لماذا يقيم الشيعة المأتم على الحسين الشهيد "عليه السلام"

مركز الأبحاث العقائدية


في اليوم العاشر من المحرم قتل الحسين "عليه السلام" سبط النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم" أبشع قتله!! ذبح من القفا!! عطشانـاً!! بعدما شاهد المجزرة التي حلّت بأهل بيته وأصحابـه!!
ثمّ سبيت نساؤه وعياله ووقفت العقيلة الهاشميّة زينب أُخت الحسين "عليه السلام" تنادي في عرصات كربلاء بصوت حزين ، وقلب كئيب "وامحمّداه، صلّى عليك مليك السماء ، هذا حسينٌ بالعراء ، مرمّلٌ بالدماء ، مقطّع الأعضاء ، واثكلاه ، وبناتك سبايا إلى الله المشتكى"
ومن ذلك الحين بدأت الشيعة تحيي هذه الذكرى بإقامتها للمآتم والمجالس الحسينية، لتعبّر عن أحاسيسها المتألّمة وقلوبها المنكسرة إزاء المصيبة الفادحة التي حلّت بريحانة رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلّم".
وإن هذه المآتم إنّما هي تعبير فطري عن الحزن السرمدي وتعبير عن اللوعة والأسى في قلب كلّ مؤمن لهذه الفاجعة التي أبقت جرحاً في قلب كلّ مؤمن لا يندمل ولا يلتئم حتى ينتقم الباري ويأخذ بهذا الثار .
وإن هذه المجالس هي تعبير عن اللوعة والأسى المختزن في قلب كلّ مؤمن ، وتقام من دون تكلّف لأنها تمثّل حالة طبيعية لكلّ مفجوع ومصاب .
فما دام هناك قلب ينبض بحبّ أهل البيت فانه يتألّم ويحزن لمظلوميّتهم ومصابهم .
كما أن الشيعة تتأسى في إقامة المأتم والبكاء برسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " الذي أقام المأتم وبكى على ريحانته الحسين الشهيد قبل أن تقع الحادثة المفجعة:

1
ـ عن أسماء بنت عميس قالت : قبلت فاطمة بالحسن والحسين ... فلما ولد الحسين فجاءني النبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " فقال: "يا أسماء هاتي ابني" فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى! قالت أسماء: فقلت : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟ قال : " على ابني هذا " قلت : إنه ولد الساعة ! قال: "يا أسماء تقتله الفئة الباغية لا أنالهم الله شفاعتي " ، ثمّ قال : " يا أسماء لا تخبري فاطمة بهذا فإنها قريبـة عهد بولادتـه ..." (1)

2
ـ عن أم الفضل بنت الحارث : أنها دخلت على رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " فقالت : يا رسول الله ... فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري ... فدخلتُ يوماً إلى رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " فوضعته في حجره ، ثمّ حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " تهريقان من الدموع ! قالت : فقلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال : " أتاني جبرئيل " عليه السلام " فأخبرني أن أمّتي ستقتل ابني هذا " فقلت : هذا ؟ فقال : " نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء" (2)

3
ـ عن أبي أمامة قال : قال رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " لنسائه : ... وكان يوم أم سلمة ، فنزل جبرئيل ... فجاء الحسين ... فدخل حتى جلس في حجر النبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " ، فقال جبرئيل للنبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " : انّ امّتك ستقتل ابنك هذا ! فقال النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم " : " يقتلونه وهم مؤمنون بي ؟ " قال : نعم يقتلونه ، فتناول جبرئيل تربة فقال : مكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " قد احتضن حسيناً كاسف البال مهموماً ... فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال : " إنّ أمّتي يقتلون هذا "، وفي القوم أبو بكر وعمر، وكانا أجرأ القوم عليه !!! فقالا : يا نبي الله يقتلونه وهم مؤمنون ؟! قال: "نعم ، وهذه تربته " فأراهم إياها(3)

4
ـ وفي بيت أم سلمة أيضاً قال جبرئيل لرسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : يا محمّد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله وضمّه إلى صدره ، ثمّ قال لرسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : وديعة عندك هذه التربة ، فشمّها رسول الله وقال : "ريح كرب وبلاء " ، قالت أم سلمة : وقال رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : " يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل " قال : فجعلتها أم سلمة في قارورة ، ثمّ جعلت تنظر إليها كلّ يوم وتقول : إنّ يوماً تحوّلين دماً ليوم عظيم (4)

5
ـ وعن أنس بن مالك : أن مَلَك المطر استأذن ربه أن يأتي النبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " ... وجاء الحسين ... فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم" وعلى منكبه وعلى عاتقه ، قال : فقال الملَك للنبي " صلى الله عليه وآله وسلّم " : أتحبّه ؟
قال : " نعم " قال أما إن أمّتك ستقتله وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه ، فضرب بيده فجاء بطينة حمراء ، فأخذتها أمّ سلمة فصرّتها في خمارها، قال: قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء (5)

6
ـ في مشربة عائشة قال جبرئيل للنبي : سيقتل [ يعني الحسين ] تقتله أمتك، فقال رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " : " أمّتي ؟! " قال نعم ، وإن شئت أخبرتك بالأرض التي يقتل فيها ، فأشار جبرئيل بيده إلى الطف بالعراق فأخذ منه تربة حمراء فأراه إياها(6)

7
ـ ... فلما ذهب جبرئيل من عند رسول الله والتربة في يده يبكي ، فقال : " يا عائشة إنّ جبرئيل أخبرني أن الحسين ابني مقتول في أرض الطفّ وأنّ امتي ستفتتن بعدي " ، ثمّ خرج إلى أصحابه ... وهو يبكي ، فقالوا : ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال : " أخبرني جبرئيل أنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطفّ وجاءني بهذه التربة وأخبرني أنّ فيها مضجعه" (7)

8
ـ عن أمّ سلمة : فجاء حسين … فدخل فقعد على بطن رسول الله ، قالت : فسمعت نحيب رسول الله … فقال : انّما جاءني جبرئيل … قال : إنّ أمتك ستقتله … قالت : وإذا في يده تربة حمراء وهو يبكي ويقول : " يا ليت شعري مَن يقتلك بعدي" (8)
إلى مواقف كثيرة من رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " بكى فيها على الحسين الشهيد وأقام المأتم ، في داره " صلى الله عليه وآله وسلّم " ، وفي بيت أمّ المؤمنين أمّ سلمة ، وعائشة ، وزينب بنت جحش ، وفي دار عليّ " عليه السلام " ، وفي مجمع من الصحابة (9)


ونختم كلمتنا بحديث شريف عن ابن مسعود قال : بينما نحن عند رسول الله " صلى الله عليه وآله وسلّم " إذ أقبل فئة من بني هاشم، فلمّا رآهم النبي "صلى الله عليه وآله وسلّم" اغرورقت عيناه وتغيّر لونه، قال: فقلت له: ما نزال نرى في وجهك شيئاً تكرهه، قال "إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى …" (10)
وإنّ لقتل الحسين " عليه السلام " حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبداً ، فعلى مثل سيّد الشهداء الحسين " عليه السلام " وأهل البيت " عليهم السلام " فليبكِ الباكون ، وليندب النادبون.


ـــــــــــــــــــــــــ


(1)
أخرجه الحافظ أحمد بن الحسين البيهقي ، والحافظ أبو المؤيّد الخوارزمي خليفة الزمخشري في مقتل الحسين (1 / 87 ـ 88 ) ، وذكره الحافظ محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : 119 ، وأخرجه السيّد محمود الشيخاني المدن في الصراط السوي .
(2)
أخرجه الحاكم النيسابوري في المستدرك على الصحيحين ( 3 / 176 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وأخرجه الحاكم أيضاً في ص ( 179 ) ، وأخرجه الحافظ البيهقي في دلائل النبوة ، وأخرجه الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام ، وأخرجه الحافظ الخوارزمي ( 1 / 158 ـ 159 و 162 ) .
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم ، والهيثمي في المجمع ( 9 / 189 ) ، وابن عساكر في تاريخ الشام .
(4)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ، وابن عساكر في تاريخ الشام ، والحافظ الكنجي في الكفاية (279) ، وفي ذخائر العقبى (147) عن الملاّ في سيرته ، وفي كتاب طرح التثريب (1 / 42) للحافظ العراقي ، وفي مجمع الزوائد ( 9 / 189 ) ، وفي المواهب اللدنية ( 2 / 195 ) ، وفي الخصائص الكبرى للسيوطي ( 2 / 125 ) ، وفي الصراط السوي للمدني ( 93 ) وفي جوهرة الكلام ( 120 ) ، وفي نظم درر السمطين للزرندي ( 215 ) .
(5)
أخرجه الامام أحمد في المسند ( 3 / 242 و 265 ) ، والحافظ أبو يعلى في مسنده ، وأبو نعيم في الدلائل ( 3 / 202 ) ، والبيهقي في دلائل النبوة ، وابن عساكر في تاريخ الشام ، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى ( 146 ـ 147 ) ، والحافظ العراقي في طرح التثريب ( 1 / 41 ) ، والهيثمي في المجمع ( 9 / 187 و 190 ) ، والقرطبي في مختصر التذكرة ( 119 ) ، وابن حجر في الصواعق ( 115 ) ، والحافظ القسطلاني في المواهـب ( 2 / 195 ) ، والسيوطي في الخصائص ( 2 / 135 ) .
(6)
أخرجه الحافظ البرقي من رجال أبي داود والنسائي ، وذكره المدني في الصراط السوي .
(7)
المعجم الكبير ، أعلام النبوة للماوردي ( 83 ) ، الطبقات لابن سعد ، علل الحديث للدارقطني .
(8)
أخرجه الحافظ عبد بن حميد في مسنده ، وابن عساكر في تاريخ الشام .
(9)
راجع : مسند أبي يعلى الموصلي ، تاريخ دمشق ، مجمع الزوائد ، كنز العمال ، المعجم الكبير ، نظم الدرر ، المستدرك على الصحيحين ، صفات رب العالمين ، المصنّف لابن أبي شيبة ، الصواعق ، الطبقات الكبرى ، أخبار المدينة .
(10)
أخرجه الحافظ ابن أبي شيبة في المجلد الثاني عشر من المصنف ، والحافظ ابن ماجه في السنن ( 2 / 518 ) ، والعقيلي في ترجمة يزيد بن أبي زياد ، والحاكم في المستدرك 4 / 464 ، وأبو نعيم في أخبار اصفهان 2 / 12 ، والطبراني في الجزء الثالث من المعجم الكبير .


مركز الأبحاث العقائدية
العنوان: ايران / قم / صفائية / ممتاز / رقم 34
ص.ب: 37158/3331
الهاتف: 00982517742088
الفاكس: 00982517742056

 

 

 

 

الشعائر الحسينيّة - سنة أم بدعة ؟

الشعائر الحسينيّة

سنة أم بدعة ؟ - طبقاً لأسس وقواعد أهل السنة والجماعة

محاضرات
الشيخ أحمد الماحوزي

إعداد وتدوين
بشار الداود راضي حبيب

دار أهل الذكر

الشعائر الحسينية سنة أم بدعة

الفهرس

تعريف السنة لغةً
تعريف السنَة شرعاً
تعريف البدعة لغةً
تعريف البدعة شرعاً
البدعة في تقسيم البدعة
حدود السنة والبدعة
تطبيقات وأمثلة
الحزن على الحسين من السنَة
روايات بكاء الرسول (ص) وحزنه على الحسين
بكاء السماء واحمرارها حزنا على الحسين
كسوف الشمس لقتل الحسين
الدم العبيط والحسين
الادله العامة على استحباب الحزن على الحسين
تقييم الشعائر
البكاء على الحسين
رثاء الحسين
التصدّق عن الحسين
لبس السواد
اللطم على الصدور
الشرائط الواجبة للشعائر
الضرر والشعائر
حكم إحتمال الضرر
الاستهزاء والشعائر
العسر والحرج والشعائر
الشرائط المستحبة للشعائر

------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم



لا زال المؤمنين منذ زمان بعيدٍ وإلى الآن لهم طقوس وممارسات معينة ترتبط بأهل البيت عليهم السلام بصورة عامة، وبالحسين عليه السلام بصورة خاصة مؤكدة، تقام في مناسبات متعددة وأيام مخصوصة احتفالا بمواليدهم وأفراحهم، أو تأبيناً وحزناً عليهم .

وللعشرة الأولى من شهر محرم اهتمام خاص وحثيث من قبل محبي الحسين وأهل بيته عليهم السلام، فما أن يدخل أول شهر محرم إلا وتجد في كل مكان يتواجد فيه المحبين، مآتم الحزن والبكاء على الحسين، وتختلف الممارسات في إظهار هذا الحزن من مكان إلى آخر ومن زمان لآخر، حسب مقتضيات ذلك المكان والزمان .

والسؤال : هل ما يقوم به المؤمنون حزناً على الحسين عليه السلام بصورة عامة من ممارسات وطقوسات مختلفة وشعائر متنوعة لها دليلها الشرعي أم أنه يندرج تحت عنوان البدعة والابتداع في الدين، فهل كل تلك الشعائر من الأمور المستحدثة التي لا تمت إلى الإسلام بصلة أم إنها لها دليلها الشرعي والقرآني، وبتعبير ثالث هل هي من السنّة .

تعريف السنّة

وهي لغةً: الطريقة والسيرة، فسنة الله أي طريقة وسيرته، ومنه قوله سبحانه وتعالى (( سنة الله التي قد خَلَت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا )) (1) ، وقد تقال طريقته لحكمته وطاعته وأصلها من قولهم : سننتُ الشيء بالمسن، أي فمررته عليه حتى يؤثر فيه سناً أي طريقاً . فهي الطريقة المعتادة سواء كانت حسنة أم سيئة، مرضية أم قبيحة .

وأما معناها الشرعي الفقهي الذي هو محل البحث فهي : قول وفعل وتقرير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .

فمثال الأول : قوله صلى الله عليه وآله (( إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض (2) ))

ومثال الثاني: أكثر أفعال الحج من الطواف والسعي ورمى الجمار، فبعد أن طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وسعي ورمى الجمار، طاف وسعى المسلمون تبعاً لفعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .

ومثال الثالث : كأن يأكل الصحابي الجراد بمحضر الرسول الأكرم صلى عليه وآله ، فلا يردعه عن أكله، فيستفاد من عدم الردع والتعليق على هذه الحادثة جواز أكله إذ لو كان محرماً لردع الرسول صلى الله عليه وإله عنه ولبيّن حرمته، وبما إنه سكت وأقره فيستفاد من عدم حرمة أكل الجراد .

ويتفرع على التعريفين : أن السنّة بالمعنى اللغوي تنقسم إلى سنة حسنة وسيئـة،




--------------------------------------------------------------------------------

الفتح الآية 34

حديث الثقبين من الأحاديث المتواترة المروية في الصحاح والسنن والمسانيد والمعاجم، والنقاش في بعض طرقه لإثبات عدم تواتره ـ أو عدم صحته ـ عقيم ، وللإطلاع على طرق هذا الحديث راجع كتاب عبقات الأنوار في إمامة الأئمة الأطهار .



وأما بالمعنى الاصطلاحي فهي دائماً وأبداً حسنـة ومحبـوبة ومرغـوبة .

فقوله صلى الله عليه آله: (( من سَنَّ سُنَّةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ))، هو تقسيم للسنة بمعناها اللغوي كما لا يخفي فتدبر جيداً حتى لا تغفل

تعريف البدعة :

أم لغةً : فقال الفراهيدي: أن البدع هو إحداث شئ لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة وقال الراغب الأصفهاني : هو إنشاء صفة بلا إحتذاء وإقتداء .

فالابتداع هو إنشاء الشيء لا على مثال سابق واختـراعه وابتكاره بعد أن لم يكن، ومن أسمائه تعالى (( البديع )) وهو الخالق المخـترع لا على مثال سـابق (( بديع السماوات والأرض ))، وقوله تعالى (( ما كنت بدعا من الرسل )) أي لست أول رسول أبعث .

فالبدعة لغةً : تشمل كل ما لم يكن له مماثل وشبيه في الماضي، فالعادات والتقاليد والأطعمة والأشربة والألبسة والأبنية وما شابه ذلك إذا لم تكن في السابق واستحدثت فهي من مصاديق وصغريات البدعة لغة .

فالتقدم الحضاري والصناعي والتكنولوجي والفضائي والذري، وما يصاحب ذلك من احتياجات وممارسات ووظائف وأعمال من المبتدعات التي لم يكن لها مثيل في السابق .

فما توصل إليه الإنسان في هذا العصر من تطور في وسائل النقل والمواصلات من درّاجات وسيارات وطائرات وبواخر وصواريخ ومراكب فضائية وما أشبه ذلك، كل هذه الأمور بما إنها لم تكن موجودة في السابق فهي من مصاديق البدعة لغة . وأما شرعاً: فهي نسبة شئ إلى الدين وليس منه، وبتعبير آخر إدخال ما ليس من الدين في الدين .

فهي بالمعنى الإصلاحي الشرعي أخص من اللغوي، فكل ما هو بدعة بالمعنى اللغوي إذا نسب إلى الدين وهو ليس من فهو بدعة شرعاً واصطلاحا أما إذا لم ينسب إلى الدين ولم يُربط فليس من البدعة شرعاً ولا اصطلاحاً .

ويتفرع على التعريفين: إن البدعة لغةً أعم من البدعة بمعناها الشرعي، إذ الأمور المستحدثة مطلقاً إن نسبت إلى الدين والشريعة فهي بدعة لغةً وشرعاً وهي محرمة دائماً وأبدً، وإن لم تنسب إلى الدين فأنها بدعة لغة، وعليه فلا يخلو حالها من أحد الأحكام الخمسة: الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب أو الحرمة أو الكراهة .

ولتوضيح المطلب نذكر عدة من الأمثلة :

الأول: طريقة الأكل والشيء في هذه الأيام المعاصرة تختلف عما عليه سابقاً من كيفية الجلوس ومن استعمال بعض الأدوات التي م تكن في السابق تستعمل، كالاستعانة بالملاعق وما أشبه ذلك، هذه الطريقة في الأكل والشرب من المخترعات الجديدة ولم يكن لها مثال في السابق، فإذا لم تنسب إلى الشريعة أمرت بها فهي ليست بدعة شرعياً، فتكون بدعة لغة، وبما أنها لا تصطدم مع محرم أو مكره أو ترك واجب فإن واجب حكمها الأولي هو الإباحة، كحكم شرب الماء .

الثاني: النظم والقوانين التي وضعها البشر في هذا العصر لتنظيم حركة السير والمرور في كل أنحاء العالم، وهي من الأمور المستحدثة قطعاً، وحينما وُضعت لتنظيم حركة المرور حتى لا تحدث المصادمات والكوارث التي تودي إلى الموت والخسارة، فهي بدعة لغة شرعاً .

ولكن حكمها ـ بنظر الشريعة ـ وجوب الإلتزام لها في الجملة، لأن الإخلال بها يؤدي إلى ذهاب الأرواح وفساد الممتلكات والإخلال بالنظام، فهي مع كونها بدعة بالمعنى اللغوي لكنها واجبة في نظر الشريعة حفظاً للأموال والممتلكات والأرواح .

الثالث : التبرع بالدم المتحقق في هذه الأيام المعاصرة بسبب التقدم الطبي هو من الأمور المستحدثة، وحيث أنه يستحب مساعدة الآخرين ومآزرتهم، فيكون مستحباً شرعاً لاندراجه تحت عنوان (( اتقاد ومساعدة البشر )) وهذا العنوان محبوب ومطلوب لدى الشريعة المقدسة .

الرابع: التفنن في صنع المكسرات التي لم تكن لها وجود في السابق، وإنشاء الأجهزة والشبكات لبث الدعارة والتحلل في المجتمعات، وما أشبه ذلك من أمور محرمة في الشريعة الإسلامية كلها من البدع المحرمة، ومن الواضح من يصنع ويبتكر هذه الأمور لا يدعي إن الشريعة أمرته بذلك، إذ هي تحكم بحرمتها، فهي بدعة بالمعنى اللغوي لكونها لا مثيل لها في السابق ولكنها محرمة لاصطدامها مع محرم شرعي .

الخامس: الألعاب المسلية ـ كالأتاري ـ والأفلام التي لا فائدة دنيوية ودينية من مشاهدتها هي من الأمور المبتدعة بالمعنى اللغوي، وحيث أنها لا تصطدم مع كراهة قضاء الأوقات بلا عمل عقلائي مفيد، فيكون حكمها الكراهة .

البدعة في تقسيم البدعة :

إذا عرفت ذلك :فتقسيم الإمام الشافعي والغزالي وابن حزم وابن الأثير وغيرهم (1) ، البدعة إلى حسنة وسيئة هو تقسيم للبدعة بالمعنى اللغوي، إذ بمعناه الشرعي لا تكون محدودة ومذمومة بل هي دائماً مذمومة وسيئة كما لا يخفي .

وقد نفى الحديث المستفيض الذي رواه الكل (( كلُ بدعةٍ ضلالة وكلً ضلالة في النار )) انقسام البدعة إلى حسنة وسيئة فكل ما نسب للشريعة مما ليس منها فهو بدعة محرمة لأنه تقوّل على البشرية فتدبر .

قال ابن حجر : المحدثات بفتح الدال، جمع محدثة، والمراد بها ما أحدث وليـس له




--------------------------------------------------------------------------------

(1)
راجع : فتح الباري لابن حجر ج13/253، وجامع الأصول لابن الأثير 1/280 واحياء علوم الدين 2/4 وغيرهم



أصل في الشرع، ويسمى في عرف الشرع (( بدعة ))، وما كان له أصل يدل عليـه
الشرع فليس ببدعة، فالبدعة في عرف الشرعة مذمومة بخلاف اللغة، فإن كل شئ أُحدث على غير مثال يسمى بدعة، سواء كان محموداً أو مذموماً (1) .

وقال الشاطبي : إن هذا التقسيم (2) أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، ولو كان هناك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمَّ بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخير فيها (3) .

فالخلاصة أن البدعة في المصطلح الفقهي الشرعي تقابل السنّة، والسنّة تقابل البدعة فما لم يكن الشئ من السنّة فهو بدعة، وما لم يكن من البدعة فهو من السنّة .

حدود السنّة والبدعة شرعاً:

لكي تصدق البدعة لا بد من تحقق أمرين :

الأول : نسبة الشيء المبتدع إلى الشريعة المقدسة .

الثاني : أن لا يكون هناك دليل عليه من آية أو رواية أو قاعدة أو إجماع أو ما شابه ذلك من الأدلة المعتبرة شرعاً، إذ مع وجود أحد هذه الأمور المذكورة يصدق ما يقابل البدعة وهي السنّة .

والدليل الفظي ـ قرآناً وسنة ـ الدال على الحكم الشرعي على عدة أنماط من أهمها:

أولاً أن يكون العنوان المأخوذ في لسان الدليل خاص لا يصدق إلا على مصداق وفرد واحد .




--------------------------------------------------------------------------------

(1)
فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/252

(2)
أي تقسيم البدعة إلى محمودة ومذمومة

(3)
الاعتصام 1/191



من قبيل قوله تعالى (( إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ))، فالصفا والمروة عنوانان خاصان لا يصدقان إلا على مصداق واحد، وهما الجبلان الموجودان بحذاء المسجد الحرام، وليس لهما مصداق آخر كما هو واضح، فلا يكون هناك فرد آخر للسعي إلا بينهما .

ثانياً : أن يكون العنوان المأخوذ في لسان الدليل خاص أيضاً لكنه يتحقق بمصاديق كثيرة وليس منحصراً في فرد ومصداق واحد .

كقوله تعالى (( خلق الإنسان من سلالة من طين )) ، فهذا العنوان المأخوذ في لسان الآية وهو (( الإنسان )) عنوان خاص تحت مصاديق متعددة، فزيد إنسان، وعمرو إنسان، وخالد إنسان ، وعبدالله إنسان ، وقاسم إنسان ، عبدالرحمن إنسان ، كلها تسترك في حكم واحد وهو الخلق من طين، وهذا الحكم تشترك كل المصدايق الموجودة سواء الموجودة قبل نزول الآية أو في وقت نزولها أو بعد ذلك إلى يوم القيامة، فكلما تحقق الإنسان في أي زمان ومكان نحكم عليه أنه خلق من طين، ولا يختص هذا الحكم بالمصداق الذي كان موجودا حين نزول الآية وهذا واضح .

ثالثاً: أن يكون العنوان المأخوذ في لسان الدليل عام تندرج تحت عنوانين كثيرة، وتحت هذه العنوانين أفراد ومصاديق متعددة .

كقوله صلى الله عليه وآله: كل مسكر حرام ، وما أسكر كثرة فقليله حرام .

فعنوان المسكر تحت عدة عنواين وكذلك عنوان الخمر، وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : (( الخمر من خمسة ، العصير من الكرم، والنقيع الزبيب، والمتبع من العسل، المزر من الشعير، والنبيذ من التمر )) ، وقال أيضاً: (( أيها الناس إن من العنب خمراً، ألا أيها الناس ! أنهاكم عن كل مسكر ))

فعنوان المسكر تندرج تحت عنواين كثيرة، بعضها قد تحقق في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وعهد الصحابة والتابعين وحكم عليه بالحرمة ، إستنادا لا إنطباق هذا العنوان العام عليه ، والحكم عليه بذلك ونسبته إلى الشريعة ليس من البدعة كما هو أوضح من أن يخفى .

ولتوضيح ذلك بالمثال المنطقي نقول: تارةً نحكم على الفرد وأخرى نحكم على النوع وثالثة نحكم على الجنس .

ومثال الأول:زيد إنسان، فحكمنا على زيد أنه إنسان وهو عنوان خاص لا يصدق إلا على فرد واحد.

ومثال الثاني: الإنسان ناطق فأصله فحكمنا على الإنسان وهو يصدق على أفراد كثيرة، ولا يختص بزيد وعمر أو بمن كان في السابق والآن بل يعم كل فرد في زمان ومكان، وعليه يمكن أن نقول بأن زيد ناطق وعمر ناطق وخالد ناطق، ويصح الحمل.

ومثال الثالث: الحيوان متحرك بالإرادة، فحكمنا على الحيوان بأنه متحرك الإرادة، وهو عنوان عام تندرج تحته عناوين كثيرة، فيندرج تحته عنوان الأنسان والبقر والغنم والأسد والفيل وما أشبه ذلك من أنواع الحيوانات، فيصح أن نحمل (( متحرك بالإرادة )) عليها، فنقول: الإنسان متحرك بالإرادة، والبقر متحرك بالإرادة, وهكذا بقية العناوين المندرجة تحت الحيوان، وهذه العناوين

أيضاً تندرج تحتها أفراد كثيرة ومتعددة، فيندرج تحت عنوان الإنسان زيد وعمرو، وعليه يصح أن نحمل عليه (( متحرك بالإرادة )) فنقول زيد متحرك بالإرادة، وعمرو متحرك بالإرادة ويصح الحمل.

فالحكم إن كان للنوع يشمل جميع الأفراد، ويكون جميع الأفراد لهم ذلك الحكم، وكذلك إذا كان للجنس، فيشمل جميع الأنواع التي تحته وأفرادها .

فالخلاصة : ليس الدليل الشرعي على أي حكم من الأحكام مختص بالنمط الأول فقط بل يعمّ النمط الثاني والثالث، فلكي يخرج الحكم عن الابتداع يكفي أن يكون مشمولاً ومندرجاً تحت عنوان عام شرعي، فيستثنى من البدعة ما ورد في دليل خاص وكلك في دليل عام .

وسر شمولية الشريعة لكلّ زمان ومكان ولكلّ المستجدات تكمن في العناوين العامة التي تشمل جميع مرافق الحياة وجميع ما يستجد لبني البشر، ولو كان الدليل الشرعي هو خصوص النمط الأول لانتهت الأحكام الشرعية بانتهاء موضوعاتها، ولما كانت شريعة خاتم الأنبياء هي الخاتمة والدائمة إلى يوم القيامة، وسيأتي بيان آخر أيضاً فترتقب .

قال المولى المجلسي: فإنها ـ أي البدعة ـ تطلق في الشرع على قولٍ أو فعل أو رأي قرر في الدين، ولم يرد فيه من الشارع شيء، لا خصوصاً ولا عموماً، ومثل هذا لا يكون إلا حراماً، أو افتراء على الله ورسوله (1).

وقد مر كلام إبن حجر والشاطبي وغيرهما أن تحقق البدعة إنما يحصل إذا لا أصل في الشريعة يدل عليه، والعموم والإطلاق من الأدلة اللفظية في الشريعة كما هو محقق في علم الأصول فراجع .

تطبيقات وأمثلة :

الأول : مساعدة الفقراء والمحتاجين من المستحبات المؤكدة في الشريعة الإسلامية، والآيات والروايات في فضلها وثوابها كثيرة جداً تفوق حد الإحصاء، وهي عنوان عام ينطبق على مصاديق كثيرة تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال ومن مصاديقها :

1/
البحث لهم عن عمل .




--------------------------------------------------------------------------------

مرآة العقول: ج1/193

2/
التصدق عليهم عن عمل .

3/
حث الناس على معونتهم ومساعدتهم والاهتمام بهم.

ولايفرق في مصاديقها بين كونها معهودة في زمن رسول الله صلى الله عليه وإله والصحابة والتابعين أم كونها من الأمور المستحدثة إذا اندرجت تحت عنوان (( مساعدة الفقراء )) .

كما أنه من مصاديق مساعدة الفقراء التصدق عليهم بالأموال المغصوبة، فمن تصدق على الفقير بالمال المغصوب، ينطبق عليه عنوانان: مساعدة الفقراء، والتصرف بالمال المغصوب، والأول مستحب والثاني حرام، ففي مثل هذه الحالة لا يمكن أن نحكم على المتصدق بالمال المغصوب بالجواز والإستحباب، إذ يتصادم مع حرمة التصرف في أمول الآخرين بلا إذنٍ منهم، والإستحباب لا يزاحم ولا ينسخ الحرمة، نعم الاستحباب ينسخ ويزاحم الكراهة (1) والإباحة .

وعليه فالشيء المحرم وإن انطبق عليه عدة عناوين مستحبة لا يمكن أن يخرج من حكم الحرمة إلى حكم الاستحباب والجواز، بل لا يخرج إلى حكم الكراهة، فإن العناوين المستحبة إن اجتمع العنوان المحرم في مصداق ما لا تخفف من درجة الحرمة وشدتها، فإذا صدق على فعل ما أن إعانة للفقراء واحترام للعلماء وطاعة للوالدين وما شابه ذلك من عناوين حكمها الاستحباب، وصدق أيضاً مع ذلك عنوان محرم، فالحكم بالحرمة تبعاً لهذا العنوان الأخير هو الحاكم والناسخ.

الثاني : التشبه بالكفار من المحرمات الشرعية، وليس له مصداق معين، فقد يكون زياً معيناً تشبهاً بالكفار في زمن الرسول والصحابة والتابعين، لكنه في هذه الأزمنة لا

يكون تشبهاً بهم، فحكمه الإباحة والحلية لعدم اندراجه تحت التشبه بالكفار, وقد يكون بالعكس.




--------------------------------------------------------------------------------

(1)
في بعض الموارد، فيما إذا كان الإستحباب أقوى مصلحة من الكراهة، أما إذا كانت الكراهة شديدة فد لا يقوى الإستحباب على دفعة إلا إذا كان استحبابا مؤكداً جداً .



وأوضح مثال على ذلك (( ربطة العنق )) فإن بعض الفقهاء في الزمان السابق لا يجوز لبسها لحرمة التشبه بالكفار، أما حالها اليوم فإنها لا تعد من التشبه بالكفار، إذا أغلب المسلمين يلبسونها فد خرجت من تحت عنوان (( التشبه بالكفار )) ولذ حكم بعض الفقهاء بجوازها لخروجها عن كونها تشبهاً بالكفار (1) .




--------------------------------------------------------------------------------

(1)
هذا إذا لم يُجز حرمتها لخصوصية لهذا اللباس الخاص كما تشير إليه بعض الروايات فراجع



الثالث : تشبه النساء بالرجال وبالعكس من المحرمات الشرعية ، وهو يختلف من زمان إلى آخر ومن مكان لآخر كما لايخفى ، فقد يكون لباسا عند العرب من التشبه بالنساء ، ولكنه ليس كذلك عند الروم ، وقد يكون العكس ، وهكذا باختلاف الزمان والمكان .

فإذا اندرج الفعل من كونه تشبه بالنساء أو بالرجال في المحيط الذي يعيش فيه الإنسان فهو حرام ، وانه كان في محيط ومجتمع آخر لا يُعد أنه تشبه بالنساء أو الرجال .

الرابع : احترام العلماء من المستحبات الشرعية المؤكدة ، وله مصاديق كثيرة جدا ، تختلف باختلاف الزمان والمكان والأحوال ، فإذا صدق على الفعل أنه احترام للعلم والعلماء فهو مستحب لاندراجه تحت العنوان المستحب لدى الشريعة .

ومثله احترام الوالدين وبقية بني البشر ، فقد يكون فعلا معيناً يعدّ عند عرف ومجتمع خاص احترام للعلماء ، وبينما يعدّ عند مجتمع آخر تنقيص للعلماء ، فيكون حكمه عند المجتمع الأول الاستحباب وعند المجتمع الثاني الكراهة أو الحرمة ، مع أن العمل واحد لكل الاعتبار اختلف وباختلافه يتغير الحكم .

الأحكام التابعة للعناوين

وخلاصة قد قرر في علم الأصول عند الكل أن الأحكام الشرعية تابعة للعناوين ، فإذا صدق على هذا السائل أنه خمر حرُم ، وإن لم يصدق عليه انه خمر فلا يترتب حكم الخمر عليه ، فالحكم ينتفي بانتفاء الاسم والعنوان ، وإليه أشار الصادق عليه السلام في من سأله عن رجل ابتاع عصيراً فحسبه السلطان حتى صار خمراً فجعله صاحبه خلاً ، قال إذا تحول عن اسم الخمر فلا بأس به )).

فلا يخلو فعل من الأفعال من عنوان واسم خاص ، ومنه يتفرع عليه الحكم والعقاب والثواب ، فقد يتحقق ضرب اليتيم خارجا ، فتارة يكون حراما وأخرى يكون مكروها وثالثة يكون مباحا ورابعة يكون واجبا وخامسة يكون مستحبا ، تختلف الأحكام باختلاف الحالات والعناوين مع أن الضرب واحد .

فإذا ضرب اليتيم بنيّة التشفي والانتقام كان حكمه الحرمة ن وإذا ضربه للتأديب فحكمه الاستحباب ، وإذا ضربه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فحكمه الوجوب وهلم جرا ، يختلف الحكم والثواب والعقاب باختلاف العنوان الذي تعنون به الفعل .

توارد العناوين

وقد تتوارد عدة عناوين على فعل واحد ، وهو ليس بقليل في الفقه ، فلا يخلو باب من الأبواب الفقهية إلا ونجد عدة من الموارد هناك فعلاً واحداً تتوارد عليه عدة من العناوين والأسماء .

مثال ذلك : حينما يتصدق الإنسان على الفقير بأمر والده ،فيصدق على هذا العمل له طاعة للوالدين وانه مساعدة للفقير وكلاهما مرغوبان لدى الشريعة ، فيثاب ثوابين الأول على طاعة والديه والثاني لمساعدته للفقراء والمحتاجين ، إذ أن هذا الفعل وان كان واحدا في الخارج لكنه يندرج تحت عنوانين فيكون عصفورين بحجر واحد في الخارج لكنه يندرج تحت عنوانين فيكون عصفورين بحجر واحد كما في المثل .

ومثال آخر : الزنا والعياذ بالله في المسجد ، فيه عنوانان ، الأول: انتهاك حرمة المسجد ، والثاني : الزنا المحرّم ، فعليه عقابان ، الأول : لانتهاكه حرمة المسجد وهو حرام شرعا ، والثاني : لحرمة الزنا .

ومثال ثالث : قد حرر في الفقه أن الحيوانات السبعية كالأسود والذئاب والضباع وما أشبه ذلك من حيوانات مفترسة محرّمة الأكل ، وقد ذُكر أيضا أن الأسماك البحرية كلها حلال إلا مالم يكن عليه أيضا أن الأسماك البحرية كلها حلال إلا مالم يكن عليه فلس (قشر ) ، فإذا رأينا بعض الأسماك البحرية كلها حلال إلا مالم يكن عليه فلس (قشر ) ، فإذا رأينا بعض الأسماك البحرية لها قشر ولكنها سبعية مفترسة كالقرش مثلا (1) ، فيصدق على هذا الحيوان أنه سمك له قشر وانه من السباع فيكون حكمه الحرمة لاندراجه تحت عنوان (( السبع )) .

والأمثلة في ذلك كثيرة جداً ، فتارة تتحد العناوين في الحكم ، وأخرى تختلف من حيث الحكم .




--------------------------------------------------------------------------------

إذ قيل له قشر ، وليس بمحقق .



فمن نذر أن يصلي صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ، انعقد نذره فإذا لم يصلها قبل ذلك الظرف فان عليه عقابين ، تركه للصلاة في وقتها ونكثه للنذر .

والدخول في دار مغصوبة أمر محرم ، وإنقاذ النفس المحترمة أمر واجب في الشريعة ، فإذا كان التواصل لإنقاذ هذه النفس المحترمة يمر عبر الدخول والتصرف في هذه الدار المغصوبة ، يتوارد عنوانان على هذا الفعل وهو إنقاذ النفس المحترمة والتصرف في المغصوب ، فيقدم أقواهما ملاكاً و أهمية ، للمزيد راجع علم أصول الفقه .

الرجوع إلى أصل المطلب

إذا عرفت ذلك نأتي إلى محل كلامنا ، فهل الشعائر الحسينية وإقامة المآتم على الحسين عليه السلام وعلى بقية أهلا البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام تندرج تحت تعبير آخر هل هناك عنوان عام يمكن أ، يشمل جميع الشعائر الحسينية ويخرجها من حيّز الابتداع إلى دائرة السّنة والشرعية أم لا يوجد ؟

والجواب نحن من خلال جولة سريعة على الصحاح الستة وبقية المسانيد والمعاجم والسنن والتواريخ وكتب الرجال التي تروي وتنقل سيرة وسنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ،يمكن أن نستحصل على عنوان عام شرعي من سنة الرسول

الأكرم صلى الله عليه وآله تندرج فيه جميع الشعائر الحسينية فخرجها من دائرة الابتداع إلى دائرة السّنة الشرعية .

وهذا العنوانُ المستحصلُ هُوَ

((
أن الحزن على الحُسين مستحب وراجحٌ شرعاً ))

والدليل عليه عدة من النصوص والروايات المستفيضة بل المتواترة التي تحكي ذلك عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، نقتصر على جلة منها .

1/
الامام أحمد : بسند حسن عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع الامام علي علي عليه السلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى علي عليه السلام : أصبر أبا عبد الله بشط الفرات ، قلت : وماذا ؟ قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان ؟ قال : بل قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ، قال :فقال : هل لك إلى أن تشمك من تربته ؟ قال : قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم ملك عينيّ أن فاضتا (1) .

2/
الامام أحمد : بسند صحيح عمار عن ابن عباس قال : رأيت النبي صلى الله عليه وآله فيما يرى النائم بنصف النهار وهو قائم أشعث أغبر بيده قارورة من دم فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذا ؟ قال : هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فأحصينا اليوم فوجدوه قتل في ذلك اليوم (1) .






--------------------------------------------------------------------------------

والهندي في كنز العمال ج 16/279 ، والحافظ الكنجي في كفاية الطالب بسنده عن الطبراني وقال : هكذا أخرجه الطبراني في معجمه الكبير في ترجمته .

2/
وهو ثمة بن سلمى ذكر حديثه ابن حجر في تهذيب التهذيب عن المروزي بسند متصل ج 2/348 ، ورواه ابن أبى جرادة في تاريخ حلب وابن عساكر في تاريخ دمشق والمزي في تهذيب الكمال ج 6/410 عن ابن سعد والدارقطني .

3/
وشبيه بن مخرمة ، رواه عنه ابن عساكر بسندين و أورده ابن منظور في مختصره ج 6/147 .

4/
والاصبغ بن نباته ، ذكر حديثه السيوطي في الخصائص الكبرى ج 2/126 نقلا عن أبي نعيم .

5/
وهاني بن هاني : رواه ابن أبي جرادة في تاريخ حلب ج 6/2603 ، وابن عساكر .

6/
وعن رجل من بني ضبة أصحاب الجمل ، أورده عنه ابن حجر في المطالب العالية ج 4/4517 .

7/
وعامر الشعبي ، أورده ابن حجر في الصواعق 191 وقال رواه أحمد مختصراً ، فلت وأخرجه ابن سعد بسنده عنه في ترجمة الحسن عليه السلام في القسم غير المطبوع من الطبقات ، وغيره .

المسند ج 1/242 ، قي طبعة شاكر 4/26 ، ورواه أيضا في فضائل الصحابة رقم 1380 و 1381 ، وصححها محقق الكتاب ورواه الحاكم والذهبي التخليص 4/397 وصححاه على شرط مسلم ، وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/200 وقال : إسناده قوي ، وفي مجمع الزوائد 9/194 قال : رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح وراجع تاريخ بغداد 1/142 ودلائل النبوة للبهيقي 6/471 وأسد الغبة 2/23 والإصابة 1/335 ، وغيرهم .

وأورده ابن كثير في البداية والنهاية 8/200 بسند آخر عن أبي الدنيا عن علي بن زيد عن ابن عباس .





3/
الترمذي : بسنده عن رزين قال : حدثتني سلمى ، قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله – تعني في المنام – وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : مالك يا رسول الله ؟ قال : شهدت قتل الحسين آنفا (1) .

4/
ابن سعد : بسنده عن المقبري عن عائشة ، قالت : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله راقد إذ جاء الحسين يحبو إليه فنحيته عنه ثم قمت لبعض أمري ، فدنا منه فاستيقظ يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قال : أن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين ، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه فإذا فيها قبضة من بطحاء ، فقال : يا عائشة والذي نفسي بيده انه ليحزنني ، فمن من أمتي يقتل حسيناً بعدي (2) .






--------------------------------------------------------------------------------

صحيح الترمذي : ج 13/193 ، وأخرجه الحاكم في المستدرك :ج 4/19 ، والبغوي في مصابيح السّنة وابن الأثير في أسد الغابة وابن عساكر في تاريخه وابن كثير في البداية والنهاية وابن حجر في تهذيب التهذيب وغيرهم .

(2)
كنز العمال 12/127 عن ابن سعد ، ورواه ابن عساكر عن ابن سعد ، ورواه الدارقطني في العلل بسنده



5/
الإمام أحمد : بسند صحيح عن عائشة أو أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وآله قال لا حدهما : لقد دخل عليّ البيت ملك لم يدخل عليّ قبلها ، فقال لي : أن ابنك هذا حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، قال : فأخرج تربة حمراء (1) .

6/
ابن أبي شيبة : بسند حسن عن صالح بن أربد النخعي قال : قالت أم سلمة : دخل الحسين على النبي صلى الله عليه وآله شيئاً يقلبه وهو نائم على بطنه ، فقلت يا رسول الله تطلعن فرأيتك تقلب شيئاً في كفك والصبي نائم على بطنك ودموعك تسيل ، فقال : إن جبريل أتاني بالتربة التي يقتل عليها ، وأخبرني أن أمتي يقتلونه (2) .

7/
الطبراني : وعن أبي امامه قال رسول الله صلى الله عليه وآله لنسائه : لا تبكوا هذا الصبي يعني حسيناً ، قال وكان يوم أم سلمة فنزل جبرئيل فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله الداخل ، فقال لام سلمة : لا تدعي أحداً أن يدخل علي :


--------------------------------------------------------------------------------

المسند : ج 6/294 ، ونقله عنه الهيثمي في مجمع الزوائد وفال رجاله رجال الصحيح .

المصنف 15/97 رقم 19213 ، والحديث رواه الطبراني في المعجم الكبير 2820 بسندين ، والبهيقي في دلائل النبوة 6/468 ، وابن حجر في المطالب العالية 4/73 .



فجاءه الحسين عليه السلام فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله في البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكنه فلما اشتد في البكاء خلت عنه فدخل حتى جلس في حجر النبي صلى الله عليه وآله ، فقال جبرئيل للنبي صلى الله عليه أن أمتك ستقتل ابنك هذا ، فقال النبي صلى الله عليه وآله يقتلونه وهم مؤمنون بي ، قال : نعم / فتناول جبرئيل تربة فقال : بمكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله قد احتضن حسيناً كاسف البال مغموما البال فظنت أم سلمة أنه غضب من دخول الصبي عليه ، فقالت : يا نبي الله جعلت لك الفداء أنك قلت فخليت عنه ، فلم يرد عليها ، فخرج إلى أصحابه وهم جلوس فقال : إن أمتي يقتلون هذا ، وفي القوم أبوبكر وعمر وكانا أجرأ القوم عليه ، فقالا : يا نبي الله وهم مؤمنون ؟ قال : نعم وهذه تربته وأراهم إياها (1) .

8/
الحاكم : بسنده عن أبى عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلماً منكراً الليلة ، قال : وما




--------------------------------------------------------------------------------

مجمع الزوائد 9/189 وقال : رواه الطبراني ورجاله موثقون وفي بعضهم ضعف ، و أورده الذهبي عن الطبراني في تاريخ الإسلام ج3/10 وسيرة أعلام النبلاء ج 3/194 .



هو ؟ قالت : إنه شديد ، قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : رأيت خيراً تلد فاطمة إن شاء الله غلاماً فيكون في حجرك ، فولدت فاطمة الحسين فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله فدخلت يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله تريقان من الدموع ، قلت : يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال : أتاني جبرائيل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا ؟ فقال : نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء (1) .

9/
الطبراني والبهيقي : بسندها عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أم سلمة قالت : كان النبي صلى الله عليه وآله يبكي ، فقلت : والله ما علمت به حتى دخل ، فقال النبي صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل كان معنا في البيت فقال : أتحبه ؟ فقلت : أما من


--------------------------------------------------------------------------------

المستدرك على الصحيحين 3/176 وقال : هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ورواه مختصرا بسند آخر ، ونقله ابن كثير في البداية ج 6/230 عن البهيقي عن الحاكم وغيره .

حب الدنيا فنعم ، فقال : إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء ، فتناول جبريل من ترابها فأراه النبي صلى الله عليه وآله ، فلما أحيط بالحسين حين قتل ، قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قالوا أرض كربلاء ، قال : صدق رسول الله صلى الله عليه وآله أرض كرب وبلاء (1) .

10 /
الطبراني : بسنده عن أبي وايل شقيق بن سلمة عن أم سلمة قالت : كن الحسن والحسين عليهما السلام يلعبان بين يدي النبي صلى الله عليه وآله في بيتي فنزل جبريل عليه السلام فقال : يامحمد إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك فأومأ بيده إلى الحسين ، فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وضمه إلى صدره ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وديعة عندك هذه التربة ، فشمها رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : ريح كرب وبلاء ، قالت : و قال : رسول الله صلى الله عليه وآله : يا أم سلمة إذا تحولت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل ، قال : فجعلتها أ م سلمة قي قارورة ، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم ، وتقول : إنّ يوماً تحّولين دماً ليوم عظيم (2) ؟

11/
الامام أحمد : بسند صحيح عن ثابت عن انس بن مالك :


--------------------------------------------------------------------------------

أورده في كنز العمال ج 16/339 نقلا عن البهيقي والطبراني وأبي نعيم ، ورواه ابن أبى جرادة في تاريخ حلب بعدة أسانيد ج 6/2597 .

مجمع الزوائد ج 9/189.



أن ملك المطر استأذن ربه أن يأتي النبي صلى الله عليه وآله ، فأذن له فقال لام سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد قال : وجاء الحسين ليدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وآله وعلى منكبه وعلى عاتقه ، قال : فقال الملك للنبي صلى الله عليه وآله : أتحبه ؟ قال : نعم ، قال : أما إن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها أم سلمة فصرّتها في خمارها ، قال : قال : ثابت : بلغنا أنها كربلا (1) .

12/
الحاكم : بسند صحيح عن عبد الله بن وهب بن زمعه قال : اخبراني أم سلمة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وآله اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو خاثر (2) ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو خاثر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها (3) ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : اخبرني جبريل عليه السلام أن


--------------------------------------------------------------------------------

المسند ج 3/242 ، ج 4/265 نوروه أبو يعلي أبو حاتم البغوي وغيرهم .

قال ابن الأثير في النهاية : أصبح رسول الله خاثر النفس ، أي ثقيل النفس غير طيب ولا نشيط .

وبه اقتدى المؤمنون بتقبيل وتقدير واحترام هذه التربة الطاهرة ، أما سر إهداء هذه التربة من قبل جبرئيل عليه السلام وغيره من الملائكة المقربين للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله فهو موكول لأحاديث أهل البيت عليهم السلام .



هذا – الحسين – يقتل بأرض العرق ، فقلت لجبريل : أرني الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها )) قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه (1) .

13/
الطبراني : بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن معاذ بن جبل أخبره قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله متغير اللون ، فقلت : أنا محمد أوتيت فواتح الكلام وخواتمه فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، وإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله احلوا حلاله وحرموا حرامه ….أمسك يا معاذ و أحص : قال : فلما بلغت خمسة قال : يزيد لا يبارك الله في يزيد ، ثم ذرفت عيناه ، فقال : نُعي إلي الحسين ، وأتيت بتربته وأُخبرت بقاتله ، والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعوه إلا خالف الله بين صورهم وقلوبهم وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعاً …… (2)


--------------------------------------------------------------------------------

المستدرك 4/398 ، ورواه الطبراني عن بكر بن سهل الدمياطي عن جعفر بن مسافر عن أبي فديك عن موسى بن يعقوب ن ورواه البيهقي في الدلائل عن الحاكم والقاضي والمقري وأخرجه الحافظ ابن عساكر بعدة أسانيد ، ورواه الذهبي في سيرة أعلام النبلاء ج 3/194 عن الحاكم وقال رواه إبراهيم بن طهمان بن عباد بن إسحاق عن هاشم ونقله في تاريخ الإسلام ج 3/10 عنه ، و أورده الهندي في كنز العمال ج 13/111 نقلا عن ابن سعد .

المعجم الكبير ج 20/38 مطبعة الأمة ببغداد ، وليس في السند من يتوقف فيه إلا ابن لهيعة إذ قيل أنه بعد احتراق كتبه لا يحتج به ، فالحديث مع النزل يكون بمرتبة الحسن .



قلت : والأخبار بقتل عليه السلام وبكاء الرسول صلى الله عليه والصحابة عليه عند مولده وبعده وعند قتله من المتوترات التي لا مجال فيها للشك و التردد ، وما ذكرناه فيه الكفاية .

خلاصة مفاد الروايات

ومن عموم الروايات نستتحصل مايلي : جواز بل استحبابا الحزن والبكاء على الحسين عليه السلام في يوم مقتله : وكلما رأى الإنسان تربته الطهارة التي شملها الرسول صلى الله عليه وآله وفي بعض الروايات قبلها وشمها (1)، بل كلما تذكر الحسين عليه السلام ، وكلما رأى ما يذكّره به ، وكلما حل في كربلاء اقتداءً بعلي عليه السلام .


--------------------------------------------------------------------------------

روى ابن أبى جرادة في تاريخ حلب ج 6/2567 بسند متصل إلى هشام بن محمد قال : لما أجري الماء على قبر الحسين نضب بعد أربعين يوما وامتحى أثر القبر ، فجاء أعرابي من بني أسد ، فجعل قبضة قبضة ويشمه حتى وقع على قبر الحسين وبكى ، وقال بأبي وأمي ما كان أطببك وأطيب تربتك ميّتا ، ثم بكى وأنشأ يقول :

أرادوا ليخفوا قبره عن عدوه فطيب تراب دلّ على القبر



قلت : وكيف لا تكون تربته طيبة وطاهرة وقد شمها وقلبها سر العالمين صلى الله عليه وآله ، والذي عفى قبره من الخلفاء العباسيين هو المتوكل العابسي المعبّر عنه في بعض الكلمات المغلوطة بناصر السنّة .

فالخلاصة : أن هذا العنوان العام وهو (( الحزن على الحسين )) مستفاد من فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، فتارة بكى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وأخرى تغير لونه لهذه الفاجعة ، وثالثة اغبر وجهه ، ورابعة اغتم ، وخامسة فاضت عيناه الطاهرتان بالدموع .

كما يستفاد هذا العنوان من مجموعة من الأمور التي حدثت بعد مقتله عليه أفضل الصلاة والسلام وفيها يتجلى غضب الله عز وجل لهذه الحادثة العظيمة ، وهي :

أولا : بكاء واحمرارا السماء .

1/
أبو العرب : بسنده عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال : إنما حدثت هذه الحمرة التي في السماء حين قتل الحسين . (1).

2/
الطبراني : بسنده عن علي بن مسهر حدثتني جدتي أم حكيم قالت : قتل الحسين بن علي عليه السلام وأنا يومئذ جويرية ، فمكث السماء أياما مثل العلقة (2).

3/
وعنه : بسنده عن عيسى بن الحارث الكندي قال : لما قتل الحسين رضي الله عنه ، مكثنا سبعة أيام صلينا العصر نظرنا


--------------------------------------------------------------------------------

المحن : 40.

مجمع الزوائد ج 9/196 ثم قال : ورجاله رجال الصحيح ، ورواه البهيقي في دلائل النبوة ج 6/472 ، وأورده السيوطي في الخصائص الكبرى ج 2/127 .


إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا إلى الكواكب يضرب بعضها بعضاً (1) .

4/
البهيقي : بسنده عن نضرة الازدية قالت : لما قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دما فأصبحت وكل شيء ملآن دماً (2).

5/
المزي : بسنده عن خلف بن خليفة عن أبيه قال : لما قتل الحسين اسودت السماء أظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر وسقط التراب الأحمر (3).

6/
سبط ابن الجوزي : بسنده عن هلال بن ذكوان قال : لما قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة كأنما لطّخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس (4)


--------------------------------------------------------------------------------

مجمع الزوائد ج 9/197، تهذيب الكمال ج 6/423 ، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2/348 ، سيرة أعلام النبلاء ج 3/210 ، تاريخ الخلفاء :80 .

دلائل النبوة ج 6/458 ، ورواه ابن حبان بسنده عن العباس بن إسماعيل مولى بن هاشم عن مسلم بن إبراهيم راجع الثقات ج 5/487 وجامع فهارس الثقات لابن حبان صفحة 77 ورواه ابن عساكر ولخص سنده ابن منظور في مختصر تاريخ دمشق ج 7/ 149 ورواه عن مسلم المزي في تهذيب الكمال ج 6/433 .

تهذيب الكمال ج 6/432 ، و أخرجه ابن عساكر في تاريخه ولخص السند ابن منظور في المختصر ج 7/149.

تذكرة الخواص :284 ، البداية والنهاية لابن كثير ج 8/171 ، الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3/301 ، وأخبار الدول : 109 .



7/
ابن أبى جرادة : عنه بسند متصل : لما قتل الحسين مطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم (1) .

8/
المزي : بسنده عن جعفر بن سليمان قال حدثتني خالتي أم سالم قالت : لما قتل الحسين بن علي مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنه كان بخراسان و الشام والكوفة (2)

9/
ابن كثير : قال ابن أبى حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو غسان محمد بن عمرو زنيج حدثنا جرير عن يزيد بن أبى زياد قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما احمرت آفاق السماء أربعة أشهر ، قال يزيد : واحمرارها بكائها :: وهكذا قال السدي وقال عطاء الخراساني : بكائها أ، تحمر أطرافها (3) .

10/
الذهبي : روي م طريق المدائني عن علي بن مدرك عن جده الأسود بن قيس قال : احمّرت آفاق السماء بعد قتل الحسي


--------------------------------------------------------------------------------

تاريخ حلب ج 6/2649

تهذيب الكمال ج 6/433 ، رواه ابن أبى جرادة ج 6/2635 بسند متصل عن خالد عن جعفر .

تفسير القرآن ج 9/162 المطبوع بهامش فتح البيان ، وتهذيب ج 2/353 ،

وسيرة أعلام النبلاء ج 3/311 ، وتاريخ الإسلام ج 2/348 والمحاسن والمساوئ 62 .



ستة أشهر يرى فيها كالدم ، فحدثت بذلك شريكا فقال لي : ما انتو من الأسود ؟ فقلت : هو جدي أبو أمي ، فقال : أما والله إن كان لصدوق (1)

11/
الطبراني : بسنده عن جميل بن زيد قال : لما قتل الحسين احمرت السماء ، قلت أي شيء يقول ؟ فقال : أن الكاذب منافق إن السماء احمرت حين قتل (2)

12/
وعنه : بسنده عن محمد بن سيرين قال : لم يكن في المساء حمرة حتى قتل الحسين (3) .

13/
ابن عساكر : عن داود بن أبى هند عن ابن سيرين قال : لم تبك السماء على أحد بعد يحيى بن زكريا إلا على الحسين بن علي (4) .

14/
ابن كثير : قال ابن أبى حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد السلام بن عاصم حدثنا إسحاق بن إسماعيل حدثنا


--------------------------------------------------------------------------------

تاريخ الإسلام ج 2/348 ، سيرة أعلام النبلاء ج 3/ 210 ، مجمع الزوائد ج 9/ 197 ، والحديث في تهذيب الكمال 6/432 عن علي بن مدرك …..وفي ذيله أم والله إن كان لصدوق الحديث عظيم الأمانة مكرما للضيف .

مجمع الزوائد ج9/197 .

مجمع الزوائد ج 7/197 ، تاريخ الإسلام ج 2:348 ، سيرة أعلام النبلاء ج 3/21 ، ورواه ابن أبى جرادة في تاريخ حلب ج 6/ 2639 بسننده عن ابن عون عن ابن سيرين : لم نكن نرى هذه الحمرة في السماء حتى قتل الحسين بن علي .

ورواه ابن أبى جرادة في تاريخ حلب ج 6/2634 .



المستورد بن سابق عن عبيد المكتب عن إبراهيم قال : ما بكت السماء منذ كانت الدنيا الأعلى اثنين ، قلت لعبيد : أليس السماء والأرض تبكي على المؤمن ؟ قال : ذلك مقامه حيث يصعد عمله ، قال : وتدري ما بكاء السماء ؟ قلت : لا ، قال : تحمّر وتصير وردة كالدهان ، إن يحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام لما قتل احمرت السماء وقطرت دماً ، وإن الحسين بن علي رضي الله عنهما لما قتل احمرت السماء (1).

15/
ابن أبى جرادة : بسند متصل عن إبراهيم النخعي : لما قتل الحسين احمرت السماء من أقطارها ، ثم لم تزل حتى تقطرت فقطرت دماً (2).

16/
وعنه : بسند متصل عن مسعدة عن جابر عن قرط بن عبد الله قال : مطرت ذات يوم بنصف النهار ، فأصابت ثوبي فإذا دم ، فذهبت بالإبل الوادي فإذا دم ، فلم تشرب قتل الحسين رحمة الله عليه (3).

17/
ابن حبان : عن حماد بن سلمة وابن علية عن سليم القاص أبو إبراهيم قال : مطرنا يوما قتل الحسين دماً(4).

قال أبو الفرج الجوزي : لما كان الغضبان يحمرّ وجهه عند الغضب


--------------------------------------------------------------------------------

تفسير ابن كثير ج9/162 .

بغية الطلب في تاريخ حلب ج6/2639 .

تاريخ حلب ج6/2630

الثقات ج4/329





الغضب فيستدل بذلك على غضبه وانه أمارة السخط ، فالحق سبحاه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين عليه السلام بحمرة الأفق وذلك دليل على عظم الجناية .

الثاني : كسوف الشمس .

قال الطبراني : بسنده عن أبى قبيل قال : لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه انكسف الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي (1).

الثالث : مارفح حجر إلا وجد تحته دم عبيط .

قال الكنجي الشافعي : قرأت على الحافظ يوسف بن خليل بحلب اخبرنا عبد الله بن كارة اخبرنا محمد بن عبد الباقي اخبرنا أبو محمد الجواهري أخبرنا الحارث بن أبي أسامة اخبرنا محمد بن سعد اخبرنا محمد بن عمر حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه : قال : أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت فقال : هل كان في قتل الحسين عليه السلام علامة ؟ قال : ما كشف يومئذ حج إلا وجد تحته دم عبيط (2)


--------------------------------------------------------------------------------

مجمع الزوائد ج 9/197 ، تهذيب الكمال ج 6/433 ، الصواعق المحرقة 116 ، وليس في السند من يتوقف فيه إلا ابن هليعة فالحديث في مرتبة الحسن .

كفاية الطالب 433 ثم قال : رواه كاتب الواقدي في كتابه ، و اخرجه محدث الشام في كتابه و أخرجه الطبراني بطرق شتى ، والرواية في تاريخ الإسلام ج2/349 ، تفسير ابن كثير ج9/162





الطبراني : بسنده عن ابن جريح عن ابن شهاب قال : مارفع بالشام حجر يوم قتل الحسين بن علي إلا عن دم .

وروى بسنده عن الزهري قال : قلت : لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط ، فقال لي عبد الملك : إني وإياك في هذا الحديث لقرينان (1) .

وقال السيوطي : اخرج البيهقي عن أم حبان قالت : يوم قتل الحسين أظلمت علينا ثلاثة ولم يمسّ منا أحد زعفرانهم شيئا فجعله عل وجهه إلا احترق ، ولم يقلب حجر ببيت المقدس إلا وجد تحته دم عبيط (2) .


--------------------------------------------------------------------------------

مجمع الزوائد ج 9/ 196 ثم قال : ورجاله ثقاة ، قلت : وقد رواه عن الزهري منهم محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص وابوبكر الهذلي اخرج حديثهما الطبراني وابن أبي جرادة ، ومعمر كما في دلائل النبوة ج9/471 وتاريخ حلب ج 6/ 2637 وتهذيب الكمال ج 6/434 وتهذيب التهذيب ج 2/145 بسند صحيح ، وعباردة بن بشر وعمر بن قيس روى حديثهما بسند متصل ابن عبد ربه في العقد الفريد ج2/220 ، والبصري بن يحيى روى حديثهما بسند متصل أبو العرب في المحن صفحة 40 ، وغيرهم .

الخصائص الكبرى ج 2/126 ، ورواه الخوارزمي في مقتل الحسين بسند ه عن يعقوب بن سفيان عن أيوب بن محمد الرقي عن سلام بن سليمان الثقفي عن زيد بن عمر الكندي عن أم حبان ، ورواه ابن أبي جرادة في تاريخ حلب ج 6/2637 والمزي في تهذيب الكمال ج 6/434 بسند متصل .

وقال الحافظ المزي : حدثنا أحمد بن محمد بن يح بن سعيد حدثنا زيد بن الحباب حدثني أبو يحيى مهدي بن ميمون قال : سمعت مروان مولى هند بن المهلب ، قال حدثني بواب عبيد الله بن زياد أنه لما جيء برأس الحسين فوضع بين يديه رأيت حيطان دار الإمارة تسايل دماً (1) .



الأدلة العامة

فعن ابن مسعود قال : ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله باكياً أشد من بكائه على حمزة ، وضعة في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب –أي شهق – حتى بلغ به الغشي يقول : ياعم رسول الله يا حمزة يا أسد الله وأسد رسوله يا حمزة ياذاب عن وجه رسول الله .

كان كلما بكت صفية يبكي وإذا نشجت ينشج ، وحينما


--------------------------------------------------------------------------------

تهذيب الكمال ج 6/434 ، ورواه ابن أبي جرادة في تاريخ حلب ج 6/2639 وابن عساكر .



رجع من أحد بكت نساء الأنصار على من قتل رجالهن ، فقال بأبي وأمي متأثرا بالموقف ولكن حمزة لا بواكي له ، ثم نام فانتبه وهن يبكين حمزة فهن إلى اليوم – كما في الحديث – إذا بكين يندبن حمزة (1) .

وكذلك حينما استشهد جعفر الطيار جاء النبي صلى الله عليه وآله إلى امرأته أسماء بنت عميس رضي الله عنها وعزاها بجعفر ، ودخلت فاطمة عليها السلام وهي تبكي وتقول : واعماه ، فقال النبي صلى الله عليه وآله لما رأى جبهة حمزة بكى ولما رأى ما مثل به شهق (2) .


--------------------------------------------------------------------------------

وهذه العادة إلى الآن سارية في البقية من الأنصار في المدين ، فإذا توفي ميت لهم ، بكت النساء أولا على حمزة ثم على ميّتهن ، لقوله صلى الله عليه وآله (( ولكن حمزة لا بواكي له ))

المستدرك على الصحيحين : ج 2/130 ، ج 3/ 218 ، 219 الاستيعاب : 1/374 . ومجمع الزوائد : ج 6/ 118 وقال رواه البزاز وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو حسن الحديث على ضعفه .

قلت : بل لا عف فيه ، قال الترمذي ويعقوب : صدوق ، وقال العجلي تابعي جائز الحديث ، وقال العقيلي : كان فاضلا خيرا موصوفا بالعبادة ، وقال الساجي : كان من أهل الصدق ، وقال ابن عبد البر : هو أوثق من كل من تكلم فيه ، وعن ابن بشر : خير فاضل عابد ، وقال أحمد شاكر في تعليقة على مسند الامام أحمد ج1/رقم 6: ثقة لا حجة لمن تكلم فيه ، راجع تهذيب التهذيب ج 6/3 وتهذيب الكمال ج 16/54.



وبما أن الحسين عليه السلام وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة فالحزن والبكاء عليهما لا بد أن يتلاءم مع هذه المرتبة التي تفوق كل المراتب .

كما أنه يكفي في رجحان البكاء والحزن العميق على العظماء من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله واستحبابه قوله تعلى حكاية عن حال يعقوب (وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضت عيناه (1) من الحزن فهو كظيم ) فلقد ذهبت عيناه عليه السلام حزنا على يوسف ، فليس كل ضرر ينتج من الحزن والبكاء على الأنبياء وأولاد الأنبياء محرم في الشريعة ، وإلا كان يعقوب – وه من أعاظم الأنبياء وساداتهمقد ألقى أقر فعله واستصوبه ، وأجاب أخوة يوسف حينما قالوا له ( تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكن حرضا أو تكون من الهالكين ) على لسان يعقوب ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون ).

فالخلاصة : أن الحزن على الحسين مهما كان مصداقه ليس من البدعة وانما هو من السنة لكونه مستندا لفعل الرسول صلى الله عليه وآله وفعله سنّة ، وتحقق هذا الفعل من الرسول الأكرم ليس


--------------------------------------------------------------------------------

ابيضاض العين هو العمى ، وقد يكون مصاحبا لضعف البصر ، لكن من قوله تعلى ( اذهبوا بقميصي هذا فالقوه على وجه أبي يأتي بصيرا ) يعرف أن يعقوب عليه السلام قد ذهب بصره حزنا على يوسف على الظاهر ، فتأمل .





فقط في مناسبة أو مناسبتين ، بل في مناسبات كثيرة ومتعددة ولعل مالم يصل إلينا أكثر ممّا وصل .

تقييم الشعائر

إذا عرفت ذلك : نأتي إلى جميع الممارسات والشعائر التي يقوم بها المؤمنون وتقع مصداقا للحزن على الحسين ، ونقيّمها بعيداً عن هذا العنوان وانطابقه عليها ونذكر حكمها الأولى – من إباحة واستحباب أو كراهة أو حرمة أو وجوب – ثم بعد ذلك ننظر إليها بما هي مصداق من مصاديق الحزن على الحسين عليه السلام .

فمن أهم تلك الممارسات والطقوس ما يلي

1/
البكاء عليه عند ذكره وسماع مصيبته أو مصيبة أولاده وأصحابه وماجرى على أهل بيته وبنات الرسالة .

فإن البكاء بما هو بعيدا عن كونه بكاءاً الرسول على حمزة وجعفر .

ففي البكاء على الحسين عليه السلام يجتمع عنوانان : عنوان البكاء على المؤمن ، وعنوان البكاء عليه السلام ، والأول دليله الأدلة العامة في استحباب البكاء على موتى المؤمنين ، والثاني دليله الأدلة الخاصة الواردة في بكاء الرسول



صلى الله عليه وأله وعلى الحسين وأصحاب الحسين .

وعليه : فالباكي على الحسين له ثوابان ، ثواب البكاء على المؤمنين لكون الحسين عليه السلام سيد المؤمنين ، وثواب الحزن على الحسين عليه لسلام المتحقق بالبكاء .

2/
رثاء الحسين وأهل ليته وأصحابه عليهم السلام .

لا ريب في جاز رثاء موتى المؤمنين بذكر محاسنهم الباعث على تحريك الحزن وتهيج اللوعة ، وقد رثى الصحابة بعضهم بعضا وأقرّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ما قاموا به من رثاء متضمنا لمدح الميت وذكر محاسنه ، وأشعار الرثاء الصادرة عن الصحابة كثيرة جداً ويكفيك ما ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد (19 وابن البر في الاستيعاب وابن الأثير في أسد الغابة وابن حجر في الإصابة (2) .

وحينما توفى رسول الله صلى الله عليه وآله رثاه جمع من الصحابة ، وعلى رأسهم سيدة النساء فاطمة الزهراء عليها السلام بقولها :



ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا

صبي علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا






--------------------------------------------------------------------------------

في أول الجزء الثاني .

في الترجمة : سيد الشهداء حمزة ، وعثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وجعفر بن أبي طالب ، وغيرهم من الصحابة .

فالرثاء بما هو هو لا إشكال في جوازه ، حتى لو كان المرثي كافراً ، فلقد أكثرت المرأة الصالحة الخنساء رثاء أخويها – صخراً ومعاوية – وهما كافران وأبدعت في مدائح صخر وأهاجت عليه لواعج الأحزان ، فلم نجد من الصحابة والتابعين والعلماء والمحدثين من أنكر عليها ذلك ، ونسبها إلى التقصير والعاطفة ، بل عادة ما كانوا يتمثلون بأبيات رثائها حين فقدهم لحبيب وصديق .

فإذا كان الرثاء مباحاً وكان رثاءاً للحسين عليه السلام فيقع مصداقا لعنوان (( الحزن عليه )) وهو عنوان استحبابه الشرعي ، فيكون رثاء الحسين من المستحبات الشرعي .



3/
إطعام الطعام والتصدق عن الحسين (ع) .

وهما من المستحبات المؤكدة في الشريعة المقدسة ، سواء كان ذك من أجل الحسين أو أي شخص آخر ، فإن الله سبحانه وتعالى يحب إطعام الطعام والتصدق على المحتاجين ، حتى إن عبد الله بن جذعان والذي مات كافراً أخف أهل النار عذابا ، لانه كما قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يحب إطعام الطعام وإفشاء السلام .

فإطعام الطعام من أجل الحسين ، والتصدق على المحتاجين بدلا عن الحسين مما لا خلاف أصلا في رجحانه واستحبابه ، ولذا كما في بعض الروايات الصحيحة أن الرسول



الأكرم صلى الله عليه وآله يشتري الشاة ثم يذبحها ويقطع أعضاءها ويبعثها صدقة لخديجة عليها السلام (1) .

وعن عائشة قالت : أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص أفلها أجر إن تصدقت عنها ؟ فقال صلى الله عليه وآله : نعم (2) .

4/
لبس السواد .

فإنه وإن قيل بكراهة الثياب السوداء إلا أن ذلك مختص بلباس المصلي لا مطلقا ، نعم ذهب جماعة من الفقهاء بكراهيته مطلقا ، فعلى القول بإباحته في غير الصلاة فإن تعنون بعنوان أنه حزناً عل الحسين عليه السلام خرج من حكم الإباحة إلى حكم الاستحباب .

وعلى القول بكون لبس السواد مطلقا مكروه سواء في حالة الصلاة أم غيرها ، فإذا لبس الإنسان السواد ، واستحباب الحزن على الحسين ، وهاذان العنوانان اجتمعا على مصداق واحد وهي الثياب السوداء التي لبسها المعزي ، فيحصل هنا تزاحم بين ملاك الاستحباب ، فيقدم أقواهما ملاكاً


--------------------------------------------------------------------------------

صحيح البخاري ومسلم في فضائل خديجة .

صحيح مسلم : أبواب الزكاة ، باب وصول ثواب الصدقة عن الميت .



ومنفعة ومصلحة ، ولا ريب أن الحزن على الحسين كاسح ومقدم على ملاك الكراهة من لبس الثياب السوداء .

نعم على القول بكون لبس السواد من المحرمات – ولا قائل به – فإن ملاك الاستحباب لا يزاحم ملاك الحرمة ، بل ملاك الحرمة متقدم رتبة عليه ، فلا يمكن الحكم بالاستحباب ، ولذا كما تقدم بيانه لا يمكن أن نتوصل إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين بالتصدق عليهم بالأموال المغصوبة ، وإن تصدقن بها فلا ثواب بل هناك عقاب للتصرف في أموال الآخرين بلا أذن منهم .

5/
اللطم على الصدور .

وهو من الشعائر الرائجة المنتشرة في أكثر البلدان الإسلامية ولدى مقيمي العزاء على السبط الشهيد ، فهو من أبرز مصاديق الحزن على الحسين عليه السلام ، واللطم عل الصدر أو على أي عضو من البدن إذا لم يؤدي إلى الضرر المحرم لا أحد يقول بحرمته ، هو بمثابة التصفيق في مناسبات الفرح والنجاح ، فحكمه الاولي هو الإباحة ، وليس هناك دليل شرعي يدل على حرمته ن نعم قد يكون مكروهاً أو مستحباً ، إذا انطبقت وصدقت عليه عناوين أخرى عامة حكمها الكراهية أو الاستحباب .

وحيث أن لطم المؤمن صدره بعنوان الحزن على الحسين



وهذا العنوان كمما تقدم إثابته راجح ومستحب شرعاً – فيكون اللطم على الصدور حزنا على الحسين راجحاً شرعاً ن ولا محذور من حرمة أو كراهية فيه ، فاللطم على الصدور بهذا الدافع مصداق من مصاديق الحزن على الحزن على الحسين عليه السلام فهو من السنة لا البدعة ، فهذا الفعل لا يختلف عن البكاء أو الشهيق ، وقد تقدم في الروايات بكاء الرسول صلى الله عليه وآله وشهيقه على عمّه حمزة ورؤية أم سلمة له شاحب اللون منكسف البال أشعث أغبر يوم قتل عليه السلام.2

وغير من مصاديق متعددة ومتكثرة تختلف باختلاف الزمان والمكان والإمكانيات والأخوال والتقلبات ، ولكي نعطي ضابطة كليه في المقام لشرعية كل مصداق من مصاديق الحزن على الحسي – علاوة على ما تقدم – نقول :

الشروط الواجبة في الشعائر

يشترط على نحو الوجوب في المصداق المعنون بعنوان الحزن على الحسين ما يلي :

1/
أن لا يكون بما هو هو محرماً شرعاً .

2/
أن لا يكون بما هو هو مكروها كراهة مشدّدة وغليظة .

3/
أن لا يعرض عليه عنوان آخر محرم أو مكروه كراهة شديدة ، كعروض الضرر المحرم عليه .



الضرر والشعائر الحسينية

فإذا كان الفعل الذي وقع مصداقا من مصاديق الحزن على الحسين ينشأ منه الضرر المحرّم فهذا العنوان يكون ناسخاً ولا غياً للاستحباب المرتجى من الحزن على الحسين بهذا المصداق .

وبين الأعلام خلاف في تحديد دائرة الضرر المحرم ضيقاً وسعة ، ولبيان ذلك بشكل مقتضب ومختصر نقول :

لا يخلو الضرر والإيذاء من أن يكون دائميا أو مؤقتا ، والأول تارة يتحقق بقتل النفس ، وأخرى بقطع عضوٍ من أعضاء البدن كاليد والرجل مثلا ، وثالثة بتعطيل قوة من قوى النفس عبر أتلاف بعض السمع وما أشبه ذلك من هذه الأمور الثلاثة المذكورة :

قتل النفس ، وقطع الأعضاء المهمة في البدن ، وتعطيل الحواس الخمس وهي : النظر والسمع والشم واللمس والتذوق ، إذا كان ذلك بشكل دائمي .

أما إذا كان الضرر والإتلاف والإيذاء مؤقت ، فوقع الخلاف بين الأعلام ، والمذهب المنصور بينهم هو عدم الحرمة مطلقاً (1) ، لعدم الدليل عليه ، بل الدليل قائم على جوازه في مواضع كثيرة من الفقه ، كجواز الختان بالنسبة للجواري ، وثقب الآذان والأنوف ، والوشم ، والحجامة ، والأقدام على الضرر اليسير لجلب المنفعة الجسيمة والكبيرة (2) .

مضافا إلى جواز بل استحباب تورم الأقدام من كثرة القيام للصلاة ، وتحمل الجوع ثلاثة أيام اقتداء بأهل البيت عليهم السلام ، وعدم المحذور بل استحباب كثر السجود المفضي إلى حصول في الجباة ، وإيذاء النفس بالحج ما شياً إلى بيت الله الحرام وما شابه ذلك .


--------------------------------------------------------------------------------

وفرّق بعض الفقهاء بين ما إذا كان الضرر معتدا به في نظر العرف وبين ما إذا لم يكن كذلك ، فيحرم الأول دون الثاني .

فإذا تجسد في بعض الشعائر والممارسات الحسينية ضرر يسير به عرفاً ، وولدت هذه الشعائر بعض المنافع العظيمة كترسيخ قضية ومظلومية الحسين عليه السلام لدى النفوس ، واعطاء صورة حية عن مأساة كربلا وأوجدت ما يبقى هذا الضرر اليسير لا دليل من العقل و الشرع والعرف على حرمته ، بل العقل حاكم بحسن ارتكابه جلبا للمنفعة العظيمة المرتقبة ، ولذ نجد بأن يعقوب عليه السلام وهو من أعاظم الأنبياء جلبا للمنفعة العظيمة المرتقبة ، ولذا نجد بأن يعقوب عليه السلام وهو من أعاظم الأنبياء بكى على فراق ولده يوسف عليه السلام بل يفهم من بعض الآيات أن ما فعله يعقوب هو الموح إليه وذلك من قوله تعالى ( إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ) ومنشأ ذلك أن البكاء على يوسف كان ذا منفعة عظيمة تفوق ذهاب بصر يعقوب عليه السلام أو ضعفه



حكم واحتمال الضرر

واحتمال الضرر من بعض المصاديق التي تقع عنواناً للحزن على الحسين عليه السلام ، لا يستلزم تحريمها ، إذ أن الأعلام أفتوا بجواز الألعاب الرياضية الكثيرة التي لا تخلوا من الضرر في الجملة ، فلا بد أن يكون الضرر عقلائيا حتى يحكم بحرمة مقدمته والمنع من الأقدام على ذلك المصداق والعمل الذي ينشأ منه الضرر المعتد غالبا ، إذا الضرر اليسير والنادر في حكم العدم عند العرف والعقلاء .

نعم البحث عن مصاديق وأعمال مشروعة وخالية عن الضرر وجعلها مصداقا للشعائر الحسينية هو الذي ينبغي على المؤمنين الذهاب وراء تحقيقه وستأتي الإشارة إليه .

الاستهزاء والشعائر الحسينية

أما الاستهزاء ببعض الممارسات الحسيني فليس منشأ لوجوب تركها ، إذ العل الخاص الذي يقوم به المؤمنون ويندرج تحت عنوان الشعائر الحسيني تارة يارد منه تعميق القضية والمصيبة لدى نفوس من يؤمن بالحسين وبمدرسته ، وأخرى لجلب وكسب وتعريف الناس والعالم قضية الحسين عليه السلام .

فإن كان المقصود منه هو الممارسة الخاصة وطلب الثواب ، فإن الاستهزاء لا يغيّر هذا العنوان إلى عنوان محرم ، فإن العالم بأكمله يستهزأ من المسلمين بطوافهم حول البيت وسعيهم بين الصفا والمروة ، ورميه للجمار وما شابه ذلك من عبادات وممارسات وقعت محلا للاستهزاء عنوان مغير ومزاحم للعناوين الشرعية في العبادات الخاصة والممارسات الفردية .



اللهم إلا استلزم ذلك توهيناً للمذهب واستخفافاً بكافة المؤمنين ، فان ذلك يقتضي ترك هذه الشعيرة وان كانت مباحة أو مستحبة .

وإن كان المقصود منه هو كسب تأييد الأطراف الأخرى ، فإذا وقع محلا للاستهزاء ، فينبغي رفع اليد عنه ، لا لحرمته ، وإما لعدم ترتب الأثر المرتجى منه ، إذ الهدف في الشعيرة والممارسة الخاصة هو كسب الطرف الآخر ، فإذا وقع محلا للاستهزاء فلا يكمن أن يكون طريقا لكسب فتركه من باب عدم ترتب الأثر والهدف المتوخي منه .

العسر والحرج والشعائر

وأما العسر والحرج فانه كذلك لا يرفع الجواز ولا استحباب ، وإنما يرفع الإلزام ، فيكون مورد هذه القاعدة في الواجبات والمحرمات ، فإذا نش الضرر من الوضوء الواجب فإن هذه القاعدة ترفع وجوبه ، لا أصل مشروعيته ، فإذا كان الوضوء الواجب فإن هذه القاعدة ترفع وجوبه ، لا أصل مشروعيته ، فإذا كان الوضوء عسرياً وينشأً منه الحرج ، وتوضأ الإنسان وتحمل لك الحرج لا يحكم ببطلان

وضوئه ، بخلاف ما إذا أستلزم من الوضوء الضرر ، فان الفتوى قائمة على بطلان الوضوء العسري .

وإذا استلزم عدم خلق اللحية عسرا وحرجا على المكلف فان قاعدة (( العسر والحرج )) ترفع الحرمة وتجوز حلق اللحية ، فمورد هذه الأحكام الإلزامية من وجوب وحمة ، لا الأحكام غير الإلزامية ، فان في بعض الصلوات والصيام والأعمال المستحبة مشقة عظيمة لا يتحملها إلا ذو حظٍ عظيم ، فلا تحري هذه القاعدة في الأمور المستحبة ، وبما أن الشعائر الحسينية من الأمور المستحبة فالاستدلال بهذه القاعدة لاثبات عدم شرعية بعض الممارسات الحسينية غفلة واضحة لدى المتمرّس والمتأمل .

تنبيه : مما لا ريب فيه الأنظار والإفهام تختلف في تشخيص المصاديق من حيث أستلزمها للعسر والحرج والضرر ، فقد يكون مصداق ما – بنظر بعض المؤمنين – مستلزم للضرر أو هتك للمذهب وتضعيف واستخفاف بالمؤمنين ، وبنظر آخرين لا يقتضي ذلك ، وقد يكون مصداق آخر لا يقتضي ذلك ، وقد يكون مصداق آخر بنظر البعض لا فائدة دنيوية وأخروية منه ، وبنظر آخرين فيه الفائدتين معاً.

وعليه : فإذا اختلفت الأنظار في تشخيص وتقييم الممارسات والطقوس التي تقع مصداقا للحزن على الحسين بين كونها ضرورية أو لا ،

كونها مستلزمة لهتك المذهب أو لا ، أو كونها مما لا فائدة مطلقاً منها أو فيها فائدة ، وأدى ذلك إلى التشاجر والتباغض والتدابير ، فإن الحكمة تقتضي الإقلاع عن هذا المصداق الذي وقع محل خلافٍ في تشخيصه وأدى إلى التفرقة بين المؤمنين ، إذ ملاك الوحدة والمصلحة الحاصلة منها تفوق كل المصالح .

نعم : إذا أصر بعض المؤمنين على هذه الممارسة التي وقعت محلاً للخلاف والشجار ، وكان منشأ هذا الإصرار هو الحب الحسيني لا شيء آخر ، فإن الحكمة تقضي لمن يرى بأنها ضرورية أو تستوجب هتكا للمذهب عدم تعميق الخلاف والتفرقة بين المؤمنين .

إذ الاختلاف في تشخيص الموضوعات والمصاديق لا يخلو منه الأبواب الفقهية ، وتشخيص كل مكلف هو الذي ينبغي أ، يتبع ، لا تشخيص الآخرين إذا كان مخالفاً لتشخيصه ، عصمنا الله وإياكم من الزلل والخطأ ، وجمعنا تحت راية الحق والإيمان ووحدة الله بين قلوبنا وانفسنا .

الشروط المستحبة في الشعائر

كما يحبذ أن يكون العمل المتخذ مصداقاً للحزن على الحسين عليه السلام – بعد إباحته بما هو وعدم كراهيته المشددة – تضمنه مايلي :أن يكون مما له ثمرة دنيوية ودينية ، كإلقاء المحاضرات الدينية وإطعام الطعام والتبرع بالدم للمحتاجين ، وإسقاط الديون والتصافي بين أفراد المجتمع ، بحيث تكون العشرة الأولى من المحرم موسماً للتسامح والتساعد بين المؤمنين والشقاقات الجانبية ، وبث الوحدة وروح الأخوة ، كل ذلك باسم الحسين ومن أجل الحسين وفي سبيل الحسين ، ولا ريب أن هذا ما يريده الحسين عليه السلام .

ويتفرع على ذل : ترك كل مصداق لا فائدة منه كونه من الشعائر الحسينية ، والبحث عن مصاديق تتلاءم مع مقتضيات الزمان والمكان والتحولات الاجتماعية والثقافية والفكرية .

مع مراعاة أ، بعض الشعائر الحسينية لا سبيل للعقل فيها ، بل العاطفة هي الحاكمة ، ولذا نجد بعض المؤمنين عاطفته لإبراز حزنه على الحسين لا تتجلى إلا في مصداق الخاص لما استطاع أن يبرز حزنه على الحسين ، ولذا لا يحق لنا أن نمنع الآخرين من تلك الأعمال والطقوس التي يبرزون بها حزنهم على الحسين عليه السلام تبعاً لعواطفهم ، والتي لا فائدة منها غير كونها مصداقاً للحزن على الحسين إذا لم يصاحبها حرام شرعاً .

فلكل طريقته الخاصة ، فبعض يعجبه إبراز حزنه على الحسين عن طريق البكاء ، وبعض عن طريق اللطم ، وبعض عن طريق لبس السواد ، والمنشأْ في ذلك أن للعاطفة دور كبير جدا في الارتباط بالحسين عليه السلام وقضيته .

فإذا وقع بصر المؤمن على بعض الممارسات الحسينية التي منشأها العاطفة والتي في نظره لا فائدة دنيوية ودينية منها غير كونها من مصاديق الحزن على الحسين ، لا يحق له أن يعترض على ممارسيها بعدم الشرعية والجزم بحرمتها ومن ثمّ محاربتهم وخصامهم أو إجبارهم على تركها ، نعم غاية مايحق ويستحب له أ، يبيّن لهم ماهو أكثر جدوائية وفائدة من هذه الممارسات والطقوس .

جعلنا وإياكم من خدمة الحين دنياً وآخرة والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين واللعنة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين ، ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب .



السلام على الحسين

وعلى علي بن الحسين

بشار الداود راضي حبيب

تم في شهر شوال لسنة 1420

الكويت