:

قلنا في فصل علاقة محمد بأديان الجزيرة العربية قبل الإسلام وفصل أُمّية محمد إن النبي لم يكن يجهل ما كُتب قبله، وإن هذه القصص كانت منتشرة في كل مكة والحجاز. ومن هذه القصص والأخبار معجزات الأنبياء قبله، فكان لابد أن تكون معجزات محمد أكثر وأعجب من كل معجزة سبقته، لأنه خاتم الأنبياء. فكان أن رُويت عنه عدة أحاديث حول إيمان الذئب به، وحواره مع غزالة وضبّ، وقصة حماره يعفور الذي كان يذهب لينادي الصحابة من منازلهم، والشجر الذي كلَّمهُ، وغيرها,والأغلب أن المسلمين أرادوا أن يضعوا محمداً في مرتبة أعلى من المسيح. فقد قال المسيح: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ (يوحنا 8: 58) 5,4، فيجب أن تُكتب النبوّة لمحمد، وآدم بين الروح والجسد! وإذا كان المسيح رُفع إلى السماء ولا يزال حياً، فيجب أن يُهبَط ويتزوج ويموت ويُدفَن إلى جوار محمد! ويجب أيضاً أن يصعد محمد إلى السماء حياً ويرى الله ثم يهبط ثانية للأرض (قصة المعراج).

وفي بعض الأحيان تجد محمداً يقول قولاً ثم يفعل عكسه تماماً، فتجده يقول إنه لم يُبعث لعّاناً، ثم تجده يقول: اللهم العَن فلاناً وفلاناً.

ولنا سؤال: لقد حاول محمد عدة مرات أن ينتحر. فهل ثقته بالله هي التي دفعته لمحاولة الانتحار، أم ماذا؟

(ب) فضائل قريش والقبائل:

1 - عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله يقول: لا يزال هذا الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، كلهم من قريش وفي رواية لا يزال هذا الدين قائماً حتى تقوم الساعة، أو يقوم عليهم اثنا عشر خليفة، كلهم من قريش

2 - عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله: المُلك في قريش، والقضاء في الأنصار، والأذان في الحبشة، والأمانة في الأزد (اليمن)

3 - عن ابن عبَّاس، قال: رسول الله: أحِبُّوا العرب لثلاث: لأني عربيُّ، والقرآن عربيُّ، وكلام أهل الجنة عربيُّ وقد قال الألباني بوضعه.

وللتعليق نقول:

إذا كان الله قد بعث محمداً نبياً، فلماذا كان يقوم بتقسيمات هي محض مُلكٍ وإمارة؟ ولماذا لم يلتزم بقوله: لا فضل لعربيٍّ على أعجميّ إلا بالتقوى؟ ثم ما ذنب من لا يعرف العربية؟ وهل تحَوَّل الله إلى إله إقليمي للعرب فقط؟ أم يجب على العالم كله أن يتعلم العربية ليعرف الله؟

(ج) فضائل الصحابة:

أول ما يُلفت نظرنا في هذا الباب، حديث أنس عن النبي قال: مثل أصحابي في أمّتي كالملح في الطعام، لا يصلح الطعام إلا بالملح وهذا الحديث وحديث آخر يقول: أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم يوضحان رأينا السابق في فصل أمية محمد من أنه كان ملمّاً ببعض ما في الإنجيل، لأنه نقل قول المسيح أَنْتُمْ مِلْحُ الْأَرْضِ, أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ (متى 5: 13 و14).

(د) فضائل الخلفاء الأربعة:

1 - عن ابن عمر، قال : كنا في زمن النبي لا نعدِل بأبي بكرٍ أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي، لا نفاضل بينهم 2.

وللتعليق نقول:

ورغم أن هذا الحديث، وحديثاً آخر يقول: من رمى مسلماً بكفرٍ فقد باء به أحدهما 2,فإننا نجد عائشة زوج النبي ترمي عثمان ثالث الخلفاء بالكفر وتقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. وتجد الحديث يسكت عن ذكر علي، رغم أنه من محمد بمنزلة هارون من موسى. فهل كان هارون هو الرابع بعد موسى؟

2 - عن ابن عمر، قال: إن عُمراً قال: وافقتُ ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت. وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البَرُّ والفاجر، فلو أمرتهن يحتجبن؟ فنزلت آية الحجاب. واجتمع نساء النبي في الغيرة، فقلت: عسى ربَّه إن طلَّقكنَّ أن يبدله الله أزواجاً خيراً منكنَّ فنزلت كذلك.

وللتعليق نقول:

لعل هذا الحديث - وغيره - يوضح من أين كان يأتي الوحي. فالواضح أن محمداً كان يسمع أقوال معاصريه، فإذا استصوب رأياً جعله قرآناً.

(ه ) فضائل القرآن:

المطَّلع على كتب الحديث يرى مئات الأحاديث التي كُتِبَت في فضائل القرآن، سورة سورة، وآية آية، بعضها مرفوع للنبي، والآخر موقوف على الصحابة والتابعين. وقد طعن كثير من علماء الحديث في أغلب الأحاديث الواردة في فضائل القرآن، واتهموا رُواتها بوضعها. ولن نناقش هنا هذه الأحاديث، لكننا سنسأل: هل اتَّفق المسلمون على القرآن قبل أن يعدّدوا فضائله؟

1 - أورد ابن أشتة في كتابه المصاحف> أن في مصحف أُبيّ سورتين صغيرتين زائدتين عن سور المصحف، واحدة اسمها الحفد والثانية اسمها الخلع. وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي اسحق أن أُمية بن خالد أمَّ الناس في خراسان، فقرأ في صلاته بسورتي الحفد والخلع. وكان هذا بعد عثمان بمدة طويلة.

2 - أورد السيوطي في كتابه الإتقان< أن سورتى الفيل و قريش في مصحف أُبيّ سورة واحدة، وأن سورتي الضحى و الشرح في مصحف بعض الصحابة سورة واحدة أيضاً.

3 - كان ابن مسعود يحكّ الفاتحة والمعوَّذتين من مصحفه ويقول: لا تكتبوا في كتاب الله ما ليس منه.

4 - عن عائشة، قالت: إن سورة الأحزاب كانت تُقرأ في زمن النبي مئتي آية. فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما هو الآن وهو اثنتان وسبعون آية.

5 - عن حميدة بنت أويس، قالت: قرأ عليَّ أبي وهو ابن ثمانين، في مصحف عائشة إن الله وملائكته يصلّون على النبي. يا أيها الذين آمَنوا صلوا عليه وسلِّموا تسليماً، وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى. وذلك قبل أن يغيّر عثمان المصاحف.

6 - عن المسوَّد بن محزمة، أن عبد الرحمن بن عوف قال : لم نجد في ما أُنزِل علينا جاهدوا كما جاهدتم أول مرّة فإنا لا نجدها، قال: أُسقطت فيما أُسقط من القرآن.

7 - عن ابن عمر، قال: لا يقولن أحدكم أخذتُ القرآن كله، وما يدريه ما كله، فقد ذهب قرآن كثير (يقصد آيات كثيرة). ولكن ليقل قد أخذت منه ما ظهر

8 - عن عقبة بن عامر، قال: <سمعت رسول الله يقول: لو جُعل القرآن في إهاب (درجٍ من الجلد) ثم أُلقي في النار ما احترق.

9 - عن عبد الله، قال: ما مِن بيت تُقرأ فيه سورة البقرة إلا خرج منه الشيطان وله ضريط.

1 - عن الشعبي، قال: قال عبد الله بن مسعود لقي رجلٌ من أصحاب النبي رجلاً من الجن فصارعه، فصرعه الإنس، فقال له الإنس: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً (مهزولاً) كأن ذريعتيك (ذراعيك) ذريعتي كلب، فكذلك أنتم معشر الجن، أم أنت منهم كذلك؟ قال: لا والله إني منهم لضليع (جيد الأضلاع). ولكن عاوِدْني الثانية، فإن صرعتَني علَّمتُك شيئاً ينفعك، قال: نعم. قال (الجن): تقرأ الله لا إله إلا هو الحي القيوم فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خيخ كخيخ (أي ضِراط) الحمار.

11 - عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله: من قرأ (قُل هو الله أحد) خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة.

12 - عن أبي سعيد الخدري، قال: من قرأ في ليلة عشر آيات كُتب من الذاكرين، ومن قرأ بمائة آية كُتب من القانتين، ومن قرأ بخمس مائة آية إلى الألف أصبح وله قنطارٌ من الأجر، قيل وما القنطار؟ قال: ملء مسك (براز) الثور ذهباً.

13 - عن ابن عباس، قال: سجد النبي بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجنُّ والإنس.

وللتعليق نقول:

هذه أقوالهم عن القرآن، وهذا هو اتفاقهم حول ما هو مكتوب فيه. ونحن نسأل: إذا كانوا لم يتفقوا على ما هو مكتوب في القرآن، فهل سيتفقون على فضائله؟ وكيف يطلب أن نعرف فضائل القرآن، قبل أن نعرف ما هو القرآن الذي سنعرف فضائله؟

 

الجزء الثالث:

المسيحية في الحديث

 

 

بما أن الخلاص والمخلّص يشكلان جوهر الإنجيل، فسنورد بعض الأحاديث عن شخصية المسيح. وفي مجموعات الحديث عدد من الروايات عن المسيحية، أغلبها لا نصيب لها من الصحة، ولو أنها وردت في مصنفات الحديث الموثوق بها عند أهل السنة، مما يعني أن لها أهمية كبيرة لدى أغلبية المسلمين، بغضّ النظر عن نقاش العلماء حول تأويلها وتفسيرها. ثم سنورد صورة المسيح في الإسلام الشعبي، رغم أن القصص التي سنذكرها تحت هذا العنوان كلها مختلقَة. لكن لا ينبغي أن ننسى أن جماهير الشعب تتأثر بها لكثرة تداولها وانتشارها، حتى أصبحت تُروى وكأنها حقيقة!

1 -المسيح في الأحاديث الموثوق بها<

تصادفنا في الأحاديث الصحيحة الموثوق بها صورة مشوَّهة للمسيح والمسيحية. وتهمّنا بعض تلك الروايات لأننا نعرف منها الحوارات الدينية التي دارت بين محمد والمسيحيين في شبه الجزيرة العربية، مما يفسر لنا كيف كوَّن محمد تصوراته عن المسيحية وعن المصادر التي أخذ عنها. ولم يكن المسيحيون الذين احتك بهم المسلمون ممن يمثلون العقيدة المسيحية بشكل مثالي، كما يظهر في كلام علي بن أبي طالب مع وفد بني تغلب: إن تغلب ليسوا نصارى، وما أخذوا من النصرانية سوى شرب الخمر.

والقصة التالية التي وردت في السيرة النبوية لابن هشام خير مثال على طبيعة الجدل الكلامي (اللاهوتي أو الفقهي) بين الإسلام والمسيحية في وقتٍ كان الإسلام فيه في طور النشأة والصوغ:

قدم على رسول الله وفد (نصارى) نجران ستون راكباً، فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم. في الأربعة عشر منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح، والسيد ثمالهم (عمادهم) وصاحب رحلهم واسمه الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مِدْراسهم. ولما قدموا على رسول الله في المدينة دخلوا عليه مسجده حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات وجبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب قال: يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي: ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم.. فكلّم رسول الله أبا حارثة بن علقمة والعاقب عبد المسيح والأيهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك (يعني من مذهب الملكانية) مع اختلاف من أمرهم. يقولون هو الله، ويقولون هو ولد الله، ويقولون هو ثالث ثلاثة، وكذلك قول النصرانية. فهم يحتجون في قولهم : هو الله بأنه كان يحيي الموتى ويبرئ الأسقام ويخبر بالغيوب ويخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخفيه فيكون طائراً وذلك له بأمر الله تبارك وتعالى.. ويحتجون في قولهم إنه ولد الله بأنهم يقولون: لم يكن له أب يُعلم وقد تكلّم في المهد، وهذا لم يصنعه أحد من ولد آدم قبله. ويحتجون في قولهم إنه ثالث ثلاثة بقوله: فعلنا وأمرنا وخلقنا وقضينا فيقولون: لو كان واحداً لما قال إلا فعلتُ وقضيت وأمرت وخلقت، ولكنه هو وعيسى ومريم.. فلما كلمه الحبران قال لهما رسول الله: أسلِما! قالا: قد أسلمنا. قال: إنكما لم تسلما، فأسلِما. قالا: بلى وقد أسلمنا قبلك. قال: كذبتما. يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير. قالا: فمن أبوه يا محمد؟ صمت عنهما رسول الله فلم يجبهما. فأنزل الله تعالى في اختلاف أمرهم كله صدر سورة آل عمران,

هذه القصة وأمثالها تعلمنا (كما هو الحال أيضاً في القرآن نفسه) إن مريم كانت إحدى الأقانيم الثلاثة حسب عقيدة التثليث الموجودة آنذاك في شبه الجزيرة العربية.

نرى أيضاً في الحديث التالي كيف يميّز محمد المسيح وأمه عن سائر الناس مما يدل على تصوره عن التثليث: ما من بني آدم مولود إلا يمسّه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً مِن مسّ الشيطان، غير مريم وابنها, فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم كما ورد في الأحاديث الصحيحة، وكما عرض لمحمد غير مرة يجب علينا التسليم بأن عيسى يختلف عن سائر البشر تمام الاختلاف. إن المسيح لا يتميّز فقط بعصمته عن مسّ الشيطان أثناء ولادته، بل هو الوحيد بين بني البشر الذي لم يخطئ أبداً. والحديث الذي نذكره أدناه خير دليل على ذلك:

عن أبي هريرة قال: أُتي رسول الله بلحم، فرُفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهش منها نهشة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ يجمع الله الناس الأوَّلين والآخِرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس: ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم. فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك. اشفع لنا إلى ربك. أَلا ترى إلى ما نحن فيه؟ أَلا ترى إلى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته. نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري. اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح، إنك أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وقد سمّاك الله عبداً شكوراً، اشفع لنا إلى ربك: أَلا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي عزَّ وجل قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم. فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم، أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض، اشفع لنا إلى ربك. أَلا ترى ما إلى نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات - نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقولون: يا موسى أنت رسول الله، فضَّلك الله برسالته وبكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك. أَلا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فيقولون: يا عيسى، أنت رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وكلّمتَ الناس في المهد صبياً، اشفع لنا. أَلا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول عيسى: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله قط، ولن يغضب بعده مثله - ولم يذكر ذنباً - نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى محمد. فيأتون محمداً فيقولون: يا محمد أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجداً لربي عز وجل، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحُسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تُعطَه واشفع تشفع. فأرفع رأسي فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب. فيقال: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب. ثم قال: والذي نفسي بيده، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبُصرى,

والأمر الذي يجعل هذا الحديث ذا أهمية قصوى يكمن في جواب عيسى على سؤال الناس للشفاعة. فهو الوحيد خلافاً لآدم وإبراهيم وموسى ومحمد الرسول الذي لم ينسب إلى نفسه خطيةً. كما نقدر أن نقول إن الذي روى هذه القصة أو اختلقها لم يجرؤ على ذلك: من هنا يتبيَّن لنا التناقض في كون محمد - حسب الحديث - شفيع المؤمنين لدى الله الذي غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر. ولكن يبدو أن علماء الإسلام لاحظوا خطورة هذا الحديث بالنسبة لمكانة محمد في ترتيب الأنبياء فأتوا برواية أخرى لا يذكر فيها الأنبياء السابقون ما تقدّم من خطاياهم. ويقول محمد وهو أمام الله: أي رب، خلقتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض ولا فخر, لا يحتاج المرء أن يكون ملماً بقواعد علم الحديث لكي يرى يد التحريف في هذه الرواية، حيث يُرى بوضوح كيف حاول المسلمون الغيارى في العصور الأولى إعلاء مكانة محمد عن مكانة المسيح. إن المسلمين لم يختبروا فقط من المسيحيين ما امتاز به المسيح من صفات تجعله كائناً فوق البشر، بل قرأوا في قرآنهم والآثار المروية عن نبيّهم محمد ما يصدّق على ذلك. وقد أدّى هذا إلى إنتاج أحاديث تُضفي على محمد فضائل بدوية : أعطيت مفاتيح الكلم ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وبينا أنا نائم البارحة إذ أقيمت مفاتيح خزائن الأرض حتى وُضعت في يدي,

وتزوِّدنا مصادر الحديث بمعلومات عن منظر المسيح وملامح وجهه حيث يقول محمد: أراني في المنام عند الكعبة فرأيت رجلاً آدم كأحسن ما ترى من الرجال، له لمّة قد رجّلت ولمته تقطر ماء واضعاً يده على عواتق رجلين يطوف بالبيت، رجل الشعر. فقلت: من هذا؟ فقالوا: المسيح ابن مريم. ثم رأيت رجلاً جعداً تطفأ أعور العين اليمنى كأن عينه عنبة طافية كأشبه ما رأيت من الناس بابن قطن واضعاً يديه على عواتق رجلين يطوف بالبيت فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا المسيح الدجال",يقول ابن عباس إن موسى أيضاً كان رجلاً آدم جعداً, أما ما يتعلق ب اللمة فإنها كانت على ما يبدو من علامات الجمال حسب الموضة السائدة حينذاك في الحجاز، إذ يخبرنا الصحابي البراد: ما رأيت من ذي لمّة أحسن في حلة حمراء من رسول الله وزاد محمد بن سليمان: له شعر يضرب منكبيه, وتوجد روايات أخرى عند البخاري ومسلم عن لمة محمد,

ومن يتصفح مصادر الحديث الموثوق بها عند المسلمين بحثاً عن روايات تتعلق بالمسيح، يلاحظ بسرعة أن المسيح يظهر في تلك الروايات إما كمولود لم ينخسه الشيطان، أو كقاضٍ يأتي في نهاية الدهر. هناك أحاديث عديدة في شتى المصادر تصف بدقة على لسان محمد ما سيفعله المسيح عند مجيئه ثانيةً. أما القرآن فهو المصدر الوحيد بين المصادر الموثوق بها الذي يُطلعنا على تفاصيل ولادة المسيح ومعجزاته وموته على الصليب. يقول المستشرق الإنكليزي الكبير MacDonald؟ إن أقدم الأحاديث لا تقدم إلا قليلاً من المعلومات عن المسيح، أو تذكره فقط في سياق المسيح الدجال في أبواب الفتن أو شروط الساعة. إن محمداً ركز جل اهتمامه على فكرة الدجال، كما يدل على ذلك رواية ابن صياد عن الدجال. غير أن الرواة المسلمين بدأوا في وقت مبكر لأسباب سياسية وفقهية (كلامية) في إعداد وتطوير التعاليم الخاصة بالأمور الأخيرية، وذلك من خلال أحاديث موضوعة، كما نرى ذلك في كتاب مشكاة المصابيح18,حيث توجد عدة أبواب من علامات الساعة ونزول عيسى، أو في قصص الأنبياء للثعالبي19,الذي يقدم أكثر الأساطير عن المسيح كمالاً وتفصيلاً، بينما يسرد الطبري وابن واضح معلومات مختصرة من الأناجيل. غير أن التشابك الذي طرأ على الدور الذي يقوم به المسيح حسب هذه الروايات وعلى الذي نسب إلى المهدي بصورة شبه مشابهة اضطر أحدهم إلى القول بأن لا يوجد مهدي إلا عيسى ابن مريم. ويشير ابن خلدون (الذي درس هذه القضية بصورة فلسفية في مؤلفه المقدمة ) إلى ضعف الآثار المختلفة ويتابع تطور فكرة المجدد للإسلام قبل نهاية الدهر ويشير كيف تأثرت تلك الفكرة بالأفكار الشيعية والصوفية,

مجيء المسيح ثانيةً

والآن نريد أن نذكر أهم ما ورد في مصادر الحديث الموثوق بها عما يتصل بمجيء عيسى ثانيةً إلى العالم:

عن أبي هريرة قال رسول الله: يوشك المسيح عيسى بن مريم أن ينزل حكماً قسطاً وإماماً عدلاً، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون الدعوة واحدة فأقرؤه أو أقرئه السلام من رسول الله ص وأحدثه فيصدقني فلما حضرته الوفاة قال اقرؤه مني السلام,

وحسب رواية أخرى لنفس الحديث: سيضع عيسى الحرب ويفيض المال حتى لا يطلبه أحد حتى تكون السجدة الواحدة خيراً من الدنيا وما فيها, وتقول الأحاديث إن المسيح سوف يؤمّ المسلمين في صلاتهم الجماعية أو يكون أميرهم. عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله يقول: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال فصلّ فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة,

فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول الله. فأين العرب يومئذ؟ قال: العرب يومئذ قليل. وجلّهم ببيت المقدس. وإمامهم رجل صالح. فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص. يمشي القهقري ليقدم عيسى يصلي. فيضع عيسى عليه السلام يده بين كتفيه ثم يقول له: تقدم فصلّ فإنها لك أُقيمت، فيصلي بهم إمامهم. فإذا انصرف قال عيسى عليه السلام: افتحوا الباب، فيفتح ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي، كلهم ذوو سيف مُحلّى وساج، فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء. وينطلق هارباً، ويقول عيسى: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها. فيدركه عند باب اللُّد الشرقي فيقتله. فيهزم الله اليهود، فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء. لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة - إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق - إلا قال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي، فتعال اقتله. وإن أيامه أربعون سنة، السنة كنصف السنة. والسنة كالشهر. والشهر كالجمعة، وآخر أيامه كالشررة، ويصبح أحدكم على باب المدينة فلا يبلغ بابها الآخر حتى يمسي.

فقيل له: يا رسول الله، كيف نصلي في تلك الأيام القصار؟ فقال: تقدرون فيها الصلاة كما تقدرونها في هذه الأيام الطوال ، ثم صلوا.

فيكون عيسى بن مريم من أمتي حكماً عدلاً، وإماماً مقسطاً، يدقّ الصليب، ويذبح الخنزير، ويضع الجزية، ويترك الصدقة، فلا يُسعى على شاة ولا بعير. وترفع الشحناء والتباغض، وتنزع حُمة كل ذات حُمة. حتى يُدخِل الوليد - أي الطفل الصغير - يده في فَيّ الحية - أي في فمها - فلا تضره، وتلعب الوليدة مع الأسد فلا يضرها، ويكون الذئب في الغنم كأنه كلبها، وتُملأ الأرض من السلم كما يمُلأ الإناء من الماء. وتكون الكلمة واحدة. فلا يُعبد إلا الله، وتضع الحرب أوزارها. وتسلب قريش ملكها. وتكون الأرض كفاثور الفضة تنبت نباتها بعهد آدم، حتى يجتمع النفر على القطف من العنب فيشبعهم، ويجتمع النفر على الرمانة فتشبعهم. ويكون الثور بكذا وكذا من المال، وتكون الفرس بالدريهمات.

قالوا: يا رسول الله وما يرخّص الفرس؟ قال: لا تُركب لحربٍ أبداً. قيل له: فما يغلي الثور؟ قال: تُحرَث الأرض كلها.

وإن قبل الدجال ثلاث سنوات شداد، ويصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في الثانية فتحبس ثلثي مطرها. ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها. ثم يأمر الله السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء. فلا تبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله.

قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتسبيح والتحميد، ويجري ذلك عليهم مَجرى الطعام,

عن عبد الله بن مسعود، عن النبي قال: لقيت ليلة أُسريَ بي إبراهيمَ وموسى وعيسى، فتذاكروا أمر الساعة. فردّوا أمرهم إلى إبراهيم. فقال: لا علم لي بها. فردوا الأمر إلى عيسى، فقال: أما وجبتها فلا يعلمها أحد إلا الله تعالى. ذلك وفيما عهد إليَّ ربي عز وجل أن الدجال جارح. قال: ومعي قضيبان، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص. قال: فيهلكه الله حتى أن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم إن تحتي كافراً فتعال فاقتله. قال: فيهلكهم الله تعالى. ثم رجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم. قال: فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيطأون بلادهم، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولا يمرّون على ماء إلا شربوه، ثم يرجع الناس إليّ فيشكونهم، فأدعو الله عليهم فيهلكهم الله تعالى ويميتهم. حتى تجوي الأرض من نتن ريحهم، قال: فينزل الله عز وجل المطر فيجرف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر23.

لقد شبَّه محمدٌ المسيحَ من حيث المنظر وملامح الوجه بعدد من أصحابه. بينما كان الحديث في الرواية السابق ذكرها عن الشبه بين موسى والمسيح، إذ كل واحد منهما رجل آدم وجعد23,نرى في بعض الروايات عروة بن مسعود كأشبه الناس بالمسيح,وعبد العزى بن قطن كمثل الدجال من حيث المنظر, يبدو الترابط السياقي بين المسيح والمسيح الدجال في هذه الروايات أشد ما يكون حيث قد يتحتم على المرء أن يعيد قراءة الحديث ليتأكد من هوية المقصود.

المسيح في الإسلام الشعبي أو كما يراه الصوفيون

بعد أن درسنا الأحاديث الصحيحة التي تحدثنا عن المسيح وتطلعنا على كيفية ولادته ومجيئه ثانيةً، نريد الآن أن ننقل عدداً من الآثار الموضوعة التي تُعزى إلى محمد مباشرة، أو إلى المسيح نفسه، كما وردت في المصادر الصوفية. فبما أن الأحاديث الصحيحة تتناول في أغلب الأحيان المواضيع التشريعية ولا يتيسر فهمها لعامة الشعب لأسباب لغوية، فقد صار أدب الخرافات أو ما يروى على لسان محمد من أحاديث مختلقَة ذا تأثير قوي وانتشار واسع في أوساط الشعب، ولعب دوراً أساسياً في تشكيل ما يُسمى بالإسلام الشعبي. تحوي هذه المجموعات أساطير وخرافات عن المسيح، وكثيراً ما تحمل نوايا تربوية وتهذيبية. أما ما يميّز تلك الخرافات عن سائر الأحاديث فهو محتواها الصوفي الذي يدلنا على مؤلفيها. يظهر المسيح في تلك الأخبار كزعيم أو قطب الدراويش المتَّقين بكونه خاتم الولاية بجانب محمد خاتم الأنبياء أو خاتم النبوة. إنه يستطيع القيام بالمستحيل لدى الناس, قال مالك بن أنس: بلغني أن امرأتين أتتا عيسى عليه السلام فقالتا: يا روح الله، ادعُ الله لنا أن يخرِج لنا أبانا فإنه هلك ونحن غائبتان عنه. قال: أتعرفان قبره؟ فقالتا: نعم. فذهب معهما فأتيا قبراً فقالتا: هذا هو. فدعا الله فأخرج لهما، فإذا هو ليس به. فدعا فردَّ. ثم دلتاه على قبر آخر فدعا أن يخرج فخرج، فإذا هو. فلزمتاه وسلمتا عليه. ثم قالتا: يا نبي الله يا معلم الخير، ادع الله أن يبقيه معنا. فقال: وكيف أدعو له ولم يبق له رزق يعيش به؟ ثم ردَّه وانصرف,

(أ) معجزاته:

راج أدب الخرافات والأعاجيب في الأوساط الصوفية والشعبية رواجاً باهراً وصارت تُردد وتُنقل من جيل إلى آخر. نبدأ بالمعجزات لأنها تشكّل نصف الأخبار الموضوعة عن المسيح على أقل تقدير.

قال وهب: كان أول آية رآها الناس من عيسى أن أمه كانت نازلة في دار دهقان من أرض مصر، أنزلها بها يوسف النجار حين ذهب بها إلى مصر. وكانت دار ذلك الدهقان تأوي إليها المساكين. وحدث أن سُرق الدهقان، فحزنت مريم لمصيبته. فلما رأى عيسى حزن أمه لمصيبة صاحب ضيافتها، قال لها: يا أماه، أتحبين أن أدله على ماله؟ قالت: نعم يا بُنيَّ. قال لها: قولي له يجمع المساكين. فلما اجتمعوا عمد إلى رجلين منهم، أحدهما أعمى والآخر مقعد. فحمل المقعد على عاتق الأعمى وقال له: قم به. فقال الأعمى: أنا أضعف عن ذلك. فقال له عيسى: كيف قويت على ذلك البارحة؟ فلما سمعوه يقول ذلك ضربوا الأعمى حتى قام. فلما استقل قائماً هوى المقعد إلى كوة الخزانة. فقال عيسى للدهقان: هكذا احتالا على مالك البارحة، لأن الأعمى استعان بقوته والمقعد بعينيه. فقال الأعمى: صدق والله. فردّا على الدهقان ماله كله، فأخذه الدهقان ووضعه في خزانته وقال: يا مريم خذي نصفه، فقالت: إني لم أُخلق لذلك. قال الدهقان: فأعطيه لابنك، قالت: هو أعظم مني شأناً.

ثم لم يلبث الدهقان أن أعرس لابن له فصنع له عيداً، فجمع عليه أهل مصر كلهم فكان يطعمهم شهرين. فلما انقضى ذلك زاره قوم من أهل الشام ولم يعلم الدهقان بهم حتى نزلوا به وليس عنده يومئذ شراب، وكانت كل جراره خاوية. فلما رأى عيسى مرَّر يده على أفواهها وهو يمشي فكلما أمر يده على جرة امتلأت شراباً حتى أتى عيسى على آخرها وهو يومئذٍ ابن اثنتي عشرة سنة,

قال وهب: بينما عيسى يلعب مع الصبيان إذ وثب غلام على صبي فوكزه برجله فقتله، فألقاه بين يدي عيسى وهو ملطخ بالدم، فاطلع الناس عليه فاتهموه به فأخذوه وانطلقوا به إلى قاضي مصر فقالوا له: هذا قتل هذا. فسأله القاضي، فقال عيسى: لا أدري من قتله وما أنا بصاحبه. فأرادوا أن يبطشوا بعيسى عليه السلام فقال لهم: ائتوني بالغلام. فقالوا له: ما تريد به؟ قال: أريد أن أسأله من قتله. قالوا: وكيف يكلمك وهو ميت؟ فأخذوه وأتوا به إلى مقتل الغلام. فأقبل عيسى على الدعاء فأحياه الله تعالى فقال له عيسى: من قتلك؟ قال: قتلني فلان (على الذي قتله).فقال بنو إسرائيل: مَن هذا؟ قال: هذا عيسى ابن مريم. قالوا: فمن هذا الذي معه؟ قال: قاضي بني إسرائيل. ثم مات الغلام من ساعته.

فرجع عيسى إلى أمه وتبعه خلق كثير من الناس فقالت له أمه: يا بنيَّ، ألم أنهك عن هذا؟ فقال: إن الله حافظنا وهو أرحم الراحمين,

ويقولون: إن عيسى لما أسلمته أمه إلى الكتّاب ليعلمه المعلم، قال له المعلم: اكتب بسم الله فقال له عيسى عليه السلام: ما بسم الله؟ قال المعلم: لا أدري. فقال له: باء بهاء الله، سين سناؤه، ميم ملكه، والله إله الآلهة والرحمان رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة. أبجد: الألف ألاء الله، الباء بهاء الله، جيم جمال الله، دال الله دائم. هوز: الهاء الهاوية، الواو ويل لأهل النار، الزاي واد في جهنم. وحطي: الحاء الله الحكيم، الطاء الله الطالب لكل حق حتى يؤديه، والياء آي أهل النار وهو الوجع. كلمن: كافن الله الكافي، لام الله العليم، ميم الله الملك، نون البحر. سعفص: سين الله السميع، والعين الله العالم، والفاء الله الفرد، وصاد الله الصمد. قرشت: قاف الجبل المحيط بالدنيا الذي أخضرت منه السموات، والراء رأي الناس لها، والشين شيء لله، والتاء تمت أبداً.

وروي في الخبر أن عيسى عليه الصلاة والسلام مرَّ بقرية فيها جبل، وفي الجبل بكاء وانتحاب كثير. فقال لأهل القرية: ما هذا البكاء وهذا الانتحاب في هذا الجبل؟ قالوا: يا عيسى منذ سكنا هذه القرية نسمع هذه البكاء. وهذا الانتحاب بهذا الجبل. فقال عيسى عليه السلام: يا رب ائذن لهذا الجبل أن يكلمني. فأنطق الله الجبل فقال: يا عيسى أنا الجبل الذي كانت تُنحت مني الأصنام التي يعبدونها دون الله فأخاف أن يلقيني الله تعالى في نار جهنم. فإني سمعت الله يقول: واتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة. فأوحى الله إلى عيسى عليه الصلاة والسلام أن قُل للجبل اسكن فإني قد أعذته من جهنم,

روي عن عيسى عليه السلام أنه دخل على نار توقدت على رجل في البرية فأخذ عيسى ماء ليطفئها عنه فانقلبت النار غلاماً وانقلب الرجلناراً. فبكى عيسى عليه السلام وقال: يا رب ردهما إلى حالهما الأول حتى أرى ما ذنبهما. فانكشفت تلك النار عنهما فإذا هما رجل وغلام. فقال الرجل: يا عيسى أنا قد كنت في دار الدنيا مبتلى بحب هذا الغلام، فحملتني الشهوة إلى أن فعلت به ليلة الجمعة ثم فعلت به يوماً آخر، فدخلعلينا رجل فقال لنا: يا ويلكم! اتقوا الله. فقلت له: أنا لا أخاف ولا أتقي. فلما مت ومات الغلام صيَّرنا الله عز وجل إلى ما ترى. يصير ناراً فيحرقني مرة، ومرة أصير ناراً فأحرقه. فهذا عذابنا إلى يوم القيامة,

قال كعب الأحبار: إن عيسى عليه السلام مر ذات يوم بوادي القيامة وهي عشية يوم الجمعة عند العصر، فإذا بجمجمة بيضاء نخرة قد مات صاحبها منذ أربع وتسعين سنة، فوقف عليها متعجباً منها وقال: يا رب ائذن لهذه الجمجمة أن تكلمني بلسان حتى تخبرني ماذا لقيت من العذاب وكم أتى عليها منذ ماتت وماذا عاينت وبأي هيئة ماتت وماذا كانت تعبد. قال: فأتاه نداء من السماء فقال: يا روحَ الله وكلمتَه، سَلْها فإنها ستخبرك. فصلى عيسى ركعتين، ثم دنا منها فوضع يده عليها، فقال عيسى: أيتها الجمجمة النخرة. قالت: لبيك وسعديك، سلني عما بدا لك. قال: كم أتى عليك مذ مت؟ قالت: ما نفس بعد الحياة ولا روح تحصي السنين. فأتاه نداء أنها قد ماتت منذ أربع وتسعين سنة فسلها. قال: فبماذا مت؟ قالت: كنت جالسة ذات يوم إذ أتاني مثل السهم من السماء فدخل جوفي مثل الحريق، وكان مثلي مثل رجل دخل الحمام فأصابه حره فهو يلتمس الروح مخافة على نفسه بأن تهلك. قال فأتاني ملك الموت ومعه أعوان وجوههم مثل وجوه الكلاب بادية أنيابهم زرق أعينهم كلهبان النار، بأيديهم المقامع يضربون وجهي ودبري فانتزعوا روحي فكشطوها عني. ثم وضعها ملك الموت على جمرة من جمار جهنم ثم لفها في قطع مسح من مسوح جهنم فرفعوا روحي إلى السماء فمنعتهم السماء أن يدخل وأغلقت الأبواب دونها. فأتاني نداء أن ردوا هذه النفس الخاطئة إلى مثواها ومأواها,

عن كعب الأحبار قال: مرَّ عيسى بجمجمة بيضاء فقال: يا رب هذه الجمجمة أحيِها. فأوحى الله تعالى أن أشِح بوجهك. ففعل. ثم حّوَل وجهه فإذا شيخ متكئ على كارة من بقل فقال: يا عبد الله سل على حتى ألحق بالسوق. قال: وما شأنك؟ قال: قلعت هذا البقل من هذه المبقلة وغسلته في هذا النهر وغلبتني عيني. قال وخيل إليه ما كان فيه. قال فسأله عيسى عليه السلام عن القوم الذي هو منهم، فإذا بين المسيح وأولئك خمسمائة عام, رُوي أن عيسى عليه السلام مر بجمجمة فضربها برجله فقال: تكلمي بإذن الله. فقالت: يا روح أنا ملك زمان وكذا وكذا. بينما أنا جالس في مُلكي عليَّ تاجي وحولي جنودي وحشمي على سرير ملكي إذ بدا لي ملك الموت، فزال مني كل عضو على حياله ثم خرجت نفسي إليه، فيا ليت ما كان من تلك الجموع كان فرقة، ويا ليت ما كان من ذلك الأنس كان وحشة, فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد,

وهناك روايات تحمل مسحة النص الإنجيلي: رُوي عن عيسى أنه قال: ماذا يُغني عن الأعمى حمل السراج ويستضيء به غيره؟ وماذا يغني عن البيت المظلم أن يكون السراج على ظهره؟ وماذا يغني عنكم أن تتكلموا بالحكمة وما تعملون بها,

وهذه الروايات الصوفية تنقل لنا مواعظ المسيح باعتباره واعظاً صوفياً ينفّر الناس من الدنيا ويدعوهم إلى الزُّهد. قال المسيح: الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمّروها. قالوا: يا نبي الله، إنا نريد أن نبني بيتاً نجتمع فيه لنعبد ونتدارس، فاختر لنا موضعاً نبني فيه. فقال: تعالوا. فمشوا معه فوقف على قنطرة وهي مدرجة للناس لا يدَعونا فيها. كذلك الدنيا مدرجة للموتى وأنتم تبنون عليها ولا يدَعونكم فيها. قيل لعيسى علِّمنا عِلماً شيئاً واحداً يحبنا الله عليه. قال: أبغضوا الدنيا يحبكم الله, قال الحواريون: يا روح الله نحن نصلي ونصوم ونذكر الله تعالى كما أمرتَنا ولانقدر أن نمشي على الماء كما تمشي أنت. قال: أَخبروني كيف حبكم للدنيا. قالوا: إنا لنحبها. فقال: إن حبها يفسد الدين لكنها عندي بمنزلة الحجر والمدر, وقال: ما لكم تأتون ثياب الرهبان وقلوبكم قلوب الذئاب الضواري. البسوا ثياب الملوك وأميتوا قلوبكم بالخشية,

وأحياناً تُذكر آيات إنجيلية بصورة حرفية: رأيت في الإنجيل قال عيسى ابن مريم عليه السلام: لقد قيل لكم من قبل إن السنّ بالسن والأنف بالأنف، وأنا أقول لكم: لا تقاوموا الشر بالشر، بل من ضرب خدك الأيمن فحّوِل إليه الخد الأيسر. ومن أخذ رداءك فأعطه إزارك. ومن سخّرك لتسير معه ميلاً فسِر معه ميلين,

(ب) نزول عيسى في آخر الزمان:

كما هو الحال في الأحاديث الصحيحة، كذلك تجد في تعاليم الصوفية أخباراً تطلعنا على مجيء المسيح ثانية وما سيحدث بعد مجيئه. فإن المسيح يظهر في تلك الأخبار كعلم الساعة!, غير أنه لا يعرف متى الساعة. يذكرنا الحوار الغريب بين المسيح وجبريل، والذي ورد في مؤلف للإمام الشعراني بسؤال محمد جبريل في حديث القدر الشهير: روي عن الشعبي قال: لقي جبريل عيسى عليهما السلام فقال له عيسى: متى الساعة؟ فانتفض جبريل في أجنحته وقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة, إن المسيح الذي سيأتي لكي يعاقب الكفَّار ويجازي الصالحين خيراً سوف يختار بين المسلمين طائفة الغرباء النافرين عن الدنيا: قال رسول الله: أحب شيء إلى الله تعالى الغرباء. قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرّارون بدينهم يبعثهم الله تعالى يوم القيامة مع عيسى ابن مريم عليه السلام, روي عن محمد أيضاً: ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها,

لقد حوَّل الوضاعون المسيح إلى مسلم مثالي يصلي ويحج: ويهبط عيسى ابن مريم فيصلي الصلوات ويجمع الجمع ويزيد في الحلال كأني به تجدبه رواجله ببطيء الروحاء حاجاً أو معتمراً, بينما يصعب علينا أحياناً أن نميِّز المسيح من المهدي في الأحاديث الصحيحة، ويبدو كلاهما في بعض الروايات كأنهما شخص واحد. يخبرنا الوضاعون بأن المهدي من أهل بيت محمد: المهدي من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً، وإنه يخرج مع عيسى عليه الصلاة والسلام يساعده على قتل الدجال بباب لد من أرض فلسطين وإنه يؤم هذه الأمة ويصلي خلفه عيسى ابن مريم,

(ج) عيسى كمجدد للشريعة الإسلامية:

نقل الإمام الشعراني: قال العلماء إنه إذا نزل عيسى في آخر الزمان يكون مقرراً لشريعة محمد ومجدداً لها، لأنه لا نبي بعد رسول الله يحكم بشريعة غير شريعة محمد، لأنها آخر الشرائع ونبيّها آخر النبيين. فيكون عيسى حكماً مقسطاً لأنه لا سلطان يومئذ للمسلمين ولا إماماً ولا قاضياً ولا مفتياً، وقد قبض الله العلم وخلا الناس منه فينزل وقد علم بأمر الله تعالى من السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من أمر هذه الشريعة ليحكم به بين الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على أنفسهم ولا أحد ليحكم به بين الناس وليعمل به في نفسه ليجتمع المؤمنون عند ذلك ويحكمونهم على أنفسهم ولا أحد يصلح لذلك غيره، لأن تعطيل الحكم غير جائز، وأيضاً فإن بقاء الدنيا إنما يكون بالتكليف، فلا يزال التكليف قائماً إلى أن لا يبقى على وجه الأرض من يقول لا إله إلا الله, إن المسيح كما يصوره الوضاعون ليس الإمام والحكم المقسط ولا مجدد الشريعة فحسب، بل هو فقيه متبحر يدرس القرآن مطلع على أسراره وحكمه التشريعية: إن عيسى ينظر في القرآن فيفهم منه جميع الأحكام المتعلقة بهذه الشريعة من غير احتياج إلى مراجعة الأحاديث كما فهم النبي عليه الصلاة والسلام من القرآن العزيز, نقرأ في رواية أخرى أن عيسى سوف يتعلم ما يحتاج إليه من أمر الشريعة من محمد نفسه: إن النبي في حياته كان يرى الأنبياء أحياء يصلون26,فكذلك إذا نزل عيسى عليه السلام إلى الأرض يرى الأنبياء ويجتمع بهم ومن جملتهم النبي عليه السلام فيأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته, يقول المحدثون كان من الطبيعي أن يجعله العلماء صحابياً إذ يقول الذهبي إن عيسى ابن مريم عليه السلام نبي وصحابي، فإنه رأى النبي وسلّم عليه، فهو آخر الصحابة موتاً,

وتُظهر الفتوى التي كتبها السيوطي رداً على سؤال عن المذهب الفقهي الذي سيتبعه عيسى في تطبيق الشريعة مدى ما يمكن أن يمتد الخيال إليه لدى الوضّاعين والصوفيين. بعد أن حسم بأن عيسى سيحكم بالشريعة الإسلامية دون الشرائع الأخرى، يقول السيوطي: وقول القائل: إذا قلتم إنه يحكم بشرع نبينا فكيف حكمه به؟ هل بمذهب من المذاهب الأربعة المتقررة أو باجتهاد منه؟.. هذا السؤال أعجب من سائله. وأشدّ عجباً منه قوله بمذهب من المذاهب الأربعة. فهل خطر ببال السائل أن المذاهب من هذه الشريعة منحصرة في أربعة مذاهب؟.. كيف يقلّد نبي مذهباً من المذاهب والعلماء يقولون: إن المجتهد لا يقلد مجتهداً. فإذا كان هذا المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد، فكيف يظن بالنبي بأنه يقلد؟ فإن قلت: يتعين حينئذ القول بأنه يحكم بالاجتهاد. قلت: لا، لم يتعين ذلك، فإن النبي كان يتكلم بما أُوحي إليه ولا يسمى ذلك اجتهاداً كما لا يسمى تقليداً. والدليل على ذلك أن العلماء حكوا خلافاً في جواز الاجتهاد للنبي. فلو كان حكمه بما يفهم من الغرض لا يسمى اجتهاداً. يبدو أن العلماء أجمعوا على أن عيسى يحكم بما ورد في القرآن من أحكام تشريعية كنبي أو يكون صحابياً رأى النبي!

(د) وفاة عيسى:

إن ما ورد عن وفاة عيسى من أخبار في المصادر ليست أقل غرابة مما قلنا إلى الآن عن حياته الأرضية ومجيئه الثاني إلى الدنيا: عن أبي هريرة: قال رسول الله: الأنبياء علات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد، أوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً إنه نازل على أمتي وخليفتي عليهم، فإذا رأيتموه فاعرفوه فإنه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن رأسه تقطّر ولم يصبه بلل، ينزل بين مخصَّرتين ثم يلبث في الأرض أربعين سنة ويتزوج ويولد له، ويتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنونه في المدينة بجنب عمر. اقرأوا إن شئتم: ومن أهل الكتاب إلا ليؤمنن به، قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً (سورة النساء 159) أي قبل موت عيسى, وتخبرنا رواية أخرى عن مدفن عيسى بالتحديد: عن عائشة قالت: قلتُ: يا رسول الله إني أرى أني أعيش بعدك فتأذن لي أن أُدفن بجنبك؟ فقال: وأين لي بذلك الموضع ما فيه إلا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى ابن مريم, وفي رواية: إذا أهبط الله عيسى ابن مريم يعيش في هذه الأمة ما يعيش ثم يموت في مدينتي هذه ويُدفن إلى جانب قبر عمر، فطوبى لأبي بكر وعمر يحشران بين نبيين!,

ونختم بوصية الله لعيسى باتباع وإرضاء محمد كما ورد ذكر ذلك في المصادر الشيعية: أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر والوجه الأقمر المشرق النور القاهر القلب الشديد البأس.. فإنه رحمة للعالمين، سيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين عليّ وأقرب المرسلين من العربي الأمي، الديان بديني الصابر في ذاتي المجاهد المشركين ببدنه عن ديني أن تخبر به بني إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يطيعوه وينصروه.. قال عيسى: إلهي، فمن هو حتى أرضيه فلك الرضى؟ قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة، أقربهم مني منزلة وأحبهم عندي شفاعة. طوبى له من نبي وطوبى لأمته أن لقوني على سبيله. يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء أمين فيموت طيب مطيب، خير الباقين عندي.. كثير الازدواج قليل الأولاد يسكن مكة موضع أساس إبراهيم,

بعد أن قرأنا تلك الأخبار، الصحيحة منها والموضوعة لدى المحدثين عن عيسى ابن مريم كما يتصوره محمد والوضاعون من الصوفيين، يمكننا القول إن هذه الروايات وإن كانت في الأغلب مجرد خرافات تحمل في طياتها ما يوحي للقارئ بمصدرها الحقيقي، وتدل في معظم الأحيان على أن أصحابها قد اعترفوا بأن عيسى شخصية تفوق سائر البشر، وإن لم يؤمنوا به كمخلصهم الشخصي. غير أن صورة المسيح تبقى في تلك الآثار مشوَّهة وغريبة عن الرسالة الإنجيلية كما هو الحال في القرآن نفسه. فالمسيح كما وصفه محمد والوضاعون هو مسيح الإسلام (أو المسيح المسلم)!

 

الجزء الرابع:

غريب الحديث الصحيح

 

 

في هذا الباب لن نضيف للأحاديث أية تعليقات، ولكن سنترك الأحاديث تتحدث عن نفسها! فقد وجدنا أثناء دراستنا للحديث الإسلامي الكثير الذي يشترك في صفة واحدة، هي غرابة موضوعاته، فقررنا أن نضعها جميعاً هنا في باب مستقل.

1 - رضاعة الكبير:

عن ابن شهاب أنه سُئل عن رضاعة الكبير؟ فقال: أخبرني عُروة بن الزبير، أن أبا حذيفة بن عُتبة بن ربيعة، وكان من أصحاب رسول الله، وكان قد شهد بدراً، وكان قد تبنى سالماً الذي يقال له سالم مولى أبي حُذيفة. كما تبنى رسول الله زيد بن حارثة. وأنكح أبو حذيفة سالماً. وهو يرى أنه ابنه. أنكحه بنت أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهي يومئذ من المهاجرات الأُول. وهي من أفضل أيامى قريش. فلما أنزل الله تعالى في كتابه في زيد بن حارثة ما أنزل، فقال: أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين. ومواليكم. رُدَّ كل واحد إلى أبيه. فإن لم يعلم أبوه رد إلى مولاه. فجاءت سهلة بنت سهيل، وهي امرأة أبي حذيفة. وهي من بني عامر بن لؤي، إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله كنا نرى سالماً ولداً، وكان يدخل عليَّ وأنا فُضُلٌ (عليها ثياب رِقاق) وليس لنا إلا بيت واحد. فماذا ترى في شأنه؟ فقال لها رسول الله: أرضعيه خمس رضعات فيحرم بلبنها. وكانت تراه ابناً من الرضاعة. فأخذت بذلك عائشة أم المؤمنين. فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال. فكانت تأمر أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، وبنات أختها أن يرضعن من أحببن أن يدخل عليهن من الرجال. وأبى سائر أزواج النبي أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس. وقلن: لا والله، ما نرى الذي أمر به رسولُ الله سهلةَ بنت سهيل إلا رخصة من رسول الله في رضاعة سالم وحده. والله لا يدخل علينا بهذه الرضاعة أحد. فعلى هذا كان أزواج النبي في رضاعة الكبير,

2 - الرسول يسبّ المؤمن:

عن أبي هريرة، أنه سمع رسول الله يقول: اللهم! فأيّما مؤمن سببتُه، فاجعل ذلك قُربةً إليك يوم القيامة, روي أيضاً أن رسول الله سب الواصلة والمستوصلة,وقال: من يسب علياً يسبه الله,

وجاء أيضاً: سباب المسلم فسوق,

3 - لَحْس القصعة:

عن نُبَيشة، عن رسول الله، قال: من أكل من قصعة ثم لحسها، تقول له القصعة: أعتقك الله من النار كما أعتقتني من الشيطان,

- الذباب.. فليغمسه:

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء,

5 - موسى يفقأ عين مَلَك الموت:

عن أبي هريرة، قال رسول الله: جاء ملك الموت إلى موسى بن عمران فقال له: أجِبْ ربَّك. فلطم موسى عين مَلَك الموت ففقأها. فرجع الملك إلى الله فقال: إنك أرسلتني إلى عبدٍ لا يريد أن يموت، وقد فقأ عيني. فردَّ الله إليه عينه، وقال (الله): ارجِع إلى عبدي فقُل: الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت يدك من شعرة فإنك تعيش بها سنة. قال (موسى): ثم مه؟ قال: ثم تموت. قال (موسى): فالآن من قريب. رب ادنني من الأرض المقدسة رمية بحجر. قال رسول الله: والله لو أني عنده لأريتكم قبره إلى جنب الطريق عند الكثيب الأحمر,

6 - من تبرَّز على لَبِنتَين:

قال النبي: لا تستقبلوا القِبلة بغائط أو بول، ولكن شرّقوا أو غرّبوا. وعن أبي أيوب الأنصاري أن النبي قال: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبِلوا القِبلة ولا تستدبروها، ولكن شرّقوا أو غرّبوا. قال أبو أيوب: فقدِمنا الشام فوجدنا مراحيض بُنيت قبل القِبلة، فننحرف ونستغفر الله تعالى,

وعن عبد الله بن عمر أنه كان يقول إن ناساً يقولون: إذا قعدتَ على حاجتك فلا تستقبِل القِبلة ولا بيت المقدس. فقال عبد الله بن عمر: لقد ارتقيتُ يوماً على ظهر بيتٍ لنا فرأيتُ رسولَ الله على لَبِنتَين مستقبِلاً بيت المقدس لحاجته. وقال: لعلك من الذين يُصلّون على أوراكهم. فقلتُ: لا أدري. قال مالكٌ: يعني الذي يصلّي ولا يرتفع عن الأرض يسجد وهو لاصق بالأرض.

7 - النبي يدور على نسائه: <

عن عائشة، قالت: كنتُ أطيّب رسول الله فيطوف على نسائه ثم يصبح مُحرِماً ينضح طيباً. وعن قتادة قال: حدَّثنا أنس بن مالك قال: كان النبي يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهنَّ إحدى عشرة. قال: قلتُ لأنس: أوَكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أُعطي قوة ثلاثين,

8 - من كتاب الحيض!

قال النبي: هذا شيء كتبه الله على بنات آدم، وقال بعضهم: كان أول ما أُرسِل الحيض على بني إسرائيل,

حدَّثت عائشة أن النبي كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن.

عن عائشة قالت: كنتُ أغتسل أنا والنبي من إناء واحد، كلانا جُنُب، وكان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض. عن عائشة قالت: كانت إحدانا إذا كانت حائضاً فأراد رسول الله أن يباشرها، أمرها أن تتَّزر في فور حيضتها ثم يباشرها. قالت: وأيُّكم يملك إربه كما كان النبي يملك إربه.؟

وعن عائشة قالت: كان رسول الله لَيُقبِّل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت!

9 - ترك الحائض الصوم:

عن أبي سعيد الخُدري: خرج رسول الله في أضحى أو فِطرٍ إلى المصلى فمرَّ على النساء فقال: يا معشر النساء، تصدَّقْنَ، فإني أُريتكنَّ أكثر أهل النار. فقلن: وبمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير. ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرجل الحازم من إحداكن. قُلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصُم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها.

وورد ذكر الحديث نفسه وأُضيف إليه: ثم انصرف (النبي). فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه. فقيل: يا رسول الله هذه زينب. فقال: أي الزيانب؟ فقيل: امرأة ابن مسعود. قال: نعم، ائذنوا لها. فأُذن لها. قالت: يا نبي الله إنك أمرتَ اليوم بالصدقة وكان عندي حلي لي فأردتُ أن أتصدَّق به، فزعم ابن مسعود أنه وولده أحقُّ من تصدَّقتُ به عليهم. فقال النبي: صدق ابن مسعود. زوجك وولدك أحقّ من تصدقتِ به عليهم,

10 - عفريت يُربَط في المسجد!!:

عن أبي هريرة، عن النبي قال إن عفريتاً من الجن تفلَّت عليَّ البارحة (أو كلمة نحوها) ليقطع عليَّ الصلاة، فأمكنني الله منه. فأردتُ أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتى تُصبِحوا وتنظروا إليه كلكم، فذكرت قول أخي سليمان: ربِّ اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي فرددته خاسئاً وأضاف الشارح: عفريتٌ متمرد من أنس أو جان مثل زبنية جماعتها الزبانية.

وعن أبي هريرة أيضاً: عن النبي أنه صلى صلاة قال إن الشيطان عرض لي، فشدَّ عليَّ ليقطع الصلاة عليَّ، فأمكنني الله منه، فذَعتُّه (أي خنقتُه). ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تُصبِحوا فتنظروا إليه. فذكرتُ قول سليمان عليه السلام: رب هب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي، فردَّه الله خاسياً.

11 - ضُراط الشيطان!

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضُراط حتى لا يسمع التأذين. فإذا قضى النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا، لِما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يذكر كم صلّى.

12 - بول الشيطان!

ذُكر عند النبي رجلٌ، فقيل: ما زال نائماً حتى أصبح ما قام إلى صلاة. فقال: بال الشيطان في أذنه.

13 - ينزل ربنا إلى السماء الدنيا!

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخِر، يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟.

14 - نزول ابن مريم:

عن ابن المسيَّب أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله: والذي نفسي بيده، ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكَماً مُقسِطاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد.

15 - الجساسة والمسيح الدجال:

عن فاطمة بنت قيس قالت: سمعت منادي رسول الله ينادي: الصلاة جامعة. فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله. فلما قضى صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: هل تدرون لمَ جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبةٍ ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً فجاء (فبايع) وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم به عن المسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحريّة معثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب الموج شهراً في البحر، فأرفأوا إلى جزيرة حين تغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة، أهلب كثيرة الشعر، لا يدرون ما قُبلها من دُبرها من كثرة الشعر. قالوا: ويلك ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة. قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم، انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمَّت لنا رجلاً فَرَقنا منها أن تكون شيطانة. قال: فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان ما رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يده إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد. قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب، ركبنا في سفينة بحرية، فلعب بنا البحر شهراً، فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب، فقالت: أنا الجساسة، اعمدوا إلى هذا في الدير. فأقبلنا إليك سِراعاً، وفزعنا منها ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل تثمر؟ قلنا: نعم. قال: أما إنها توشك أن لا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة طبرية. قلنا عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قلنا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب.

قال: أخبروني عن عين زُغر. قالوا: وعن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قلنا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أَقاتله العرب؟ قلنا: نعم. قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب، وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه وإني مخبركم عني: إني أنا المسيح الدجال. وإني يوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج، فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، هما محرمتان عليَّ كلتاهما، كلما أردت أن أدخل (واحدة أو) واحداً منهما استقبلني مَلَك بيده السيف صلتا يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر: هذه طيبة. هذه طيبة (يعني المدينة) ألا هل كنت حدثتكم؟ فقال الناس: نعم. قال: فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنتُ أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو؟ من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو. وأومأ بيده إلى المشرق.

وفي رواية عن أبي سلمة قال سمعت أبا هريرة قال، قال رسول الله: ألا أخبركم عن الدجال حديثاً ما حدثه نبي قومه. إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنار. فالتي يقول إنها الجنة هي النار. وإني أنذرتكم كما أنذر به نوح قومه.

عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل. فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله ذكرتَ الدجال غداة فخَفَّضْتَ فيه ورَفَّعَت حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال: غير الدجال أخوفني عليكم. إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم. وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم. إنه شاب قطط عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف إنه خارج خلة بين الشام والعراق. فعاث يميناً وعاث شمالاً يا عباد الله فاثبتوا. قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر ويوم كجمعة. وسائر أيامه كأيامكم. قلنا: يا رسول الله، فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا. اقدروا له قدرة. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم. ويمر بالخربة فيقول لها: أَخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسب النحل ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض. ثم يدعوه فيُقبل ويتهلل وجهه يضحك. فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفة، فيطلبه حتى يدركه بباب لد فيقتله. ثم يأتي عيسى ابن مريم قوماً قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة. فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم فحرز عبادي إلى الطور. ويبعث الله يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، فيمرّ أوائلهم على بحيرة طبرية فيشربون ما فيها ويمر آخرهم فيقولون لقد كان بهذه مرة ماء. ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم فيُصبحون فرسى كموت نفس واحدة. ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لايَكِنُ منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة ثم يُقال للأرض أَنبتي ثمرتك وردّي بركتك. فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفآم من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس. فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة.

16 - انصر ظالماً:

عن أنس بن مالك: قال رسول الله: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.

17 - أَطلَّق النبي نساءه؟

عن عبد الله بن عباس، قال: لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللتين قال الله لهما أن تتوبا إلى الله. فقال (عمر): واعجبي يا ابن عباس! عائشة وحفصة. ثم قال: كنا معشر قريش نغلبُ النساءَ. فلما قدِمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم. فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار. فصِحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرتُ أن تراجعني، فقالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل! فأفزعني. ثم جمعتُ ثيابي فدخلتُ على حفصة (ابنته)، فقلت: أتغاضب إحداكنَّ رسول الله اليوم حتى الليل؟ فقالت: نعم. فقلتُ: خابَتْ وخسِرتْ. أفتأمن أن يغضب اللهُ لغضب رسوله فتهلكين؟ لا تستكثري على رسول الله ولا تراجعيه، واسأليني ما بدا لك، ولا يغُرَّنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى رسول الله (يريد عائشة).. ثم قال عمر: فجاء صاحبي وقال: طلّق رسول الله نساءه. فجمعتُ عليَّ ثيابي فصلّيت صلاة الفجر مع النبي، فدخل مشرُبةً له فاعتزل فيها. فدخلتُ على حفصة فإذا هي تبكي، فقلتُ: ما يُبكيكِ؟ أَوَلم أكن حذّرتُكِ؟ أَطلّقكن رسول الله؟ قالت: لا أدري. هوذا في المشرُبة. فخرجتُ فجئتُ المنبر فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلستُ معهم قليلاً، ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة التي هو فيها، فقلتُ لغلامٍ أسود: استأذِنْ لعمر. فدخل فكلّم النبي ثم خرج فقال: ذكرتُك له فصمَتَ. فانصرفْتُ حتى جلستُ مع الرهط. ثم غلبني ما أجد. فجئتُ الغلام فقلتُ: استأذِنْ لعمر، فذكر مثله. فلما ولّيتُ منصرفاً فإذا الغلام يدعوني، قال: أذِن لك رسول الله. فدخلتُ عليه فإذا هو مضطجع على رمال حصير ليس بينه وبينه فراش، قد أثَّر الرمال بجنبه، متكئ على وسادة من أَدَمٍ حَشْوُها لِيفٌ. فسلَّمتُ عليه، ثم قلتُ وأنا قائم: طلقتَ نساءك؟ فرفع بصره إليَّ فقال: لا. ثم قلتُ وأنا قائم: أَستأنِس يا رسول الله لو رأيتَني، وكنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدِمنا على قومٍ تغلبهم نساؤهم، فذكره. فتبسَّم النبي. ثم قلتُ: لو رأيتني ودخلتُ على حفصة فقلتُ لا يغرّنك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النبي (يريد عائشة). فتبسّم أخرى. فجلستُ حين رأيته تبسَّم. ثم رفعتُ بصري في بيته فوالله ما رأيت فيه شيئاً يردُّ البصر غير أَهْبة ثلاثة. فقلتُ: ادعُ الله فليوسّع على أمّتك، فإن فارس والروم وُسِّع عليهم وأُعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متكئاً. فقال: أَوَفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ أولئك قومٌ عَجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا. فقلتُ: يا رسول الله استغفِر لي. فاعتزل النبي من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصةُ إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخلٍ عليهنّ شهراً (من شدّة موجدته عليهن حين عاتبه الله). فلما مضت تسع وعشرون (يوماً) دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة: إنك أقسمتَ ألا تدخل علينا شهراً، وإنا أصبحنا لتسعٍ وعشرين ليلة أعدُّها عدّاً. فقال النبي: الشهر تسعٌ وعشرون. وكان ذلك الشهر تسعاً وعشرين. قالت عائشة: فأُنزلت آية التخيير، فبدأ بي أول امرأة، فقال: إني ذاكرٌ لك أمراً، ولا عليك أن لا تعجَلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أن أبويَّ لم يكونا يأمراني بفراقك. ثم قال إن الله قال: يا أيها النبي قُل لأزواجك.. إلى قوله عظيماً. قلتُ: أفي هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخِرة. ثم خيَّر نساءه فقُلن مثل ما قالت عائشة,

18 - الوحي في ثوب امرأة:

عن عائشة قالت: كان الناس يتحرّون بهداياهم يومي. وقالت أم سَلَمَة إن صواحبي اجتمعن فذكَرَت له فأعرض عنها,

وعن عائشة قالت: إن نساء رسول الله كنَّ حزبين، فحزبٌ فيه عائشة وحفصة وصفيَّة وسَوْدة، والحزب الآخر أم سلَمة وسائر نساء رسول الله. وكان المسلمون قد علموا حبّ رسول الله عائشةَ. فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يُهديها إلى رسول الله أخَّرها حتى إذا كان رسول الله في بيت عائشة بعث صاحبُ الهدية إلى رسول الله في بيت عائشة. فكلّم حِزبُ أم سَلمة،فقُلنَ لها: كلّمي رسول الله يكلم الناس فيقول: من أراد أن يُهدي إلى رسول الله هدية فليُهدِها إليه حيث كان من بيوت نسائه. فكلَّمَتهُ أم سلمة بما قُلن، فلم يقُل شيئاً. فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئاً. فقُلنَ لها: فكلميه. فكلَّمَته حين دار إليها، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإن الوحي لم يأتِني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله، فأرسلت إلى رسول الله تقول: إن نساءك ينشُدنك الله العدل في بنت أبي بكر، فكلّمَته فقال: يا بنيَّة، ألا تحبين ما أحب؟ قالت: بلى. فرجعَت إليهن فأخبرَتهن، فقُلن: ارجعي إليه فأبَت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحش، فأتته فأغلظت، وقالت: إن نساءك ينشُدنك الله العدلَ في بنت ابن أبي قُحافَة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة، فسبَّتها، حتى إن رسول الله لينظر إلى عائشة، هل تتكلم. فتكلمت عائشة تردّ على زينب حتى أسكتتها. قالت: فنظر النبي إلى عائشة وقال: إنها بنتُ أبي بكر,

19 - مَن بدّل دينه:

عن أبي هريرة، قال: بَعَثنا رسول الله في بَعْث، فقال: إن وجدتم فلاناً وفلاناً فأَحرقوهما بالنار. ثم قال رسول الله حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلاناً وفلاناً، وإن النار لا يُعذِّب بها إلا الله. فإن وجدتموهما فاقتلوهما.

وعن عكرمة أن عليّاً حرَّق قوماً، فبلغ ابن عباس، فقال: لو كنتُ أنا لم أُحرّقهم، لأن النبي قال: لا تعذّبوا بعذاب الله، ولقتلتُهم، كما قال النبي: من بدّل دينه فاقتلوه.

وعن أنس بن مالك أن رهطاً من عُكلٍ ثمانيةً، قدِموا على النبي فاجتووا المدينة، فقالوا: يا رسول الله، ابغِنا رِسلاً. قال: ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذَّوْد. فانطلقوا فشربوا من أبوالها وألبانها حتى صحّوا وسمنوا، وقتلوا الراعي، واستاقوا الذود، وكفروا بعد إسلامهم. فأتي الصريخ النبي، فبعث الطلب، فما ترجَّل النهار حتى أُتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، ثم أمر بمسامير فأُحمِيت فكحلهم بها وطرحهم بالحرَّة، يستسقون فما يُسقون حتى ماتوا. قال أبو قلابة: قتلوا وسرقوا وحاربوا الله ورسوله وسعوا في الأرض فساداً.

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: قَرَصَت نملةٌ نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأُحرِقت. فأوحى الله إليه، أن قرصتك نملة أحرقتَ أمةً من الأمم تسبّح.

2 - ثلاث لا يعلمهن إلا نبي:

عن أنس، قال: بلغ عبد الله بن سَلَام مقدَم رسول الله المدينة، فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي: أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ ومن أي شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أي شيء ينزع إلى أخواله؟ فقال رسول الله: خبَّرني بهن آنفاً جبريل، فقال عبد الله: ذاك عدو اليهود من الملائكة. فقال رسول الله: أما أول أشراط الساعة فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب. أما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت. أما الشبه في الولد فإن الرجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشبه له. وإذا سبق ماؤها كان الشبه لها. قال (عبد الله): أشهد أنك رسول الله!.

21 - المرأة تهب نفسها:

حدَّثنا هشام عن أبيه، قال: كانت خَوْلة بنت حكيم من اللائي وهبن أنفسهن للنبي، فقالت عائشة: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل؟ فلما نزلت ترجئ من تشاء منهن قلتُ: يا رسول الله ما أرى ربَّك إلا يسارع في هواك. حدَّثنا مرحوم، قال: سمعتُ ثابتاً البُنَّاني قال: كنتُ عند أَنَس وعنده ابنةٌ له. قال أنس: جاءت امرأةٌ إلى رسول الله تعرض عليه نفسها، قالت: يا رسول الله، ألكَ بي حاجة؟ فقالت بنتُ أنس: ما أقل حياءها! واسوأتاه! واسوأتاه! قال (أنس): هي خيرٌ منكِ، رغبَتْ في النبي فعرضَتْ عليه نفسها.

22 - فوائد العجوة:

أخبرنا عامر بن سعد عن أبيه، قال: قال رسول الله: من تصبَّح كل يوم سبع تَمْراتٍ عجوةً لم يضرّه في ذلك اليوم سمٌّ ولا سحرٌ.

23 - من كتاب الطب:

عن ابن عباس، عن النبي، قال: الشفاء في ثلاثة: في شرطة مِحجَم، أو شَرْبَة عسل، أو كيَّة بنار. وأنهى أمتي عن الكي.

عن أبي هريرة، أن رسول الله قال: لا عدوى ولا صَفَر ولا هامة. فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال إبلي تكون في الرمل كأنها الظباء، فيأتي البعير الأجرب فيدخل بينها فيُجربها؟ فقال (الرسول): فمن أعدى الأول؟

عن عائشة، قالت: سحر رسولَ الله رجلٌ من بني زُريق يُقال له لُبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، وحتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن. (قال سُفيان: وهذا أشدّ ما يكون السحر). حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي، لكنه دعا ودعا ثم قال: يا عائشة، أَشَعرتِ أن الله أفتاني فيما استفتيتُه فيه؟ أتاني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخَر عند رجليَّ. فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال مطبوب. فقال: من طبَّه؟ قال: لُبيد بن الأعصم. قال: في أي شيء؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطة (ما يخرج من الشعر إذا مُشِّط)، وجفّ طلع نخلةٍ ذكرٍ. قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذَرْوان. فأتاها رسول الله في ناسٍ من أصحابه. فجاء فقال: يا عائشة، كأن ماءها نُقاعَةُ الحِنّاء، أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين. قلتُ: يا رسول الله، أفلا أَستَخرجه؟ قال: قد عافاني الله فكرهتُ أن أُثوِّر على الناس فيه شراً. فأمر بها فدُفِنَتْ.

عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله: لا عدوى ولا طيرة، إنما الشؤم في ثلاث: في الفرَس، والمرأة، والدار.

 

أيها القارئ العزيز،

إن تعمقت في قراءة هذا الكتاب تستطيع أن تجاوب على الأسئلة بسهولة.

1 - ما هي السنَّة، وما هو الحديث، وما هو الفرق بينهما؟

2 - هات مثلاً من السنّة القوليّة,<

3 - هات مثلاً من السنّة التقريرية,

4 - اذكر كتب الحديث الستة، ومتى دُوِّنت؟

5 - كيف جُمعت الأحاديث؟

>

6 - اذكر أنواع التدليس الثلاثة في الحديث, ومتى يكون التدليس مقبولاً عند أهل العلم؟

7 - ما هو الحديث الضعيف؟ وما هي أنواعه؟

8 - هات ثلاثة أمثلة لأحاديث موضوعة,

9 - في أحاديث الطهارة: ماذا كانوا يفعلون بنخامة محمد، وبأبوال الإبل؟

1 - ما هي بئر بضاعة، وماذا كانوا يُلقون فيها، وما علاقة محمد بها؟

11 - ما الذي يحدث للمصلي الذي يرفع رأسه قبل الإمام؟

12 - ما الذي يقطع الصلاة؟

13 - ماذا كان النبي يفعل مع عائشة وهي حائض؟ وماذا كان يفعل وهو صائم؟

14 - في مشكاة المصابيح حديثان عن الجهاد, أحدهما رقمه 58 والآخر رقمه 12 - اكتبهما,

15 - اكتب بعض العبارات من الوثيقة العُمرية,

16 - ما هو حدّ السرقة؟

17 - ما هو حدّ القذف؟

18 - ما هو حدّ الخمر؟

19 - هل أمر محمد بقتل المرتد؟

2 - أورد المؤلف 12 حديثاً عن المرأة - اكتب سبعة منها، ثم اكتب (اكتبي) تعليقك,

21 - ما هو زواج المتعة؟ متى قرّره محمد، ومتى ألغاه؟ وماذا يقول الشيعة فيه؟

22 - اذكر ما يبرهن أن محمداً كان يقرأ ويكتب,

23 - سأل وفد نجران محمداّ عن المسيح فمن أبوه يا محمد؟ فلم يجبهما, لماذا صمت محمد، وما هي إجابتك أنت على سؤال وفد نجران؟

24 - قال محمد أنا سيد القوم يوم القيامة، وهل تدرون ممّ ذلك؟ اعط ملخصاً للحديث واكتب تعليقك عليه,

25 - ماذا سيحدث عند مجيء المسيح ثانية كما يقول الحديث النبوي؟

26 - اذكر معجزة للمسيح ذكرها الحديث ولم يرد لها ذكر في الإنجيل,

27 - كيف يقول المسلمون أن المسيح سيجدد الشريعة الإسلامية عند مجيئه ثانية؟

28 - مارست سهلة بنت سهيل إرضاع سالماً وهو كبير، ولماذا مارست عائشة وأخواتها إرضاع الكبار، ولماذا رفضته بقية زوجات النبي؟

29 - بحسب الحديث، ماذا تقول القصعة لمن يلحسها؟

3 - اذكر حديث وقوع الذباب في الإناء,

31 - لماذا فقأ موسى عين ملاك الموت؟>

32 - لماذا اعتلى محمد لَبنَتَيْن وهو يقضي حاجته؟

33 - لماذا لم يربط محمد العفريت إلى سارية من سواري المسجد؟

34 - ماذا يفعل الشيطان لما يسمع الأذان، وماذا يفعل لتارك الصلاة؟

35 - اكتب حديث الوحي في ثوب امرأة,