صـــهـــــــيـــل القــــصـــــــــــــــائد 

وكالة آرس 
للبحوث والنشر 


الشاعر
حســن الســـبع

  الرئيسة
HOME PAGE
   

حسن السبع

الشاعــر السعــودي المعــروف حـســن السبــع  

شاعر سعودي معروف   

حديقة الزمن الآتي  

 

كيفَ تبدأ هذا الصباحَ
إذا داهمتك على ضفتيه المواعيدُ باسقة كنخيل الفراتْ والمتاريس مثل رمال النفود
التي تئد الرغباتْ والصغيرةُ تهفو وتحتال في مقلتيها من الوجدِ
حمحمةٌ .. وصهيلْ والهوى قاتلٌ وقتيلْ

الصغيرةُ تهو وتحتال

لكنهم توَّجوها الترددَ كيما يباغتها

العيُّ والحصرُ في لحظات الحنينْ

علمَّوها التكتمَ في المهدِ

كيما يرافقها كالقرينْ

لقّنوها دعاءَ السكوتْ

وبنوا طللاً واهياً حول أحلامها

هندسته يدُ العنكبوتْ

ثمّ مدوا بساطاً من الليلِ والويلِ

وانتظروا كي تموتْ

 

أتمازحها ..

أم تصارحها بالذي يكنز القلبُ

تختصر الثرثراتْ

أم تطارحها الوجدَ حتى انفجار الخيال ْ؟

هل تضج إذا ما اقتحمتَ البراءةَ

في مقلتيها .. وقلت الذي لا يقالْ  ..

أم ستنساب حقلاً من المكر والبرتقالْ ؟

 

الصغيرة غامضةٌ كالفيافي التي ترتدي الليلَ

أو ترتدي الويلَ

من أين تبدأ ْ ؟

كيف ترسم بالشوقِ

فجراً

ونهراً

ومرفأ

 

كيف تبدأ هذا الصباح

إذا طفلة نكثتْ غزْلهَا

ثم ألقتْ ضفائرها للرياحْ

وارتَدَتْ حلةً من حرير الأقاحْ..

وأفاضتْ إلى بائع الياسمين ..

منحته التحيةَ :

“ عِمْتَ صباحاً ”

ومرَّتْ على القلبِ

هذا الرصيف المباحْ

كيف تبدأ

لو أنها عند  (كشْك ) الحوائج مرّتْ لتختار

شمعاً .. وعطراً .. وبعض الأغاني الجديدةْ

ووروداً .. ونوّاسةً .. وجريدهْ

لو تحرَّشَ بالشالِ وهي تمرُّ تثني

الغصونْ

والندى والجنونْ

أو تحرَّشَ بالشال وهي تمرُّ الهواءُ الطليقْ

والمدى .. وزحامُ الطريقْ  ..

 

كيف تبدأ ..

لو أنها في المساء

تمادتْ قليلاً .. قليلاً ..

أوقدتْ شمعتين و ( موتزارت )

وانتظرَتْ ..

ثم تسلل من كوةِ الغرفةِ الصغيرةِ نجمٌ

يقاسمها مرحَ الوقتِ والانتشاءْ  

لو حديقةُ منزلِها غادرتها المساحةُ ثانيةً

فأتت تطرقُ البابَ

قيل لها : أدخلي ..

دخَلَتْ ..

وترامتْ كما ينبغي للحديقةِ أن تترامى ..

 

الصغيرة والسحر والماء والوشوشات التي

يصنع الفجرُ بين يديك ..

لو أتيح لك ـ الآن ـ أن تدخل الحديقة

كي تشهدَ المعجزاتِ الصغيرةَ

تُتْلى عليكْ

 

كيف تبدأ هذا المساء المليء

لَوَ أن المليحةَ فكّتْ لجامَ المسافاتِ وانْهَمَرَتْ

كجنونِ السيولْ

كالينابيعِ دفّاقة بالحقولْ

قَطَفَتْ زهرةَ البوحِ وانتشرَتْ

في بهاءِ الحديقةْ

حلماً عارياً كالمدى ..

                       كالحقيقةْ ..

 

الحديقةُ تصغر حتى تصيرَ

كركنٍ صغيرٍ بمقهى :

نادلٌ .. شمعةٌ ..

وباقةُ وردٍ .. وأغنيةٌ ..

ورفيقةْ ..

وبهار ..  وزيت .. وملحٌ

وقائمةُ الأكلِ

والثرثراتُ الطليقةْ ..

 

كلُّ شيء ، هنا ، معنا

كل شيءٍ ، هنا ، يتآمر من أجلنِا ..

والفضولُ يؤجج فيكَ السؤالْ ..

أيَّ شيء ٍتخبئ  هذي الحقيبة

يا وردةَ الوقتِ غيرَ الخيالْ :

بوحَ عطرٍ وتبغٍ  ..

ومشبكَ شعرٍ .. وشالْ

ثم أي الزوايا سنختار كي يبدأ العمرُ

وأيُّ الزوايا تروق لعينيك كي نستهلَ

انعتاقَ الطفولةْ

أيَّ جذعٍ من النخلِ سوف نهزُّ لكي

يرسمَ الربيعُ المصفَّى حقولهْ ؟

 

سأهز خيالَكِ

هذا النعيم الذي لم يحلِّقْ به نورسٌ بعدُ

حتى يصيرَ فضاء ينِ

أهزُّ خيالك كي تورقَ الأبجديةُ

في شفةِ الكَرْمِ .. كي نتكلمْ  ..

 

تترامى الوريقات خضراءَ

حتى حدودِ الفواكهِ يانعةً وقريبةْ

فترى الشرقَ  ـ مزرعةَ الروحِ

يمتد من مقلتيها

إلى غسقِ الفجرِ في قندهارْ

وترى في الحديقةِ وعْدَ النهارْ

وتصير كميناً من الضوءِ  والانتظارْ

 

ـ  أين ستنصب خيمتَك الآن ؟

ـ عند انهمارِ سمرقند !!

ـ لا بأس .. عند انهمارِ سمرقندَ

تاجِ الجهاتْ

 

وتأتي سمرقندُ مشرعةَ القلبِ

ريَّانةَ الروحِ تتلو عليك مفاتنها

أبنوساً وتوتاً لكل الفصولْ

المقاهي ، الدروب ، الأزقة ،

والنمنماتُ تشكل أفْقَ المدينة ..

والمدينة حبلى وغامضةٌ مثل غابة

 

وهي والصدُّ صِنوان يحترفان المسافةَ

ويقترفان المنافي

ولها في المساء حريقانِ يتقدانْ  :

أكؤسٌ وصبايا ودندنةٌ ودنانْ

فاقتحمْ من بياض التضاريسِ ما شئتَ

ثم انتخبْ لملامحِ وجهك أصفى المرايا

وتسكّع بأرجائها والزوايا

…………

وضعْ وجهكَ المتشردَ على صدغِها الوردي

وتسكّعْ في أرجائِها الزاهية

واصنعْ من جنونك سلماً يأخذك إلى شرفاتِ الكواعب

ومن انفلاتكَ زورقاً إلى لآلئها العصية

وإذا داعبتكَ هبَّاتُ ( النيروز ) فتماسك

كي لا تقع مغشياً عليك !

…………

الحديقة تكبرُ .. تكبرُ ..

حتى تصيرَ فضاءً  لبوحٍ اليمامْ

والصغيرة تنمو .. لتصبحَ حقلاً من المفرداتْ

يا صغيرةُ هل تعشقينَ الكلامْ

الكلام الذي يمنح المكانَ أناقتَهُ،

زجاجَ النوافذِ هذا الصفاءْ

وشفيفَ الهواءِ تعثّرَه اللبنيَّ

على هفهفاتِ الستائرْ

الكلام الذي يمنح المقاعدَ رقتَّهَا

والمناديلَ ثرثرةَ النمنماتِ،

والشمعدانَ انتشاءً يبعثرُ

ليلَ الضفائرْ

الكلام الذي يبعث الدفءَ

في مرمر الغرفةِ الصغيرةِ

في المزهريةِ

في المشجبِ القريبِ من البابِ

حيث يثرثر ثلجُ ينايرْ

الكلام الذي يجعل المكانَ زماناً

والزمانَ ربيعاً وحقلاً وسربَ يمامْ

يا صغيرةُ  ..  يا رفّةَ الفجرِ

هل تعشقين الكلامْ ؟

الحديقة تصغر حتى تصير كقمرة هاتف

هاتف يرن ليستدرجَ الأذنَ

والأذن تعشق

والعينُ

والحدسُ

كالنهر يسكب

والروح دلتا الجمالِ المعارة

وتصغر حتى تصير بحجم البطاقة

يرسلها الراحلون

المقيمون في القلب

تصغر حتى تضيق العبارةْ

 

من سحابِ المداعةِ .. من مطرِ الوقتِ .. من لثغةِ الظّل

والضوءِ .. من ثرثرات الأباريقِ ..

من وهمنا المستبدِ مساءً ..

أو وهمِنا المستباحِ صباحاً ..

مني ومنها .. لجأت إلى لغةِ تتهجى :

س

مَ

 رْ

قَ
نْ

دْ

في المآقي الجريئةِ كل الوعودِ التي هيأت موسماً للحصادْ ..

 

كان ( ليُّ المداعةِ ) بين الأناملِ أرجوحةً للهوى والتواصلْ

أو .. قل مزاجاً من الوردِ مختلطاً برحيقِ سَمَرْقَنْدَ في لهوهِا

السُّكَّري ..

المساءُ أصطفى من (سمر .. قند) أسماءَ ه

والقصيدةُ ممزوجةّ بسحابِ المداعةِ  تهفو لإيقاعها

العذب عند الربي وائتلاق العيون ..

وغديرُ من الشوق يغمرني ثم يهدرُ .. 

أو .. قل : يكركرُ ما ء .. وضحكاً .. وبوح جنونْ ..

 

من سحاب المداعة تنساب هذي المدينة ..

تصبح نهراً من الأبنوسِ

أو .. قل : سمرقند تختال تعبر مثل احتمال إلى ضفة القلب

أو .. قل : سمرقند  هذي التي كلما خطرتْ أو تثنتْ

تكسر فيك الزمرّدُ والصبر ..

 

أنتما والخيال مساءان يقترفان الكلامْ

لغة تتراكم كالسُّحْبِ .. أو كالحقول الخصيبةِ في قلب آسيا ..

أو كالخريف الذي يتساقط كي يرحلَ التوتُ

هذا الحصار القديمْ

 

ربما ..

ربما كنتَ ، من سورة الحزن ، تحلمْ

ربما كنتَ شاعراً يتوهمْ

يمتطي صهوة الخيال المطهمْ

ولكنها قد تدك "السياج" وتأتي

قد تشيد بالوهم جسراً

إلى مدار الحقيقةْ

وتراوغ سور الحديقةْ

وتفك أسار شذاها المكبَّل

ثم تقطف من شفتيك الهوى

     والسفرجلْ

          والمنى

                والكلام المؤجّلْ
 

عصفورة التعب

 

 

 أتيتُ  أقـرأ فصلَ  الصمتِ  في  لغـتي

حطَّتْ  على  شفتي  عصفورةُ   التـعبِ

يدنو  بـها سببٌ .. 

ينأى بـها سببٌ ..

وقـد تراوغني  ،  حينـاً ،  بلا سببِ

 

أصابـهـا تـعب  التحليقِ  في   أفـقٍ

من جابَ فيه  الذُّرى  أبلى  ولم  يـُصبِ

 

الثلج  في كفهـا جمـرٌ  وفي فمهــا

صمتٌ عريقٌ  من  ( اللاءات )  والشَّغَبِ

تقول ، والليل والمنفى ينادمنا ،

" شَرقْتُ بالدمع حتى كاد يَشْرُق بـي  ! " 

 (**)

عصفورة  المرفـأ  المنسيِّ   كم  حلمتْ

أن تسكبَ  ( الآه )  شـلاَّلاً من الطربِ

 

ضج المدى  .. فـغدا

إيقـاعها  بددا

لحنـاً  بدون صدى

     في قبضة الصخبِ

 

وكيف   تسكبُ  روحَ الكَرْمِ قـافيـةً

وقـد  تعثَّـر  بوحُ الماء   في  السحبِ

 

من  أين  تبدأ ..   والأمداء   واحدةٌ

تعيد   أحلامَـها  رأساً  على  عقبِ

وكيف   تعـبر  أسواراً   مشيدةً

من زخرفِ القولِ في دوامة الخطبِ

تيهٌ ترامى ظنونـاً  دون  بوصلة

سوى  الأعاصيرِ  والإعياءِ والحجبِ

 

صحراء تستنـزف الأيامَ سطوتـُها

وتستريح   فيافيهـا  على  تعـبي

 

بيني    وبينكِ    أحلامٌ     مؤجلةٌ

تحصّنَتْ  بقلاعِ  الصدِّ    والهربِ

 

من أين نبدأ يا عصفورةَ  التعبِ ؟!

ديسمبر 98

___________

 

(**)  أبو الطيب المتنبي .             

تباريح سوق العطش

 

(1)

سوق العطش

" وقامت على ضفةِ النهر سوقٌ

تسميها الخاصة سوقَ الري

وتسميها العامة سوقَ العطش "

( الخطيب البغدادي )  

(2)

سحابة الرصافة

تخطر ، الآن ،  مثلُ  العروسْ

مزنة ٌ ترتدي حلةً

نُسجت من حريرِ الشموسْ

الرياح وصائفها

والفضاء لها سكّةٌ ورصيفْ ..

ـ  اذهبي أينما شئت !

صبي هنا .. أو هناك المطر

سوف ترشح ماء ً سقيماً

سقوفُ البيوتِ _ العراءْ

سوف تنزف ، ليلا ، دموعُ السماءِ

على وجناتِ الصغارِ

وهم يحلمون

يحلمون ..

ويلتحفون الشتاءْ  

(3)

أرض السواد

 

غيمةٌ تعبر ، الآن ،  أرضَ السوادْ

فرحٌ عابرٌ 

في ثيابِ الحدادْ

هاهي  الأرض تمتد خضراءَ .. خضراءَ

ملء َ البصرْ

مطرٌ في جيوب الجباة

مطرٌ في الدنانْ

مطرٌ في أكفِ الجواري الحسانْ

مطرٌ

فاصلٌ بين خضرةِ تلك الكرومِ

وعتمةِ ذاك السوادْ

فاصلٌ يشعل الشعراءْ 

فاصلٌ

لا يراه الرواة الذين تبنّوا الحيادْ

(4)

شحاذ باب الذهب

 

الأسَامِيُّ  لا تشترى

غير أن التي أنجبته  نهارا

نحتتْ من ظلام الزقاق اسمه

ثم ألقتْ به للعراء

ـ كن كما شئتَ .. لا أم لك !

انخرط في لهاث الزحامْ

واسلك الدربَ فيمن سَلَكَ

ومضى  :

ومضةً من بروق الذكاء

نيزكاً أرهقته الجهاتُ

إلى أن هوى ..

شعلةً من غضبْ

أطفأتها ، أخيرا ، رياح التعبْ

هو ذا  يتأبط عطف الرصيف

ويمد يدا تنزف الكبرياء

عند باب الذهبْ !

(5)

عنان الناطفية 

 

طفلةٌ غرَّة ٌ حافيهْ

تسكن الوزنَ والقافيهْ

والفيافي التي عاث فيها اليبابْ

نبتتْ في تراب اليمامةِ

قبل المطر ْ

ونمت زهرةً في غدير الظمأ

كحلت عينها ب ( سين ) السرابْ

وارتدت حلة من عراء الظهيرة

ليست ككل الثيابْ

ثم أفضتْ إلى نهر دجلةَ

صارت قطوف المدينة من كفها دانيهْ

كل ما في المدينة طوعُ يديها

ولكنها لم تزل جاريهْ !

***

محصي الزائرينCounter

   وكالة آرس         غابة الندنة      الموقع : أخبر به صديقاً


شبكة الأخوين الثقافية