لا تقوم الساعة حتى لا يقال لا الة الا اللة فى الارض

مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى لا يقال فى الأرض: الله الله).

وفى رواية أخرى: (لا تقوم الساعة على أحد يقول: الله الله).

فصل: قال علماؤنا رحمة الله عليهم: قيد الله برفع الهاء ونصبها، فمن رفعها فمعناه ذهاب التوحيد، ومن نصبها فمعناه انقطاع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. أى: لا تقوم الساعة على أحد يقول: اتق الله.

قال المؤلف رحمه الله: ويدل على صحة هذا التأويل قوله عليه الصلاة والسلام فى حديث حذيفة: (لتقصدنكم نار هى خامدة) الحديث، وفيه: هم شر من الحمر يتسافدون تسافد البهائم، وليس فيهم رجل تقول: مه، مه، وقد قيل: إن هذا الاسم أجراه الله على ألسنة الأمم من لدن آدم عليه السلام ولم تنكره أمة بل هو دائر على ألسنتهم من عهد أبيهم إلى انقضاء الدنيا، وقد قال قوم نوح: {ولو شاء الله لأنزل ملائكة} [المؤمنون: 24] لآية، وقال قوم هود: {أجئتنا لنعبد الله وحده} [الأعراف: 70]، {إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا} [المؤمنون: 38] إلى غير ذلك، وقال: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] فإذا أراد الله زوال الدنيا قبض أرواح المؤمنين وانتزع هذا الاسم من ألسنة الجاحدين وفاجأهم عند ذلك الحق اليقين، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة وعلى الأرض من يقول: الله).

وفى الخبر: إن الله تعالى يقول لإسرافيل عليه السلام: إذا سمعت قائلاً يقول: لا إله إلا الله فأخر النفخة أربعين سنة إكرامًا لقائلها. والله أعلم.

مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهدى قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق وهم شر من أهل الجاهلية لا يدعون الله بشىء إلا رده عليهم، فبينما هم كذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له ابن شماسة يا عقبة: اسمع ما يقول عبد الله، فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تزال عصابة من أمتى يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك) فقال عبد الله: أجل: (ثم يبعث الله ريحًا كريح المسك مسها كمس الحرير لا تترك نفسًا فى مثقال حبة من إيمان إلا قبضتها ثم تبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة).

وفى حديث عبد الله بن مسعود: (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، من لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا، يتهارجون كما تتهارج الحمر).

قال الأصمعى: قوله: يتهارجون يقول: يتسافدون يقال: بات فلان يهرجها، والهرج فى غير هذا: الاختلاط والقتل.

وخرج مسلم، عن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تذهب الليالى والأيام حتى تعبد اللات والعزى)، فقلت: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: {هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} [التوبة: 33] أن ذلك عام. قال: (إنه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحًا طيبة، فتتوفى فى كل من كان فى قلبه مثقال حبة من إيمان، فيبقى من لا خير فيرجعون إلى دين آبائهم) والله أعلم.

فصل: ذكر أبو الحسن بن بطال رحمه الله فى حديث فى شرح البخارى له مبينًا لحديث البخارى عن أبى هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذى الخلصة) وقد تقدم، وقال: هذه الأحاديث وما جاء فيها معناها الخصوص، وليس المراد بها أن الدين كله ينقطع كله فى جميع أقطار حتى لا يبقى منه شىء، لأنه قد ثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم: (أن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة إلا أنه يضعف ويعود غريبا كما بدأ).

روى حماد بن سلمة، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتى يقاتلون على الحق حتى يقاتل آخرهم المسيخ الدجال) وكان مطرف يقول: هم أهل الشام.

قلت: ما ذكره من أن الدين لا ينقطع، وأن الإسلام يبقى إلى قيام الساعة يرده حديث عائشة وعبد الله بن عمرو، وما ذكره من حديث عمران بن حصين وقد تقدم أن عيسى عليه السلام يقتل الدجال ويخرج يأجوج ومأجوج ويموتون، ويبقى عيسى عليه الصلاة والسلام ودين الإسلام، لا يعبد فى الأرض غير الله كما تقدم، وأنه يحج ويحج معه أصحاب الكهف فيما ذكره المفسرون، وقد تقدم أنهم حواريوه إذا نزل، فإذا توفى عيسى عليه السلام بعث الله تعالى عند ذلك ريحًا باردة من قبل الشام، فتأخذ تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة، كذا فى حديث النواس بن سمعان الطويل، وقد تقدم.

وفى حديث عبد الله بن عمرو: ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد فى قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته، حتى لو دخل أحدكم فى كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه، قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. وقد تقدم بكماله. وفيه ذكر النفخ والصعق والبعث، فهذا غاية فى البيان فى كيفية انقراض هذا الخلق وهذه الأزمان، فلا تقوم الساعة وفى الأرض من يعرف الله ولا من يقول: الله الله.

ذكر أبو نعيم عن أبى الزهراية، عن كعب الأحبار قال: يمكث الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج فى الرخاء والخصب والدعة عشر سنين، حتى إن الرجلين ليحملان الرمانة الواحدة بينهما، ويحملان العنقود الواحد من العنب، فيمكثون على ذلك عشر سنين ثم يبعث الله ريحًا فلا تدع مؤمنًا إلا قبضت روحه، ثم تبقى الناس بعد ذلك يتهارجون تهارج الحمر فى المروج حتى يأتيهم أمر الله والساعة وهم على ذلك.

* * *

نسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يتوفانا مسلمين،

وأن يلحقنا بالشهداء والصالحين، وأن يجعلنا من عباده المتقين الفائزين،

ويجعل ما كتبته خالصًا لوجهه الكريم، بمنه وكرمه، وأن ينفعنا به ووالدينا،

وغفر الله لصاحب هذا الكتاب، لوالديه، ولسائر المسلمين أجمعين.

آمين يا رب العالمين

تم الكتاب وربنا محمود وعلـــى النـــبى محمـــد صلــواته وله المكارم والعلا والجود مـا نــاح قمـــرى وأورق عـــود

ووافق الفراغ من نسخه، فى منتصف شهر رمضان المعظم قدره، من شهور سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة. على يد أقل عباد الله وأحوجهم إلى لطفه الخفى: الحسن بن على بن منصور بن ناصر الحنفى. غفر الله له ولوالديه، ولمن قرأ فيه، ودعا له بالتوبة النصوح، والمغفرة والرحمة يا رب العالمين، ولسائر المسلمين أجمعين، وصلى الله على سيدنا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا. حسبنا الله ونعم الوكيل.