ق
صة ذى الكفلالذى زعم قوم أنه ابن أيوب، قال الله تعالى بعد قصة أيوب فى سورة الأنبياء:
{وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كلٌّ من الصابرين وأدخلناهم فى رحمتنا إنهم من الصالحين}، وقال تعالى بعد قصة أيوب أيضا فى سورة ص: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدى والأبصار إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلٌّ من الأخيار} فالظاهر من ذكره فى القرآن العظيم بالثناء عليه مقرونًا مع هؤلاء السادة الأنبياء أنه نبى عليه من ربه الصلاة والسلام، وهذا هو المشهور، وقد زعم آخرون أنه لم يكن نبيًا وإنما كان رجلاً صالحًا وحكمًا مقسطًا عادلاً، وتوقف ابن جرير فى ذلك، فالله أعلم.وروى ابن جرير وابن أبى نجيح عن مجاهد: أنه لم يكن نبيا وإنما كان رجلا صالحا، وكان قد تكفل لبنى قومه أن يكفيه أمرهم ويقضى بينهم بالعدل، فسمى ذا الكفل. وروى ابن جرير وابن أبى حاتم من طريق داود بن أبى هند عن مجاهد أنه قال: لما كبر اليسع، قال: لو أنى استخلفت رجلاً على الناس يعمل عليهم فى حياتى حتى أنظر كيف يعمل، فجمع الناس فقال: من يتقبل لى بثلاث أستخلفه: يصوم النهار، ويقوم الليل، ولا يغضب، قال: فقام رجل تزدريه العين، فقال: أنا، فقال: أنت تصوم النهار وتقوم الليل ولا تغضب؟ قال: نعم، قال: فردهم ذلك اليوم، وقال مثلها فى اليوم الآخر، فسكت الناس وقام ذلك الرجل، فقال: أنا، فاستخلفه، قال: فجعل إبليس يقول للشياطين: عليكم بفلان، فأعياهم ذلك، فقال: دعونى وإياه، فأتاه فى صورة شيخ كبير فقير وأتاه حين أخذ مضجعه للقائلة، وكان لا ينام الليل والنهار إلا تلك النومة، فدق الباب، فقال: من هذا؟ قال: شيخ كبير مظلوم، قال: فقام ففتح الباب فجعل يقص عليه، فقال: إن بينى وبين قومى خصومة وإنهم ظلمونى وفعلوا بى وفعلوا، حتى حضر الرواح وذهبت القائلة، وقال: إذا رحت فأتنى آخذ لك بحقك، فانطلق وراح، فكان فى مجلسه فجعل ينظر هل يرى الشيخ؟ فلم يره، فقام يتبعه، فلما كان الغد جعل يقضى بين الناس وينتظره فلا يراه، فلما رجع إلى القائلة فأخذ مضجعه أتاه فدق الباب، فقال: من هذا. فقال: الشيخ الكبير المظلوم، ففتح له، فقال: ألم أقل لك إذا قعدت فائتنى؟ فقال: إنهم أخبث قوم إذا عرفوا أنك قاعد، قالوا: نحن نعطيك حقك، وإذا قمت جحدونى، قال: فانطلق فإذا رحت فأتنى، قال: ففاتته القائلة فراح فجعل ينتظر فلا يراه، وشق عليه النعاس، فقال لبعض أهله: لا تدعن أحدًا يقرب هذا الباب حتى أنام فإنى قد شق على النوم، فلما كان تلك الساعة جاء فقال له الرجل: وراءك وراءك، فقال: إنى قد أتيته أمس فذكرت له أمرى، فقال: لا والله لقد أمرنا أن لا ندع أحدا يقربه، فلما أعياه نظر فرأى كوة فى البيت فتسور منها، فإذا هو فى البيت، وإذا هو يدق الباب من داخل، قال: فاستيقظ الرجل، فقال: يا فلان، ألم آمرك؟ قال: أما من قبلى والله فلم تؤت فانظر من أين أتيت؟ قال: فقام إلى الباب فإذا هو مغلق كما أغلقه، وإذا الرجل معه فى البيت فعرفه، فقال: أعدو الله؟ قال: نعم، أعييتنى فى كل شىء ففعلت ما ترى لأغضبك، فسماه الله ذا الكفل لأنه تكفل بأمر فوفى به.
وقد روى ابن أبى حاتم أيضًا عن ابن عباس قريبًا من هذا السياق. وهكذا روى عن عبد الله بن الحارث ومحمد بن قيس وابن حجيرة الأكبر وغيرهم من السلف نحو هذا. وقال ابن أبى حاتم: حدثنا أبى، حدثنا أبو الجماهر، أنبأنا سعيد بن بشير، حدثنا قتادة، عن كنانة بن الأخنس قال: سمعت الأشعرى، يعنى أبا موسى رضى الله عنه، وهو على هذا المنبر يقول: ما كان ذو الكفل نبيًا، ولكن كان رجلاً صالحًا يصلى كل يوم مائة صلاة، فتكفل له ذو الكفل من بعده يصلى كل يوم مائة صلاة، فسمى ذا الكفل. ورواه ابن جرير من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال أبو موسى الأشعرى فذكره منقطعا.
فأما الحديث الذى رواه الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، حدثنا الأعمش، عن عبد الله بن عبد الله، عن سعد، مولى طلحة، عن ابن عمر، قال: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار ولكن قد سمعته أكثر من ذلك، قال:
(كان الكفل من بنى إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارًا على أن يطأها، فلما قعد منها مقعد الرجل من امرأته أرعدت وبكت فقال لها: ما يبكيك؟ أكرهتك؟ قالت: لا، ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملتنى عليه الحاجة، قال: فتفعلين هذا ولم تفعليه قط؟ ثم نزل فقال: اذهبى بالدنانير لك، ثم قال: والله لا يعصى الله الكفل أبدا، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل). ورواه الترمذى من حديث الأعمش به، وقال: حسن. وذكر أن بعضهم رواه فوقفه على ابن عمر فهو حديث غريب جدا، وفى إسناده نظر فإن سعدًا هذا، قال أبو حاتم: لا أعرفه إلا بحديث واحد. ووثقه ابن حبان ولم يرو عنه سوى عبد الله بن عبد الله الرازى هذا، فالله أعلم. وإن كان محفوظا فليس هو ذا الكفل، وإنما لفظ الحديث: (الكفل) من غير إضافة، فهو رجل آخر غير المذكور فى القرآن. فالله تعالى أعلم.