رياض الترك في أول حديث سياسي يعتبر الديمقراطية أفضل وسائل الحكم

الصراع العربي الإسرائيلي سيأخذ أشكالا جديدة تدخل في باب الصراع الحضاري

يجب إطلاق الحريات على أنواعها وتحرير الدولة من أسر السلطة

أجرى الحوار: محمد علي الأتاسي

اطلق القائد الشيوعي السوري رياض الترك قبل سنة ونصف سنة .وشكل اطلاقه , بعد فترة اعتقال دامت 17 سنة , أحد المؤشرات الملموسة الى الأنفراج الذي يمضي قدما في سورية في فترة ما بعد نهاية " الحرب الباردة ". ورفض الترك بعد خروجه من السجن الإدلاء بأي تصريح سياسي ليس خوفا, بل لأنه لا يستطيع التكلم لا على الحاضر ولا على المستقبل قبل أن يستوعب الأوضاع السياسية. فالكلام بالنسبة له مسؤولية ويجب أن يقال بعد التفكير بنتائجه وعواقبه ولكن يبدو أن الأمور اختلفت اليوم وبات الترك في وضع يسمح له التحدث بحرية ومسؤولية عن أوضاع بلاده والمنطقة وظروفه الشخصية والبيئة التي يتحرك فيها الحزب الشيوعي السوري.

ولأن الحوار يتزامن وبدء المفاوضات السورية - الأسرائيلية , انطلقت الأسئلة من التطورات الأخيرة وأفاق الصراع العربي الإسرائيلي في المدى المنظور . وهنا نص الحوار :

س.اذا وقعت معاهدة سلام بين سورية واسرائيل ما هي حظوظ التطبيع بين الشعبين ؟

ج.ان محصلة ما يجري اليوم على جبهة الصراع العربي الأسرائيليهو الثمن الذي يدفعه العرب عن هزتمة حزيران ( يونيو ) عام 1967. أما سبب التأخر فهو ما جرى في أعقابها من محاولة لرفض تلك الهزيمة وعمل دؤوب لاسترداد الحق العربي على كل المستويات الرسمية والشعبية, وشهدت الساحة العربية على مدى بضع سنوات نهوضا قوميا , تمثل في اعادة بناء الجيشين السوري والمصري والتضامن العربي والمقاومة الفلسطينية وحرب تشرين 1973 , إلا أن ما أقدم عليه الرئيس أنور السادات وما جرى بعد حرب الخليج الثانية وصولا الى هذه اللحظة شكل مسارا انحداريا في الأوضاع العربية أوصلنا إلى ما نشاهده الآن على مسارات التسوية العربية .

ان توقيع معاهدات سلام بين الأنظمة العربية واسرائيل لايعني بالضرورة ان الشعوب العربية ستسير في عملية التطبيع , والمثال المصري خير دليل الى قدرة هذه الشعوب على رفض السياسات الرسمية لدولها حيال اسرائيل . لكن اشكال مقاومة التطبيع مهما تنوعت , لايجوز ان تمنعنا رؤية ما يجري في المجتمع الاسرائيلي من تحولات وتناقضات . ففي ظروف التسوية المقبلة ستسود حالة من الهدوء النسبي من شأنها ان تضعف الطروحات العنصرية والصهيونية الأستيطانية , لدى بعض الأوساط اليهودية في هذا المجتمع . وكما يقول بعضهم ربما أخذ الصراع العربي الإسرائيلي أشكالا جديدة تدخل في باب الصراع الحضاري .

لذلك ان شعار " اعرف عدوك " ينبغي ان يحتل مكانا في المرحلة المقبلة , على الأقل لدى القوى الحية في مجتمعنا . وهذا يتطلب على ان نكون على دراية بما يجري هناك , بل علينا اتخاذ مواقف ايجابية من القوى المعادية للطروحات العنصرية والصهيونية والمتضامنة مع الحقوق العربية والساعية الى حلول جذرية للصراع العربي الأسرائيليبعيدا عن السياسة الرسمية الأسرائيلية وعن مواقف غلاة الصهاينة , الأمر الذي يجعلنا نتلاقى معها في هذه القضية أو تلك.

س.اليوم بعد أكثر من سنة ونيف على اطلاقك , هل غدوت قادرا على التحدث عن الحاضر والمستقبل ؟ هل اصبحت مستعدا للتكلم بالسياسة ؟

ج. أستطيع القول اليوم بعد اطلاقي وعودتي الى الحزب الشيوعي السوري وعضوية التجمع الوطني الديمقراطي , انني اصبحت قادرا الاجابة عن اي سؤال , علما انني مازالت بحاجة لاستيعاب العديد من الظاهرات التي لم تختمر في ذهني بعد , الا أن هذا لايمنعني من التحدث بوضوح ومسؤولية.

س. ولكن هل تشعر بأنك حر بدون قيود ؟

ج. بالمعنى العام لا أعتقد أننا في سورية نتمتع أو (نستمتع بحريتنا) . إنني حر بمعنى أنني خرجت من السجن الصغير إلى السجن الكبير. وعلينا جميعا أن نعمل على فتح أبوابه ليس بحثا عن الحرية القصوى وإنما سعيا إلى استرداد الحريات العادية التي سلبت من الناس , وهذا لايمكن أن يتحقق الأمن خلال نضال شعبي وتعاون مختلف القوى ضمن إطار برنامج وطني ديمقراطي.

من جانب آخر لا أواجه مضايقات مباشرة من السلطة , فهذه لا تراقبني أو تراقب منزلي. لكنني, مع ذلك, لا أعتبر منحة من السلطة أو حالة من التسامح (كما قال بعضهم), إذ أن خروجي من السجن كان حقي. والحقوق تنتزع ولا تستجدى. من حقي أن أكون حرا, ومن حقي أن أصرح بما اقتنع به في كل القضايا السياسية والاجتماعية وغيرها .

س. ولكن ألا تخشى إعادتك إلى السجن من جديد ؟

ج.وأنا لن أتخلى عن حقي في ممارسة السياسة مهما تكن الظروف, وأهلا بالسجن إذا كان ثمنا للتمسك بالرأي وحرية التصريح بالمعتقد, سبق لي أن قلت في حوار سابق لصحيفة " اللموند " الفرنسية . أنني ومنذ عام 1960 (تاريخ اول تجربة لي فعلية في السجن) وأنا أعيش أياما إضافية, وهذا ليس تبجحا على الإطلاق , السجن بالنسبة لي ضريبة لا بد من سدادها في مقابل الموقف السياسي, على الرغم من ان هذه الضريبة غير شرعية وظالمة ومنافية لأبسط حقوق الإنسان.

س. بعد خروجك من السجن , دار حوار واسع على صفحات جريدة الحياة عن تاريخ الحركة الشيوعية السورية, ودورك الشخصي ودور حزبك في تطوير الماركسية وتجديدها بعيدا عن النموذج السوفيتي , بعض هذه الكتابات وصفك بأنك "مثقف انتلجنسوي حالم تعتبر الفكرة واقعا " وانك وقعت" ضحية جموحك الراديكالي السياسي" في ما اتخذته من مواقف سياسية في نهاية السبعينات ... فما هو تعليقك على هذه المقولات ؟

ج. أظن ان هذا الطرح ليس دقيقا , فأنا كسياسي لست حالما, وحزبنا منذ مؤتمره الخامس عام (1978) طرح برنامجا وطنيا ديمقراطيا سلميا للتغيير. لم يلجأ للعنف ولم يؤيده, بل تعرض لأبشع أشكال العنف والاستبداد . اما ان " يحلم " الشيوعيون ويناضلوا من اجل العدالة الاجتماعية التي يرونها جملة من التدابير لتحقيق مصالح الطبقات الشعبية , فليس في هذا شيء من الخيال الجامح او الراديكالية غير الواقعية .أراد بعض من أتعبهم النضال , بحجة ما يسمونه الواقعية , أرادوا منا ان نتهرب من مسؤولياتنا , في حين نرى ان على المناضل السياسي ان يبقى على صفاته وان لا يتنازل عن طروحاته وعمله السياسي , على رغم الضغوط والمضايقات والسجن والتعذيب , وإلا فلا داعي لأن يعمل بالسياسة , فليذهب إلى بيته كغيره من الناس, ان على السياسيين الذين يتنطحون لطرح برامج ومواقف ان يتحملوا مسؤولية أعمالهم . وإذا كنت رضيت بالسجن ثمنا لموقفي السياسي وطالت المدة وغيبت , فهل هذا هو ذنبي أم ذنب النظام ؟ هل هذه مسؤوليتي أم مسؤولية الأجهزة ؟ أنا كسياسي أحاسب على ما طرحه حزبنا في تلك المرحلة . فأين الخطأ وأين التطرف ؟ أنا أعتقد أننا عموما أدينا واجبنا , ولكن خلال تلك المواجهة سقط من سقط واعتزل من اعتزل وصمد من صمد . وهذه هي سنة الحياة . وبصرف النظر عن الإمكانيات الحالية فان العاقبة هي للخط الصحيح , العاقبة هي للصامدين . نحن لم نزاحم السلطة على شيء من مكاسبها , وموقعنا أقل من أن يدفعنا إلى التطلع إلى السلطة, نحن نتطلع إلى نظام وطني ديمقراطي يتيح للناس الحرية الكاملة في التعبير عن مصالحهم المتناقضة في إطار توافق اجتماعي وتنافس سلمي يجري من خلال انتخابات تسمح بالتداول السلمي للسلطة. وهناك اقتناع اليوم, بأن الأساليب السابقة في ممارسة الحكم شاخت, وان النظام, وان أبقى على أجهزته الأمنية بكامل قوتها , فإنها لم تعد مطلقة اليد , على رغم وجود رؤوس حامية فيها. وعلى رغم الخروقات هنا وهناك فان ممارسة تلك الأجهزة تدخل في إطار " المعقول " إذا ما قسناها على الماضي , فالاستدعاءات التي تحصل تتم بهدوء والتوقيفات لا تدوم طويلا. ولم يعد المعتقل في السجن يهمل, بل يجري الاهتمام بملفه ويحل سريعا وتتخذ التدابير اللازمة حياله , تبقى هذه التدابير مقبولة إذا قيست بما كان أيام الثمانينات , لكنها مرفوضة قطعا في ظل نظام ديمقراطي سليم.

س. عدت بعد خروجك من السجن الى تحمل مهماتك في اطار الحزب الشيوعي السوري ( المكتب السياسي ) الذي خاله بعضهم انتهى في اعقاب الضربات المتتالية التي وجهت اليه . هل يعود رياض الترك الى الحزب الذي تركه عام 1980 ؟ وما هي المهمات المطروحة امام الحزب لتفعيل دوره وتطوير خطابه في ضوء التطورات الجديدة التي حصلت أثر انهيار الاتحاد السوفيتي؟ وهل تعتبر ان الماركسية سقطت بانهيار الكتلة الشيوعية ؟

ج. الأحزاب الحقيقية لا تنتهي عندما تواجه بالقمع , الاحزاب يمكن ان تضعف , يمكن ان تتراجع, لكنها لا تزول على رغم قسوة الضربات وتتاليها , بهذا المعنى نحن موجودون , وان كانت بنيتنا محاصرة , وفاعليتنا اضعف بكثير مما كانت في السابق , لكن ركائزنا الباقية لا تزال قادرة على الأستمرار. وتستطيع في ظل ظروف افضل ان تعيد البناء . نحن لسنا معزولين , وفي ضوء احتكاكي بالناس العاديين , وجدتانهم يكنون احتراما عميقا لحزبنا , بمعزل عن موافقتهم لمبادئنا الشيوعية او عدم موافقتهم , انهم يجدون فينا مثالا يحتذى . وينظرون الينا كضمير عبر عن مشاعرهم وتطلعاتهم . ان حرية تشكيل الاحزاب وحقها في الوجود والعمل , هما ما نطمح اليه ونناضل من اجله مع باقي الاحزاب والشخصيات المنضوية في اطار التجمع الوطني الديمقراطي . وباختصار يمكن القول اننا حققنا انسجاما بين ما طرحناه من برنامج ديمقراطي وما قدمناه من ممارسة سياسية وتضحيات في سبيل تحقيق هذا البرنامج . أما عن سقوط الاتحاد السوفييتي , فأنا لا أشعر بحرج ولا بأزمة ضمير , فحزبنا لم يكن تابعا لهم , ولم أكن تاليا شيوعيا تابعا كي أتحمل مسؤولية ما جرى , مثلما هو حال الأحزاب الشيوعية التابعة . بنى حزبنا نفسه ضمن منطق تجديد الفكر الشيوعي انطلاقا من واقعنا العربي , وبعيدا عن السوفييت وطروحاتهم , والكل يعرف قصتنا معهم منذ نهاية الستينات وكيف حاولوا خنقنا ومحاربتنا حين كنا لانزال في بداية الطريق . اذا نحن كشيوعيين لا نحمل اثم القيادة السوفيتية التي استبدت وفرطت والحقت وشقت في اطار الحركة الشيوعية , ولا أريد أن أكون متبجحا , لكن الحياة اثبتت صحة موقفنا , الا اني لست من الناس الذين يحملن سكينا ويجهزون على الدابة التي تسقط , انا بخلاف ذلك اعف ولا أتشفى. أما القول بان الماركسية سقطت بسقوط الاتحاد السوفيتي, فهذا ما لا أوافق عليه مطلقا. الماركسية كانت بالنسبة إلى و لا تزال منهجا علميا في تحليل الرأسمالية وفهمها ونقدها. ونظرتها إلى المجتمع الرأسمالي لا تزال سليمة وصحيحة. الماركسية لا تموت مادام هناك شيئا اسمه رأسمالية. ولكن على الماركسية أن تعيد تجديد نفسها باستمرار, سواء وجد حزب أو دولة تطبق الماركسية أم لا . وبغض النظر عن انهيار الاتحاد السوفيتي. إن ما طرحه ماركس وانجلز في القرن التاسع عشر مضت عليه 150 سنة, حصل فيها ما حصل من أحداث وتبدلات على النطاق العالمي, فكيف يمكننا بعد ذلك أن نردد ما كتباه, كما يفعل ضيقو الأفق والجامدون, حتى انغلز نفسه كان يقول: في كل فتح علمي كبير على الماركسية أن تجدد ثوبها. الماركسية هي منهج وما سقط هو التجربة, اذا كان هناك فعلا في الاتحاد السوفيتي ما يمكن ان يصطلح على تسميته تجربة اشتراكية, لأن ما جرىفي رأييلا يخرج عن إطار رأسمالية الدولة, في اي حال تبقى هذه الأمور مفتوحة للنقاش ويجب عدم الجزم بها, وعلينا أن نساهم في هذا المجال مع الباحثين والمفكرين والمؤرخين لتقديم أجوبة على الأسئلة المثارة, غير أن الأمانة تقتضي الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبه الاتحاد السوفيتي في مساندة حركات التحرر هنا وهناك في بلدان ما كان يعرف "بالعالم الثالث" و أخذت هذه المساندة أكثر من شكل سياسي وديبلوماسي واقتصادي وثقافي وعسكري, لكنها أخذت أيضا شكل المساعدة في الأعمار والتنمية وتطوير البنى التحتية التي تظل الشعوب هي المستفيدة الأولى منها, حتى بعد تبدل الأنظمة والأيديولوجيات.

س.اذا كانت الماركسية , كما تقول , منهجا علميا أو لنقل بعبارة أخرى أحد مناهج العلوم الأنسانية , لماذا اذا أعتبارها هوية يجب التماهي معها ؟ ولماذا ما زالت كلمة شيوعي من اسم الحزب ؟ وهل ما زلت كفرد متمسكا بهويتك وانتمائك الشيوعي ؟

ج.أنا في هذه المسألة أخالف كثيرين, فالشيوعية بالنسبة لي ليست نظريات فقط بل تاريخ في الممارسة والنضال والعمل و التضحية, أنا واحد من الذين يصعب عليهم التخلي عن هويتهم الماركسية الشيوعية, ولماذا أتخلى عن صفتي كشيوعي؟ هل يرفضني الشعب؟ هل يعارض طرحنا للخيار الديمقراطي؟ قد تكون هذه حالة حزب ما , عندما تتلوث سمعته نتيجة ما ارتكبه من أخطاء فيسعى إلى تبديل ثوبه عساه يستعيد شعبيته المفقودة , أما أنا فلا أجد نفسي معنيا بذلك, لأننا منذ مطلع السبعينات ,حققنا من خلال حزبنا قطيعة كاملة مع الدوغما السوفيتية والحزب الشيوعي السوري القديم. ووضحت تماما الفروق بيننا وبين إخواننا في الشيوعيين الآخرين, في ما طرحناه من برامج ديمقراطية و ما دفعنا من ثمن لهذه المواقف منذ عشرين سنة. إنني عندما أعلن نفسي شيوعيا لا أشعر بتأنيب الضمير, لا أحس بالهزيمة ولا أحس بالذل, لأن شيوعيتي منطلقة من إنسان يطمح إلى العدالة الاجتماعية وينشد كل ما هو مشترك وجيد وخير بين الناس, وبالطبع ليست هذه القضايا حكرا على الماركسية وإنما هي قضايا إنسانية بالمعنى الحضاري الشامل للكلمة, أنا أخشى, عندما أريد خلع هذا الثوب وارتداء ثوبا آخر, أن أكون منافقا. وأنا أرفض أن أكون منافقا. لكنني اليوم , أنا الآتي إلى موقع قومي من موقع ماركسي, أقف إلى جانب كل من يريد أن يجدد الماركسية ويطورها من خلال فهم أفضل لواقعنا كشرقيين, عربا بمسلميهم ومسيحييهم .

س.اذا رياض الترك لايزال يعتبر نفسه ماركسيا شيوعيا ؟

ج. نعم ما زالت , ولن اعمل تحت راية أخرى إلا في ظل التحالفات .

س. يعتبر بعض المراقبين ان الوضع السياسي في البلاد يمر بمرحلة انتقالية عنوانها الرئيسي تجديد الطواقم الحاكمة ومدها بالدم الشاب. ولكن في ظل الاستمرار, كيف تقوم الوضع الحالي وما هي رؤيتك للمخارج الممكنة ؟

ج.في بلدنا أزمتان: أزمة السلطة وأزمة المجتمع بجوانبها المختلفة . ولفهم حقيقة أزمة النظام, يجب العودة قليلا إلى الوراء . فالمفاهيم والبنى والمؤسسات التي يقوم عليها شكل الحكم في سورية , لم تكن شيئا ابتدعه النظام , انما هو نقل وتقليد لما كان سائدا في الكتلة الشرقية الزائلة . فمركزة السلطة ومركزة القرار ومفهوم الحزب الحاكم والجبهة الوطنية التقدمية والنقابات الشعبية والأجهزة الأمنية والصحافة الرسمية , كل هذه كانت سائدة بتلك الدول بشكل أو آخر المشكلة اليوم هي ان هذا الشكل والأسلوب في الحكم شاخا . والمسألة بالتالي ليست مسألة فساد او خلل اداري كما تحاول بعض الصحف تصويرها , المسألة هي أسلوب وشكل في الحكم تجاوزهما الزمن. هناك حاجة موضوعية للتغيير , سواء أتى من داخل النظام او خارجه , وتجد هذه الحاجة منادين بها من داخل أروقة السلطة , ضمن إطار ما بات يسمى ترتيب البيت الداخلي , وضمن منطق المحافظة على المكاسب والامتيازات, فالتغير بنظر المعنيين ليس انتقالا من سياسة الى سياسة , وإنما انتقال من شخص إلى شخص , وإذا اقتضى الأمر يجري بعض التغييرات خلال هذه العملية, بما لايعدو كونه إجراءات تجميلية في داخل البيت الواحد. أن عملية الأنتقال والتغييرات وتبديل بعض مراكز القوى والأشخاص ببعض آخر , تعتبر شكلا من التخبط بحثا عن مخارج لأزمة البلاد من خلال البحث عن حلول لأزمة النظام , في حين بات من المستحيل العثور على حلول لها الا من خلال البحث عن حلول لأزمة البلاد اولا . اما أزمة المجتمع فهي نتيجة ومحصلة لمل مارسه النظام خلال فترة حكمه الطويلة , خصوصا منذ الثمانينات , فقد أقصى السياسة عن المجتمع وأفقر شرائح واسعة من الناس , وخلق تمايزا اجتماعيا رهيبا وأزمة اقتصادية خانقة يعاني منها القطاع العم والخاص , في وقت انتشرت البطالة وبات المواطن العادي مشغولا باللهاث وراء لقمة العيش بعيدا عن السياسة وهمومها . قرأت في بعض الصحف العربية سجالات وتحقيقات عن محاربة الفساد في سورية وترتيب أوضاع البيت الداخلي شارك فيها كتاب واقتصاديون سوريون معروفون , وزار سورية أخيرا الاستاذ جوزيف سماحة من أسرة " الحياة" والتقى كثيرين من الشخصيات العامة واستقصى ارائها , وكتب مقالا طويلا على حلقتين عن محاولة الإصلاح والتجديد من داخل النظام , تلاه كثير من السجالات , أخشى ان يكون هذا الملفد فهم نوعا من الترويج للنظام , لم يعمد أحد ويا للأسف , الى ربط الفساد بغياب الديمقراطية , والمشاركة الشعبية من خلال نظام وطني ديمقراطي تعددي.

وحاول بعضهم , فلسفة , الفساد وجعله ملازما للطبيعة البشرية , والصحيح ان هناك نزوع عند بعض الأفراد نحو السرقة واللصوصية , بل ان هناك الكثيرين من صغار الموظفين الذين يدفعهم العوز والحاجة الى الرشوة والسرقة , لكننا نواجه اليوم فسادا عضويا شاملا ومعمما , يسود من الأعلى الى الأسفل , وهذا لايمكن اعتباره نزوعا ملازم للطبيعة البشرية , بل هو خلل موضوعي يرتبط بكون مركز القرار السياسي والاقتصادي لا تخضع للمراقبة القانونية ولا المحاسبة الشعبية. اما عن المخارج الممكنة لأزمة البلاد , فليس هناك الا المخرج الوطني الديمقراطي الذي يمكنه من تخفيف الأحتقان ومنع الأنفجار ويجنبنا الصراعات القديمة والتفتت الأجتماعي والطائفي, ان تجاوز الماضي, لن يكون الا نتيجة لسياسة ديمقراطية سليمة منفتحة ورصينة . لكن مثل هذه السياسة سيبقى محض خيال ان لم تنهض القوى الأجتماعية على تنوعها, وكذلك القوى السياسية المعارضة, للدفع باتجاهها ولتحقيق التغيير المعبر عن مصالحها وتطلعاتها. وفي مناسبة الحديث عن القوى الاجتماعية أشير إلى أن البورجوازية الوطنية السورية, والصناعية منها خصوصا, آن لها أن تنخرط في البرنامج الوطني العريض الذي يطالب بإحداث تغيير جوهري ديمقراطي في حياة البلاد, على رغم اختلاف وتأئر التدمير التي حاقت بها قياسا على سواها من الفئات الاجتماعية, فان هذه الشرائح البورجوازية منكوبة بدورها ومهددة في كل حين بالسقوط القسري إلى مراتب أدنى في السلم الاجتماعي, والحال ان سقوطها ليس نكسة اجتماعية لها وحدها, بل هو نكسة للاقتصاد الوطني, للاستثمار والتنمية والحد من البطالة وخلق فرص العمل. ومن حيث المبدأ يجب ان تكون البورجوازية, مع اطلاق الحريات , ان لم يكن من اجل انعتاق المجتمع, فعلى الأقل من اجل ضمان حد ادنى من الحرية للمال العامل في الصناعة او الاستثمار, وإلا فان هذا المال سينفر ويهاجر إلى الخارج عند ظهور أي سحابة سوداء. إذا كانت هذه البورجوازية وطنية, ثم إذا كانت منتجة فعلا وراغبة في التعاقد السليم مع ناسها وأسواقها الوطنية, فان عليها واجب البحث عن مخارج صحية وصحيحة لأزمة المجتمع, وعليها الانخراط مباشرة في دعوات التغيير. أما إذا اكتفت بأداء الوظائف الطفيلية واقتصرت طموحاتها على البقاء في الباحة الخلفية للاقتصاد الوطني, فإنها, في هذه الحال, لا تستقيل من مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية وحسب, بل تنسحب تماما من عجلة التقدم ومن سنن الحياة المعاصرة. إن المخرج الديمقراطي يقوم على إلغاء حال الطوارئ وتحرير المجتمع من الرقابة المفروضة عليه, وإطلاق الحريات العامة كحرية الصحافة والاجتماع وإبداء الرأي, كما يستدعي تحرير الحياة العامة من القيود المفروضة على العمل السياسي والسماح بتأسيس الأحزاب والمنظمات السياسية وفق أنظمة ومعايير قانونية محددة وواضحة, كما يجب رد الاعتبار إلى الدولة ككيان يعبر عن المجتمع بعموميته , وبالتالي لا بد من تحريرها من اسر السلطة , أيا كانت هذه السلطة. وهنالك, بالطبع, مطالب عاجلة مثل إطلاق المعتقلي , وكشف مصير المفقوديين, والسماح بعودة المهجرين والمبعدين ... وما إلى ذلك من تفاصيل حقوقية مباشرة لامجال فيها لاختلاف أو اجتهاد.

س.ما هو تقويمك للجبهة الوطنية التقدمية ولدورا لأحزاب المشاركة فيها في صنع القرار السياسي؟ وهل تعتبرها مسؤلة امام الناس عن السياسات المتبعة في البلد ؟

ج.المنطق الذي كان سائدا في الحقل السياسي السوري يقول :اما ان تتبع النظام وتنتمي الى مؤسساته, واما ان لا تتبعه وتنتمي الى العالم السفلي. الجبهة وليدة هذا المنطق وهي مؤسسة من مؤسسات النظام وأحد اشكال تعبيرات التوافق والتحالف السياسي بين النظام والأحزاب الأخرى التي وافقت على برنامج الجبهة , انا أرى ان هذا الشكل من أشكال التحالف انتهى . هذا لايعني انهم كأحزاب انتهوا ففيهم الكثير من الشخصيات الوطنية التي ناضلت في فترة سابقة من حياتها, لكن الأسلوب الذي عامل فيه النظام هذه الأحزاب أدى الى حرمانها كثيرا من مقومات نشاطها ووجودها وألحقها بسياسته وهي تحصد اليوم النتائج بسبب تحالفها مع النظام , وهناك موقف شعبي رافض لها , وعسى ان يملك بعضا منها الجرأة الكافية ليعيد النظر في سياساته .

س.ما هو موقفك من الإسلام السياسي, وما هو دور حركة "الأخوان المسلمين" ومكانتها كحركة سياسية في المستقبل السياسي لسورية, وكيف تنظر إلى مظاهر التدين المتزايدة داخل المجتمع السوري ؟

ج.أنا أعتبر أن للإخوان المسلمين كحزب سياسي الحق في الوجود والعمل السياسي . ولكن عليهم أن يعيدوا النظر في السياسات التي سلكها بعض أطرافهم في نهاية السبعينات ومطلع الثمانينات, وان ينبذوا طريق العنف وان يسيروا في الاتجاه الديمقراطي. وأرى انه يجب ألا تكون هناك موانع من وجود تيار سياسي يستلهم التراث الديني, لكن شرط ألا يستغل وألا يحتكر الدين وألا يكفر الناس . وأعتقد بان التجربة الأخيرة لا بد ان تدفع بالعقلاء من الأخوان إلى أن يؤسسوا سياسة جديدة أكثر انفتاح وديمقراطية. أما مظاهر التدين في المجتمع فأعتبرها أحد أشكال الاحتجاج على الوضع السائد , ففي ظل انسداد الآفاق لجأ الناس الى الله متضرعة لتغيير هذه الحالة. هذا لايعني طبعا ان كل المؤمنين يتقاسمون هذا الحال, فكثير منهم يؤدون واجباتهم الشرعية عن قناعة و إيمان بعيدا عن السياسة, ولكننا في ظروف اليوم, نجد أنفسنا أمام ظاهرة اجتماعية لا يمكن تناولها بمعزل عن أبعادها السياسية الواضحة.

س. بعض الأوساط الشعبية في مدينة حمص اعتادت التفريق بتن حزبكم والحزب الشيوعي الآخر, من خلال مسميات من مثل " الشيوعيين المؤمنون " و " الشيوعيين الكفار " حيث يقال انكم في تأبينكم لأحد رفاقكم الذي توفي في عام 1976 ختم الكلمة التي القيتموها على القبر بعبارة " انا لله وانا اليه راجعون " فكيف تفسر لنا ذلك ؟

ج.ان الناس قادرة بحسها الشعبي ان ترى الفوارق وتعبر عنها ولو بلغة مبسطة . فالناس تميز ان " ليس كل العدس عدسا " اذا جاز القول , بل هناك فوارق تفصيلية وأساسية , يحاولون معرفتها وفهمها , واذا دلت هذه العبارات الى شيء , فإنها تدل إلى أننا لم نعد معزولين عن الناس , ولم نعد نشعر بغربة عنهم , ولم يعد المجتمع يرفضنا لاننا عبرنا من خلال تجربتنا وممارستنا عن مصالح الناس وأمانيها. اما موضوع التأبين فهو يرتبط بقصة أحاول إيجازها , فعندما توفي الرفيق نوري حجو وهو ابن مدينة حمص , صدر نعيه خاليا من العبارات الدينية وبما يخالف العرف والعادة , لم يكن الأمر مقصودا , لكن بعض الأوساط المتزمته التي تترصد الحزب على اي هفوة , استغل الحالة للتشهير بالحزب واعتبار أعضائه ملحدين لايحترمون الدين , وحال قدومي من دمشق برفقة الجثمان , علمت بالحادث والتوتر الذي نجم عنه, فختمت الكلمة التأبينية, التي ألقيتها على ضريح الغائب بعبارة " انا لله وانا إليه راجعون " والحقيقة انني يومها تكلمت بمزاج المشيعين تكلمت بما لا يؤذي ولا يفسر وأطفأت حريقا وان كان صغيرا . هذه هي تقاليدنا وهكذا يستحب ان تختم كلمة التأبين وما الضير في ذلك وهل هذا نفاق كما صوره بعضهم أبدا, بل إنني أميل اليوم بعد هذا العمر الطويل الى تجنب الاستفزازات الجانبية واحترام الأصول والطقوس التي تتبع بهذه المناسبات بدءا من نعي الميت وانتهاء بتأبينه على القبر فالأشكال القديمة الفجة من الطيش والسلوك الماس بالدين عملت على عزل الشيوعيين عن الناس الديمقراطية الصحيحة وان أتاحت لك التقدم والتعبير بحرية عن أرائك ومعتقداتك, تطلب منك أن تحترم معتقدات الآخرين وآرائهم قد لا يرضي هذا الكلام العلمانيين المتزمتين , لكن علينا في هذا المجتمع ان نتعامل بصدر رحب, ونعيد ما هو مفقود بيننا من حوار واحترام للرأي الأخر.

س.بما انك طرحت موضوع الحوار وتقبل الآخر, احب ان اعرف رأيك في مفهوم الديمقراطية, وكيف تنظر اليوم إلى دور المجتمع المدني, ما هو دور المثقفين والمبدعين في تنشيط هذا الدور؟

ج.لمفهوم الديمقراطية بعدان سياسي وحضاري. أما البعد السياسي فمرتبط بتراث طويل من التراكمات والنضالات (التي عبرت عنها بعمق مبادئ الثورة الفرنسية) واليوم باتت الديمقراطية بشكلها السياسي والحقوقي افضل أشكال الحكم وأكثرها نضجا إذا ما قورنت بما هو سائد من نماذج أخرى في بعض بلدان العالم لكن ما نلاحظه في منطقتنا من خلال التجارب السابقة ان الأحزاب التي نادت بالديمقراطية سرعان ما أدارت ظهرها لها أثر وصولها إلى السلطة مثل " حزب البعث " لذلك لايكفي ان تطالب بالديمقراطية السياسية بل علينا استلهام الديمقراطية ببعدها الحضاري داخل خطابنا الثقافي وبنانا المجتمعية وروابطنا الأسرية وتأصيلها, ونشرها الديمقراطية اليوم ليست شعارا للتغيير السياسي انما هي ممارسة على مستوى المجتمع كله في مجالات العمل والثقافة والأدب والعلاقات المجتمعية والأسرية ومجتمعنا ليس مخنوقا سياسيا فحسب بل مخنوق حضاريا أيضا. أما فيما يخص موضوع المجتمع المدني, فإنني اعتقد بخلاف ما يراه بعض الباحثين في العلوم الإنسانية, ان هذا المجتمع موجود في حالة كمون في بلدنا , وان غيبت المؤسسات المعبرة عنه لصالح بنى واشكال من صنع السلطة , تساعدها على ضبطه وتقييده بدلا من تحريره وإطلاق طاقاته, لذلك لم يبق للمجتمع الا الصمت ليعبر من خلاله عن وجوده وعن رفضه للوضع القائم, إذا الصمت هنا موقف لكن هذا الصمت لا يمكنه ان يدوم الى ما لا نهاية ولا بد للمجتمع بقواه الحية من ان يفرز تعبيرات جديدة تنتمي إلى عالم البيانات والمواقف العلنية والفعل , وما شاهدناه حديثا من تحرك السينمائيين دفاعا عن مهنتهم في وجه محاكم التفتيش الجديدة , وفي وجه حملة الصحافة الرسمية ضد مؤسستهم وأشخاصهم هو خير تعبير عن بعض التباشير التي باتت تلوح هنا وهناك مؤكدة الحاجة الموضوعية للتغيير ومبينة ان هذا الصمت راح ينفرج قليلا. إن بيان السينمائيين السوريين الذي امتنعت الصحف المحلية عن نشره ونشر في "الحياة" وان لم يطرح شعارات سياسية, لكنه من صلب السياسة كما هو من صلب الثقافة, فالسينمائيون بالدفاع عن حقهم بالاستقلال وبالتمتع بجو من الحرية يستطيعون من خلاله أن يبدعوا وينتجوا أعمالا تخرج من ذاتهم الحرة إنما يدافعون عن الحرية ويمارسونها فعليا ببعديها السياسي والحضاري, وأنا اعتبرهم افضل من السياسيين الذين لايقومون بشيء سوى تكرار مقولاتهم الممجوجة. أخيرا أود التأكيد أن الاستبداد لا يعوق التطور الديمقراطي في حياتنا السياسية فقط, وإنما يؤخرنا حضاريا. أما المجتمع الحر سياسيا فيطلق الظروف والأجواء التي تسرع تقدمنا الحضاري وتعمقه.

س.تسود ظاهرة غريبة داخل الحقل الثقافي السوري, حيث بتنا نرى الكثير من المثقفين السوريين يتسابقون الى توقيع البيانات دفاعا عن حرية الرأي والتعبير في بلدان أخرى غير بلدهم (محاكمة روجيه غارودي, محاكمة مرسيل خليفة) فيوقت يتناسون ما يجري في وطنهم, وفي اقرب الدوائر إليهم, كيف تفسر ذلك ؟ وهل تشعر بالمرارة لأن كل من تضامن معك علنا إنما فعله بعد خروجك من السجن؟

ج.لايمكن تفسير ذلك بمعزل عن جو القمع والخوف في سورية الذي يمنع مثقفين كثيرين من التعبير صراحة عن آرائهم ومواقفهم. هناك خطوط حمر مفروضة على الجميع, وتجاوزها يحتاج الى تنسيق وتعاون وشجاعة. ماذا يحدث حاليا عندما تكون هناك حالات سورية معينة تستدعي التضامن والاحتجاج من اجلها؟ إننا نجد كثيرين منهم ينكمشون, ومصدر هذا الانكماش ضيق الهامش الديمقراطي المتاح. علينا أن لانحملهم ما لا يطيقون, أما أنا شخصيا فلا أشعر بالمرارة, بل بخلاف ذلك اعلم أنني كنت بقلوب الكثيرين منهم , لكنهم منعوا من التعبير عن ذلك .أما هل عبرت انا كسيلسي عن ضمائرهم فاعتقد انني قمت بواجبي وأترك للآخرين حرية القيام بواجباتهم . وفي الأسلام هناك ما يسمى " فرض كفاية " اذا قام به بعضهم سقط عن الآخرين .

س.ماذا تشعر حيال مظاهر البذخ والرفاهية التي نراها اليوم لدى شرائح معينة من مجتمعنا؟

ج.التفاوت الاجتماعي والفوارق التي أراها اليوم في مجتمعنا, تذكرني بعوالم ألف ليلة وليلة وبالعوالم التي تنسب إلى الخلفاء المبذرين, حالات تدعو الى القرف والاشمئزاز والانتفاض. بالقرب من منزلي أرى بعضهم يتجمع على حاويات القمامة بحثا عن لقمة للأكل, أوعن البسة رثة أو عن شيء يمكنهم بيعه. هذا إنسان وذاك إنسان, واين هي الإنسانية والوطنية في هذا العالم الجديد المترف والمجنون, حيث تهرب فيه الطبقة الثرية المستفيدة ثرواتها للخارج وتكتفي في الداخل ببناء القصور والقلاع؟ خرجت من السجن لأجد العالم قد تغير. عالم أناني, مظاهر خادعة, حضارة زائفة تدهش السائح الأجنبي لكنها لا تولد عني أي رغبة في آن أعيش متعها الكاذبة.

س.هل تخاف الموت؟

ج.انا انسان, مثلي مثل كل بقية البشر, أحب الحياة. ولكن في حالات الاحتدام والصراع السياسي التي تنطوي على أخطار قد تؤدي إلى الموت, في مثل هذه الحالات قد ينبري بعضهم للدفاع عن آرائه وأفكاره ومبادئه من دون أي خوف من الموت. في مثل هذه الحالة أنا لا أخاف الموت لأنه يحمل بعدا إنسانيا ومبررا سياسيا. على سبيل المثال لو رأيت سيارة تصدم طفلا, ألا تشعر بأن من واجبك إبعاده عنها, على رغم انه بانتشالك إياه قد تصدمك ويعيش هو وتموت أنت؟ كذلك الأمر في عالم النضال السياسي: عند دفاعك عن أفكارك وأرائك السياسية, يستطيع الجلادون أن يعتقلوك ويعذبوك, ويمكن أن تفقد حياتك تحت التعذيب . إذا يجب أن يضاف إلى فكرة الموت الحالة التي يعيشها الإنسان لحظة الموت. ليس هناك عاقل لا يخاف الموت , وانا من جهتي أخافه, ولكن عندما يكون بيني وبين الموت قضية ويقف الموت حاجزا بيني وبينها , عندها اقتحمه.

 عودة إلى صفحة البداية