محاولة وصل ضفّتين بصوت

 

1997

 

 

 

وعاءٌ في يديَّ

ينتظر

حين تمطر السماء

أظنُّ يخرج الموتى

ليشربوا.

 

 

أعشاش عالية

 

الذين ألِفناهم شجرًا باسقاً

صاروا قشًّا حين حزنوا

 

ونزلت العصافيرُ ورفعتهم

بمناقيدِها.

 

 

 

غيوم

 

الذين جرفتهم المياه إلى الوادي

ارتفعوا غيومًا،

لم يمطروا

وقفوا فوق

نظروا إلى الأرض

وتبدَّدوا.

 

 

 

أقدام

 

هناك أيضًا

موتى تفجَّروا

ونزلوا أشعةً بيضاء على أشجارهم

 

حدث ذلك فجأةً يومَ كانوا نائمين

مطمئنين في ترابهم،

يوم فتحوا عيونهم ورأوا

أشياءً غريبة تمشي في حقولهم

على قدمين مثل ناس

من عصور غابرة

 

يومَ فتحوا عيونهم

وأخرجوها من الظلام

وتفجّروا.

 

 

 

إرث الموتى

 

طلعوا من تحت التراب

وعادوا

 

فقط ليرسموا ابتسامة

نسوا أن يتركوها لنا.

 

 

 

فضاء

 

عَلَتْ يداه راسمتين

قمرًا مشطورًا:

لم يكمل دائرته

تركَ فراغًا فوق

لينفذ منه القلب

إلى فضائه.

 

 

 

تكوين

 

بالفضاء النحيل الباقي بين يديه

حاولَ أن يعيد كونًا،

رسَمَ بدمعة نجمة

بنظرة قمرًا

شمسًا بلمسة

 

وحين أغمض عينه مشى الناس

إلى أعمالهم

على رصيف جفنه.

 

 

 

بَلَل

 

رَحَلَ هازئًا

كمن يتبلَّل في شتاء

ويخلع نفْسَه

عوض أن يخلع قميصه.

 

 

 

أحلامٌ أخرى

 

أعطيَ روحُه أن يبقى أربعين يومًا فوق جسده

كي يحقّق في فضائه الأخير

أحلامًا خابت على أرضه

 

لكنه

رفرفَ لحظةً

ومضى.

 

 

 

ظِلّ

 

نسمتُه الأخيرة

جَرَتْ وراءه على الدَّرَج

ونامت معه قرب عشبة

بين حَجَرين

 

وغيمةٌ عابرة

تركت ظلاً خفيفًا

على وجهه.

 

 

 

حديقة

 

قتلوه مرّات عديدة

حتى توزَّعَ

جثثًا.

 

لم يكن يحصي شواهده

كان فقط يتنزَّه

في حديقته الخلفية.

 

 

 

نزهة ذاك اليوم

 

يومَ غادَرَ ظلَّت على قفل الباب أصابعُ يديه

على الرصيف قدماه

فوق الإسفلت طبقة من جلده.

 

هل هذه نزهة أم موت؟

سألوا،

وحين رفع ذراعيه قالوا

يريد الطيران

لكنه كان يلوّح

لوجهه.

 

 

 

جنازة إلهية

 

اليد التي أخذت طفلها إلى القبر

عروقُها أمطرت

عميانًا على الحجر

 

وعينان فوق

رفرفتا قليلاً

وانضمَّتا إلى الماء.

 

 

 

الحياة هناك

 

دفنتْ طفلها هناك وانتظرت سنوات

لتنام قربه

وحين وضعوها في ذاك التراب

صار عمرها يومًا

وكان هو صار

عجوزًا.

 

 

 

زهور

 

وضعتْ زهرةً في وسط الدار

وزهرةً في الزاوية

وأخريات على الجدران

في الممشى في غرفة الطعام في المطبخ في غرف النوم

 

وذات يوم على السرير

نبتت زهرة غريبة

لها عينان مغمضتان

وفمٌ نصف مفتوح

ينتظر قطرة.

 

 

 

زهرة سريّة

 

قبل أن يأخذها النوم

إلى ساحاته الصامتة

قلَّمتْ اظافرها

ورمت نثراتها في حوض الزهور

 

وفي الصباح

نبتت في الحوض

يدٌ صغيرة.

 

 

 

مكانهم

 

ليس للنسيان محطّات على هذه الطريق

اليد التي لمست عابرين منذ أجيال

تلمسهم الآن مرةً أخرى

وغبارُهم ينزل من جديد

تحت أقدامهم.

 

كانوا يريدون فارسًا وجاء

عبَرَ سريعًا تاركًا

نسيمًا على قمصانهم،

من ظلّه سقط شيء على الطريق

ومذذاك

يدور الماشون في مكانهم على الإسفلت

والجالسون مسمَّرون

في مقاعدهم.

 

 

 

بلاد

 

أخذت اسمها من الماء

وسالت

والزبدُ الذي رأيناه على الموج

كان ناسَها

والعشبُ على الكثبان

ضلوعَهم

 

بلادٌ

كلُّ رجالها يغادرون

لذلك كانت نساؤها يقترنَّ

بالأشجار.

 

 

 

انتظار

 

سحبنا ظلالنا عن الطرقات

ونصَبْنا كمائننا:

 

الآن ننتظر

كي نصطاد رؤىً

تصعدُ لتصطاف في الأرواح.

 

 

 

الطريق

 

سلَّمتنا المياهُ أسرارها أخيرًا

لكننا كنا على حافة الشلال

فانحدرنا رذاذًا

مرسلين للنباتات نعومة سقوطنا

 

كنا في الحقل

نكمن لعصافير تطير وتحطّ

في غابات رؤوسنا

وحين رفعتْنا الغيومُ كنَّا أطلقنا رصاصاتنا

فأُُصبنا

وانحدرنا

نقاطًا

 

كنا تقريبًا نغنّي

نَصْلي دبْقَ أصواتنا ربما تعْلقُ

رقصاتٌ عليها

ربما غابرون مقيمون في الهواء يأتون

ويرافقوننا.

 

أخذْنا سرَّ الماء

سقوطَه

نثارَ مراياه

حيث كانت تعبر مسرعةً

كسورُ بيوتنا

رأينا أيضًا دروبًا كالأمعاء

يمرُّ فيها الناس كالفاكهة

وحينَ وَصَلْنا

كنا فقدنا الرؤية

وسمعنا تنفُّس العشب

في أجسادنا.

 

 

 

رغبة

 

كانت فقط مجرَّد رغبة

أن نحمل مظلاّتنا ونبتسم تحت المطر

أن نلعب قليلاً في الشوارع

ونتركَ على الرصيف نثارًا

من زجاجة العالم.

 

 

 

إعادة الإرث

 

الآن

نعيد صمتنا وأصواتنا

إلى مكانها الأول

حيث لا يَسمع أحدٌ

حتى لهاثَه.

 

 

 

استعادة شخص ذائب

 

هذه البحيرة ليست ماء. كانت شخصًا تحدثتُ إليه طويلاً، ثم ذاب!

ولا أحاول الآن النظرَ إلى ماء بل استعادةَ شخص ذائب.

كيف يصير الناس هكذا بحيرات، يعلوها ورق الشجر والطحلب؟!

قطرةً قطرة ينزل الموتى على بابي

ومركبٌ يتوقف من أجلي تحت الشمس

وجالية فقيرة من الرعشات تعود إلى الرمل.

لم أرتجف. لكني جُننت. الماء بارد لكني لم أرتجف. فقط ارتعشتُ قليلاً. ثم جُننت.

على سطح البحيرة ورقة، كانت عينًا. على الضفَّة غصن، كان ضلعًا بشريًا.

أحاول الآن جَمْعَ الأوراق والغصون. أحاول جمع شخص كنت أحبُّه.

لكن مرَّ كثيرون من هنا، جمعوا ورقًا وحطبًا ليشعلوا مواقدهم.

لن يتمَّ أبدًا جمْعُ شخص. لن يتمَّ جمع أعضاء كاملة. كثير منها احترق.

مع ذلك لا بدَّ من أن أعيد شخصًا كنت أحبّه. على الأحبَّاء أن يعودوا إذا ناديتهم. عليهم أن يعودوا ولو كانوا ماء. لو كانوا أمواتًا. لو كانوا طحلبًا… على الطحلب أن يصير إنسانًا حين تستدعيه. ويأتي لو مبلَّلاً، لو مترهّلاً، لو عفنًا. عليه أن يعود صديقًا ولو مات منذ ألف عام.

يجب أن تكون هناك طريقة ما لجمع الناس عن الضفاف. طريقة لإعادة الأوراق والأغصان الطافية على البحيرات، بشرًا.

لم أرتجف. الأعضاء ارتجفت. وكان عليَّ أن أسدَّ الفراغ بين مفاصلها كي أوقف ارتجافاتها وتهدأ.

ولكن، كم طويلةٌ المسافةُ بين مفصلين! وكم أحتاجُ إلى ردم لسدّ الفراغ بينهما!

كم هي طويلة المسافة بين ضلع وضلع!

 

أجري بطيئًا، مثل آخر نقطة ماء نزلتْ، وتأخرتْ عن السيل.

أجري بطيئًا زاحفًا للالتحاق بالجريان، وأتبخَّر رويدًا رويدًا.

لن أصل. بعضي سيصير في الفضاء. وبعضي سيغرق في الأرض.

تأخرتُ عن رفاقي ولن أصل. أزحف لكني لن أصل.

قطَعٌ مني أفقدها، وقطعٌ ترافقني منهَكَة، وقطع تصير هباء.

حتى إذا وصلتُ، أيُّ شيء مني سيصل؟!

حولي عشب وحصى وتراب. طيرٌ ينقدُ بعضي. ونملٌ يأكل بعضي. وبعضي للعشب والحصى والتراب.

أجري بطيئًا وفوقي يصعد خيطٌ مني، وتحتي ينزل خيط مني. أجري بطيئًا بين إبرتين، تخيطان عدمي.

نزلتُ آخرَ نقطة. كنتُ في غيمة ونزلتُ. هل أنا الباحث عن شخص ذائب أم أنا الذائب؟ أم أني، من كثرة البحث عن ذوبانه، ذبتُ مثله؟

وصرتُ، عوض أن أبحث عنه، أبحث عني!

أرى على الطريق أشخاصًا عابرين. بعضُ ما بقي مني يرى أشخاصًا. هؤلاء، على الأرجح، لم يفقدوا شخصًا أحبُّوه. أم أنهم فقدوه، ومع ذلك يكملون الطريق؟!

لا أعرف كيف لا تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد شخصًا نحبُّه. ألم نكن نمشي لا على قدمينا بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟

كيف يمشي واحدٌ إذا فقد شخصًا! أنا، حين فقدت شخصًا، توقفت. كان هو الماشي وأنا تابعه. كنت الماشي فيه.و حين توقَّف، لم تعُدْ لي قدمان.

 

تأخرتُ وزاحفٌ وأتبخَّر. كيف إذن سأُعيد شخصًا ذاب؟ أليس عليَّ بالأحرى أن أعيد أولاً نفسي؟ أن أعود على الأقل قطرةَ ماء كاملة، تنزل على ورقة، على عين، على ضلعٍ على ضفَّة؟

أليس عليَّ، لكي أُخرج من الطحلب شخصًا، أن أكون على الأقل من ماء البحيرة؟

تأخرتُ ولن أصل. كلُّ ما أفعله أني أرى، أرى من بعيد. رؤيةٌ مشوَّشة من عين شيء لا هو غيمة، ولا هو ماء، ولا جماد ولا بخار.

إني، إذن، لا أرى.

كلُّ هذا مجرَّد خيال. عتمةٌ تستجدي عتمة. ولن أرى ولن أصل ولن أستعيد شخصًا ولن أعيده…

إني، فقط، أحاول أن أزحف. أحاول أن ألحق برفاقي.

لكنهم صاروا بعيدين، بعيدين جدًا.

 

ربما كنتُ في الماضي شخصًا يبحث عن شخص ذابَ أو ربما كنت أنا الذائب. الآن، حتى ولا قطرة. وفي تماهيَّ المرعب بين الماء والبخار والشخص، أبحثُ عن إسمٍ أعرّفُ به نفسي حين ألتقي النمل والعشب والطير. أنت الزاحف مثلي، ستتوقَّف حتمًا على نتوء. ارسلْ لي من هناك نداء، وبه سأسمّي نفسي.

متماه بين ماء وجماد وبخار. مع ذلك لي مفاصل!

ومفاصلي بينها فراغات. ترتطم المياهُ بها، ترتطم الرياح بها، ويرتطم الناس.

ناسٌ كثيرون يعبرون الآن بين مفاصلي. لا أعرف من أين يأتون ولا إلى أين يذهبون. لكنهم يرتطمون بعظامي.

ناسٌ التقيتُهم مرَّة، ناسٌ التقيتُهم مرات، وناس لم ألتقِهم… لكنهم يتدفَّقون الآن، ويدقُّون على عظامي.

عليَّ أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا.

لو كانت هذه العظام بابًا!

من أين جاؤوا؟!

أظنُّ أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا عَبْرَ عيوننا ويصيرون دمًا و لحمًا.

وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا.

… ونستمرُّ، هكذا، نسمع طَرقات على عظامنا.

 

إني أسمع الآن دقَّات ماء

وعليَّ أن أفتح.

 

 

 

في النفَق… في العظْمة

 

قريبًا ينتهي الوقت.

الرياح تقترب من الجدار الهائل. وهناك ستكبو.

عبرتْ سريعًا وانتهى السباق. الرياح أخيرًا سترتاح.

تفتَّق الوقت. لم يعد معلَّقًا إلا بقطبة. أنتظرُ تدلّيه، سقوطه ارتطامًا على الأرض!

 

تبدأ الحياة في اليوم الأخير.

الأيام كثيرة، لكن الحياة قليلة. تتأجَّل من يوم إلى يوم. وحين لا يبقى غيرُ يوم تتدفق كلها إليه علَّها تحيا فيه… وهكذا تبدأ الحياة، فقط حين انتهائها.

ولذلك، لن تعاش الحياة أبدًا!

لديَّ نهارٌ واحد بعد، ماذا أفعل؟ أبدأ الحياة؟ وبأيّ شيء أبدأها هذه الحياة؟ مع مَن؟ كيف؟ بأيّ فعل و أيّ كلام؟

وإذا صدَفَ أن التقيتُ أحدًا ماذا أقول له؟

الآن أبدأ بك حياتي؟ وإذا قلتُ و استجاب، كيف أعيش حياةً أودّعها؟ كيف أحيا موت الحياة؟!

استيقظتُ باكرًا جدًا. على الراحلين أن يستيقظوا باكرًا جدًا ليملأوا نهاراتهم. عليهم، على الأقل، أن يروا الفجر قبل أن يذهبوا.

في فضاء هذه الغرفة نثارُ بشرٍ عاشوا قبل آلاف السنين، أودّعهم، وأصير مثلهم نثارًا.

أودّع نبضَ الكواكب الذي وصل إليَّ عبْر التيه الفضائي، من مجرَّات بعيدة. الوشوشات الكونيّة، غبارَ النجوم، الهواءَ المولود من ملايين السنين، القاطعَ بصمت فضاءً هائلاً ليصل إليَّ.

أودّع شهقات البراكين، رذاذَ المستنقعات البعيدة. الصورَ الكراسي المرايا الساعات، عيونَ أطفالي، أحذيتَهم المرميّة كيفما كان على البلاط.

أودّع الأمواج التي تخترق جسدي، الذبذبات الآتية من أقدم مكان، من الارتطام العظيم!

هل كان عليَّ أن أرتطم بنفسي كلَّ هذا الوقت، ويرتطمَ كلُّ شيء بي، لكي أصير في النهاية فريسة صامتة؟ ألم يكن في وسعي، من زمان، أن أخفّف عن هذا العالم الضاجّ، صوتًا؟

الكون، يجب أن يرتاح. على الأصوات كلّها أن تصمت.

آه، الهدوء!

لن أستطيع وصف نهار، لن أستطيع وصف شيء. الكلام خيانة.

في النهار الأخير لا يتكلّمون. فقط يصمتون و يغادرون.

تلك السهوب كانت صامتة أيضًا. وكنا، مع تململ ترابها تحت الشمس و الرياح، الصوتَ الوحيد.

غير أننا، بتلك الحركة الرتيبة في هدأة الموت، اقتنصنا أسرارًا من العظام.

كيف كان لنا، نحن البسطاء المرميين في أشداق المتاهات، أن نخترع أماكن تحمينا؟ كيف كان لنا أن نستمرَّ إلى اليوم!

لم نكن من جنس الخلود. لكنَّ عظامَ ماشية وأعوادًا يابسة أنقذتنا.

ليست الحياة من كان يحمينا، بل الموت.

مزجنا ولاداتنا بالعشب. وتحت تلك السنابل النحيلة تفيأت أرضنا.

لم نرتد ملابس وحلى وقلاَّدات. لكنَّ أنفاسنا كانت ثيابنا وزينتنا. كنا عراة. والحطب المنبثق من لهاثنا أدفأنا… كان لهاثًا يابسًا، لذلك كان قابلاً للاشتعال.

وتحت النار كانت لنا احتفالات. نفرد لها، في مسامنا، مقاعدَ للضيوف.

الحياة كانت تحت جلودنا، لا في الخارج. وهكذا عشنا الحياة في مكمنها السرّي، في العتمة، في الرحم قبل أن تولد.

احتفالاتنا كانت تقام في العروق لا في الساحات. بيوتنا في خيال المكان. قوافلنا في الرأس لا على الدروب…

عشنا عدم الولادة: طفولتنا كانت هناك، وشبابنا وشيخوختنا. وتقابلنا مع الحياة مرةً واحدة، أمام باب الموت.

 

كان أبي في الحرب يبحث في البراري عن عظْمة، ليطحنها بحجر ويسدَّ جوعه. من نسل تلك العظام المطحونة خرج أطفال، كنتُ واحدًا منهم. كنتُ ابن عظْمة مطحونة.

في العظْمة، ينفتح الآن نَفَق، فيه برارٍ وحيوانات، وفيه أبي يمشي من جديد، في البراري.

يمشي، وأنا معه يدًا بيد، نبحث عن عظْمة.

نمشي في قلب عظْمة، ونبحث عن عظْمة. وحين رأيناها أخيرًا، كنا صرنا بعيدَين.

… كنا صرنا عظْمتين، فيهما نَفَق، وناسٌ يبحثون عن عظام.

مشيتُ في نفق العظْمة. وضعني أبي في النقطة التي لا تُرى في التلافيف، في غبرة الفراغ، الأمِّ الأولى لحياة العظام.

أدير رأسي الآن وأنظر: إلى الضائعين في نخاع العظام، إلى الواقفين على أرصفتها، إلى المادّين أيديهم لاستعطاء مخرج، إلى الموتى بكهرباء الروح، إلى الباحثين عن حجر ليطحنوا عظْمتهم ويأكلوها، إلى الداخلين لتوّهم… ولا يعرفون ماذا يفعلون.

أدير رأسي و أنظر: حين رميتُ نخاعَ العظام فتحتُ معبري. كان الفراغ هو الطريق. كان الفراغ هو الحجر.

 

طفلتي تنام قربي. لن أودّعها. سأذهب إلى الموت كأني خارجٌ لأجلب لها حلوى. سأذهب إلى الموت كأني ذاهب إلى دكَّان.

كنت صغيرًا حين وصلتُ على ذراعي أبي إلى حانوت.

دخل وقال: هذا ابني اعطوه حلوى… ولعبتُ كلَّ ذاك النهار، في قلبِ قطعة سُكَّر.

لكن لماذا أستعيد طفولتي كالداخل إلى الحياة وأنا الخارج منها؟ وما جدوى استدعائها ولا مكان حتى لطَيف؟ كل الشعوب، حتى التي انقرضت، تقيم هنا. أحدّقُ في النافذة، علَّهم يمشون على نظرتي ويخرجون… شرايين الغرفة يجب أن تستريح!

الذين خرجوا، على الجدران كسورُ عيونهم. والذين بقوا، يعلّقون خرافَ أنفاسهم ويأكلون… سأمشي على نظرتي، إلى النافذة، وأختفي.

 

تلك الأيام، التي ذهبت الآن، لم تكن غيرَ تمرينٍ على دخول الحياة. الحياة ليست سوى تمرينِ دخولٍ إليها. غير أنها تنتهي هناك، ولا ندخل.

لا نعيش إلاَّ التمرُّن على العيش. نحيا، فقط، في قَبْل الولادة. في الشرايين التي لم تتشكّل بعد. في الوجه الذي بلا ملامح. داخل هلامية الأمعاء وظلامها. نعيش على الحدّ، بين التكوُّن والعدم. على الباب. وحين نهمُّ بالخروج نتشظَّى، كجرم، في المتاهة.

لذلك لا أتحدَّث الآن عن حياة. لا أصف ولادةً بل عدمَها. لا أكتب عن ضوء بل عن عتمة. لا أتذكَّر ما كان، بل ما كان يُفترض أن يكون… الافتراض، هذا ربما، على الأرجح، ما نسمّيه حياتنا.

… واليقين الوحيد، على الأرجح، وداعها.

لحظات قليلة، ويكون لي اليقين الأول!

سأقيم احتفال العروق. أستقبل المنبثقين فجأة في التيه، وأرقص معهم.

ثم أعود إلى العظْمة. إلى سرّ أبي. إلى النفق. أرمي الأحشاء. أبتسم… وأمضي.

 

 

 

محاولة وصْل ضفَّتين بصوت

 

كنتَ تريد شيئًا يطير، طلبتَ تبغاً وأضفتَ أخَوات إلى الحمامات في فضاء الغرفة. كنتَ تريد شيئًا يطير شيئًا يخرج من النافذة، فرميتَ نفسك عبر الزجاج. لكنَّ نقطة الدم التي خرجت منك، ظلَّتْ في الداخل.

أنت الذي الآن في مكان آخر وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك، كنتَ تحدّق طويلاً في الجدران كي تسمع أصوات آبائك المعلَّقين. دعني إذن أتحدَّث إليك، اسمعْ صوتي، صوتي من هذا المكان، الذي هو صوتك من المكان الآخر.

 

ساعةَ عرفوا ناحَ بعضُهم وبعضُهم ظلَّ صامتًا وهم يرافقوننا إلى مكاننا الأخير. أخذونا في صندوق، محمولَين بثماني أيد وبنظرات كثيرة. كنتَ تنظر إليَّ أنا الحيُّ فيك، وأنظر إليك أنت الميت فيَّ. تريد أن تبتسم لي، وأريد أن أبكيك. لكننا صمتنا، وتركناهم يدفنوننا هناك.

نحن اللذين يتكلمان مع نفسيهما الآن، أنت من هناك وأنا من هنا، نحن الواحد: الحيُّ المتحدّث مع ذاته الميتة، ماذا لدينا بَعْدُ غيرُ الذكرى؟

لم يكن عند أهلنا بطّ. غير أننا، من كثرة ما حلمنا به، جاء أخيرًا ونام على بابنا.

لكنك كنت تغادر.

وصلوا ولم يروا دمًا. الدم ظلَّ في الداخل. ليس في الداخل تمامًا وليس في الخارج تمامًا. على حافتهما. على الزجاج. على الحافة التي ما كانت في الخارج ولا كانت في الداخل.

أنت النائم الآن ولا تهتمُّ بدم. النائم بعيدًا وثلاثُ بطَّات تنام أمام بيتك. لا تجزعْ سأطعمها. في الخزانة حبوب. اشتريتها أنت ذات مساء، حين كنتَ تمشي وحيدًا في المدينة حالمًا بها.

وجاءت.

لكنها، هي أيضًا، لم ترَ دمك.

وجاء غيرها. الناس والأشجار والطيور، ولم يروا دمك. أوصلوك إلى قبرك، وعادوا.

حملوك لأنك لا تستطيع أن تصل وحدك.

وأهالوا فوقك التراب لتختفي.

 

بين هذه الجدران أمضيتَ حياتك. وُلدتَ في الزاوية، وأقصى رحلة كانت من الجدار إلى الجدار.

 

كنتَ تريد شيئًا آخر. صراخك لم يكن إلا نداء لهذا الشيء في الخارج. لكي تخرج، ولو نقطة دم واحدة، من النافذة.

لم تكن تنادي منذ ولادتك غير الموت!

اعطني كأس ماء. ظمآن أريد ان أشرب. اعطني فقط شيئًا دليلاً على أنك لا تزال تراني.

عيناك مغمضتان. فوقهما تراب. عيناك فراغان.

تراني بفراغين وتسمعني بفراغين. فراغك سامعي ورائيَّ. المليء لا يعبره صوت ولا ضوء. اسمعني إذن وانظر إليَّ.

تراني بفراغين وتسمعني بفراغين. فراغان ظَلاَّ داخل جدران فارغة. وخروجهما الأول كان إلى الموت.

الموت؟ عرفنا إذن: الخارج، هذا هو الموت!

أين الملائكة؟ قولوا للملائكة أن تأتي ها نحن وصلنا. لا نحبُّ موتًا بلا ملائكة. معنا رماد، نتسلَّى به كلَّ الأبدية. يخفق جناح ملاك فتطير نثرات، تطير أرواحُ حمامات، شقيقاتُ حمامات كانت في تلك الغرفة. ويحطُّ ملاكٌ فنطعمه همسات، نطعمه نظرات، ونتسلّى... فلتأت الملائكة نحن وصلنا.

معنا رماد، نتسلَّى كلَّ الأبدية.

وصَلْنا... لكنَّ الملائكة أيضًا كانت موتى!

 

ثمانية وأربعون عامًا، كان هذا إذًا هو الزمن!

كان هذا عنقَ الأبدية، الذي حسبناه عناقًا طويلاً. الفمَ الذي قبَّلناه تحت غيمة سريعة.

حينَ وُلدنا، انهمر مطرٌ من جلد أمّنا. مطر بقي في الزاوية، قرب العتبة، بقي هو أيضًا في الداخل. لم يره الذين كانوا في الخارج، ولا الذين دخلوا. كان مطرًا يخصُّها وحدها، يروي حقلها الداخلي، الذي لا يراه أحد.

وحين كنا نغادر، انهمر مطرٌ أيضًا. على الناس، على الخشب، على الشجر... لكنه كان مطرًا بعيدًا، بعيدًا جدًا.

كان ينهمر هناك، في البعيد، في المكان الذي يسمُّونه حياة.

هذا هو الزمن إذًا، هذه هي الأبدية: ثمانية وأربعون عامًا!

وقبل ذلك عدم، وبعد ذلك عدم.

ها نحن الآن عدمان يتحدثان. فراغان يحاولان أن يمتلئا بأصوات.

ضُمَّ صوتك إلى صوتي. ضُمَّ صمتك إلى صمتي علَّهما يصيران صوتًا.

العدم هو نحن الآن. إنه نحن. لا شيء آخر.

حدّثني عن صوتك الأول، عن لعبتك الأولى، عن ذراعك الصغيرة حول عنق أمك، عن حذائك في الحقول... تحدَّثْ، اصنعْ أصواتًا، املأ هذا العدم.

تقول أمُّنا كان صوتنا الأول صراخًا. ألقتْ حمْلَ الحطب عن ظهرها أمام باب الفرن، وبعد دقائق سمعتْ أوَّل صوت من أصواتنا.

قال الذين حواليها: مبروك. ووصل إليها كلامهم، من بين رذاذ جسدها، مثل قوس قزح كانت تراه في الشتاء.

وُلدنا في تموز، في عزّ الصيف، ومع ذلك كانت تمطر!

لكنه كان مطرًا يخصُّها وحدها. وكان يَعِدُها بزهور وثمار... أما نحن، فكُنّا نبكي.

وحينذاك نظرتُ إليكَ نظرتي الأولى، كمن ينظر في الصباح إلى مرآة و يمشي.

 

ليس عندي ما أقوله. فقط أريد أن أتكلم، أن أصنعَ جسرًا من الأصوات يوصلني بنفسي. ضفَّتان متباعدتان أحاول وصْلَهما بصوت.

الكلمات أصوات. أصواتٌ لا غير. هكذا هي الآن، هكذا كانت دائمًا. أصواتٌ لا نوجّهها إلى أحد. نحن لا نكلّم الآخرين. نكلّم فقط أنفسنا. الآخرون شيء بعيد وغريب، لا نراه ولا نعرفه، وتقريبًا ليس موجودًا.

لم يكن الكلام غير عزلة، لم يكن غير صمت.

مع ذلك أريد أن أتكلَّم الآن، أريد أن أكرِّر عزلتي... ولكن، ماذا يقول لنفسه من هو ميت؟!

إنهما الآن هنا، الذاكرة التي أوصدت وراءها الباب، والنسيان الواقف على العتبة. هنا يتحلَّقان حول طيف روح، سقط الروح من النافذة ولاقاه طيفه إلى الباب. وأكتبُ كي أتذكَّر جسد هذا الروح. كي أتذكَّر أنْ كان لي جسد. أنْ كان لي وبر على جسدي لا أعرف أين صار. كي أتذكَّر بالأحرى أنَّ ما كان لي هو وبرٌ لا جسد، وأني لم أفعل طوال أيامي سوى البحث عن جسدي.

يخالجني أحيانًا شعور بأن البشر يعيشون بلا جسد. يستمرُّون في الحياة ما داموا يبحثون عن جسدهم، وحين ييأسون من العثور عليه يموتون.

أنا، نفسي، عشت بلا جسد. كنت طافحًا بالروح لكني كنت بلا جسد. بَحَثَ روحي عن جسدي طويلاً. مشى أعرج ضالاً مجنونًا. و ظلّ وحيدًا، ظلَّ هباء، روحًا يابسًا يبحث عن قطرة. وحين رمى نفسه من النافذة كان فقط لرؤية قطرة دم. دمٌ يقال إنه يسري في الأجساد! لكنَّ قطرة الدم ظلَّت فوق، على الحافة، بين الداخل و الخارج، على الحدود التي ليست لأحد.

كنت أريد شيئًا يطير، شيئًا يخرج من النافذة.

لم يكن لي جسد. لكنَّ شيئًا غريبًا كان يلتصق بي.

هل كان ذاك الغريب جسدي؟

فلنضحكْ، لنفتحْ عظْمتي فكَّيْنا ونضحك. ضحكتكَ الخارجة من عظمتين فارغتين ستكون أجمل ما في هذا النصّ، صدِّقني.

أنتَ بطل هذا النصّ، وإنك بطل ميّت. لكن حين أريدك حيًّا يجب أن تحيا. الكتَّاب يحرّكون شخوصهم كما يريدون، وعليك أن تتحرَّك كما أريد حتى لو كنت ميتًا. لا تقلْ إن النعش ضيّق وصرتَ ترابًا. على الكتَّاب أن يحرّكوا التراب ويوسعوا النعوش. وعليهم أن يعيدوا الأموات إلى الحياة أيضًا.

كنتَ متمردًا دائمًا. قطعتَ حياتك بعصبية، كمن يقطع غصنًا فوق رأسه بسيف.

وكنا، أنت و أنا، في جبهتين: علينا أن نتقاتل بشراسة، وأن نتفاوض بخداع. ولم نصل إلى سلام، ولا إلى هدنة.

أنت ميت أمامي الآن وأريدك أن تعترف بأنك كنت عدُوِّي، وكان عداؤنا لنفسنا أشرس من عدائنا للآخرين.

الآخرون شيء آخر. يمكنك أن تنساهم إذا عجزتَ عن قتلهم. ولكن كيف تنسى نفسك؟ أمامك حلٌّ وحيد: أن تقتلها!

وقتلتَها.

فلنضحكْ إذن أمام هذا الانتصار. أمام قطرة الدم الخفيَّة.

ولنتذكَّر جسدنا الذي كان ملفوفًا بجلد مقفَل.

جسدُنا، ظلامُنا الداخليُّ المرعب! وأفكّر الآن كيف كان الدم يبصر طريقه في العروق! وكيف عاشت هذه الأحشاء سنوات من دون أن ترى شيئًا!

جسدنا كان قتيلاً. قتيلٌ بعماه، وقتيل برغبة الرؤية. ظلامُه وضوؤه قاتلاه. الظلامُ والضوء اللذان يستدعيان، كلاهما، سكينًا، لفتح كوَّة.

من هذه الكوَّة أراك الآن. الكوّة التي فتحتها أنت بنفسك.

لم تتحمَّل ظلامك الداخلي. كنت تريد للدم ضوءًا وللأحشاء رؤية.... وأشعلت ضوءًا: للجلد، والدم، والأحشاء، وللموت أيضًا.

رفاقنا كانوا يصفون الأمل بالضوء. يقولون "ضوء الأمل". أما أنت فاخترت ضوء الموت.

اخترعوا صفات لكلّ شيء، وأرادوها حلوةً وبليغة، وأن يكون لها صدىً! كمن يصرُّ على اختراع صوت، لخطوات ناسٍ غابوا.

في البدء كانت صفات، وكان علينا نحن أن نخترع أشياء تنطبق عليها.

كان علينا أن نخلق كونًا من مجرَّد نُعوت!

وخلقنا كونًا، ووضعنا فيه حياة. لكن ما جَمَعَنا ليست الحياة بل الموت. الحياة كانت للتفرقة. وتصالحنا لأوَّل مرَّة حين متنا.

لستُ أبحث الآن عن ضوء الحياة. لا. بل عن نار تدفئ.

في السماء أرواح ترتجف من البرد. أريد أن أشعل لها نارًا. أريد أن أبكّل أزرار قمصانها.

كنا نملك صراخًا قليلاً. وبهذا الصراخ قلنا ذات يوم للحياة نحبّك.

مشينا نبحث عن أصدقاء، عن ناس عن نبات عن حجارة، نلهج لهم بحبنا. مشينا حتى تفلَّع قلبنا.

رأينا أمكنة لكل شيء. للنمل للشجر للطير للأرض للنجوم... أين مكان حبّنا؟

أين نَضعُ هذا الحبَّ أين نُسْكن هذا الحيوان؟ تخلَّعَتْ أكتافنا.

مشينا الشوارعَ كلَّها الأمكنةَ كلَّها وكلُّها ملأى. الأرض امتلأت قبل وصولنا وصار ما نحمله بلا مكان. صرنا المكان الوحيد لحمْلنا، صرنا وهمَ مكانه. مكانُهُ وهْمُنا ومكانُنا وهْمُه. صار هو، ونحن، والمكان، وهمًا.

في البدء كان الوهم. والوهم صار أرضًا حَلَلْنا فيها.

وَهْمُ الأرض وَلَدَ وهمَ الرغبة. ووهمُ الرغبة وَلَد وهمَ الحبّ. ووهمُ الحبّ وَلَدَ وهمَ الولادة.

ووهمُ الولادة وَلَدَ وهمَ الحياة. ووهمُ الحياة وَلَدَ وهمَ النسيان. ووهمُ النسيان وَلَدَ العزلة...

ومن وَهْم الأرض إلى وهم الحبّ أربعة عشر وهمًا. ومن وهم الحبّ إلى وهم الحياة أربعة عشر وهمًا. ومن وهم الحياة إلى العزلة أربعة عشر وهمًا...

في البدء كان الوهم. والوهم صار جسدًا وحلَّ فينا.

آه مونيك، يا واهبة الأوهام جسدًا جميلاً. كنت تنامين على الأرض لئلاَّ يقال ارتفعت شبرًا نحو الأوهام، بل لكي تنزل هي إليك.

وكانت تنزل. تغسل عينيك، فمك، عنقك، صدرك، عانتك، ساقيك... فتنامين نظيفة.

يا مونيك التي كانت تنام على الأرض أين أنت الآن؟ أنا تحت مترين عن الأرض، وتحت عظامي حصاةٌ تزعجني. قولي لأحد كي يُزيح هذه الحصاة أريد أن أنام.

مشينا كثيرًا، باحثين عن حُبّ قليل. مشينا بقامات قصيرة في شوارع طويلة، وكنا بالكاد نُرى.

نريد حُبًّا، صرخنا، الحُبُّ يطيل قاماتنا.

أعطتنا دلالُ قفلها المقدَّس، هدى مفتاحَ بوَّابتها، غادةَ مزلاجَها، وأورورُ أطفالاً.

يا صاحبة القفل المقدَّس يا حارسة البوابة يا امرأة المزلاج يا أمّ الأطفال، نريد حُبًّا، نريد مكانًا.

فلترتفع المياهُ ليضطرب الغَمْرُ ليستبدَّ الهَلَعُ بالأنهار العالية. أريد قليلاً من الماء. فقط لئلاَّ تموت هذه الأسماك في حوضي.

 

إنني ميت كفاية، ومعي الوقت كي أنسج الأحلام. ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها.

ليس جميلاً يا وديع أن تستلقي هكذا في الأبدية من دون أن تحلم. ليس جميلاً، في الموت أيضًا، ألاَّ تعيش الحياةَ التي كنت تشتهيها.

الموت فسيح، يتَّسع لكل شيء. انسَ الأرضَ الكوكبَ الضيّق. وتَهادَ في فضائك الواسع، في عدمك. واضحكْ طويلاً.

العدم فسيح. وتستطيع أن تمدَّ فيه ضحكتك إلى الأبد.