باب المهدى و علامة خروجة

 

مسلم عن أبى نضيرة قال: كنا جلوسًا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجىء قفيز ولا درهم إليهم. قلنا: من أين؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذلك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجىء إليهم دينار ولا مدى. قلنا: من أين ذلك؟ قال: من قبل الروم ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون فى آخر الزمان خليفة يحثى المال حثيا ولا يعده عدًا) قيل لأبى نضرة وأبى العلاء تريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ قالا: لا.

أبو داود عن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (يكون اختلاف عند موت خليفة، فيخرج رجل من أهل المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة، فيخرجونه وهو كاره، فيبايعونه بين الركن والمقام، ويبعث إليه بعث من الشام، فيخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة، فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب العراق فيبايعونه، ثم ينشر رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب، والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض، فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون).

وذكر ابن شبة فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد بن مسلمة، قال: حدثنا أبو المهزم عن أبى هريرة قال: يجىء جيش من قبل الشام حتى يدخل المدينة، فيقتل المقاتلة ويبقر بطون النساء ويقولون للحبلى فى البطن: اقتلوا صبابة السوء، فإذا علوا البيداء من ذى الحليفة، خسف بهم، فلا يدرك أسفلهم أعلاهم، ولا أعلاهم أسفلهم، قال أبو المهزم: فلما جاء جيش ابن دلجة قلناهم، فلم يكونوا هم.

قال: حدثنا محمد بن يحيى، قال: حدثنا أبو ضمرة الليثى، عن عبد الرحمن بن الحرب بن عبيد، عن هلال بن طلحة الفهرى قال: قال كعب الأحبار: تجهز يا هلال، قال: فخرجنا حتى إذا كنا بالعقيق ببطن المسيل دون الشجرة، والشجرة يومئذ قائمة. قال: يا هلال إنى أجد صفة الشجرة فى كتاب الله. قلت: هذه الشجرة؟ قال: فنزلنا فصلينا تحتها ثم ركبنا حتى إذا استوينا على ظهر البيداء قال يا هلال: إنى أجد صفة البيداء، قلت: أنت عليها قال: والذى نفسى بيده إن فى كتاب الله جيشًا يؤمنون البيت الحرام فإذا استووا عليها نادى آخرهم أولهم: ارفقوا، فخسف بهم وبأمتعتهم وأموالهم وذرياتهم إلى يوم القيامة، ثم خرجنا حتى إذا انهبطت رواحلنا أدنى الروحاء قال: يا هلال إنى أجد صفة الروحاء. قال: قلت: الآن حين دخلنا الروحاء.

قال: وحدثنا أحمد بن عيسى، قال: حدثنا ابن عيسى، قال: وحدثنا عبد الله بن وهب، قال: وحدثنى ابن لهيعة، عن بشر بن محمد المعافرى، قال: سمعت أبا فراس يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: إذا أخسف الجيش بالبيداء، فهو علامة ظهور المهدى.

قلت: ولخروجه علامتان يأتى ذكرهما إن شاء الله تعالى.

فصل: قوله: ثم سكت هنية بضم الهاء وتشديد الياء أى مدة يسيرة بتصغير هنية، ويروى بهاءين. ورواه الطبرى هنيئة مهموز، وهو خطأ لا وجه له. فيه دلالة على صدق النبى صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عما سيكون بعد فكان. ومثله الحديث الآخر: (منعت العراق درهمها وقفيزها) الحديث. أى ستمنع، وأتى بلفظ الماضى فى الأخبار؛ لأنه ماض فى علم الله أنه سيكون كقوله عز من قائل {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1] والمعنى أنه لا يجىء إليها كما جاء مفسرًا فى هذا الحديث، ومعناه، والله أعلم، سيرجعون عن الطاعة ويأبون من إذا ما وظف عليهم فى أحد الأمر، وذلك أنهم يرتدون عن الإسلام، وعن أداء الجزية، ولم يكن ذلك فى زمانه، ولكن أخبر أنهم سيفعلون ذلك.

وقوله: (يحثى المال حثيًا) قال ابن الأنبارى: أعلى اللغتين حثا يحثى، وهو أصح وأفصح، ويقال: حثا يحثو ويحثى وأحث بكسر الثاء وضمها كلها لمعنى اغترف بيديك

 

أبو داود عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (يكون فى أمتى المهدى إن قصر فسبع وإلا فتسع، تنعم فيه أمتى نعمة لم يسمعوا بمثلها قط، تؤتى أكلها ولا تترك منهم شيئًا والمال يومئذ كرءوس، يقوم الرجل فيقول: يا مهدى، أعطنى، فيقول: خذ).

وخرج عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدى منى أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا فيملك سبع سنين).

وذكر عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن أبى هارون العبدى، عن معاوية بن قرة، عن أبى الصديق الناجى، عن أبى سعيد الخدرى قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلايا تصيب هذه الأمة، حتى لا يجد الرجل ملجأ إليه من الظلم، فيبعث الله رجلاً من عترتى - أهل بيتى - فيملأ 㶠ه الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدع السماء شيئًا من قطرها إلا صبته مدرارًا، ولا تدع الأرض من نباتها شيئًا إلا أخرجته، حتى تتمنى الأحياء أن لا موات. يعيش فى ذلك سبع سنين أو ثمانى سنين أو تسع سنين).

ويروى هذا من غير وجه عن أبى سعيد الخدرى وأبو داود.

وعن عبد الله عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم)، قال زائدة فى حديثه: (لطول الله ذلك اليوم، حتى يبعث فيه رجلاً من أمتى أو من أهل بيتى يواطئ اسمه اسمى، واسم أبيه اسم أبى). خرجه الترمذى بمعناه وقال: حديث حسن صحيح.

وفى حديث حذيفة الطويل مرفوعًا: (فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتى، تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام).

وخرج الترمذى، عن أبى سعيد الخدرى قال: خشينا أن يكون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم حدث فسألنا النبى صلى الله عليه وسلم قال: (إن فى أمتى المهدى، يخرج يعيش خمسًا أو سبعًا أو تسعًا)، زيد للشك، قلنا: وما ذاك؟ قال: (يجىء إليه الرجل فيقول: يا مهدى أعطنى فيحثى له فى ثوبه ما استطاع أن يحمله). قال: هذا حديث حسن.

وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث محمد ابن الحنفية، عن أبيه على رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المهدى منا أهل البيت، يصلحه الله عز وجل فى ليلة أو قال: فى يومين).

فصل: وقع فى كتاب الشهاب: (لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحًا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، ولا مهدى إلا عيسى ابن مريم).

قلت: خرجه ابن ماجه فى سننه، قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا محمد ابن إدريس الشافعى، قال: حدثنى محمد بن خالد الجندى، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزداد الأمر إلا شدة) فذكره. قال ابن ماجه لم يروه إلا الشافعى.

قال المؤلف رحمه الله: وخرجه أبو الحسن الآجرى، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن خالد البرذعى فى المسجد الحرام: حدثنا يونس بن عبد الأعلى المصرى فذكره. فقوله: (ولا مهدى إلا عيسى) يعارض أحاديث هذا الباب. فقيل: إن هذا الحافظ: والجندى هذا مجهول، واختلف عليه فى إسناده قتادة يرويه عن أبان بن صالح عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً مع ضعف أبان، وتارة يرويه عن أبان بن صالح عن الحسن عن النبى صلى الله عليه وسلم مرسلاً مع ضعف أبان، وتارة يرويه عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم بطوله، فهو منفرد به مجهول عن أبان وهو متروك عن الحسن منقطع والأحاديث عن النبى صلى الله عليه وسلم فى التنصيص على خروج المهدى من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم لها دونه.

قلت: ونور ضريحه، وذكر أبو الحسن على بن المفضل المقدسى شيخ أشياخنا محمد بن خالد الجندى، روى عن أبان بن صالح، عن الحسن البصرى.

وروى فيه الإمام ابن إدريس الشافعى، رضى الله عنه، وهو راوى حديث: (لا مهدى إلا عيسى ابن مريم) وهو مجهول، وقد وثقه يحيى بن معين روى له ابن ماجه.

قال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الأبرى السجزى: قد تواترت الأخبار، واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، يعنى: المهدى، وأنه من أهل بيته، وأنه سيملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، يخرج مع عيسى عليه السلام، فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى صلوات الله عليه يصلى خلفه فى طول من قصته وأمره.

قلت: ويحتمل أن يكون قوله عليه الصلاة والسلام: (ولا مهدى إلا عيسى) أى لا مهدى كاملاً معصومًا إلا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض.

* * *