أصــل الأشـياء

 (الذي يخرج عن اللسان)

(مدخل)

"الذي يخرج عن اللسان

يجعل لكلِّ شيء قيمة"

 (1)

الذي في كل صدر على هيئة قلب

وفي كل فم 

على هيئة لسان:

"بتاح"  إله الأرض

الذي نطق بأسماء الأشياء كلها.

 (فاصل)

"إن الإله قد فطر نفسه

ولكن صورته ليست معروفة

وقد اندمجت بذرته في جسمه

وعلى ذلك وُجدت بيضتُه

في نفسه الخفية."*

(* الفصل الأربعون من قصائد عن طيبة وأهلها كتبها شاعر في أوائل الأسرة الـ19 )

 (2)

الكلمة :

ذلك المخلوقُ لحظةَ توحَّدَ الإلهُ بنفسه

 مع القلب الذي يفكر

فتكلّم اللسانُ

وصار صانعَ الأداة

التي أصبح بها العقل قوةً منشئة؛

إذ أعلن الفكرةَ

وألبسها ثوب الحقيقة.

 (فاصل)

" في البدء

كانت الكلمة

وكانت الكلمة مع الله

والكلمة كانت الله"*
                                                            
( * من العهد الجديد )

(3)

هكذا فُطرت الآلهةُ كلُّها:

"آتوم" إله الشمس

وتاسوعه الإلهي

صاروا بصرَ الأعين، سمعَ الأذنِ ونَفَسَ الأنف،

خُدَّامَ القلب

الذي كان وراء كل كلمة مقدسة

خرجت إلى الوجود.

(4)

مُهَشَّمٌ تماماً

لم تبق من كلماتي إلا:

"الأخت حقل

فيه أزهار (البشنين)

وصدرها فيه تفاح الحب

وذراعاها..........

وحاجباها كأحبولة الطيور

المصنوعة من خشب (المرو)

وأنا الإوزة التي وقعت في الأحبولة

بالدودة"*

                                                                                    ( * مقطع من قصيدة لشاعر مصري قديم كتبت في عهد سيتي الأول )

لابد وأن أحد أفراد قطعان الإله

امتلك الوقت

وغافل القطيع

ليغازل محبوبته.

(5)

الإله الذي فيكَ،

الإله الذي في كل الناس

فلماذا ينال الحياةَ من هو محبوب

ويُحيق الموتُ بمن هو مذموم!؟

(6)

بينما الآلهة

يجففون أعضاء الفرعون

الذي كان يستحم مع إله الشمس

كان عامَّةُ الشعب

قطعان الإله

ملقين ملابسهم

وأحذيتهم

يرقصون أمامه مهللين

فرحاً بطلعته.

(لوحة خارجية)

سمح النوتيُّ أخيراً لعابر النهر المفلس

أن يعبر

علي أن يعمل مقابل النقل

في نزح الماء من الزورق المثقوب

هكذا تظهر قيمة العمل

عند فساد الزورق.

 

(ترنيم أول)

"أي هذا القلب..


اتئد "

 

صلصال

 قطعة من صلصال

تعود إلى قطة

وتلقى الوجوه التي خلّفتها

على سطح بيت

وفي الساحة الخارجية

يصيح الهواء

ويطعن ظهر الفراغ.

 

قطعة من صلصال

تعشّش في قلب قرد

وتصعد قرب الإله

فتسكن حيث المساء

يُغيّب وجهَ النهار.

 
"الطين

أصل السلالات

والمعضلة

أصل التساؤل

والمشكلة"

 

قطعة من صلصال

عناق الحقيقة والاحتمال

ومدخل الفكرة القاتلة.

 

احـتمالات جــديدة

·        

الفضاءُ

لا يَسْمَحُ لي بالانطلاقِ

وعيناكِ:

فضاءٌ ضَيِّقٌ محدودْ

فارسميني

عبرَ دائرةِ اكتمال القمرْ . !!

 ·       فضاء

فضاءٌ من البَوْح ِ يجمعُ بيننا ..

 علَّه انفلاتٌ لاصطلاح

 قدْ  يُسَمِّيه الذين يجيئون بعدي:

فضاء من الدهشة

انفلاتٌ يُباغتُ قلبَ الذين يُحِبُّونَ مثلى.

طَيْرَانِ حَطَّا بقلبينا

ليعلو الرَفيفُ على كل شيء..

ويغدو الكلامُ انحناءات ريشٍ

تُكَوِّنُ شكلَ الحوار

(فهل يخضعُ الطيرُ للحُبِّ أيضاْ  !!)

·       ســران

عاشقٌ

للمرَّة الأولى

أحاولُ صنع اصطلاح ٍ جديدْ

فضاءاتُ بوح ٍ        

(مزيجٌ من الدهشة البكرِ)

/ رياشُ طَيْرٍ  ..  وقلبانْ

بداوةُ الأشياءِ

مزازةٌ

تُعطيكَ سرَّ الصعودِ إلى جبهة الروح  

(اكتشافاتٌ جديدةْ)

وهلْ .. أنتِ .. ليْ !!

وعيناها

سِرَّانِ

يقولان : سِرْ – إن استطعتَ – إليَّ ..

 

سآتي إليكِ /

وأُعلنُ أن الرحيل

 يكون إلى وردةٍ

تُخَضِّبُ كَفَّ الذين يحبونها ..

 

·       ليـــل

  الليلُ يَنْضَحُ من عيون القُرَىْ ..

والمدينةُ تأبى أن يقاسمها الليلُ سريرها

هَبْ أنها انفرطَتْ

من عقدها المجدولِ

وتكوَّمتْ في حجريْ

بَنَفْسَجَةً ..

والبنتُ تخبئ دمعاً في المنديل ؛

هل أُطلِقُ كل عصافيري :

 أم أنسجُ أطرافَ الليلِ مناديل

كي تبكي البنتُ / الوردةُ

 

كانت عاشقةً لي

وأنا أنقشُ ترتيلَ الصبحِ على كفَّيها،

وأُعيدُ قراءة سِفْرِ الأعذارِ:

البنتُ الوردةُ تذبلُ عند غيابي

وتبوحُ بسِرِّ الحُزْنِ لعينيها ؛

تَذْبُلُ عيناها

البنتُ الوردةُ تعرفُ كيف تُحَوِّلُني طفلاً ..

لكني لا أعرف عبث الأطفال ..

لا أعرف إلا حزني لضياع فراشاتي:

قد طارت مني وأنا أنسل إليك ..

 

يا أيتها

البنت الوردة

هل

تهديني

أطناناً

من زَغب

يد .....

فــ ......

ئـــ....نــي !!

 

·       أفْلَحَ القَرَنْفُل

 هي النار لا تعرف الانحياز ..

ولكنها الآن ترفض أن تحتويني

أيا نارُ كوني

 سلاماً

وعشقا

سأحبو على سُلَّم العشق

 حتى الوصول؛

وأرسم للقلب قلباً

( يشابه نقش الصغار على معصم الأغنيات)

فللروح عزف مخالف ..

دعيني أطالع ما خلَّفته اليمامات

 فوق السحاب

وآتي إلى البنت منه بما تشتهيه الورود

أحط الصباح القرنفل في نهر قلبي

أرتل ما لم يرتل

عشقاً وبوحاً

بَوْحاً وعشقاْ

أَخُشُّ إلى منفذٍ للروح ِ

أُعَشِّشُ في قلبِ من اصطفيها

وأُوقِدُ نارَ التوجّدِ

والوَجْدَ فيَّ ...

: هيَّ النارُ حَدٌ لمن يصطفيها  

 فمن ذا لهذا الوليدِ

 يُظَلِّلُ في ساعةِ القَيْظِ قَلْبَه

لِيَدْخُلَ في حَوْمَةِ الظلِّ ..

والارتواء!! "

هِيَّ البنتُ

من قايضَتني انتشاءً بِحُزْنٍ ؛

لِتُبْحِرَ /

ممعنةً في دمائي.

 

انحــســـار

لمَّا وجدتُ .. وهِمتُ ..

تَفرّقتُ عبرَ أقاليمِ بَوْحٍ ..

وَجُدْتُ بِرُوحٍ ..

ورُحتُ ..

 

وجدتُ مَهَاةً تجولُ بأنحاءِ دَوْحٍ..

 - و ما كنتُ وحدي -

صعدتُ

قالتْ:

يا أنتم .. عُصفورٌ قلبيَّ ..

إِنْ عَشَّشَ – أُشْرِقْ؛

 فلتأتوا سعياً – أفواجاً وفُرادَى -

هرولةً ..

ويُسرِّبُ كلٌ منكم أسباباً ؛

كيما أدرككم في مَوْقِفِ شَوْفي ..

و يُنضِّد لي عُشّا ..

قلتُ :

أجيء

" أدفنُ وجهيَّ في نارِ ضفائِرها الحمراءَ وأرقصُ حتى الفجرِ "

واجتزتُ فضائيْ الرَحبَ /

صعدتُ أُغنِّي :

أَمحبوبةَ القلبِ منْ بي

للأُفْقِ باحَ .. والمَدى عني

فلاحَ لعينيَّ /

حُلواً / حريقاً!!

وقلتُ :

أجيئُكِ – آنستً ناراً –

لعلِّي .. أُكفِّرُ في مُقلتيكِ احتمالات غيّ

وكنت انفلتُّ

أجرُّ الشوارعَ جَرَّاً إليكِ

أُغنِّي:

"فهل كنتُ مهرَ  ..  المسافات أَمْ

في فَوْرَةِ العشقِ  ..  والشوق كَمْ

قد فرَّ مُهرُ المسافاتِ منِّي !! "

تناءتْ قليلاً

 - وأَرْخَتْ عباءةَ الوقتِ -

علي سِدرة النُورِ

قالتْ:

يا أنتم .. مولودٌ قلبيَّ

إِنْ يَكْبِرُ؛ أُشْرِقْ ..

هاتوا لي بَدْرَاً  .. أنقشُ سِرِّي فيهِ ..

هاتفةً:

تَعِبَتْ /

وتهاوتْ أوراقي في سِكَكِ البَوْحِ ..

وقالتْ:

لمَّا كنتُ تهيّأتُ

 أُلملمُ أطرافَ عباءةِ سرِّي /

جِئْتُمْ !!

فأرتِّبُكُم كالصفِّ الواحد ...

أتلو ما يتيسر من أخباري فيكم.

هيَّ لا تَفنَي /

هيَّ لنْ تَفنَي ...

قلتُ

أُرتَّبُ في الصفِّ علي حَسْبِ الوَجْدِ ؛

قد جئتكِ أسعى

لملمتُ مواجيد القلبِ ..

ورُحتُ أُغنِّي :

" وهل كنتُ في أوّلِ الصفِّ أَمْ

 قد كان بالصفِّ من

قد زَادَ في الشوقِ عنِّي !! "

تجارتْ ليُنبوعِ ماءٍ .. وأرخَتْ عباءةَ الوقتِ

على سِدرة الماء قالت:

يا أنتم .. مصفودٌ قلبيَّ

إن أزهرَ .. أُشْرِقُ ..

هاتوا لي ..

قروياً يعشقْ ..

أتملَّى فيه صَبَابَتَهُ

- عُنقوداً -

يتراقصُ تحتَ ضياءِ القمرِ

أرقصُ معه .. كي أرقَى

وأرقَّ

أشُفَّ

أبدو قِنديلاً سهَّدهُ الأرقُ

وقالت – وقد أوقفتني في موقف الأنس منها:-

لمَّا سيأتي

أتجلّي

يرقص في حَضْرَتي َّ                            

وأرْقُصُ في حَضرتِهِ

أسَّاقط مِنْديلاً بَلَّلَهْ العَرَقُ

أتشقَّقُ 

أنشقُّ وأرتدُّ إليهِ

يُنْبِتُ في سِدْرَتِيَّ               

وأُنْبِتُ في سِدْرَتِهِ

أتوحَّدُ فيهِ ...

أتقطَّرُ عطراً

يجمعكم من فلوات الأرضِ

يا أنتمْ

يُنقذكم مما عَنِتُمْ

فهل عندَ تساقطِ قَطْرِ ندايا تلكأتم !

غوصوا في الظلمة ...

حتى أرفع منديلَ الليل قليلاً ...

حباتٍ  ..  حباتْ.


 

بهــاءُ الطـبـيعــة فـيــكِ

 (1)

تُخلًّي الطبيعةُ أشياءَها:

فلا يستضيف الورقُ الحبرَ

ويستعصي الحجرُ على سِنِّ الأزميل

كذا الأخشابُ..

ويصد الجلدُ شروط الدبغ

وماءَ الأصباغ ..

وينتهزُ لحاءُ الأشجار الوقتَ ويهجر حكمته،

الطين يغادر طينته : يختصم التشكيل،

ويصحو الحاسب مندهشا من هول فراغ الذاكرة

تتراخى الأسلاكُ فلا تحملُ نبضاً أو ومضا:

تتجمد موجات البرق،

تتعفن حزمات الضوء

وتنتحر الألياف...

تتهاوي أقمارٌ تتكشف صنعتها..

ويضن الموج بحمل القنينة

وتضن القنينة أن تقطع رحلتها سابحة،

وتنوء حماماتُ المدِّ بضرب شراع الريح إلى موئلها..

فتحلِّق عبر دوائر ضيقة..

تتسع ولا تنفتحُ..

وتُساق الخيلُ لغير الفتح..

....

...........

.....

ويضن رفيقيَّ في غربتي عليَّ

 بحمل رسائل من منفاي

إليكِ.

(2)

( ورغم طلاق الطبيعة

 أشياءها :

في الشرفة،

أجلس وحديَّ حيث اعتدتُ

أمعن – فينا- تفكيري

فأرى:

أنكِ حاضرةٌ .......

بكل بهاء الطبيعة فيكِ )

 (3)

(أنا وأنتِ ..

طبيعةٌ

لا تتخلى عن أشيائها)

 

مــرَّ كالطـفــولــة

مر كالطفولة

من هنا

لم يخلف وراءه

صيفاً أو غيمة

أو حجرا.

 

أوقفَ الحجرَ في مطلع الوقت

وقال: هنا مكمنُ الضباب

فاقتحمْ الغيمةَ

ترى الصيف ماثلا

ولا تسكن لديه

فمن سكن

ارتاح ومات.

 

ما الذي أطلق الحبيبة في المشهد الآن

رغم غياب الهمس

والقبلات

ورغم انكفاء السماء على مشمش

جفَّ بلا معطف للمطر!

 

أوقفَ الصيفَ خارج جمجمة الفقير

وقال: أيَّ عاصفة تود؟

وشبَّه الوقت بالثمر :

فجاء الصباح كحبة توت ناضج

والظهيرة بدت كدراقة

والغروب انتهى

 كحبة مانجو أدارت ظهرها للسماء

والمساء اشتهي حبيبات كرز

وأتقن فن التخفي.

 

 

مر الهواء سريعاً

فانتصبت حلمة توتٍِ

وبكت دراقة رحيقَها في زرقة الغيم

وحبة المانجو استراحت على عشبة

وراق للكرز أن يستحم بماء السماء

ليرسى قواعدَ عشق

يؤرَّخُ بها للدلال.

 

 

أوقف الغيمة في مستهل المطر

وقال: هل رأيتَ عشباً مثمراً؟

هنا يثمر العشبُ

ويحلو رحيق

 صبارة أضاءت

لسبعين بطن فتيل المرارة.

 

ومر الغناء سريعا

فأشعل في العاشقين الشبق

تدلت وريقات لوز

وغطت بَهاءَ الوصال

بِـ(هَاءِ) الحريقِ.

 

ما مر الرقصُ حيادياً أبدا

وكأن شبابيك الرب انفتحت ساعتها

فانطلقت أسراب النحل

وحملت جسد العاشق وارتفعت

كان يحلق مبتعداً عن جسد حبيبته

ويعود

يتراقص

يطعن ويناور

ويداور يطحن

ورحيقُ كالعسل يقطّر فوق بياض العاشقة

فترتاح إليه:

كان إلهياً جداً

يشبه تفاحاً أو عنباً

أو حبة توت في كف ملاك.

 

أوقف اللوزَ في مَدْرَجِ السكْر

وقال: كن بائعة للخرز

فانهمرت حبات اللون على حِجر الطفلة

في زاوية الشارع

في آخر منعطف قبل البيت:

الأزرقُ كان مضيئاً كذبالة فانوس

والأخضر كان مشعاً

الأصفر كان يعلق سنبلة في كف البنت

ويغمض عينيه خجولاً

الأبيض كان يسرب في الجسد مفاتنه

ويمهد للأحمر نشوته

والبنت

 تبيع حبيبات الخرز لعين العشاق

زرقاءَ على الجبهة

حمراء على فص القلب.

 

مر كالطفولة من هنا

أوقف الوقت على منعطفٍ

وسار بعيداً

فكان الخريف يجيء

وكان الشتاء

وكان الربيع

رأينا السهول تفر إليه

رأينا الحقول

رأينا الصهيل

 يقاوم نشوة الركض

ويهفو

رأينا البنات الجميلات

رأينا...

رأينا كل شيء.

 
 وليد أحمد حسين علاء الدين
مراسل قناة دبي الاقتصادية الفضائية
المحرر الثقافي لجريدة الخليج