رجل في هواءٍ مستعمل

يقعد ويفكّر في الحيوانات

 

1985

 

 

 

إنَّهُ رملٌ مشبوه

تحت سماء حقيقية

وشاعر يقدّم برتقالةَ رأسه

بقليل من الكلمات لأوَّل بوهيميّ.

 

رجُلٌ آخر

يحاول كتابةَ القصائد

وأمطارٌ غزيرة.

 

 

 

شيء من هذا القبيل

 

لم أحلم مطلقاً بأنَّ ذلك قد يحدث:

مجموعة هائلة من السنوات

وعليَّّ أن أُبيدها

بمطرقة!

كلُّ هذا وَصَلَ فجأة

كبركان يجب أن أعزل بلحظةٍ جميعَ رماده

ولستُ آسفاً

لكنني ضجران

وتعبتْ يدي.

سنوات!

سنوات!

سلالم لا تنتهي لالتقاط ملاكٍ أو ذبابة

أيَّام وحيتان

بَشَرٌ غيرُ مدعويّن ومطابخ ورؤوس نيئة أو مشويَّة

وفروجٌ وآلاتُ رجالٍ ومزابل

لا يمكن وضعها كلَّها الآن في طابور

وهرْس أصابعها.

لذلك

الرؤيا باردة

وينبغي الصراخ بشيء آخر

الأرواح تافهة

يمكنك أن تثقل أجنحتها بالأسراب الانتحارية

أو تطلق عليها مصارعي السومو

وتتفرَّج.

 

 

 

على الجبال

 

على الجبال التي

لا يضحّي الثلجُ بنعله الجديد لهبوطها

يسلَّم بريدُ الحماقات اليوميَّة، قسراً،

لقلوب مفتوحة كقعر سفينة-

(جان جيونو يتذكَّر أكثر المساعي مهانةً

وتلقيح الناس ضد السموم بتسميمهم قليلاً كلَّ يوم،

إدوارد توماس يتفحَّص الجبهة تحت مطر بارد و ناعم

حائراً هل يبقى قرب النافذة

أم على السلَّم حيث يأتي تحطُّمه في الطبقة السفلى

بشكل أفضل،

وجوه روبرت موزيل تجمع بين رافائيل وأنثى الخنزير

وهو متأكد أنَّ المرء يمشي

بعد سلاسل الحراس

كأيّ سائح) –

على الجبال إذن

حيث تُسلَّم جميع الرسائل لغير أصحابها،

مع خصياتٍ صغيرة جائزةِ ترضية،

يلاحَظ أنَّ الغوغاء تجمَّعت

بفعل اللواط

وأنَّ تشريح الحنان البشريّ والسلام المحشّش باستمرار

يتمُّ بلا دم.

 

الشوارع تنام هكذا:

ثلاثة مليارات نعل في خبطة واحدة

تحّركها جماجمُ للاستعمال الخارجيّ،

مراكزُ عبادة بُنيت مناصفة

بين عرق الرجال والمومسات،

فلوريساناتٌ أوتوماتيكية من أقدام العبيد

فوق مكاتب الرؤساء،

سماواتٌ بأعضاء تناسليّة

وآلهة

تنتف شَعرها بسكَّر رخيص.

 

على الجبال؟

 

أيّ جبال؟

 

 

 

العمل اليومي

 

هاي أنت

تعال

لن نفعل شيئاً اليوم

الشمس مملَّة والمطر رتيب

وليس لي جَلَدٌ حتى لارتداء قبَّعتي.

 

هاي أنت

لا تقلْ إنك مستعجل

وصائب حتماً كالطلقة

لن تخسر شيئاً إذا ألغيتَ كلَّ الرحلة

يمكنك أن تستغني عن الله

وتكلّمني

هل كان عليك أن تتعلَّم كلّ الكلمات

لتقول فقط

وداعاً أيها الأصدقاء؟

ساعدني قليلاً

للاستلقاء على هذا الرصيف

ومنع العبور إلى تلك البقعة

ساعدني فقط

لكي يمرَّ الهواء.

 

 

 

في شارع الكسليك

 

في شارع الكسليك. تحت غيمة. مع ريشٍ وحده فى الفضاء. ريش، وحده.

الأصدقاء رشُّوا الحمام. نظروا إلى الشتاء. وضعوا كتباً على المنضدة. وناموا.

الشمس تتدلَّى أيضاً

يجب إسعافها بالمخدرات، كفيرونيك الفرنسية

ليل بكامله لامتصاص شارع الكسليك من دمي

ليل لفأر

يقضم الحوانيت ويجعل قدموسَ مجذافاً يقطع السين بلحظةٍ بين فخذيها.

في شارع الكسليك أربعة رجال يراقبونني

وقمر غير مكتمل

بنايات لا يزال عمَّالها يرفعون الأحجار

والشوارع تتدلَّى

يجب إسعافها بالنظرات، كاليونانية الضائعة في ساحة سينداغما، مخدَّرة وحزينة

وأنا أمتص أرسطو من دمها

وأُرسل سقراطَ ليلعب بالكونيا.

أربعة آلاف رجُل وراء امرأة واحدة. أربعة آلاف مسلَّح، لأنَّ ذكراً وأنثى يقذفان من أحشائهما مدينة

لأنَّ مصرياً كان يرتجف، يتمدَّد، يسيل فوق أربع خفَّانات.

لبنان، لبنان، تظنُّ أننا لا نرى.

ملاحةٌ دموية. سياحةُ جلود.

شفاهٌ تلثم دولاراً على قفا أميركا.

الذي يرتجف يضعُ نفسَه في الماء. يذوب كعشبٍ حنون. ينحني ويذهب

يترك وراءه ساعةَ يد، وكمَّين.

لبنان، لبنان، وراءك ارتجافات مهجورة.

أرى خرطومَ مدفعٍ في أنفك، مستودعَ جثثٍ في عينيك، وشحاذاً يتبعه كلب على

صلعتك.

لبنان، هذا دولار لك، انصرفْ.

أريد عطوساً. يجب أن أسحب لبنان من صدري.

في شارع الكسليك، أتثاءب أحياناً.

الليلة عيد القديس جاورجيوس، ذهبنا إليه في مرسيدس 180، وضعنا له ليرتين، وعدنا لنطعم القطط.

مريولُ طفلٍ على الحبل. وشاحنات جنود.

أجسادٌ تعرق وتتبخَّر، بلا صوت.

 

 

 

رأيت رفاقي

 

رأيتُ رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي

يستعيرون قصباً نحيلاً ويغنُّون لإلهاء خيباتهم

يصرخون أحياناً

لإعادة دمهم الذي يتنزَّه في الشوارع

ويحفرون ثقوباً

لنوم المتأخرين من عروقهم.

رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاولات

يوصلون بصعوبةٍ تنفُّسَهم بسلك الهواء ويرسلون

شيفرةَ حياةٍ غير مسموعة

المتجوِّلون مع الفجر قطعةً قطعة

مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء

الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بلا حقيبة

استلقوا صامتين

في ارتعاشات منحرفة

نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم

من الباب إلى الدرَج ومن الدرج إلى الباب

غير واجدين ما يبرِّر خطوة إضافية.

عرفتُهم من عيونهم

من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء

رأيتُ خصلات شعرهم حمائم

وجبينهم كزقاق جانبيّ

هادىء.

سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء

ورأيت ظلالهم تغفو

على حائط بسيط.

مخنَّثون

قدّيسون

غرقى وسكارى

جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار

التقوا حكماء وأحجاراًً ونبتات مضحكة

تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً

ارتطموا بأضلاعهم

وتفكَّكوا.

 

 

 

محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت

 

قصيدة إلى سركون بولص

 

هل كان عليَّ أن أخرج اليوم لأمسّد

بأصابعي الصغيرة قذيفةَ الأعداء

أن أذهب في طريق يذوب إسفلتها مستعيداً

عمَّالَ منجمه الذين تناثروا

بديناميت

مستعيداً عميانه، وبوهمييّن قدامى

يراقبون انسلاخَ الأرض عن جلدها

كقرصان محروق

هل كان عليَّ أن أخرج لأذهب إليكِ

بعد موت آخر أرساغي، وقدميّ، ويديَّ المتعانقتين

كعريسين أُطلِقَ عليهما الرصاصُ قبل المساء

بعد أن جُرِّدتُ من أسلحتي جميعها في وادٍ

يلعب فيه المغول،

وأذهب إليكِ الآن، أحاول أن أذهب إليكِ

بما بقي لي:

فكُّ مدروزة بالرصاص

نُصبتْ علامةً للجنود في وقت فراغهم

رأسٌ يوضع عادةً فوق كتفين كفلّينة تقاوم حوتاً في رأس صنَّارة

ذراعٌ لا تستطيع التلويح

قريةٌ بعيدة، بعيدة جداً

انبثقتْ ذات يوم من دخان السطوح

وشجرة

تزيّنها ابتساماتُ الغربان.

 

أحاول أن أذهب إليكِ

وذلك لا يستدعي سوى رحلة بسيطة:

نزهةِ رصاصة

بين التباريس وشارع الحمراء

لكنَّ ضفَّتيك مفصولتان ببحر لامع من المتفجرات

وحرّاس بابك يركلونني، فأتدحرج

أتدحرج

بلا قرار.

 

 

 

فرس على الباب

 

هل يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟

الهواء

الإشارة الأبدية

واليد التي فلتتْ خلسةً مني؟

 

في البدء،

ماذا كنت أريد في البدء

حين أُخذت على حين غرَّة بحياةٍ

لا تزال تلطم حوافرها على بابي

حين رأيتُ، أو ظننت أني أرى

رملاً

سيكون في آخر المطاف لؤلؤةً قلتُ

ونمتُ من التعب أخيراً

على ظهر باخرة

تنقل حمولةَ عظامي.

 

جُننتُ

وجُننتُ ثم

جُننتُ

كواحد دوَّره التدحرج

في تفسُّخات الأرض

كجمجمةٍ في أطلسٍ مهملٍ

وسحريٍّ كمنيٍ مقذوف

وفيه جمجمة!

هل كان يجب أن يطول هذا إلى ما لا نهاية؟

 

 

 

على بعد خطوة

 

بضربةِ سكّينٍ حاد

ربما ينشطر الغشاء هذه المرَّة

وتخرج الخيولُ من دمي

العروقُ مستلقية كجريمةٍ مهمَلَة

وعلى بُعد خطوة

انزلاق بسيط يمكن أن يُحدثَ المعجزات

فالمعجزات

زلَّة قدم.

على بُعد خطوة

المعمل فوق القناة

فيه إصلاحات بلا نهاية

وسكارى تحت الرذاذ

يعبثون بأصابعهم

على بعد خطوة

عاهرة الميناء

حيث تغتسل ثيابُ التاريخ

وتُنشر على الحافة

وجميعُ الرجال يرفعون البنادق

لوضع نقطة.

 

 

 

المشهد

 

هذا هو المشهد

مع شيء من الإثارة لامرأة

تحبل في وسط الشارع

ورأس على الرصيف لا يتسلَّمه أحد

وبين وقت وآخر

يد

فارغة

وسائق يحاول

تحريك فمه.

 

 

 

صدفة

 

هكذا صدفة

رجلٌ مبلول يقف على الساحل

رجل عاد أخيراً

من محاولة يائسة لشفاء النمور

من داء الغابات

قرصان

أراد الاستيلاء على النحاس

ومداواةَ حيواناتٍ منقرضة

هنديٌ أحمر

يتذكَّر صيحات

وريشاً ملَّوناً،

هكذا ببساطة

رجل يعوّض خساراته

بالوقوف قليلاً

أمام دكَّان مقفل.

 

 

 

البحث عن عميل

 

وأيضاً قطارٌ عائد من الحرب

بجثثٍ أُجالسها

ونحتسي القهوة.

هناك عميل بين المسافرين

يجب أن أجده في الحال

عميل يأخذني فوراً إلى رأس العالم

في هذه اللحظة يجب أن يتمَّ كلُّ شيء

انفجارٌ يودي بالعجلات

أو يوقف سلحفاةَ الدماغ

العنيدة

وهذا الجنديُّ إلى يميني

وامرأة تسحب نفسها

وتدخل المرحاض

والبصَّارة ثانيةً

والخطوط و الحلازين.

الآن فوراً

مع الجثث

والقهقهات.

 

 

 

مهما شرحوا

 

مهما شرحوا لي

هناك مجموعة أخيرة من الأصدقاء تتدلَّى فوق السور

شحَّاذٌ يمشي

تحت شمسٍ بارزةِ العظام

يدٌ نحيلة

في يومٍ معزول.

الفضاء ملقىً تحت سطحٍ خشبيّ

وعشرُ بطَّاتٍ تنام منذ الأمس

في ضوءٍ ضعيف

وقطَّة سوداء تتأمَّل الأجساد

المربوطةَ بالشجر.

 

 

 

محطة الشمال

 

مهرِّبون بياقات بيضاء

تحت ثلج ناعم

ومعطَّلة الآن قشرة الأرض ومحطَّة الشمال

حيث كان يجب أن نذهب.

 

أمام صفَّارة القطار

محيطاتٌ منشورة لتجفّ،

بالكاد أسمعُ هذا.

 

 

 

قليل من الأرواح

 

لا شيء يوجب الذهاب الى الغابة

ربما الأفضل أن أتوقَّف كالحيوان اللطيف

لأشمَّ رائحةَ الهواء،

ولا شيء يوجب الذهاب الى البحر

إذا أردتَ أن تطعم العائلة أو

ترسلَ التحيات،

الصنوجُ كانت كافية

مع قليل من النار

والأرواح.

 

 

 

كان همّي

 

كان همّي أن أصطاد

بفكّي السفلى

هرَّةَ الألوهة

وأُوقف ضربات المنجم فوق رأسي

حيث تعرق ملائكةٌ مهجَّرة

كعمَّال مضحكين،

عوض ذلك

أفيض بالجثث

باحثاً عن دواءٍ لهرموناتٍ

مزوَّدةٍ برماح

وجزءٌ من ذاكرتي

أسقف يتمخَّط

يفتحني كجمجمةٍ تنخرها ذبابة

جمجمة فتىً مائل

إلى شجرة الإعدام

طويلاً غائماً مبلَّلاً

بكسلٍ

بدمٍ

أكثر بطئاً من السهول

وكلُّ نبضة من جسده

تعانق المتنزّهين في الحديقة.

 

 

 

دخان أبيض

 

ماءٌ يسقط على الجسر

ولبوءات

في دفن الشتاء

والهواءُ يتابع السير إلى المقهى.

 

الحمام يأتي اليوم

وسنذهب لرؤية المداخن

الدمُ نقيٌّ بحيث تُمكن رؤية العظام:

كائنات مالحة في وعاء

ودخان أبيض.

 

 

 

صداع بسيط

 

بعد الخطوات الخفيفة و الابتسامة

التي أرسلتُها على كلّ حال

في هواءٍ مستعمَل

يومٌ آخر،

القميص على يدي طوال الوقت

وعظامُ النهار

هذه.

 

إنه يومٌ عاديٌّ

زجاجةٌ مكسورة في حديقةٍ عامَّة

فقط يومٌ مهمَل

كصداعٍ بسيط.

 

 

 

جيّد

 

أجلس بنيَّةٍ واضحة ومشروعة

إلى فنجان قهوة

الأمور الشخصيَّة تتمشَّى

وما تبقَّى يجلب اليأس،

البنُّ البرازيليُّ في النهاية

جيّد.

 

 

 

نهار طيّب

 

السكرتيرة الألوفة

تترجَّل من قميصها

العامل النشيط

يصبُّ مصنعاً

في كأسه،

إنه نهارٌ طّيب

خالة امرأتي ذهبتْ إلى مصر

وعادت!

 

 

 

وصل الحديد

 

اطمأننتُ أخيراً،

حياتي تأخذ اتجاهها الصحيح

وقبولي في معمل الصلْب

شهادة على حسن سلوكي،

رافعةُ السيكسويلات تُثبت لي هذا بإصبعها

ومطارقها تؤكّد

عدمَ خيانتي.

إفعلْ شيئاً أرجوك

وَصَلَ الحديد،

حديدٌ يُصهَر ثانيةٌ

لتحويله إلى سكاكين

فالشوارع ستُفرَم كخسٍ طازج.

 

 

 

الليلة

 

الليلة

ثيابٌ نظيفة تأخذ وجهةً مخطئة

وبحرٌ يتوارى

كسبَّاح.

 

هذه الليلة

الشبيهة بجبلٍ يفرُّ من الأرض

كم من الحيوانات كانت ستنتسب إلى رائحتي

وكم كنتُ

سأعضُّ الفجر.

 

 

 

واضح ومختصر

 

كنتُ صبوراً جداً

لأتقبَّل تلك الحركات

بحذاءٍ نظيف

ورأسٍ مليءٍ بالقناني.

 

في الأدغال

بندقية مسنَّة

وثعلب واضح ومختصر.

 

 

 

الطريق إلى الحيوان

 

أعرف على الأقلّ من حذائي

أنًّ المطاردة لا تزال طويلة

لكني لن أكفَّ عن رشق هذا الحيوان بالماء والحجارة

وربما سأبحث عن سلاحٍ آخر

كالتظاهر بالموت

أو التلويح بجثَّة ثورٍ برّي يرعى في عظامي

أو أية حيلة أخرى

كمعاودة الهبوط إلى الغابة

والتغلغل في النمور والشرايين

أو النوم

قرب أحمال القصب

وافتراس الوقت بالغناء.

 

 

 

التحدث إلى الخيول

 

كان عبثاً أن أُفهم الأحصنة

أنَّ السباق مخجل في هذه المنحدرات

وأني أفلست تماماً من القمح اليوميّ

والماء

للذكرى

وعبثاً أرمي علفَ الصداقة

وأدعُ رأسي خفيفاً كنسمة تذهب إلى الشاطئ

فيما الطرقاتُ سنونواتٌ مهاجرة

ويجب أن ألقّم البنادق لاصطياد المهاجرين،

ولم يكن عليَّ أن أنام أو أنهض

لأعرف أنَّ الشمس

لا تتعثر بالدلافين.

 

 

 

هذا ما يحدث

 

السريرُ مرَّةً أخرى

قبل أن أنتشرَ في النهار كالشظايا،

يحدث دائماً:

نشيجٌ متقطّع

قنواتٌ من المصل على الظهور

قبالةَ دكَّان التبغ حيث يمكن

تأمُّل الأضلاع الناجمة

عن تداخل الشوارع.

 

 

 

غراب الأبدية

 

يوم قَّررتُ اصطيادَ غراب الأبديَّة

أفهمتُهم جيّداً أنَّ هذه الغابة ليست من عاداتي

وأنَّ في فمي طيوراً

تنقد النمل الأصفر والكآبة،

ورميتُ خطواتي في النهر

لأغسل عني الفضاء.

 

 

 

السفر إلى أثينا

 

كانت تمطر وننتظر البواشق

قبل أن نقرّر متابعةَ الطريق

إلى صديقين في أثينا:

جاد وسركون.

أحدهم يصرخ في وجهي

مطلوب قَدَمٌ شاغرة

للحدائق العامة،

عملٌ كاملٌ بلا معاش

أخذتُ فرصةً وها أنا ذاهب إلى أصدقائي

يقال هناك أكروبول

يتَّسع لثلاثة سكيرين.

 

 

 

تحية لقدمي

 

جالس

أتأمَّل قدميّ:

أدغالٌ خرَّبتها قميصٌ مستعجلة

أظافُر ملساء في منتجعٍ روحيّ

تستقبل ذئاباً تخرج تباعاً

من أفواه الماشية:

إنها خدعة للتودُّد

ليتحمَّل اثنان أنهما شبيهان

يتَّجهان معاً وفي الوقت نفسه

إلى طريدة الغد،

إلى الحافة التي لا يمكن هبوطها على مهل،

الغد المرفوس في أيّ لحظة

بمؤخّرة الماضي

بأذنابٍ ضربتْه طويلاً

وهي تلوّح في الهواء

وبقدمين

تستعدَّان لجولة

في دماء الطريق.

 

ألا يمكنني أن أزهو

لأنَّ قدميَّ هنا، أمامي

وصديقتان!

 

 

 

الحفلة

 

بما أني أصبحت جاهزاً للأعراس

مثل إوزَّة على طبق

فلتبدأِ الحفلة الآن

ليرقصِ القتلة و اللواطيون

مع الملوك و القديسين

ولتباركِ العاهراتُ هذا العرسَ بدلاً من الكهنة

ليكون لهذه الليلة نسل جميل.

 

لتبدأِ الحفلة

فأنا جاهز تماماً

كالصناديق.

 

 

 

الحيّ الغامض

 

على عجَل

وبفتَّاحة العلب في يدي

يخرجُ المزيد من الرغوة:

رجالٌ يمشون

كتمرينٍ ضعيف على البيانو

أنهارٌ تنتظر عند البَّوابة

وضلوع

تفتح كمِظلَّة.

في الشارع نهار غائم

وبقعٌ من الأسبوع الماضي،

إنهم ذاهبون في جنازة

هذا الأحد.

 

 

 

كان يمكن

 

كان يمكن أن يحدث شيء ما

كالظلّ، مثلاً

أو ضربة ثوب

في فضاءٍ قلِق

 

كان يمكن للنهار أن يذهب في كلّ اتجاه

كمدفعِ رشاش

وأن نقف

كرداء

يلقي نظرةً على الميناء

 

بعد حمَّامٍ ساخن

نهار رائع يا سيّد شارل.

 

 

 

بينكم

 

في هذه الأيام

أحاول أن أجدَ لصّاً

يأخذ كلَّ شيء دون أن يوقظني

أبحثُ عن ضمانٍ أكيد للآخرةِ

كأتونٍ جديد مثلاً

يبدّد فحمَ ماضيَّ أو

امرأة

أرشو بها من يعاند تدلّي جسدي،

في هذه الأيام

الخاليةِ من مشنقةٍ عشيقة

أريد أن أعرف فقط

كيف ألوك ألسنةَ الساعات كلَّها

لحظةً لحظة

ومع ذلك تفتح فمي في الصباح كلمةٌ لطيفة

ورمح

يدأب في تشطيب هوائي.

لصّ

أليس بينكم لصُّ محترم

يا سادة؟

 

 

 

السهر مع شارل شهوان

 

بعد محاولات كثيرة

وسقوطِ ريفٍ بكامل سكاَّنه

العالمُ مجدَّداً

وصديق

أربط معه بقية النهار بشرفة

صديقٌ يضع عادة ساحلاً

في جيبه

بين مجموعة من الآلام

والقصائد.

 

لكننا

ونحن نعبر الجسر

عثرنا على فكّ ديناصور

وحذاءِ متسكّعٍ يتابع السير

بعد توقُّف صاحبه.

 

 

 

مهمة محدّدة

 

إنها عربةُ زنوج

تنقل كسيحاً من "الإنكا" إلى نيويورك،

عربة تغصُّ بالطبول وسط شارعٍ

يغصُّ بالمتسوّلين

وأضواء تكشف بهدوء

أحذية المارّة.

 

مهمَّة محدَّدة:

جنرال بقدمين

يتعقَّب آثار قدم واحدة

في ليلٍ مخصَّصٍ أصلاً

للزواحف.

 

 

 

البحيرة الأيروتيكية

 

سقطتُ من السماء

مع أنَّ هذه الحركة ليست موسيقية

سأمضي الليلة في الخارج

مع نجوم جديدة

ربما.

أنا، وديع،

أجلسُ كسلطعون على الرصيف

منتظراً أصدقائي،

اجتزتُ بحيرةَ الله

الإيروتيكية

واستلقيت.

 

 

 

الإقامة

 

في الغرفة الوحيدة التي لا تتكلَّم اليونانية في أثينا

أمام بحر

يأتي زبدهُ من لهاثِ غريق

أنتظرُ باخرة كْريتْ

المحمَّلة بِفتى

يتحوَّل إلى برميل راكي

أو نملةً

ذهبتْ بتذكرةٍ مجانيّة

إلى سان فرانسيسكو في رأس صديقي.

في الرقم 75 من شارع إيبيرو اليوناني-

المؤجَّر مع ابتسامة شهرية

من المرأة المسمّاة آريتي تسيتزاس

المولودة خصيصاً لنصب الكمائن على باب جيبي-

أكملتُ تدريبات الانتظار

كحصانٍ يقف حائراً بعد معركةٍ مات فيها جميع الجنود

يتأمل حبرَ معاهدة السلام

ولا يفهم،

أقف كسائق صهريج ضخم

يرى فرساً تحت الدواليب

تحاول أن تتذكَّر، بَعْد، سطرين من أشعار الفروسية.

هل هي الإقامة اذاً؟

إذا كانت الإقامة

حسناً تكون:

الإقامة

في الاسم الموسيقيّ لإيبيرو

المحشوّ كمصرانٍ بالمهاجرين

والذي تعبره مع الفلاسفة

شاحنات البطيخ.

 

 

 

أفهم أحيانًا

 

أفهمُ أحياناً

ماذا يحدث بعد الصلاة:

ملاك يذهب طيراناً

إذا سبقه الباص

ومؤمنون مصابون بالغرغرينة

يرتاحون على الصخور.

 

إذا كان الشرفاء وحدهم يدخلون الجنَّة

ماذا لو تهيَّجوا؟

ليس ممنوعاً طبعاً ارتجاف قضيب على نفقته الخاصة

أم أنكم تريدون

أن يتحمل اللهُ النفقات؟

 

 

 

بلاسما

 

افترضْ أوصدتُ النوافذ والأبواب، هراء. الحياة تنشُّ أيضاً من الجدران.

يجدر بي أن أَنزل لمسح جلْد الطاولات وإيجاد دعامة لعمودي الفقريّ. عروق يجب أن تتنزَّه. سماسرةُ بْلاسْما. تقريباً دمٌ بشريّ. كريَّات مسروقة في الليل وموضوعة في قساطل.

سواء كان الوقت يوم الشكر أو يوم السعال، العالم هادئ كآلة حلاقة أمام المرآة.

الولادات مقذوفة بتهذيب كالتبوُّل على التنك. وفي الخارج، مجموعة من مصارعي الثيران تُفرغ مثاناتها.

 

 

 

دعوة إلى الرقص

 

أرغبُ أن يخرج من هذه القصيدة كلب

أتملَّقه بعظم، بحلمة راقصة

أغريه بحرف ناعم، بواو كذنب كلبة تستعدُّ للمضاجعة، بصور أكثر الكلبات شبقاً في التاريخ

كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة

ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟

أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟

أحيك زوجاتِ السفراء ملابسَ داخلية؟

أبني مصنعاً لدعم الاقتصاد الوطني؟

مطبعةَ مستندات سرية لخدمة الحكومة؟

أم أطلّق زوجتي؟

اسمعْ، أيمكن أن يطلّق الرجل امرأته اذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟

أرغب إذن أن يخرج كلب

ففي قصيدة سابقة خرج العالم

أقنَعته بالعودة إلى المصحّ

وَعَدَني، ولم يذهب

واستعملتُ كلَّ الكلمات البحرية ولم تعلق سمكة

بماذا يفيد الورق

فليخرج الكلب.

 

 

 

كمين أخير

 

لن أتوقَّع شيئاً

فليذهبِ القطار

كلُّ شيء باقٍ

حتى صراخُ طفلي بين الجدران،

هناك جارٌ يزورني

لشرب القهوة أو

لإبادة النهار

وبعد ذلك جميلٌ

أن أذهب إلى النوم.

 

 

 

خاتمة

 

هذا كلُّ ما أردتُ أن أرسله في يومٍ محتشد:

قنينة وقبَّعة

لرجل

مات قبل لحظة.