الجدل الدائر حول الإخوان المسلمين في سورية

بقلم: د. سلطان أبا زيد *

أخبار الشرق والقدس العربي - 15 آب 2002

في موضوع الجدل الدائر حول دعوة الإخوان المسلمين إلى لقاء تحضيري في 23 - 25 من هذا الشهر واعتذار الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي الأخ حسن عبد العظيم عن الحضور وتأكيده التزام فرع التجمع في الخارج في هذه الرؤية، يطيب لي ابداء بعض الملاحظات حول هذه الدعوة والموقف منها بغض النظر عمن سيلبيها أو يعتذر عنها لأسباب مبدئية أو غيرها.

في البدء يجب عدم وضع التيار الإسلامي في سلة واحدة وخاصة الإخوان المسلمين في سورية، والحكم عليه بالمطلق كتيار العودة للماضي دون أخذ ظروف الحاضر بالحسبان، كما هو الأمر لدي بعض تيارات اليسار "العلماني".

كما يجدر بنا أن نلاحظ التطور السليم الذي حظيت به حركة الإخوان في سورية وقمة ما وصلت إليه حتى الآن بميثاق الشرف المقدم للمناقشة في اللقاء المشار إليه آنفاً، والذي استقبلته فصائل المعارضة السورية في حينه بإيجابية وانفتاح.

أن تغادر فصائل المعارضة السورية موروثها الشمولي السابق والاستئصال المتبادل، ان كان شيوعيا أو قوميا او اسلاميا، خطوة إلى أمام، يجب العناية بها ودفعها خطوات راسخة وهادئة إلى الأمام، بعيدا عن التفسيرات المحتملة لهذا الموقف العلني أو ذاك بالبعد أو القرب من النظام. فالنظام الشمولي في سورية لم يغادر بتعامله مع حركة الإخوان في سورية حتى الآن القانون 49 - سيئ الذكر - والقاضي بإعدام كل من انتسب إليها، ثمّ تمترسه خلف خطوط أمنه الحمراء التي تجاوزت كل ما هو معقول، وبالمقابل طرح الإخوان وثيقة شرف هامة وأتبعوها بدعوة الفصائل والشخصيات السياسية المعارضة وغيرها، كخطوة حضارية بقصد مشاركتهم النقاش حولها دون الالتزام بتشكيل جبهات معارضة جديدة.

ناهيك عن أن مشاركة هذا الفصيل، بالحياة السياسية السورية وعلي قدم المساواة مع الجميع، حق (أشار إليه الناطق الرسمي باسم التجمع) بل وضرورة لأنه يخاطب شريحة واسعة من مجتمعنا عصية على غيره، وبدونه لا يمكن التحدث بالفعل وجدياً عن المصالحة أو الوحدة الوطنة، كونه الطرف الأول المعني بمثل هذه المصالحة، في حالة تجاوز النظام عقلية الصواب المطلق واحتكار السلطة والسياسة والنضال والإصرار على تغييب المجتمع وإلحاق الآخر، وسعى في اتجاه رد المظالم لأصحابها.

وتبقى حركة الإخوان في سورية بعد هذه التغييرات الصحية جزءاً لا يتجزأ من من الطيف الوطني المعارض والساعي لحل الأزمة العامة في سورية، من خلال عدم التنكر لماضيهم ومحاولة تجاوزه وعدم السكوت عما عانوه، كما ولن يتوقف فكفكة التأزم وحله عليهم وحدهم، ولا نأتي بجديد ان زعمنا بانهم تقدموا خطوات عملية في هذا الاتجاه، والكرة تدور في ملعب آخر.

رغم تقديري لأهمية هذا اللقاء التحضيري، كخطوة لمناقشة الأزمة الشاملة التي تعيشها سورية في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة وربما التعرض لإشكالات انهيار السدود وانقطاع الماء والكهرباء، حتى وإن كان العنوان "ميثاق الشرف" الخاص بحركة الإخوان، فإنّ قناعتي من أن الظروف لم تنضج بعد في صفوف نواة المعارضة الليبرالية في سورية للتجاوب الأكثر إيجابية مع مثل هذه الخطوة الهامة، لاعتبارات متعددة، يطول النقاش حولها، وما دام يستغرب بعض الحلفاء بل والأقربون مجرد مشاركتهم التوقيع بنداءٍ لدعم الانتفاضة واستنكار الجرائم الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني.

لقد اعتذرت بتاريخ 28/6/2002عن حضور هذا اللقاء التحضيري لأسباب تتجاوز رغبتي كما بينت في اعتذاري لهم، والتزاماً مسبقاً ومتوقعاً بقرار التجمع الذي تبلغناه عن طريق الإعلام فيما بعد، والذي يحذر من مغبة المجازفة والحضور وحصر إمكانيات الحوار في الداخل.

لست من دعاة جبهات معارضة جديدة، لكن الحوار والانتقال من التنظير للاعتراف بالآخر إلى ممارسته على أرض الواقع، يندرج كما أرى في أساس "الموقف الديمقراطي"، وتطويره، ويجب أن نتعلم محاورة الآخر والدفاع عن حقه بالاختلاف، حيث أننا حديثو العهد بهذا التقليد. وحيث مكان الآخر في تاريخنا السياسي هو السجن أو النفي أو أبشع من ذلك بكثير والنظام السائد لا زال يحافظ على هذا التقليد العريق لدينا محافظته على بؤبؤ العين.

لا يستطيع أحد من فصائل المعارضة "الليبرالية" الراهنة في سورية المزايدة على حركة الإخوان وميثاق شرفهم ديمقراطياً، إلا بما مارسه تاريخياً مثقال ذرة أفضل منهم، وهذا ما ندر، ويبقى ماضينا جميعاً "في الهوا سوا".

دفاعهم المبدئي عن رياض الترك كرمز وطني وعن بقية معتقلي الرأي، من التطورات الهامة قياساً بالماضي الذي كان يصفق بل ويشمت فيه الفريق الناجي بالفريق المبتلى لرأيه، ويوم كانت تندرج حرية التعبير والاعتراف بالآخر والاختلاف في آخر أولويات جميع الأحزاب، والأمثلة على هذه المقولة أكثر من تحصى!

هذه الظاهرة الصحية مجال المساجلة اليوم، تتطلب الرعاية لأنها تمثل الجانب الأخلاقي في الصراع السياسي والتي بدونها ندخل أنفسنا في بوابة الكذب على النفس والرائد لا يكذب أهله!

كما أن شبهة التقية بعلنية الاعتذار تضعف مصداقيتنا وتخضعنا لتفسيرات بغنى عنها. وما دفعني لإبراز اعتذاري المشار إليه مجرد الحرص على متابعة الحوار المجدي في الداخل والخارج، ما دامت منطلقاتنا واضحة في نهج ينهي شمولية النظام والسعي الحثيث لممارسة الاعتراف بالآخر - بعد ان صدرت بأمر رئاسي منذ نيف وعامين - حقاً لا قولاً، والانتقال من أمن النظام إلى أمن الوطن والمواطن وحريته وكرامته وسيادة دولة القانون والتبادل السلمي للسلطة.

لم يعد نهج النظام السائد موضع تفاخر لأصحابه، بل تحولوا إلى مدافعين لتبرير فعلتهم بشعبنا، باسم القضية تارة وباسم الاشتراكية تارة أخرى. لقد ذاب الثلج في العالم قاطبة وبان المرج. فقليلاً من عدم الاستخفاف بعقول الناس. والشمس لا يمكن تغطيتها بغربال. قبلنا التدرج بالإصلاح وتفاءلنا بإعلان الاعتراف بالآخر وانتظرنا زمان ومكان الإصلاح الذي لا يمكن أن تجره إليه المعارضة.

كانت النتيجة: مكان الآخر السجن والتعذيب سابقاً، فأصبح بعد الاصلاح الاستمرارية في السجن والتحديث بأشكال التعذيب. فلا بد لليل أن ينجلي.

__________

* قيادي في الحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي بالخارج