في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص.

أروى صالح في بيان انتحارها: أبحث عن الجمال وفي داخلي مقبرة جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. أروى صالح في بيان انتحارها: أبحث عن الجمال وفي داخلي مقبرة جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. ما حصل لي على مدى مشواري الطويل، كان فوق طاقتي على الاحتمال، لأني، في الواقع كنت وحيدة... فأحلام الدنيا كلها لا تغني عن لحظة الدفء التي يستطيع ان يمنحك اياها وجه انساني. وحين يكون الحلم الخاص الذي اغراك ومنحك الجرأة للقيام برحلتك، او "الوعد" الذي كان يلوح لك في آخر الطريق، هو الرغبة العارمة في التواصل الانساني، تستطيع ان تتخيل كم كانت ثقيلة اوزان الهزائم على كتفيّ الوحيدتين، فيما انا احاول اكمال مشواري رغم اصطدامي المتكرر بالقانون الوحشي للعلاقات بين مثقفين محكومين بواقع وحشي، سواء أكانوا من جيل الشيوخ، جيل "الابناء الضالين" العائدين الى حجر النظام، ام من جيل الشباب المهزوم قبل ان تتاح له فرصة خوض غمار تجربة تاريخية. رغم العنف والافتتان الحقيقيين في التجربة التي استغرقت عمري، فان خيالي الحالم فشل في ان يعثر على موطئ قدم في واقعي، او في ان انشئ موطئاً لقدمي. وفي الحقيقة لم يعد مثل هذا البحث يشغلني، قدر ما يشغلني الهروب من القدر القبيح الذي يلف مصر وناسها! فصدقي البيوريتاني ما زال على حاله، واحلامي المحلّقة لم يبتذلها الواقع، ولم ينضجها أيضاً، وكذلك عجزي العميق عن بلوغ نقطة التقاء بالواقع هذا. العمل لفظني لأنني متعالية على قانون علاقاته، وغير قادرة على حماية نفسي المتعالية من هذا القانون السائد في كل مكان. وهل العمل في الكتابة يحتاج الى جلد اقل؟! فأي نشاط امارسه، يلازمه خوض الصراع مع من اعمل معهم، وانا حقا لا أحب الصراع! هذا هو الخوف الاول الذي عبّرت عنه في بداية علاقتي بالعمل السياسي. لكن حتى في الرقعة الصغيرة التي بدأت تعلّم الحياة فيها، اي في العمل، فَرِضَ عليّ الصراع رغم انفي، رغم ابتعادي عن مسارحه المتصورة كلها.لقد رفضوا ان اتفرج عليهم في تعال، وكان الهدف المطلوب كسر أنفي المتعالي هذا كله مع اني اتجاهل التعرض هنا لمسألة مهمة في وضعي: الحصار الفاشيستي الذي تتعرض له المرأة العزباء، والذي اتنشقه في كل خطوة. أقول ان نقاط قوتي متركزة في النشاط النظري، لكني اكره "حياة الكتب"، وأحس ان انفرادها بحياتي مسؤول عن ضعف علاقتي بالحياة، وبالمعرفة نفسها. ثم اني افقد اي استعداد لان اعمل في "البحث العلمي"، او للدخول في معارك "مدارس الفقه" الميتة في النقد الادبي في مصر. واذا كان لا بد من "نشاط" ما، حيوي وجماعي،فاني فكرت في السينما. لكني، بعد مدة، وجدتني بعيدة عن اي حرفة في مجالها. ربما يقدم لي السفر جرعة الحياة التي احتاج اليها لاستعادة التوازن الضروري الذي يمكّنني من ان اكون مثمرة. أكتب اليك من اشبيليا في جنوب اسبانيا. انها صعيد اسبانيا، وهي جميلة جمالاً ما انزل الله به من سلطان! وحينما أبصرت النهر هنا، رغماً عني (!) اخذني حنين الى مصر، وأيقنت انها يمكن ان تكون بلداً جميلاً! ما أزال وحدي تماماً. لكن "التعايش مع الاغتراب" لم يعد تعايشاً مع حال لا أريدها، مثلما كانت حالي طوال الوقت، بل غدا متعة! لقد اصبحت منسجمة مع التوحد. ماضيّ كله وخبراتي في حال من الانصهار والالتحام في موقف نهائي من الحياة ومن الآخرين... الخبرات المريرة التي قتلتني ادركت الآن انها ثمرة قسوة الحياة نفسها في مجتمعات ميتة، ووصلت من زمان الى مرحلة اللاانسانية. عمري الآن 34 سنة. ومن الاحاسيس الغريبة التي تلح عليّ الآن، ولا ادري من اين تأتيني ولا استطيع مقاومتها رغم قسوتها، هو احساسي بالنفور من العجائز نفوراً يصل احياناً الى درجة الاشمئزاز الجسماني. احس ان العجائز شتيمة في وجه الحياة، وافكر في امر بشع عرفته في تقليد ياباني يحمل الناس، حين تعجز، على ان تأخذ قليلاً من الزاد وتصعد الى قمة جبل كي تنتظر الموت هناك. رغماً عني بدأت ارى ان هذا التقليد ينطوي على فكرة وجيهة، وراحت تداعبني فكرة الانتحار ما ان اصل الى مرحلة معينة من العمر. ومع هذه الفكرة بدأت للمرة الاولى في حياتي أتأمل قليلاً في الموت، لا من زاوية ميتافيزيقية، بل باعتباره عملية وضع حدّ للحياة. ما الذي يمكن ان يفقده شخص تسربت منه الحياة فعلاً. شخص مريض ويتلقى اهانة ان يمسح الناس غائطه! ففي الغرفة التي الى جانب غرفتي في البنسيون، شخص هذه حاله، ولا تستطيع ان تتخيل اي احساس بالنفور الممرض يجلبه لي. فما الذي يمكن ان يفقده بالموت شخص مثل هذا الشخص؟! ان الموت يبدو لي غير مخيف، من هذه الزاوية، من دون ان اقصد اني مستعدة الى تعريض حياتي، في بساطة، الى الخطر. فأنا اموت في حب الدنيا. ما اقصده اني في اللحظة التي تفقد فيها حياتي "الطعم"، سوف لن اخاف من الموت.








أروى صالح في بيان انتحارها: أبحث عن الجمال وفي داخلي مقبرة جيل في نهاية كتابها "المبتسرون" نشرت أروى صالح رسالتين كتبتهما لصديق لها، وعرضت فيهما خلاصة تأملاتها في تجربتها الشخصية، الحياتية والفكرية والنضالية في صفوف اليسار الطالبي المصري من جيل السبعينات. الرسالتان في العامية المصرية، وننشر مقتطفات منهما، منقولة الى العربية الفصحى. ربما آن أوان ان اقف في مواجهة نفسي، وان اسألها في صراحة: عما كنت ابحث حين كنت على ارتباط بالشيوعية، وماذا كانت تعني لي بالضبط؟ لأمثالي يبدو هذا السؤال على قدر من الخطورة، لأني على الدوام، اعتبرت علاقتي بالشيوعية من المسلمات. مرة، في رسالتي الى صديق أجبت ان الشيوعية كانت في الحقيقة بديلاً من العالم الواقعي الذي كان مصدر عذاب غامض لا حدود له. دوستويفسكي قدّم لي في مراهقتي اليقين الاول بأن عذابي مفهوم ومبرر. ولعل ذلك اليقين هو الذي قدّم الصك الاول لانتماء الطفلة التي كنتها الى العالم. فالدناءة، حتى الدناءة في روايات دوستويفسكي، تثير - بفضل عبقرية الانسان - مشاعر عذبة، بل جميلة. لكني لم أجد أحداً يقول لي في الوقت المناسب ان المسافة بين الجمال العبقري هذا والاصل الواقعي يمكن ان تنكسر فيها الاعناق. وربما في تلك اللحظات القديمة والبعيدة بدأت ترتسم ملامح قدري الخاص. ما حصل لي على مدى مشواري الطويل، كان فوق طاقتي على الاحتمال، لأني، في الواقع كنت وحيدة... فأحلام الدنيا كلها لا تغني عن لحظة الدفء التي يستطيع ان يمنحك اياها وجه انساني. وحين يكون الحلم الخاص الذي اغراك ومنحك الجرأة للقيام برحلتك، او "الوعد" الذي كان يلوح لك في آخر الطريق، هو الرغبة العارمة في التواصل الانساني، تستطيع ان تتخيل كم كانت ثقيلة اوزان الهزائم على كتفيّ الوحيدتين، فيما انا احاول اكمال مشواري رغم اصطدامي المتكرر بالقانون الوحشي للعلاقات بين مثقفين محكومين بواقع وحشي، سواء أكانوا من جيل الشيوخ، جيل "الابناء الضالين" العائدين الى حجر النظام، ام من جيل الشباب المهزوم قبل ان تتاح له فرصة خوض غمار تجربة تاريخية. رغم العنف والافتتان الحقيقيين في التجربة التي استغرقت عمري، فان خيالي الحالم فشل في ان يعثر على موطئ قدم في واقعي، او في ان انشئ موطئاً لقدمي. وفي الحقيقة لم يعد مثل هذا البحث يشغلني، قدر ما يشغلني الهروب من القدر القبيح الذي يلف مصر وناسها! فصدقي البيوريتاني ما زال على حاله، واحلامي المحلّقة لم يبتذلها الواقع، ولم ينضجها أيضاً، وكذلك عجزي العميق عن بلوغ نقطة التقاء بالواقع هذا. العمل لفظني لأنني متعالية على قانون علاقاته، وغير قادرة على حماية نفسي المتعالية من هذا القانون السائد في كل مكان. وهل العمل في الكتابة يحتاج الى جلد اقل؟! فأي نشاط امارسه، يلازمه خوض الصراع مع من اعمل معهم، وانا حقا لا أحب الصراع! هذا هو الخوف الاول الذي عبّرت عنه في بداية علاقتي بالعمل السياسي. لكن حتى في الرقعة الصغيرة التي بدأت تعلّم الحياة فيها، اي في العمل، فَرِضَ عليّ الصراع رغم انفي، رغم ابتعادي عن مسارحه المتصورة كلها.لقد رفضوا ان اتفرج عليهم في تعال، وكان الهدف المطلوب كسر أنفي المتعالي هذا كله مع اني اتجاهل التعرض هنا لمسألة مهمة في وضعي: الحصار الفاشيستي الذي تتعرض له المرأة العزباء، والذي اتنشقه في كل خطوة. أقول ان نقاط قوتي متركزة في النشاط النظري، لكني اكره "حياة الكتب"، وأحس ان انفرادها بحياتي مسؤول عن ضعف علاقتي بالحياة، وبالمعرفة نفسها. ثم اني افقد اي استعداد لان اعمل في "البحث العلمي"، او للدخول في معارك "مدارس الفقه" الميتة في النقد الادبي في مصر. واذا كان لا بد من "نشاط" ما، حيوي وجماعي،فاني فكرت في السينما. لكني، بعد مدة، وجدتني بعيدة عن اي حرفة في مجالها. ربما يقدم لي السفر جرعة الحياة التي احتاج اليها لاستعادة التوازن الضروري الذي يمكّنني من ان اكون مثمرة. أكتب اليك من اشبيليا في جنوب اسبانيا. انها صعيد اسبانيا، وهي جميلة جمالاً ما انزل الله به من سلطان! وحينما أبصرت النهر هنا، رغماً عني (!) اخذني حنين الى مصر، وأيقنت انها يمكن ان تكون بلداً جميلاً! ما أزال وحدي تماماً. لكن "التعايش مع الاغتراب" لم يعد تعايشاً مع حال لا أريدها، مثلما كانت حالي طوال الوقت، بل غدا متعة! لقد اصبحت منسجمة مع التوحد. ماضيّ كله وخبراتي في حال من الانصهار والالتحام في موقف نهائي من الحياة ومن الآخرين... الخبرات المريرة التي قتلتني ادركت الآن انها ثمرة قسوة الحياة نفسها في مجتمعات ميتة، ووصلت من زمان الى مرحلة اللاانسانية. عمري الآن 34 سنة. ومن الاحاسيس الغريبة التي تلح عليّ الآن، ولا ادري من اين تأتيني ولا استطيع مقاومتها رغم قسوتها، هو احساسي بالنفور من العجائز نفوراً يصل احياناً الى درجة الاشمئزاز الجسماني. احس ان العجائز شتيمة في وجه الحياة، وافكر في امر بشع عرفته في تقليد ياباني يحمل الناس، حين تعجز، على ان تأخذ قليلاً من الزاد وتصعد الى قمة جبل كي تنتظر الموت هناك. رغماً عني بدأت ارى ان هذا التقليد ينطوي على فكرة وجيهة، وراحت تداعبني فكرة الانتحار ما ان اصل الى مرحلة معينة من العمر. ومع هذه الفكرة بدأت للمرة الاولى في حياتي أتأمل قليلاً في الموت، لا من زاوية ميتافيزيقية، بل باعتباره عملية وضع حدّ للحياة. ما الذي يمكن ان يفقده شخص تسربت منه الحياة فعلاً. شخص مريض ويتلقى اهانة ان يمسح الناس غائطه! ففي الغرفة التي الى جانب غرفتي في البنسيون، شخص هذه حاله، ولا تستطيع ان تتخيل اي احساس بالنفور الممرض يجلبه لي. فما الذي يمكن ان يفقده بالموت شخص مثل هذا الشخص؟! ان الموت يبدو لي غير مخيف، من هذه الزاوية، من دون ان اقصد اني مستعدة الى تعريض حياتي، في بساطة، الى الخطر. فأنا اموت في حب الدنيا. ما اقصده اني في اللحظة التي تفقد فيها حياتي "الطعم"، سوف لن اخاف من الموت.