بأقلامهم (بدون تعليق)
"إن دقة
حروف الهجاء العربية وتداخل بعضها في بعض، فضلاً عن سقوط الحركات والضوابط في
الكتابة العادية، ساعد على استنباط ما لا يحصى من النكات والداعابات التي تختص -
طبعًا -
بالقارئ العربي. فأنت بإزالة نقطة من حرف معجم أو إضافة نقطة إلى حرف حالٍ، أو
إبدال حركة من أخرى، تستطيع أن تتلاعب بالمعاني كما تشاء، وتولِّد منها ما يحلو لك
من الدعابات والمكايد. نمثل على ذلك بأبيات نظمها الشيخ ناصيف اليازجي، وبنى عليها
عقدة حكاية أوردها في المقامة الثالثة عشرة من كتابه "مجمع البحرين" وهي
أبيات مدح تتحول بالتصحيف والتحريف إلى أبيات هجاء، نظمها الشاعر في الرواية
مدحًا، فنقلها ظريف خبيث إلى الممدوح هجاءً بعد تصحيفها وتحريفها؛ وإليك القصيدة
بنصيها:
قال الشاعر مادحًا:
من رام أن يٌلقي تباريح الكُرَب من
نفسهِ فليأتِ أحلافَ العَرَب
يرى الجَمال والجِلال والحَسَب والشََّعر
والأوتارَ كيفما انقَلَب
أشرفُ أهلِ الأرضِ عن أُمِّ وأب وأسمَحُ
الناسِ وأجرى من يَهِب
لا تُعرَف الأقذارُ فيهم والرِّيب ولا
يبالون بإحرازِ النشــب
لكن يغارون على حفظِ النسب
فقال الظريف هاجيًا:
من رام أن يَلقى تباريح الكُرَب من
نفسهِ فليأتِ أجلافَ العَرَب
يرى الجِمال والجِلال والخَشَب والشَّعر
والأوبارَ كيفما انقَلَب
أسرقُ أهلِ الأرضِ عن أُمِّ وأب وأسمَجُ
الناسِ وأخزى من نَهِب
لا تُعرَف الأقدارُ فيهم والرُتَب ولا
يبالون بإحرازِ النســب
لكن يغارون على حفظِ النشب
والفروق بين النصين لا تتجاوز بعض النقاط والحركات.
وغني عن البيان أن هذه الفروق لا تنقل إلى لسان آخر."
In Other
Words (Baker, Routledge, 1991, Pgs.259, 260)