يأجوج و مأجوج
وبيان قوله تعالى:
{فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء}ابن ماجه عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن يأجوج ومأجوج يحفران كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذى عليهم: ارجعوا فستحفرونه غدًا، فيعيده الله أشد ما كان، حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال: ارجعوا فستحفرونه غدا إن شاء، فيرجعون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم فى حصونهم فيرمون سهامهم إلى السماء فيرجع إليها الدم، الذى أحفظ فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا فى أقفائهم، فيقتلهم). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذى نفسى بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرًا من كثرة ما تأكل من لحومهم).قال الجوهرى: شكرت الناقة تشكر شكرًا فهى شكرة، واشتكر الضرع امتلأ لبنًا.
قال كعب الأحبار: إن يأجوج ومأجوج ينقرون بمناقرهم السد حتى إذا كادوا أن يخرجوا قالوا: نرجع إليه غدا وقد عاد كما كان، فإذا بلغ الأمر ألقى على بعض أن يقولوا نرجع إن شاء الله غدًا فنفرغ منه، قال: فيرجعون إليه وهو كما تركوه فيخرقونه ويخرجونه، فيأتى أولهم البحيرة فيشربون ما فيها من ماء، ويأتى أوسطهم عليها فيلحسون ما كان فيها من طين، ويأتى آخرهم فيقولون: قد كان هاهنا ماء ثم يرمون بنبالهم نحو السماء: فيقولون: قد قهرنا من فى الأرض وظهرنا على من فى السماء.
قال: فيصب الله عليهم دواب يقال له النغف، فيأخذ فى أقفائهم فيقتلهم النغف حتى تنتن الأرض من ريحهم، ثم يبعث الله عليهم، طيرًا فتنتقل أبدانهم إلى البحر فيرسل الله السماء أربعين، فتنبت الأرض حتى إن الرمانة لتشبع السكن. قيل لكعب: وما السكن؟ قال: أهل البيت. قال: ثم يسمعون الصيحة.
وخرج ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(يفتح يأجوج ومأجوج فيخرجون كما قال الله تعالى: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96]، فيعمون الأرض، وينحاز منهم المسلمون حتى يصير بقية المسلمين فى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم حتى إنهم ليمرون بالنهر فيشربون حتى ما يذروا فيه شيئًا، فيمر آخرهم على أثرهم فيقول قائلهم: لقد كان بهذا المكان مرة ماء، ويظهرون على الأرض فيقول قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم لننازلن أهل السماء، حتى إن أحدهم ليهز حربته إلى السماء فترجع مخضبة بالدم، فيقولون: قد قتلنا أهل السماء فبينما هم كذلك إذ بعث الله عليهم دواب كنغف الجراد، فتأخذ بأعناقهم فيموتون موت الجراد يركب بعضهم بعضًا، فيصبح المسلمون لا يسمعون لهم حسًا. فيقولون: هل من رجل يشترى نفسه وينظر ما فعلوا؟ فينزل إليهم رجل قد وطن نفسه على أن يقتلوه فيجدهم موتى، فيناديهم: ألا أبشروا فقد هلك عدوكم فيخرج الناس، ويخلون سبيل مواشيهم فما يكون لهم مرعى إلا لحومهم، فتشكر عليها كأحسن ما شكرت من نبات أصابته قط).وخرج ابن ماجه أيضًا وأبو بكر بن أبى شيبة واللفظ لابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود قال: لما كان ليلة أسرى برسول الله صلى الله عليه وسلم لقى إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فتذكروا الساعة فبدءوا بإبراهيم فسألوه عنها فلم يكن عنده علم منها، ثم سألوا موسى فلم يكن عنده علم منها، فردوا الحديث إلى عيسى قال: قد عهد إلىَّ فيما دون وجبتها، فأما وجبتها فلا يعلمها إلا الله، فذكروا خروج الدجال، قال: فأنزل إليه فأقتله فيرجع الناس إلى بلادهم فيستقبلهم يأجوج
{وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96] فلا يمرون بماء إلا شربوه، ولا شىء إلا أفسدوه، فيجأرون إلى الله فأدعو الله أن يميتهم فتنتن الأرض من ريحهم فيجأرون إلى الله فأدعو الله فيرسل السماء فتحملهم فتلقيهم فى البحر، ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم فعهد إلىّ إذا كان ذلك كانت الساعة من الناس كالحامل التى لا يدرى أهلها متى تعجلهم بولادتها. قال ابن أبى شيبة: ليلاً أو نهارًا.قال أبو العوام: ووجه تصديق ذلك فى كتاب الله تعالى:
{حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96].وروى عن عمرو بن العاص قال: إن يأجوج ومأجوج ذرء جهنم، ليس فيهم صديق، وهم على ثلاثة أصناف: على طول الشبر، وعلى طول الشبرين، وثلث منهم طوله وعرضه سواء، وهم من ولد يافث بن نوح عليه السلام.
وروى عن عطية بن حسان أنه قال: يأجوج ومأجوج أمتان فى كل أمة أربعمائة ألف ليس منها أمة تشبه بعضها بعضًا.
وروى عن الأوزاعى أنه قال: الأرض سبعة أجزاء، فستة أجزاء منها: يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.
وروى عن قتادة أنه قال: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ يعنى الجزء الذى فيه سائر الخلق غير يأجوج ومأجوج، فاثنا عشر للهند والسند، وثمانية آلاف للصين، وثلاثة آلاف للروم، وألف فرسخ للعرب.
وذكر على بن معبد، عن أشعث، عن شعبة، عن أرطأة بن المنذر قال: إذا خرج يأجوج ومأجوج أوحى الله تبارك وتعالى إلى عيسى عليه السلام أنى قد أخرجت خلقا من خلقى لا يطيقهم أحد غيرى، فمر بمن معك إلى جبل الطور ومعه من الذرارى اثنا عشر ألفًا، قال: يأجوج ومأجوج ذرء فى جهنم، وهم على ثلاثة أثلاث: ثلث على طول الأرز، وثلث مربع طوله وعرضه واحد، وهم أشد، وثلث يفترش إحدى أذنيه، ويلتحف بالأخرى، وهم من ولد يافث بن نوح.
ويروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(يأجوج أمة لها أربعمائة أمير، وكذلك مأجوج لا يموت أحدهم حتى ينظر إلى ألف فارس من ولده، صنف منهم كالأرز، وصنف منهم طوله مائة وعشرون ذراعًا، وصنف يفترش أذنه ويلتحف بالأخرى، لا يمرون بفيل ولا خنزير إلا أكلوه ويأكلون من مات منهم، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان، يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية، فيمنعهم الله من مكة والمدينة وبيت المقدس).ويروى أنهم يأكلون جميع حشرات الأرض من الحيات والعقارب وكل ذى روح مما خلق الله فى الأرض، وليس لله خلق ينمو كنمائهم فى العام الواحد، ولا يزداد كزيادتهم ولا يكثر ككثرهم، ويتداعون تداعى الحمام، ويعوون عواء الكلاب، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا.
(صح أصله فى كتاب القصد والأمم فى أنساب العرب والعجم). قال: ومنهم من له قرن وذنب وأنياب بارزة يأكلون اللحوم نية.وقال كعب الأحبار: خلق الله يأجوج ومأجوج على ثلاثة أصناف: صنف أجسامهم كالأرز، وصنف أربعة أذرع طولا وأربعة أذرع عرضًا، وصنف يفترشون آذانهم ويلتحفون بالأخرى فيأكلون مشائم نسائهم ذكره أبو نعيم الحافظ وذكره عبد الملك بن حبيب أنه قال فى قول الله عز وجل فى قصة ذى القرنين:
{فأتبع سببا} [الكهف: 85] يعنى منازل الأرض ومعاليها وطرقها {حتى إذا بلغ بين السدين} [الكهف: 93]، يعنى الجبلين اللذين خلفهم يأجوج ومأجوج، {وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً} [الكهف: 93]، أى كلامًا {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون فى الأرض} [الكهف: 94].قال عبد الملك: وهما أمتان من ولد يافث بن نوح مد الله لهما فى العمر، وأكثر لهما فى النسل، حتى ما يموت الرجل من يأجوج ومأجوج حتى يولد له ألف ولد، فولد آدم كلهم عشرة أجزاء: يأجوج ومأجوج منهم تسعة أجزاء، وسائر ولده كلهم جزء واحد.
قال عبد الملك: كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرض القوم الذين هم قريب منهم، فلا يدعون لهم شيئًا إذا كان أخضر إلا أكلوه ولا يابسًا إلا حملوه، فقال أهل تلك الأرض لذى القرنين:
{فهل نجعل لك خرجًا} يعنى جعلاً {على أن تجعل بيننا وبينهم سدًا} [الكهف: 94] {قال ما مكنى فيه ربى خير من جعلكم} ولكن، {فأعينونى بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما} [الكهف: 95] قالوا له: وما تريد؟ قال: {آتونى زبر الحديد} [الكهف: 96] أى قطع الحديد فوضع بعضها على بعض كهيئة البناء فيما بين السدين وهما جبلان {حتى إذا ساوى بن الصدفين} [الكهف: 96] يعنى جانبى الجبلين {قال انفخوا} أى أوقدوا {حتى إذا جعله نارا قال آتونى أفرغ عليه قطرًا فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا} [الكهف: 96، 97] أى من تحته. وقال عبد الملك فى قوله: {أفرغ عليه قطرا} يعنى نحاسًا ليلتصق، فأفرغه عليه فدخل بعضه فى بعض، قال: {فإذا جاء وعد ربى جعله دكاء} [الكهف: 98].وفى تفسير الحوفى أبى الحسن: أن ذا القرنين لما عاين ذلك منهم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وهو فى منقطع الترك مما يلى مشرق الشمس، فوجد بعد ما بينهما مائة فرسخ، فلما أنشأ فى عمله حفر له أساسا، حتى إذا بلغ الماء جعل عرضه خمسين فرسخًا، وجل حشوه الصخور وطينه النحاس يذاب ثم يصب عليه، فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثم علاه وصرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب، وجعل خلاله عرقا من نحاس فصار كأنه برد محبر من صفرة النحاس وحمرته وسواد الحديد، فلما فرع منه وأحكمه انطلق عائدًا إلى جماعة الإنس والجن. انتهى كلام الحوفى.
وعن على رضى الله عنه قال: وصنف منهم طول شبر، لهم مخالب وأنياب كالسباغ، وتداعى الحمام، وتسافد البهائم، وعواء الذئب، وشعور تقيهم الحر والبرد وآذان عظام إحداهما وبرة يشتون فيها، والأخرى جلدة يصيفون فيها.
وعن ابن عباس رضى الله عنه قال: الأرض ستة أجزاء، فخمسة أجزاء يأجوج ومأجوج، وجزء فيه سائر الخلق.
وقال كعب الأحبار: احتلم آدم عليه السلام فاختلط ماؤه بالتراب فأسف فخلقوا من ذلك. قال علماؤنا: وهذا فيه نظر لأن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لا يحتلمون.
وقال الضحاك: هم من الترك.
وقال مقاتل: هم من ولد يافث بن نوح، وهذا أشبه كما تقدم، والله أعلم.
وقرأ عاصم يأجوج ومأجوج بالهمزة فيهما، وكذلك فى الأنبياء على أنهما مشتقان من أجة الحر وهى شدته وتوقده، ومنه أجيج النار. ومن قولهم: ملح أجاج فيكونان عربيين من أج ومج ولم يصرفا لأنهما جعلا اسمين فهما مؤنثتان معروفتان، والباقون بغير همز جعلوهما لقبيلتين أعجميتين، ولم يصرفا للعجمة والتعريف.
* * *