رياض الترك بطل أول محاكمة علنية في محكمة أمن الدولة العليا

أخبار الشرق - خاص

لأول مرة منذ إنشاء محكمة أمن الدولة العليا في سورية عام 1968 سمح أمس الأحد رئيسها القاضي فايز النوري بحضور صحفيين ودبلوماسيين غربيين الجلسة الأولى من محاكمة الامين الاول للحزب الشيوعي السوري - المكتب السياسي رياض الترك.

والمحكمة التي اعتادت ان تكون جلساتها سرية وغير علنية، باستثناء وحيد تم عام 1992 حين سمحت لمراقبين من منظمة العفو الدولية بحضور جلسات محاكمات اعضاء من حزب العمل الشيوعي، فتحت أمس ابوابها واسعة امام دخول 10 صحفيين وثلاثة دبلوماسيين من السفارة الاسبانية والهولندية والالمانية، اضافة الى تسعة محامين، وزوجة المتهم الطبيبة أسماء الفيصل، الامر الذي دفع رئيس جمعية حقوق الانسان في سورية غير المرخصة هيثم المالح الى التعليق على الامر بأنه "خطوة كبيرة جداً لا بد من تقديرها".

وفي قاعة المحكمة، التي هي عبارة عن صالون كبير، انتظر الصحفيون ومن معهم قليلاً قبل ان تدخل هيئة المحكمة وتجلس على القوس، وتألفت اضافة الى النوري من المستشارين جاد الله الخطيب والعقيد منجد بدران وممثل النيابة العامة منصور علاء الدين.

ثم جُلب الترك الى القاعة من غرفة مجاورة، فبادره النوري بسؤاله ان كان هو "المتهم رياض الترك" ومن من المحامين الموجودين يوكّل، فرد الأخير بصوت عالٍ وقال "قبل أن تسألني عن اسمي أو من أوكل أريد أن أؤكد أني لم استلم بعد إضبارة دعوتي ولم أبلغ بموعد هذه المحاكمة, وجاءوا بي على غفلة مني".

وأضاف "لم يتم التحقيق معي امام قاضي التحقيق أو النيابة العامة، وانما سُئلت: هل أنت كاتب هذه الوثيقة؟ وهل هذا التصريح أنت تاليه شفويا؟ فأجبت بنعم، وسُئلت: عن رأيي في الاتهامات الموجهة إليّ دون ان يقدم أي دليل عليها، وهذه مخالفة واضحة"، واصفاً الطريقة التي استُقدم بها إلى هذه المحكمة بأنها "غير صحيحة".

وتابع الترك، وهو محامٍ بدوره، دون أن يُفسح الكلام لأي من المحامين الذين كانوا يحيطون به "أعتبر أن لا شرعية أو اختصاص لهذه المحكمة بالنظر في قضيتي لذا أنا أردها، وإذا كانت محاكمتكم بنفس الطرق السابقة فأنا أقاطعها".

ورد القاضي بكل هدوء "من حقك المقاطعة، اما نحن فأمامنا قرار اتهام، إذا أعجبك جاوب واذا لم يعجبك قاطع". وأضاف موضحا للترك "ان المحكمة غير مقيدة بأصول المحاكمات حسب مرسوم انشائها، ثم أرجو التعاون الصحيح معنا وان لا تعتبرنا خصوماً لك، وأنا قاضٍ ومن واجب محامي الخصم التعاون معي لإظهار الحقيقة ولتوجيه المحكمة إلى القانون الأنسب لتطبيقه"، طالباً من الترك "التكلم بهدوء و دون أية عصبية".

وبعدها قرأ المحامي خليل معتوق مطالب الدفاع ولخصها في "تأجيل الجلسة وإجازة الحصول على نسخة من ملف الدعوى وقرار الاتهام، والإجازة للمحامين بلقاء موكلهم على انفراد"، فموافق القاضي عليها جميعها لكنه تحفظ على طلب تقدم به الترك برفع الجلسة مدة شهر كامل بحجة اتاحة الفرصة له لقراءة ملف القضية، فرد القاضي مستغرباً طول الفترة وقال له "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" ورفع الجلسة بعدها إلى التاسع عشر من الشهر القادم.

وفتح النوري، الذي هو عضو في اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، الباب أمام المحامين لإبداء كل منهم ملاحظاته دون أن يُقاطعهم وترك لهم كامل الوقت الذي يريدونه، وقال لهم "نحن لسنا خصوما وعلينا ان نتعاون ولو كنا ضد الدفاع لما دعوناكم، وبدورنا فاننا سنوافق على كل شيء قانوني ونحن ضد الغلط"، وكان الترك في هذه الاثناء يتبادل القبل مع عدد من الحضور بمن فيهم زوجته، ووافق القاضي أن يأخذ الدفاع معه عند اجتماعه مع الترك في سجن عدرا حيث هو موقوف منذ نحو ثمانية اشهر، كتابين عن قانون الطوارئ ومرسوم إحداث محكمة أمن الدولة العليا.

وكان المحامي معتوق أعلن السبت أن النيابة العامة لدى محكمة امن الدولية العليا في سورية وجهت الى الترك (71 عاماً) مجموعة اتهامات على خلفية تصريحات كان أدلى بها لقناة الجزيرة وصحيفتي "النهار" اللبنانية و"لوموند" الفرنسية ومحاضرة ألقاها في منتدى جمال الأتاسي، منها السعي الى نشر "انباء كاذبة او مبالغ فيها من شأنها ان توهن من نفسية الامة او تنال من هيبة الدولة او مكانتها المالية"، و "ترمي الى اضعاف الشعور القومي وايقاظ النعرات الطائفية والمذهبية"، و"تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة"، اضافة الى السعي ل "إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور".

وخلص معتوق إلى القول إنه "إذا ما أُدين الترك، فإن عقوبته ستتراوح بين ثلاثة أشهر والسجن المؤبد، مع الإشارة إلى أنه كان استفاد من عفو رئاسي عام 1998 بعد سجن استمر مدة 17 عاماً وثمانية أشهر.

وحسب مرسوم إنشاء محكمة أمن الدولة العليا في سورية رقم 47 لعام 1968 فإن المحكمة "تمارس مهامها حسب مقتضيات الأمن بأمر من الحاكم العرفي"، وهي "لا تتقيد بالإجراءات الأصولية المنصوص عليها في التشريعات النافذة في جميع الادوار والاجراءات اللاحقة والتحقيق والمحاكمة، ويكون للنيابة العامة عند التحقيق جميع الصلاحيات المخولة لقاضي التحقيق ولقاضي الاحالة"، كما "لا يجوز الطعن بالاحكام الصادرة عن محكمة أمن الدولة العليا ولا تكون هذه نافذة الا بعد التصديق عليها من رئيس الدولة الذي له حق إلغاء الحكم مع الامر بعادة المحاكمة او الغائه مع حفظ الدعوى او تخفيض العقوبة واو تبديلها باقل منها"، و"يكون لحفظ الدعوى مفعول العفو العام، ويكون قرار رئيس الدولة بهذا الشأن مبرما غير قابل للطعن بأي طريق".

 

E عودة إلى الأعلى