بيان

الحرية للمعتقلين السياسيين


مر اكثر من ستة اشهر على حملة الاعتقالات التي شملت كلا من رياض الترك الأمين الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري وعضو قيادة التجمـــــع الوطني الديمقراطي ،ورياض سيف ومأمون الحمصي عضوي مجلس الشعـــب ، وعارف دليلة الأستاذ الجامعي والخبيـــــــــر الاقتصادي وحبيب عيسى المحامي والناطق الرسمي لمنتدى جمال الاتاسي وحبيب الصالـــــــح

وكمال اللبواني ووليد البـني وحسن سعدون وفواز تللو الناشطين في الحركات الاجتماعية وحركة المجتمع المدني 0 ثمانية من العشرة وضعوا في القسم الخاضع للأمن السياسي في سجن عدرا بدعوى تقديمهم لمحاكمة لم تجر حتى الآن أمام محكمة أمن الدولة التي تخضع أحكامهـا لتصديق وزير الداخلية بوصفه نائبا للحاكم العرفي ، أي أمام محكمة تابعة لوزارة الداخلية 0 وبكلام آخر عندما لم تجد السلطة عند المعتقلين ما تتهمهم بـه لجأت إلى المخرج الاحتياطي : محكمة أمن الدولة التي تستمد سلطانها من حالة الطوارئ والأحكام العرفية 0 أما عضوا مجلس الشعب فقد قدما ، بعدان نزعـــت عنهما الحصانة ، إلى محكمة الجنايات ليحاكما موقوفين ، بما يشير إلى سوء استخدام القضاء للتغطية القانونية لتصرف السلطة غير المتوافق مع روح القانون المشتقة من روح العدالة0

واضح أن السلطات تعاقب المعتقلين وتصدر " أحكامها" عليهم أولا ، ثم تنفـذ هذه الأحكام ثانيا ، ثم تستخدم القضاء العادي وما يسمى بالقضاء الاستثنائي لتغطية تصرفاتها المخالفة للقانون ثالثا 0 وبذالك تكشف من حيث لا تريد ، أنها لا تعامل من ترى فيهم خصوما لها حسب القوانين التي تسنها بنفسها وتعلن تمسكها بها ، أي أنها تنفي بنفسها التهم التي تلصقها بخصومها0
لقد كان الاعتقال رسالة إلى قوى العارضة السلمية ، على اختلاف مشاربها ، بل إلى كل القوى العاملة على التغيير الديمقراطي والإصلاح أو الراغبة بهما ، والى كل الناشطيــــــــــن سياسيا أي سلميا ، بمن فيهم عناصر من النظام نفسه أو من القوى الدائرة في فلكه أو المتحالفة معه 0 فحوى الرسالة هو التحذير من الخروج علــى الهامش الضيق للحركة المحدودة التي أتاحها النظام تحت ضغط الضرورات و التغيرات في العالم و في المنطقة 0

لقد تناول الاعتقال قوى مناضلة من أجل الإصلاح والتغيير من خارج السلطة ، لكنه أساء إساءة بالغة لجدية السلطة في الإصلاح و التغيير ، كما فهما من خطاب القسم الذي استهل به الرئيس بشار الأسد عهده 0

ماذا بقي من الرسالة التي وجهتها السلطة إلى المعارضة السلمية بعد مضي ستة أشهر و نيف على الاعتقال ؟

لقد بقي شيء واحد لم يكن متضمنا في الرسالة و هو أن قوى نافذة في السلطة لا تزال عصيّة على التغيير ، و لا تريد أن تربط بين الأزمة القائمة في البلاد و بين النهج الذي سارت عليـــــه طوال عقود ، و لا تقبل رأيا آخر مخالفا لرأيها ، لأنّها لا تقبل نهجا آخر للبلاد غير نهجها 0

و ما يقال عن الرّأي الآخر و حقه في الوجود ، إنما هو إعلان موجه للخارج ، لأن هذا الإعلان لا يترافق مع تأمين شروط وجود هذا الرأي و القدرة على إعلانه ، أي شروط حرية الرأي 0

فلا يمكن فهم اعتقال العشرة إلا كإلغاء واقعي لما سبق قوله عن حق الرأي الآخر في التعبير عن نفسه 0 و في الحقيقة لا تريد الأطراف المتشددة في السلطة إلا آراء مستنسخة عن آرائهــــــــا و ما تقصده بالحديث عن الإصلاح و التغيير و التطوير ، إنما هو تأكيد على الاستمرار على النهج الذي أدخل البلاد في أزمة بنيوية تتجلى في جمود سياسي ينعكس سلبيا على وزن البلاد و دورها ، و في عجز إداري عام ، و فساد مستشر في جهاز الدولة ، إضافة إلى ركود اقتصادي مزمن ، و بطالة واسعة و بطالة مقنّعة و مستوى معاشي مترد للناس الذين يعيش 60% منهم تحت خط الفقر 0 مع أن هذه الأوساط تعترف في أحاديثها الخاصة بعمق الأزمة القائمة و تقرّ بصعوبة الخروج منها ، فإنها تصرّ على الاستمرار على النهج القديم 0 فهل هذا تعبير عن الخشية على المواقع أم على المصالح ؟ أم عليهما معا ؟

ينعكس تعقد الظروف الدولية و الإقليمية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على الشعـــــــب الفلسطيني ، وعن مشاريع العدوان الأمريكي على العراق ، ينعكس سلبيا على الأزمة الداخلية الأمر الذي يفرض التغيير 0 لكن التغيير لا يمكن أن ينجح بدون مشاركة فاعلة من القوى الاجتماعية المختلفة 0 لقد تعامل السوريون بمسؤولية عالية مع الصعوبات القائمة و أظهروا نوايا طيبة تجاه وعود الإصلاح و لإنجاح توجهات جديدة لعهد جديد يجري فيه التغيير بشكل هادئ و سلمي و تدريجي 0 لكن مسؤولية السلطة تتلخص في أن عليها أن تقوم بخطوة حاسمة على هذا الطريق ، و هي طيّ ملف الاعتقال الذي هو جرح متعفن في جسد المجتمع لا يزال ينزّ قيحا و صديدا ، فتبدأ بإطلاق سراح المعتقلين العشرة و تخرج المئات المتبقين في السجون منذ سنوات طويلة 0 ذلك هو مطلب شعبنا ! و تلك هي التزامات السلطة تجاه الدستور و تجاه حقوق الإنسان !


دمشق أواسط آذار 2002
التجمع الوطني الديمقراطـــي فــي سوريــة

 عودة إلى صفحة البداية