باب ذكر ابن صياد, الدجال و اسمة صاف

مسلم عن محمد بن المنكدر قال: رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صياد: الدجال، فقلت له: أتحلف على ذلك؟! قال: إنى سمعت عمر يحلف بالله على ذلك عند النبى صلى الله عليه وسلم فلم ينكره النبى صلى الله عليه وسلم. وأخرجه أبو داود فى سننه.

وعن نافع قال: كان ابن عمر يقول: (والله ما أشك أن المسيح الدجال ابن صياد) أخرجه أبو داود وإسناده صحيح.

مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال: خرجنا حجاجًا أو عمارًا ومعنا ابن صياد، قال: فنزلنا منزلاً فتفرق الناس وبقيت أنا وهو، فاستوحشت منه وحشة شديدة مما يقال عليه، قال: وجاء بمتاعه فوضعه على متاعى، فقلت: إن الحر شديد فلو وضعته تحت تلك الشجرة، قال: ففعل، فرفعت لنا غنم فانطلق يعس، فقال: اشرب أبا سعيد، فقلت: إن الحر شديد واللبن حار، ما بى إلا أنى أكره أن أشرب عن يده، أو قال: آخذه عن يده، فقال: أبا سعيد من خفى عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خفى عنكم معشر الأنصار، ألست من أعلم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو كافر وأنا مسلم) أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل المدينة ولا مكة، فقد أقبلت من المدينة، وأنا بمكة) وفى رواية: وقد حججت؟ قال أبو سعيد: حتى كدت أنى أعذره، ثم قال: أما والله إنى لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن. قال: قلت: تبًا لك سائر اليوم، وفى رواية: قال أبو سعيد وقيل له: أيسرك أنك ذاك الرجل أى الدجال؟ قال: فقال: لو عرض علىَّ ما كرهت.

وعن ابن عمر قال: لقيت ابن صياد مرتين، فقلت لبعضهم: هل تحدثون أنه هو؟ قال: لا والله. قال: قلت: كذبتنى والله لقد أخبرنى بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالاً وولدًا، فكذلك هو زعموا اليوم، قال: فتحدثنا ثم فارقته قال: فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه، قال: فقلت: متى فعلت عينك ما أرى؟ قال: لا أدرى. قال: قلت: لا تدرى وهى فى رأسك. قال: إن شاء الله خلقها فى عصاك هذه، قال: فنخر كأشد نخير حمار سمعت، قال: فزعم بعض أصحابى أنى ضربته بعصا كانت معى حتى تكسرت، وأما أنا فوالله ما شعرت، قال: وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها فقالت: ما تريد إليه؟ ألم تعلم أنه قد قال: إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه؟.

وعنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بن كعب إلى النخل التى فيها ابن صياد حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل طفق يتقى بجذوع النخل وهو يخيل أن يسمع من ابن صياد شيئا قبل أن يراه ابن صياد، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراش فى قطيفة له، فيها زمزمة، فرأت أم ابن صياد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتقى بجذوع النخل فقالت لابن صياد: يا صاف وهو اسم ابن صياد، هذا محمد فثار ابن صياد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تركته بين).

وفى رواية: ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنى قد خبأت لك خبئا) فقال ابن صياد: هو الدخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اخسأ فلن تعدو قدرك)، فقال عمر بن الخطاب: ذرنى يا رسول الله أضرب عنقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكنه فلا خير فى قتله). وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: فقدنا ابن صياد يوم الحرة).

الترمذى عن أبى بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يمكث أبو الدجال وأمة ثلاثين عاما لا يولد لهما ولد، ثم يولد لهما ولد أعور أضر شىء وأقله منفعة تنام عينه ولا ينام قبله)، ثم نعت لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: (أبوه طوال ضرب اللحم كأن أنفه منقار، وأمه امرأة فرضاخية طويلة اليدين). قال أبو بكر: فسمعنا بمولود فى اليهود بالمدينة فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه، فإذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما فقلنا: هل لكما ولد؟ فقالا: مكثنا ثلاثين عامًا لا يولد لنا ولد، ثم ولد لنا غلام أعور، أضر شىء، وأقله منفعة تنام عيناه ولا ينام قلبه. قال: فخرجنا من عندهما، فإذا هو منجدل فى الشمس فى قطيفة وله همهمة فكشف عن رأسه فقال: ما قلتما؟ قلنا: وهل سمعت ما قلنا؟ قال: نعم تنام عيناى، ولا ينام قلبى. قال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.

قلت: خرجه أبو داود الطيالسى قال: حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن عبد الرحمن بن أبى بكرة عن أبيه.

وروى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن يهوديًا أتى النبى صلى الله عليه وسلم الحديث بطوله. وفى آخره: فأخبرنى عن الدجال، أمن ولد آدم هو أم من ولد إبليس؟ قال: (هو من ولد آدم لا أنه من ولد إبليس، وأنه على دينكم معشر اليهود) وذكر الحديث.

وقيل: إنه لم يولد بعد وسيولد فى آخر الزمان والأول أصح لما ذكرنا، وبالله توفيقنا.

وسيأتى لهذا الباب مزيد بيان فى أن الدجال ابن صياد، والله أعلم.

فصل: قال أبو سليمان الخطابى: وقد اختلف الناس فى أمر ابن صياد اختلافًا كثيرًا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول، وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعى النبوة كاذبًا ويتركه بالمدينة يساكنه فى داره ويجاوره فيها، وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك: اخسأ فلن تعدو قدرك.

قال أبو سليمان: والذى عندى أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه كتب بينه وبينهم كتابا وصالحهم فيه على أن لا يهاجروا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلا فى جملتهم وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب، فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره ويخبر شأنه فلما كلمه علم أنه معطل، وأنه من جملة السحرة والكهنة أو بمن يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان، فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قول الدخ زجره وقال: اخسأ ولن تعدو قدرك، يريد أن ذلك شىء ألقاه إليه الشيطان، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحى إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب فى بعضها ويخطىء فى بعض، وذلك معنى قوله: (يأتى صادق وكاذب). فقال له عند ذلك خلط عليك.

والحكمة فى أمره أنه كان فتنة امتحن الله بها عباده المؤمنين ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيى عن بينة، وقد امتحن الله قوم موسى فى زمانه بالعجل فافتتن به قوم وهلكوا، ونجا من هداه الله وعصمه منهم، وقد اختلف الروايات فى أمر ابن صياد فى ما كان من شأنه بعد كبره، فروى أنه تاب عن ذلك القول، ثم إنه مات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا عن وجهه حتى رآه الناس، وقيل لهم اشهدوا.

قال الشيخ: الصحيح خلاف هذا لحلف جابر وعمر أن ابن صياد الدجال. وروى أن أبا ذر كان يقول: هو الدجال، وروى ذلك عن ابن عمر، وقال جابر: فقدناه يوم الحرة هذا وما كان مثله يخالف، رواية من روى أنه مات بالمدينة، والله أعلم.

 * * *