عـدنان الصائغ

الشاعر العراقي عدنان الصائغ


الحلاج


أصعدني الحلاجُ إلى أعلى تلٍّ

في بغداد

وأراني كلَّ مآذنها

ومعابدها

وكنائسها ذات الأجراسْ

وأشار إلي :

- أحصِ

كم دعوات حرّى تتصاعد يومياً من أعماقِ الناسْ

لكن لا أحداً

حاولَ أن يصعدَ

في معناهُ إلى رؤياهُ

كي يوقظَهُ

ويريهِ..

ما عاثَ طغاةُ الأرضِ

وما اشتطَّ الفقهاءُ

وما فعلَ الحراسْ

 

10/8/1996 بيروت


رقعة وطن

ارتبكَ الملكُ

وهو يرى جنودَهُ محاصرين

من كلِّ الجهاتِ

والمدافعَ الثقيلةَ تدّكُ قلاعَ القصرِ

صرخ :

-      أين أفراسي؟

- فطستْ يا مولاي

- أين وزيرُ الدولة

- فرَّ مع زوجتكَ يا سيدي في أولِ المعركةِ

تنحنحَ الملكُ مُعدّلاً تاجهُ الذهبي

وعلى شفتيه ابتسامةٌ دبقةٌ :

-      ولكن أين شعبي الطيب؟

لمْ أعدْ اسمعه منذ سنينٍ

فأنفجرَ الواقفون على جانبي الرقعةِ بالضحكِ

- لقد تأخرتَ يا سيدي في تذكّرنِا

ولم يبقَ لنا سوى أن نصفّقَ للمنتصرِ الجديد

تموز 1997 باحة قصر هاملت – الدنمارك


أبواب

أطرقُ باباً

أفتحهُ

لا أبصر إلا نفسي باباً

أفتحهُ

أدخلُ

لا شيء سوى بابٍ آخر

يا ربي

كمْ باباً يفصلني عني

1/12/1998 مالمو


حنين


لي بظلِ النخيل بلادٌ مسوّرةٌ بالبنادق

كيف الوصولُ إليها

وقد بعد الدربُ ما بيننا والعتابْ

وكيف أرى الصحبَ

مَنْ غُيّبوا في الزنازين

أو كرّشوا في الموازين

أو سُلّموا للترابْ

انها محنةٌ - بعد عشرين -

أنْ تبصرَ الجسرَ غيرَ الذي قد عبرتَ

السماواتِ غيرَ السماواتِ

والناسَ مسكونةً بالغيابْ

3/12/1996 بودن – جنوب القطب


  حيرة


قال أبي:

لا تقصصْ رؤياكَ على أحدٍ

فالشارعُ ملغومٌ بالآذانْ

كلُّ أذنٍ

يربطها سلكٌ سرّيٌ بالأخرى

                 حتى تصلَ السلطانْ

10/3/1996 دمشق


  عابرة

 

أكونُ لكِ الجسرَ

هل كنتِ لي نزهةً في أقاصي القصيدة…؟

أكنتِ ترين الأصابعَ – إذ تتشابكُ –

                     سلّمَكِ الحجريَّ… إلى المجدِ

أحني دمي، كي تمرَّ أغانيكِ، من ثقبِ قلبي

إلى مصعدِ الشقةِ الفارهةْ

وأختارُ لي ركنَ بارٍ

لأرقبَ في طفحِ الكأسِ ضحكتَكِ العسليةَ

       في الحفلِ،… في آخرِ الذكرياتِ

تسيلُ على الطاولاتِ

فتشربها الأعينُ القاحلةْ

فأقنعُ نفسي:

بأن المسافاتِ كذبُ خطى

       والصداقاتِ كذبٌ أنيقٌ

         والنساءَ الجميلاتِ… تكرارُ آهْ

26/6/1992 النجف


  بريد القنابل

 

أنتِ لا تفهمين إذنْ

رجلٌ في كتابْ

سوف يعبرُ مبنى الجريدةِ، شعرُكِ هذا الصباح

فيشغلني عن دوارِ القصيدةْ

أتأملُ فوضاكِ من فتحةٍ في القميصِ

وفوضاي في الورق

سيمرُّ بي العطرُ

يأخذني لتفاصيل جسمكِ

                       أو لتفاصيلِ حزني

من سيرتّبُ هذا الصباحَ القَلِقْ

الفناجينُ باردةٌ كالصداقاتِ

والحربُ تعلكُ أيامنا

وأنا في انتظارِ الندمْ

اقلبي الصفحةَ الآنَ

برجُكِ تشغلهُ الوفياتُ

وبرجي تملؤهُ الطائراتُ

.....................

.....................

أنتِ لو تفهمين إذن

كيف تجمعني الحربُ في طلقةٍ

ثم تنثرني في شظايا المدنْ

اقلبي الصفحةَ الآنَ

لا وقتَ..

إنَّ القنابلَ

       تقتسمُ الأصدقاءْ

1988 بغداد


  تكوينات

 

أجلس أمام النافذة

أخيطُ شارعاً بشارع

وأقول متى أصلكِ


العصفورُ يصدح

داخل قفصه

أنا أرنو إليه

وكذلك قطة البيت

كلانا يفترسُ أيامه


كم عيناً فقأتَ

أيها المدفعي

لتضيء على كتفيك

               كلُّ هذه النجوم


منطرحاً على السفح

يسألُ :

هل من شاغر في القمة ؟


لا تقطف الوردةَ

انظرْ ...

كم هي مزهوة بحياتها القصيرة


كلما كتب رسالة

إلى الوطن

أعادها إليه ساعي البريد

لخطأ في العنوان


للفارس في الحفل

 وسام النصر

وللقتلى في الميدان

غبارُ التصفيق

وللفرس في الإسطبل

سطلٌ من شعير


لكثرة ما جاب منافي العالم

كان يمرّ منحنياً

كمن يتأبط وطناً


حين طردوه من الحانة

بعد منتصف الليل

عاد إلى بيتهِ

أغلق الباب

لكنه نسي نفسه في الخارج


أكلُّ هذه الثورات

التي قام بها البحرُ

ولم يعتقله أحد


أعرف الحياةَ

من قفاها

لكثرة ما أدارت لي وجهها


تنطفيء الشمعةُ

واشتعلُ بجسدكِ

ما من أحدٍ يحتفل بالظلام


تجلس في المكتبة

فاتحةً ساقيها

وأنا أقرأ .. ما بين السطور


بين أصابعنا المتشابكة

على الطاولة

كثيراً ما ينسجُ العنكبوتُ

خيوطَ وحدتي


على جلد الجواد الرابح

ينحدر عرق الأيام الخاسرة


رسام 

قبل أن يكملَ رسمَ القفص

فرّ العصفور

من اللوحة


  سهم

لحظة الانعتاق الخاطفة

بماذا يفكرُ السهم

بالفريسة

أم ...

بالحرية


  غياب

رسمَ بلاداً

على شرشف الطاولة

وملأها بالبيوت المضيئة والجسور والأشجار والقطط

قطعَ تذكرةً

وسافرَ إليها

     محمّلاً بحقائبه وأطفالهِ

لكن رجالَ الجمارك

أيقظوهُ عند الحدودِ

فرأى نادلَ البار

يهزهُ بعنفٍ:

إلى أين تهربُ بأحلامك

ولم تدفعْ فاتورةَ الحسابْ