مناهج البحث في علوم التربية

مناهج البحث في علوم التربية

(إصدار صالح لإمتحانات ماي 2007)

1 ـ مدخل:

 .هدف العلم  . موضوع العلم  . منهج العلم  . علم التربية  . علوم التربية  . مناهج البحث في علوم التربية

2 ـ مراحل تطور البحث التربوي:

3 ـ مناهج البحث التربوي:

          المنهج الإستقرائي:

                        - الدراسات الوصفية  . طريقة المسح  . مقاربة دراسة الحالة  . المقاربة الإستكشافية

                        - الدراسات التفسيرية  . المقاربة التجريبية  . المقاربة التاريخية

          المنهج الإستنتاجي:

                        ـ مقاربة حل المشكل: .التفكير التحليلي بالنسبة لديوي،  . بوبر،  .و هولمز  .( بعض النماذج ذات الفائدة في تشخيص المشاكل التربوية )

                      مواضيع البحث ضمن الدراسات الأساسية و الدراسات التطبيقية

        المنهج الجدلي.

4 ـ جمع البيانات و الكتابات العلمية:

                        ـ كتابة التقرير النهائي عن البحث:  .تعليق حول العنوان  . تحديد الإشكالية  .  تحديد نوع الدراسة  .  تحديد المنهج  .  تحديد التقنية و أدوات جمع البيانات  .تحديد مجال للبحث  . جمع البيانات من الميدان

مصادر.

 

1 ـ مدخل:

العلم يعرف بموضوعه هدفه و منهجه.

هدف العلم أو الفائدة المحتمل بالنسبة لأي باحث يكون في حدود الإمكان حسي كالتأثير الملموس على الأفراد أو محيطهم(دراسات تطبيقية), و قد يكون الهدف معنوي بالنسبة للباحث و هو الحصول على المعرفة و إزالة الغموض (دراسات أساسية)، أو حسي و معنوي معا،  (دراسات الفعل بالمشاركة –action research-)، تكون الفائدة فيه، أساسا تحقيق ذات الباحث في محيط متغير باستمرار(عمل من خلال العلم و علم من خلال العمل).

 

موضوع العلم:

         يكون ذا علاقة بالفرد كالكشف عن قوانين السلوك التعلمي أو التأثير على ذلك السلوك مثلا  و قد يكون الموضوع مرتبطا بالمحيط  الحسي للفرد (مواضيع علوم الطبيعة و الحياة)،  أو محيطه المعنوي (أي موضوع ضمن العلوم الإنسانية)، و أخيرا، يكون موضوع البحث العلمي محيطه الحس/معنوي (علوم اجتماعية).

 

منهج العلم:

يختلف باختلاف المواضيع و الأهداف و لكن رغم هذا الاختلاف يوجد  قاسم مشترك بين تلك المناهج مجتمعة يجعل منها، رغم اختلاف خطواتها، إجراءاتها، تقنياتها و أدواتها، مناهج توصف بأنها "علمية" و هذا القاسم المشترك هو العقل، أو بعبارة أخرى، عملية الربط المنطقي بين الحقائق المعلومة قصد الكشف عن أو التأثير على حقائق مجهولة .  المنهج العلمي بمعناه الواسع هو المنطق سواء كان صوريا (النظرية العقلانية للمعرفة)، واقعيا (النظرية الامبيريقية للمعرفة). و قد يكون المنهج العلمي بمعناه الواسع هو المنطق الجدلي (المنهج التجريبي حيث يكون الطرح هو التنظير للموضوع و نقيض الطرح هو التجريب و ما يبرزه من حقائق و التركيب هو خلاصة الدراسة ككل.  منهج الفعل بالمشاركة  كذلك منهج يستند على المنطق الجدلي حيث يكون الطرح حسي بالمشاركة و نقيض الطرح المعرفة المكتسبة و التركيب هو الإنسان الباحث العارف).

        يترتب على استخدام المنهج العلمي أن نتائج البحث تكون قابلة للاختبار والتحقق بحيث إذا تم دراسة نفس الظاهرة أو  المشكل من طرف باحث آخر، أو محقق، وفق المعايير العلمية المحددة من طرف الباحث الأصلي  تحصل هذا الأخير على نفس النتائج.

        على ضوء ما سلف، يمكننا القول أن قضية المنهج العلمي هي قضية وضوح الإستدلال و دقة في القياس يتجليان في أسلوب عرض يعقل المقدمات  بالنتائج و يبررها. 

 

علم التربية:

التربية من الفعل ربا يربو هي التنمية، و التربية نتيجة لتفاعل الفرد مع محيطه. أما علم التربية فهو العلم المحيط بكفية تحقيق تلك التنمية. هو إذن علم تطبيقي لأنه يهدف إلى التأثير الملموس على واقع محسوس. علم التربية هو البيداغوجيا، هو علم بالطرق و الوسائل التي يستند عليها المربي كي يحقق أهدافه التربوية.

 

علوم التربية:

التربية أنواع يمكن تصنيفها إلى تربية مقصودة منظمة تتم داخل مؤسسات اجتماعية مختصة و تربية غير مقصودة كتلك التي تتم داخل المؤسسة الأسرية وفق حقائق فطرية غريزية، و مكتسبة من طرف الأبوين. التربية التي نقصدها في تحليلنا لمفهوم علوم التربية هي التربية النظامية المقصودة من طرف المجتمع. و للتربية  النظامية سمات تميزها عن التربية الغير نظامية. أبرز تلك السمات هي أنها تهدف إلى تحقيق أهداف معلومة و مقصودة وضعها المجتمع وصخر لها إمكانيات مادية و معنوية، غير أن تلك الأهداف تختلف من مجتمع لآخر وفق اختلاف ثقافات تلك المجتمعات. السمة الثانية البارزة التي تميز التربية النظامية عن التربية الغير نظامية هي أنها تقوم داخل مؤسسات اجتماعي مختصة. لأكي تحقق تلك المؤسسات أهدافها بفاعلية و نجاعة لا بد أن تكون مؤسسة على أسس صحيحة، سواء في صياغة أهدافها أو ترتيباتها التنظيمية الأخرى. البحث في الأهداف التربية حتى توضع على أسس صحيحة هو ميدان بحث فلسفي. أما قضية تكييف و تنظيم تلك المؤسسات الاجتماعية المختصة في التربية و التعليم فهي قضية مرتبطة بالبحث السوسيولوجي و البحث السايكولوجي كدراسات أساسية من شأنها تزويد رجال السياسة بالحقائق العلمية التي تبنى على ضوئها سياساتهم التربوية.

        علوم التربية هي علوم أساسية كعلم النفس و علم الاجتماع و الفلسفة حيث أنها كلها متصلة من قريب أو بعيد بالفعل التربوي البيداغوجي للمعلم. علوم التربية ليست فقط علوم أساسية بل هي كذلك علوم تطبيقية كعلم التربية، أي البيداغوجيا و العلوم السياسية و الإدارية المهتمة بقضية تحقيق فاعلية و نجاعة مؤسسات التربية و التعليم.

 

مناهج البحث في علوم التربية

هي كل مناهج البحث الخاصة بميادين البحث التي أشرنا إليها في الفقرة أعلاه سواء كانت ضمن دراسات أساسية أو دراسات تطبيقية أو كليهما معا.

ضمن الدراسات الأساسية التفسيرية يبرز المنهج التجريبي، الذي كما اشرنا إليه سلفا، هو في الأساس منقط جدلي بغض النظر عن الإجرائات المنهجية المتباينة التي يمكن للباحث أن يقوم بها.

        أما ضمن الدراسات التطبيقية فيبرز نمط من المنهج التجريبي المعروف بمقاربة حل المشكل حيث تقوم مرحلة تشخيص المشكل مقام الملاحظة في الدراسات الأساسية، و تقوم مرحلة صياغة الحلول البديلة مقام صياغة الفروض ضمن الدراسات الأساسية وفق المنهج التجريبي. الحلول البديلة المقترحة من طرف الباحث المطبق تحتاج إلى قياس لمدى نجاعتها قصد اختيار أنجعها، و هذا القياس يقوم مقام التجريب الذي هو الخطوة الأخيرة المتبعة ضمن المنهج التجريبي.

 

2 ـ مراحل تطور البحث التربوي:

(هي مراحل تطور الفكر الفلسفي و الفكر السوسيولوجي والفكر السايكولوجي)

        إذا كان كلامنا عن تطور البحث العلمي في الميدان التربوي كلاما عن تطور البحث التجريبي (و كأن البحوث الوصفية غير علمية)، فإن تحديد مراحل تطور هذا النوع من البحوث هو تحديد لمراحل تطور البحث التجريبي ضمن علوم التربية. أي تطور البحوث التجريبية في ميدان علم النفس التربوي مثلا، و كذلك تطور البحوث التجريبية في ميدان علم الاجتماع المتصل بالميدان التربوي كالدراسات المقارنة للمؤسسات التربوية في البلاد المختلفة (التربية المقارنة ذات المقاربات الإصلاحية). و علوم السياسة (تخطيط تربوي قائم على تجارب جزئية، قبلية، مبررة لتعميم مستقبلي).

أما إذا كان كلامنا عن البحث العلمي المتصل بالتربية، بصفة عامة و بغض النظر عن كونه قائما على منهج تجريبي، فإن تحديد مراحل تطور البحث ضمن علوم التربية يكون مختلفا في حال قبلنا وجود مناهج علمية تتميز عن المنهج التجريبي، و هي سابقة له.

و بما أن أي تربية مقصودة هادفة لا تقوم إلا على ضوء فلسفة تربوية من شأنها تبرير الوجهة المزمع اتباعها على مستوى الممارسات الميدانية ضمن المؤسسات الاجتماعية ذات الطابع التربوي، فإن الفلسفات المبررة للممارسات السياسية و الإدارية الواجب اتخاذهاغابرة في القدم.

خلاصة القول هي أن تحديد مراحل تطور البحث التربوي صعب للغاية لأن التربية فكر قائم على حقائق متغيرة قبل أن تكون ممارسات قائمة على فكرة محجرة عند البعض، مفادها أن معيار الحقائق العلمية،  و بالتالي الممارسات المبررة "علميا" كما يقلون  هو القياس الإمبريقي في عالم المحسوسات. و كأن الحقائق المعنوية (اختلاف الثقافات و المعايير الإجتماعية المبررة للوجهات المتباينة) ليست حقيقة علمية بل حقيق خيالية عند أنصار العولمة، الماديين.

لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، و لكنه لم يشأ ذلك. و لا يزالون مختلفين. أعرف نفسك، قابل للإختلاف أو رافض له و محجر للواقع.

 

3 ـ مناهج البحث التربوي

        يمكننا تصنيف البحوث التربوية وفق الهدف المتوخي منها لدى الباحث أي الفائدة منها، أهي ذات فائدة معرفية (إزالة الغموض) أم هي ذات فائدة عملية، أو في حدود الإمكان ذات فائدة معرفية و عملية في نفس الوقت.

 

إن كانت ذات فائدة معرفية هادفة إلى الكشف عن الحقائق المجهولة بحثا عن وصف لها أو تفسير، تسمى بحوث أساسية. إن كانت الفائدة عملية محسوسة تسمى بحوث تطبيقية. و إن كانت الفائدة مزج بيد الفائدتين المذكورتين فتسمى الفعل بالمشاركة (عمل مفضي للمعرفة و معرفة مصححة للعمل).

 

        منهج البحث السائد ضمن الدراسات الأساسية هو المنهج الاستقرائي. أي جمع لمعطيات مجزأة قصد وصف كلي لحقيقة ما، و إن كانت تلك الحقيقة موصوفة سلفا يكون الغرض تفسير لها و التحقق من صحة ذلك التفسير وفق مقاربة منهجية موصوفة بالتجريبية أو مقارنة أو تاريخية...حسب ما يراه الباحث مناسب لموضوع بحثه.

 

        منهج البحث السائد ضمن الدراسات التطبيقية هو المنهج ألاستنتاجي، أي المنهج الموصوف بكونه مبني على إستدلال بالكليات (المعرفة النظرية) قصد التأثير على الواقع المحسوس المجزئ في خصوصيته الزمنية و المكانية.

 

        أما النوع الثالث من البحوث، تلك المنعوتة ببحوث الفعل بالمشاركة فالمنهج السائد فيها هو منهج جدلي، أي يتظمن صيرورة و حركية حيث أن المعرفة النظرية توجه فعل الباحث و فعله كطرف مشارك في ميدان بحثه يصحح مواقفه المبدية. مهنة التعليم ميدان خصب لمثل هذه البحوث.

المنهج الإستقرائي

أولا- الدراسات الوصفية :

 تتضمن مناهج متباينة، منها المميزة للدراسات المسحية و  لدراسة الحالة و للبحوث الإستكشافية.
- طريقة المسح (الحصر):لبيانات المتعلقة بمؤسسة أو نشاط وفق نموذج مثالي ينظم مجال الملاحظة لدى الباحث. يتحدد مجال الدراسة المسحية و عمقها وفق طبيعة موضوع البحث. قد يكون المجال واسعا و يمتد إلىإقليم جغرافي يشمل عددا من الدول، و قد يكون مؤسسة أو شريحة إدارية أو اجتماعية في مدينة أو منطقة.

أهمية الدراسة المسحية تكمن في كونها تكشف عن وجود علاقات سببية محتملة لبعض الظواهر الإجتماعية كالكشف عن علاقة ممكنة (افتراضية) بين التفوق الدراسي بابيئة الإجتماعية للتلميذ.


- مقاربة دراسة الحالة :
study Case
تتضمن هذه الطريقة دراسة حالة واحدة أو بضع حالات على انفراد دراسة متعمقة مع الإهتمام بكل شيء عن الحالة المدروسة. وتحتاج هذه الطريقة لخبرة وجهد من الباحث كما أنه قد تؤدي إلى محاولة تفسير النتائج التي يتم الحصول عليها.
وقد تستخدم في الدراسة طريقة الحالة بمفردها أو بالتعاون مع طريقة المسح فيبدأ الباحث الدراسة حسب طريقة الحالة ثم يدرس بطريقة المسح مدى انطباق النتائج على العدد الأكبر من الوحدات.
ومن الأمثلة المشهورة لطريقة الحالة في البحث التي أقيمت على فرد واحد : الدراسة التي قام بها الجراح الأميركي (
Baumount 1785 -1853 )على مريض أصيب بطلق ناري في بطنه نتج عنه ثقب بالبطن أمكن علاج المريض ولكن فتحة البطن ظلت موجودة وتمكن الطبيب من إدخال الطعام وإخراجه على فترات وتحليله ومن خلال 238 تجربة أجراها أمكن الوصول إلى أول فهم حقيقي للعصير المعدي وعملية فيزيولوجيا الهضم.

لها أهمية علاجية و إصلاحية لا يمكن تعميمها على الحالات الأخرى رغم بقاء احتمالية التعميم أي أن الفروض المنبثقة عن دراسات الحالة مبررة علميا.

 ـ المقاربة الإستكشافية exploration study

        يستند منهج الدراسة في مثل هذه البحوث على الملاحظة بالمعايشة و لا يستلزم وجود أي فرضية أو توقع يوجه الباحث في بحثه عن عناصر للملاحظة دون أخرى، بل كل شيء قابل للتسجيل و يستلزم جمع المادة تصنيفا لها حسب النوع و الكم حتى تصبح قابلة للإستغلال.

        تكمن أهمية هذا النوع من الدراسات في ثراء المعلومات و إمكانية العثور على علاقات ارتباطية بين عناصر المعطيات التي تم جمعها. نظرية دارون التطورية منبثقة عن مثل هذه الدراسات.

 

ثانيا- الدراسات التفسيرية

ـ المقاربة التجريبية:
يقوم هذا المنهج على أساس إجراء ما يسمى "بالتجربة العلمية" فعن طريق التجربة يتم اختبار أثر عامل متغير
variable مستقل لمعرفة أثره على عامل تابع. للقيام بذلك على الباحث أن يقوم بالتصميم التجريبي بتحديد مجموعتين، الواحدة تجريبية و الأخرى ضابطة حيث يقحم العامل المراد قياس أثره ضمن المجموعة التجريبية (استعمال المعلوماتية في التدريس مثلا) ليتمكن من قياس مدى تأثيره عليها (التحصيل الدراسي كمتغير تابع مثلا) مقارنة بالمجموعة الضابطة التي يتم تدريسها بالطريقة التقليدية. ويسمى العامل المتغير المطلوب دراسة أثره بالمتغير التجريبي و يعبر عنه ضمن فرضية علمية يمكن قياس مدى صحتها لتعميم النتيجة بعد التجربة، كقولنا مثلا أن استعمال التكنولوجيات الحديثة في الإعلام و الاتصال في عملية التدريس ثؤثر بالإيجاب على التحصيل الدراسي. وتتم التجربة وفق شروط معينة يُتحكم فيها مصمم التجربة وفق طريقة المجموعات الضابطة و التجريبية حيث يتم مقارنة تنيجة إقحام المتغير المستقل في المجموعة التجريبية مع نتيجة عدم إقحامه و التحكم في العوامل الدخيلة (طفيلية) حتى تكون نتيجة التجربة صحيحة. و قد يتم التصميم التجريب  وفق طريقة العينات و أدوات الملاحظة ذات شروط الصدق و الثبات الكفيلة بمعاينة مدى تأثير العوامل الدخيلة الممكن قياس مدى تأثيرها على النتيجة وفق الأساليب الإحصائية المناسبة. (...)

        أهمية الدراسة التجريبية تكمن في دقة نتائجا و إمكانية تعميم تلك النتائج

 

ـ المقاربة التاريخية :
يقوم هذا المنهج على تتبع ظاهرة تاريخية من خلال أحداث أثبتها المؤرخون أو ذكرها أفراد على أن يُخضع الباحث ما حصل عليه من بيانات وأدلة تاريخية للتحليل النقدي للتعرف على أصالتها وصدقها. وهي ليست فقط من أجل فهم الماضي بل وللتخطيط المستقبلي أيضاً. وفي البحوث التاريخية عن الأحداث والشخصيات يجب أن يلتزم الكاتب بعرض المادة التاريخية عرضاً أميناً وموضوعياً مبتعداً عن الأسلوب الأدبي من حيث المبالغة والتهويل والربط الموضوعي بين الأحداث. (...)

 

المنهج الإستنتاجي

        ـ مقاربة حل المشكل:

أي مشاريع إصلاحية و تخطيط  و دراسات مستقبلية قد يتبناها رجال السياسة و أصحاب القرار لترقى من كونها نتاج بحث علمي إلى ميدان التنفيذ.

من بين أهم المنظرين لمثل هذه المقاربة يمكننا ذكر الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، و فيلسوف العلم كارل بوبر و العالم في التربية المقارنة البريطاني براين هولمز. فيما يلي تفصيل لرؤية كل واحد من هؤلاء بخصوص الخطوات المنهجية لهذه المقاربة:

 

التفكير التحليلي بالنسبة لديوي:

 يتمحور حول ستة خطوات أساسية هي

- الشعور بمشكل (الجهل، الجوع، الفقر...)

- الفرضية أو الحل كما يبدو لأول وهلة و قبل التعرف على أبعاد المشكل المختلفة ( أيكون الحل كذا؟)

- تحليل المشكل أو الكشف عن أبعاده النظرية (تنظير)

- الآبعاد الزمنية و المكنية للمشل (الرجوع من النظري إلى خصوصية الواقع المحلي)

- الإستنتاج المنطقي بعد التحاليل السالفة الذكر ( العقلنة أو جدلية المنطق الصوري و منطق الواقع)

- إثبات الحل الأولي أو تفنيده ( موقف الباحث)

 

أما كارل بوبر فيرى:

 أن المنهج العلمي يتمحور حول خمسة خطوات أساسية هي:

- التطرق إلى مشكل يطرح نفسه على الباحث و يكون في غالب الاحيان  عبارة عن نظرية أو ممارسة قديمة غير موافقة لظروف جديدة ( ملاحظة)

- الحل أو البديل المقترح (فرضية)

- التنبؤ (إستنتاج) على ضوء خصوصيات الظروف المحلية ( العقلنة)

- التجريب الذي هو عبارة عن مقارنة بين الإستنتاجات المنطقية و الحوادث الجارية (جدلية المنطق الصوري و منطق الواقع المتغير)

- إختيار بديلا مناسبا وفق معاير للتقييم التي قام على أساسها البحث سواء كان ذلك وفق معيار التقدم الإقتصادي، أو الليبيرالية أو الإشتيراكية أو الإستقرار السياسي... (موقف الباحث)

 

أما فيما يخص هولمز:

 المنهج الذي أخذه من كل من ديوي و بوبر كيفه للتربية المقارنة و يتلخص فيما يلي:

- التعرف على المشكل تقنيا أي إستنادا إلى نماذج تحليلية سوسيولوجية Taxonomies (الملاحظة)

- إقتراح الحل أو الحلول البديلة (الإفتراض)

- الإستنتاجات الزمنية و المكنية أو مقارنة المنطق بالواقع في خصوصياته المتغيرة (التجريب)

- التنبؤ حسب معايير التقييم المختلفة كما ذكرت بالنسبة لبوبر و التي تجعل الباحث يبرر حلا من بين الحلول البديلة و يقترحه على رجال السياسة و أصحاب القرار. (موقف الباحث)

 

ملاحظة:

 يرى هولمز أن المجتمع المثالي هو المجتمع المتوازن في جوانبه الحسية و جوانبه المعنوية، و المشاكل إذن  تظهر جراء التغير الغير متزامن بين تلك الجوانب (تغير سريع و آخر بطيء أو منعدم) يفقد الواقع الإجتماعي توازنه، و بالتالي وضعه المثالي. و يصنف هولمز  هذه المشاكل المحتملة إلى ثلاث أصناف هي:

- قضايا عامة خاصة بالمجتمع و لها علاقة بالتربية:

        * صراعات الصلاحيات للوكالات (المنظمات) المختلفة المؤثرة على التربية

        * مصادر و كيفية مراقبة ميزانيات التربية

        * الخريطة المدرسية و واقع عالم الشعل المتغير بسرعة

        * المؤسسات التعليمية القائمة على أساس ثقافة أصلية و مجتمع متغير نحو تعدد الثقافات نظرا للهجرة.

- قضايا خاصة بالتعليم عامة

        * تحديد الآهداف التربوية غير منسجم مع الواقع المحسوس و التركيبة الإجتماعية

        * بنية المنظومة التربوية و قضية الحراك الإجتماعي

        * المقررات التربوية ( المحتوى التعليمي) و الواقع الثقاف و الإقتصادي

        * التقييم و التقويم التربوي

        * طرق التدريس

        * الوظيفة الإجتماعية للأستاذ و القانون الأساسي الخاص به.

- قضايا خاصة بالمدرسة

        * السلطة و الرقابة

        * حفظ النظام

        * الحرية الأكاديمية

        * الحرية في التعليم.

و يقترح هولمز بعض النماذج التحليلية كأدوات يمكن تشخيص المشاكل المذكورة أعلاه على ضوئها.

 

تقنيات الملاحظة:

( بعض النماذج ذات الفائدة في تشخيص المشاكل التربوية و تحليلها )

 

- نموذج مثالى تحليلي عام (A general  Taxonomy)

االجغرافيا  

- موارد طبيعية

- موارد بشرية

-موارد صناعية

- مناخ

         - آخر

 

المؤسسات - الدولة

           - البنك

         - المدرسة

          - الإعلام

           -المسجد

           - آخر

                                     

 

التشريع  - سياسي

        -إقتصادي

        - تربوي

        - ثقافي

        - ديني

        - آخر

 

 

الذهنيات:

- ذهنيات الأغلبية      

- ذهنيات الأقلية       

 - تصرفات شاذة

          - آخر

 

 

 

 

 

 

 

مصادر لمعطيات تربوية تشريعية [1]

        - الوكالات الوطنية الرسمية:

                * الدستور ( نصوص خاصة بالتربية و أخرى لها علاقة بالتربية)

                * تصريحات حكومية ( اليونيسكو، المكتب العالمي للتربية،...

        - تصريحات رسمية غير حكومية

                * وكالات وطنية ذات طابع علمي، إداري خيري... لها علاقة بالتربي

        - تصريحان غير رسمية وطنية

                * منظمات سياسية، دينية، إقتصادية، شركات حرفية، مربين، أطباء، رجال قانون..

        - تصريحات غير رسمية محلية ( قد يختلف التقسيم المتوخى عن التقسيم الإداري إذا لم يأخذ العرق مثلا في الحسبان)

        - تصريحات رسمية داخل المؤسسة التعليمية

                * القانون الأساسي السمي و الغير رسمي، التوصيات...

 

نماذج خاصة بالمؤسسات التربوية

          - الإدارة

                   * نموذج للمنظًمة الرسمية (Parsons Formal Organisation): يساعد هذا النموذج على معاينة المستوى الذي يتم فيه سن القوانين، المصادقة عليها و تنفيذها. و تجدر الإشارة أن هذا التنظيم الرسمي موجود على المستوى المركزي، الجهوي، المحلي، و على مستوى المؤسسة نفسها.

                                                                             

المصلحة العمومية (المجالس الشعبية)

الإداريون (المشرفون على التنفيذ)

التقنيون (المنفذون)

        - التمويل في القطاع العمومي و القطاع الخاص

                   * مصادر التميول ( النظام الجبائي على الدخل و العقار في المستويات المركزي، الجهوي و المحلي)

                * الميزانية و الوكلات المسؤولة عن التشريع و المصادقة

                * العائد ( التعرف على الوكلات المسؤولة عن جمع الأموال)

                * النفقات ( التعرف على الوكلات المسؤولة عن صرف الأموال ( رواتب، خدمات، بنايات، تجهيزات)

                * المحاسبة ( تحديد الوكلات الخاصة بالمحاسبة

        - المؤسسات الخاصة و العمومية (-IBE- يعرف كل نمط مقارنة إلى النمط الآخر على ضؤ مؤشرات كالتالي:

                  

المؤشر

نمط عمومي

نمط خاص

- الحجم

- فئة السن

-الإلزام

- عدم الإلزام

- حقوق التسجيل

- مجاني

- نخبوي

- غير نخبوي

- الجنس

- مختلط

- الأيام الدراسية

- الحجم الساعي في اليوم

- النظام الداخلي

- التعليم العام

- تكوين مهني

- ( تجارة، تقني، تكوين المعلمين)

 

 

 

          - التعليم حسب المستوى و الطور (IBE)

المستوى

 

الطور

 

IV

الطور 6

III

الطور 5

الطور 4

II

 

الطور 3

الطور 2

I

الطور 1

نموذج للهيكل و التنظيم       

المرحلة الرابعة (التعليم العالي أو المعاهد العليا...)

المرحلة الثالثة (الثانوي أو مدرسة النحو في بريطانيا...)

المرحلة الثانية (الإكمالي أو الطور 3 من الأساسي...)

المرحلة الأولى (الإبتدائي/أو الطور 1و2 من الأساسي ...)

 

نموذج لابعاد المنظومة التبربوية (حسب المكتب العالمي للتربية)

(1) الأهداف (2) الإدارة (3) التمويل (4) الهيكل و التنظيم (5) البرامج التعليمية (6) تكوين المعلمين و التعليم العالي.

 

نموذج لنوعية البرامج التعليمية. (.../...)

(1) البرامج الماهية Essentialist curriculum

(2) البرامج الموسوعية  Encyclopedism

(3) البرامج البراغماتية Pragmatism

(4) التعليم المتعدد التقنيات.   Polytechnical Education

 

 

نموذج للمدرسة ( العوامل الداخلية و العوامل الخارجية)

(1) البعد البيداغوجي (أكاديمي) - البرامج، طرق التدريس، الإمتحنات والتقييم، التاديب (النظام)...

(2) بعد المحيط بالبيداغوجيا - شروط التوظيف، الرواتب، التسريح، السلوك الوظيفي (حقوق و واجبات)...

 

مقارنة بين مواضيع البحث ضمن الدراسات الأساسية و الدراسات التطبيقية

- البحث الأساسي

        * العلاقة بين الإصلاح التربوي و نمط الإدار ( ممركزة/غير ممركزة)

        * العلاقة بين البنية السياسية أو الإستقرار السياسي و إدارة التعليم

        * العلاقة بين البنية التنظيمية للمنظومة التربوية و الإستقلالية الذاتية للاستاذ

        * العلاقة بين نمط المواقف و السلوكات للأساتذة و نوعية الإدارة

        * العلاقة بين نمط الزعامة أو السلط السياسية ( قانونية، عقلانية، تقليدية، كاريزماتية) و نوعية الإدارة المدرسية

        * دور الإدارة المدرسية ( على الأصعدة المركزية، الجهوية، المحلية) على الإصلاح التربوي الناجح

        * علاقة نمط الإدارة (ممركزة/ غير ممركز) بالإمكانيات المتاحة للاقليات الثقافية.

 

- البحث وفق مقاربة حل المشكل (تشخيص المشاكل التربوية وفق نظرية التغير و عدم التغير قبل اقتراح حلول بديلة لها تكون مبررة بخصوصية الظروف المحلية)

        * تغير معياري (تشريع، تنفيذ، قضائي، جماعات ضاغطة، توقعات)

        مثلا: التغير في توقعات بعض الأقليات و عدم التغير في التنظيم الرسمي على المستوى المركزي يشكل مشكلا يحتاج لحل مناسب، متوافق مع ثقافة المجتمع

        * تغير مؤسساتي:

        مثلا: نمو حجم المدرسة الثانوية و عدم التغير في الإدارة يعتبر مشكلا مشخص يحتاج إلى حلول مناسبة

        تغير في دور الأستاذ ( إثر نمو المدرسة، مقررات جديدة،...) و عدم التغير في تنظيم الإدارة المدرسية، أو في ذهنيات المعلمين...

 

        * الحلول؟ ( مظاهر للحلول البديلة)

        الإنخراط، المقررات، البنايات، شروط التوظيف، طرق التدريس، الكتاب المدرسي، القانون الأساسي للأستاذ، التقييم، حفظ النظام، المرتبات، تسيير المدرسة، التربية الخلقية، المدنية، طرق التسريح،

(...)

 

 

المنهج الجدلي

        هو المنهج المنبثق عن موقف المعلم في إطار ممارسته لمهنته. ليس كل ما تعلمه في مركز تكوين المعلمين مناسبا لخصوصية الظروف التي يشتغل فيها، و عليه إذن أن يكيف عمله لتك الظروف لينشر نتاج خبرته، و قد تصبح نظرية قائمة بذاتها و متميزة عن كل ما ورد من نظريات في ميدان التربية و التعليم.

        علمه يوجه عمله و عمله يصحح علمه و الجدلية تبقى قائمة ما بقي تغير إجتماعي و ثقافي و سياسي...

 
 

4 ـ جمع البيانات و الكتابات العلمية

إذا كان اختيار موضوع البحث و تحديد هدفه و التفكير في أنجع الطرق العلمية لتحقيق ذلك الهدف يشكل مرحلة متميزة عن مرحلة جمع البيانات الميدانية ثم التعليق عنها وفق الأسلوب الأمثل، يمكننا القول أن البحث العلمي يمر بمراحل ثلاثة هي: المرحلة التحضيرية، والمرحلة الميدانية، و مرحلة الكتابة العلمية.

 وتتضمن كل مرحلة من المراحل مجموعة من الخطوات. ففي المرحلة التحضيرية يقوم الباحث باختيار موضوع بحثه (مشكل البحث)  وتحديد المفاهيم الأساسية المرتبطة بموضوع اهتمامه كما هي مصاغة في العنوان المعبر عن موضوع اهتمامه و كما تتبلور و تتحدد هي و المفاهيم المتفرعة عنها، على ضوء التراث العلمي المتوفر لديه و صياغة الإشكالية المنظر لها على ضوء التراث العلمي و الدراسات السابقة إن وجدت، والفروض العلمية المستنتجة من تنظيره لموضوع بحثه، وتحديد الإجراءات المنهجية (أنجع السبل لقياس مدى صحة تلك الفرضيات) و بناء الأدوات اللازمة لجمع البيانات، كما يقوم بتحديد مجالات البحث الثلاثة البشري، المكاني، الزمني.

أما في مرحلة البحث الميداني، فيقوم الباحث باستعمال الأدوات التي بناها، إن صح التعبير، و كيفها بطريقة كفيلة بتمكينة من جمع المعطيات الميدانية التي يحتاج إليها لكي يقيس مدى صحة الفروض التي صاغ، إن كانت دراسته تتضمن فروض علمية (الدراسات الوصفية لا تحتاج دائما إلى فروض، خاصة الدراسات الاستكشافية، أو المسوح الاجتماعية كالإحصاء العام للسكان مثلا). في هذه المرحلة يقوم الباحث بجمع البيانات إما بنفسه أو عن طريق مجموعة من الباحثين الميدانيين الذين يستعان بهم في أغلب الأحيان في البحوث الكبيرة التي تجريها مراكز البحث العلمي والهيئات والمؤسسات العامة، وتتضمن هذه المرحلة مجموعة من الخطوات أهمها: عمل الاتصالات اللازمة بالمبحوثين وتهيئتهم لعملية البحث، وإعداد الباحثين الميدانيين وتدريبهم، والإشراف عليهم أثناء جمع البيانات من الميدان للوقوف على ما يعترضهم من صعاب، والعمل على تذليلها أولاً بأول، ثم تجريب أدوات الملاحظة الميدانية في نزول استطلاعي للميدان  لاستكمال نواحي النقص في تلك الأدوات والتأكد من أنها صحيحة ودقيقة و مسجلة بطريقة منظمة.

أما في المرحلة النهائية، مرحلة  تصنيف و تفريغ تلك البيانات وفق ما تتطلبه الفروض المصاغة أو نوعية الأسئلة المطروحة و الممهدة البحث، يقوم الباحث بتصنيف البيانات  وجدولتها وتحليلها وتفسيرها، ثم يقوم بكتابة تقرير مفصل يشتمل على كل الخطوات التي مرت بها عملية البحث.

وفيما يلي عرض موجز عن أهم ما يجب توفره في التقرير النهائي عن الدراسة:

 

كتابة التقرير النهائي عن البحث

بعد الانتهاء من مرحلة التنظير و مرحلة جمع المعطيات الميدانية ثم تفريغها وفق ما تقتضيه الدراسة، يبدؤ الباحث في التحليل و التعليق و التفسير للنتائج، كتابيا قبل المبادرة في  كتابة المقدمة التي يذكر فيها مجمل الخطوات المشار إليها أعلاه.

        يشترط على الباحث في تقريره النهائي عن الدراسة أن يتوخى الحذر من الأسلوب الإنشائي أو الأحكام المسبقة، أي الأقوال الغير مبررة بحقائق نظرية أو ميدانية يستدل بها عن ما يقره من أقوال أو إجراءات عملية. عليه أن يستشهد في أحكامه و قراراته بخصوص الإجراءات المنهجية المتخذة و نتائجه كما يفسرها، بالمنطق أو بمصادر علمية سواء كانت نظرية أو ميدانية أو كليهما.

        قبل الكتابة النهائية لباقي فصول بحثه يجب أن يهتم بالمقدمة التي يوضح من خلالها عدد من العناصر الهامة (مناك من يفضل وضع هذه العناصر الهامة بعد المقدمة، ضمن فصل تمهيدي مبررين ذلك بطول  عرضها). العناصر هي التالية:

 

.تعليق حول العنوان :

يشترط في عنوان البحث أن يؤدي وظيفتين أساسيتين:

- الأولى: إيضاحية، أي أن عنوان الدراسة يعبر للباحث نفسه قبل قرائه، في عباراته الأساسية عن موضوع البحث و عن المفاهيم الأساسية التي يجب تحديدها بصفة صورية بعد الإطلاع على التراث العلمي والتنظير بحيث تمكنه من تصميم أدوات مكيفة للتكشف عن حدودها في الواقع الميداني في خصوصيته الزمنية و المكانية (تعاريف إجرائية).

لذا، يشترط في العنوان أن يكون دقيقا و أن يكتب بعبارات موجزة ولغة واضحة تبرز الفكرة الأساسية لموضوع الدراسة من خلال العبارات الدالة عليه و التي هي في الواقع مفاهيم من ورائها نظريات و اختلاف في الرؤى ناجم عن اختلاف زوايا النظر للواقع الذي يعبر عنه المفهوم. و حال البشرية كذلك، يستوجب على الباحث اتخاذ موقف من تلك النسبية في المنطلق و الفهم حتى يزيل كل غموض عما ينوي البحث فيه، و من أي الزوايا ينظر إليه.

- الثانية: إعلامية، أي إعلام الباحثين والقراء بالفكرة والموضوع الذي يدرسه الباحث. أهمية الإعلام هنا تكمن في فتح مجال الحوار و محاولات التفنيد المثرية و الضرورية لكل البحث العلمي نزيه و موضوعي.

 

. تحديد الإشكالية

الإشكالية أهم مراحل البحث مثلما أن تشخيص المرض أهم من أي وصفة اعتباطية لأن الدواء الناجع غالبا ما يكون  بعد تشخيص للمرض صحيح، أي بعد معاينة مشكل المريض على ضوء نظريات الأعراض المرضية.

الإشكالية همزة الوصل بين البحث النظري في التراث العلمي المرتبط بموضوع البحث و البحث الميداني، و مكانها الحقيقي هو إذن خلاصة الجزء النظري، و لا حرج أن تكتب في مقدمة التقرير نظرا لأهميتها مثلما أن المقدمة تكتب في بداية التقرير رغم الإنتهاء الباحث من جميع مراحل بحث قبل أن يقدمه للغير. القضية قضية منطق و ليست قضية شكل أو تقاليد خاطئة.

يمكن للباحث أن يصيغ إشكالية مبدئية في المرحلة الأولى من بحثه، و لكن عليه أن يراجعها بعد الإطلاع على الدراسات السابقة و تعرفه على النظريات المفيدة لبحثه و تحديده للمفاهيم التي من شأنها تحديد مجال بحثه و تساؤلاته.

الإشكالية عبارة عن طرح لتساؤلات الباحث بعد تنظيره للموضوع. لفظ مشكلة البحث يرادف لفظ موضوع البحث (غموض أو إرادة في الإصلاح...) في حين أن لفظ الإشكالية يعبر عن النقطة المفصلية بين تنائج دراسة الآخرين و نتائج دراسة الباحث نفسه. فيها تطرح الأسئلة بدلالات منظر لها، و هي تمهد لصياغة الفروض إن تطلب البحث ذلك و تبررها نظرا للخلفية النظرية من ورائه.ا

 

.  تحديد نوع الدراسة أو نمط البحث :

يتحدد نوع الدراسة على أساس مستوى المعلومات المتوفرة لدى الباحث، وعلى أساس الهدف الرئيسي للبحث. فإذا كان ميدان الدراسة جديداً لم يطرقه أحداً من قبل اضطر الباحث إلى القيام بدراسة استكشافية تهدف أساساً إلى الكشف عن واقع ما و وصفه والكشف عن فروض محتملة له يمكن إخضاعها لبحث أكثر دقة (النظرية التطورية لداروين منبثقة عن مثل هذه البحوث). وإذا كان الموضوع محدداً عن طريق بعض الدراسات التي تم إجراؤها في الميدان أمكن القيام بدراسة وصفية تهدف إلى تقرير خصائص الظاهرة وتحديدها تحديداً كيفياً وكمياً. وإذا كان الميدان أكثر تحديداً ودقة يستطيع الباحث أن يقوم بدراسة تجريبية للتحقق من صحة  الفروض التي توصل إليها.

ويلاحظ أن وضع الفروض يرتبط بنوع الدراسة. فالدراسات الاستكشافية أو الدراسات المسحية، مثلا، تخلو من الفروض و تكتفي بتساؤلات حول ما يمكن الكشف عنه من حقائق كمية أو نوعية، في حين أن بعض  الدراسات الوصفية الأخرى تتضمن فروضاً إن كانت صياغتها مبررة على ضوء المعلومات المتوفرة في نتائج الدراسات السابقة، و مبررة كذلك بكونها تمكن الباحث من تحديد مجال بحثه الميداني وفق أدوات للملاحظة الميدانية تكون مكيفة للمجال المحدد ضمن تلك الفروض أو التوقعات. في مثل هذه الحالة تكون صياغة الفروض على شكل توقعات, لا أشارة فيها لمتغيرات مستقلة و أخرى تابعة مثلما هو الشأن في البحوث التجريبية. أما الدراسات التجريبية فإنه من الضروري أن تتضمن فروضاً دقيقة محددة بحيث تدور الدراسة بعد ذلك حول محاولة التحقق من صحتها أو خطئها.

 

.  تحديد المنهج :

يشير مفهوم المنهج إلى الكيفية أو الطريقة التي يتبعها الباحث في دراسة المشكلة موضوع البحث. وهو يجيب على الكلمة الاستفهامية: كيف؟ فإذا تساءلنا كيف يدرس الباحث الموضوع أو يعالج في عالم المحسوسات الخلل أو المشكل الذي حدده؟ فإن الإجابة على ذلك تستلزم تحديد نوع المنهج.

إذا أقررنا أن المنهج العلمي بمعناه الواسع هو الاستدلال المنطقي بالحقايق الجزئية سواء كانت نظرية/معنوية أو ميدانية/حسية قصد الوصول إلى الكل أو التعميم أو القامون ( المنهج الاستقرائي) أو أنه الاستدلال المنطقي بالكليات أو القانون أو النظرية قصد تبرير التطبيقات أو التوقعات على الجزء (المنهج الإستنتاجي) أو كليهما، أي الربط المنطقي بين الحقائق الجزئية المفضي لتعميمات و كشف عن قوانين علمية ثم الإستدلال بالكليات على واقع خاص، هو جزء من واقع كلي مفترض قد يشذ عن النظرية في الدراسات التطبيقية و الدراسات المستقبلية و البحوث الفلسفية قد تفند في خصوصيتها تلك الكليات أو التعميمات، يمكننا القول أن تنوع الدراسات العلمية في البحوث التربوية كالمسح الاجتماعي، والبحث التاريخي، و دراسة الحالة، والبحوث التجريبية، لا يغير شيئا من نوعية المنهج المتبع، بمعناه الواسع، و إن اختلفت الإجراءات المنهجية الكميفة لموضوع البحث و أدوات الملاحظة المستعملة في مرحلة من مراحل البحث.

على هذا الأساس نتحفظ عن الإقرار الشائع بوجود منهج وصفي قائم بذاته، يميزه عن المنهج التجريبي، خاصة عندما يتذكر أحدنا أن بعض الدراسات الوصفية لا تحتاج إلي فروض، و وجود الفرض من عدمه خطوة تميز طريقة عن الأخرى.

لهذا نفضل الكلام عم دراسات وصفية و أخرى تجريبية يكون المنهج المتبع فيها إما استقراء أو استنتاج أو في حدود الإمكان،  مزج بينهما في حين أن الإجراءات المنهجية تبقى متباينة تباين مواضيع البحث و غير مرتبطة بكون البحث وصفي أو تجريبي.

 

.  تحديد التقنية و الأداة أو أدوات جمع البيانات :

إذا كانت التقنية المتبعة في جمع البيانات عبارة عن معرفة الأسلوب الذي من خلاله يمكن أن تجمع تلك البيانات مثل التقنيات الحية كالمقابلة أو الملاحظة بالمعايشة و التقنيات الوثائقية كتحليل المحتوى أو البيانات الإحصائية، فإن  مفهوم الأداة يشير إلى الوسيلة المحسوسة التي يجمع من خلالها الباحث البيانات التي تلزمه مثل الإستمارة و دليل المقابلة و المقياس.

لفظ التقنية أو الأسلوب يدل على حقيقة معنوية في حين أن لفظ الأداة يعبر على حقيقة محسوسة يمكن للباحث أن يلمسها بيديه و يقرأ العبارات الموجودة ضمنها.

نظرا لدقة الأسلوب العلمي، على الباحث أن يميز بين اللفظين في تقريره عن الإجراءات المنهجية المتبعة، حتى و إن شاع الغموض بين الباحثين بخصوص هذه الألفاظ، كالادعاء مثلا أن الملاحظة أداة من أدوات البحث العلمي في حين أن الملاحظة (إدراك حقيقة ما) تحتاج إلي أداة و إن كانت تلك الأداه العين المجردة.

ليس كل ما شاع استعماله حقيقة علمية. قد تكون حقيقة وهمية، و الاحتمال وارد.

 

.  تحديد مجال للبحث:

وذلك بتحديد المنطقة أو البيئة التي تجرى فيها/عليها الدراسة، مجتمع البحث و قد يتكون هذا المجتمع من جملة أفراد، أو عدة جماعات، وفي بعض الأحيان يتكون مجال البحث من عدة مصانع أو مزارع أو وحدات اجتماعية، ويتوقف ذلك بالطبع على  موضوع الدراسة.

و يقصد كذلك من تحديد مجال البحث، تحديد مجاله الزمني لجمع البيانات. ويقتضي ذلك القيام بدراسة استطلاعية عن الأشخاص الذين تتكون منهم العينة قصد تصحيح أداة البحث و تحديد الوقت المناسب لجمع البيانات.

 

. جمع البيانات من الميدان:

يكو من المفيد في المقدمة أن يذكر الباحث طريقة جمعه للبيانات التي قد يتم جمعها من طرف الباحث نفسه، أوقد يتم جمعها عن طريق مندوبين عنه. ولما كانت عملية جمع البيانات هي التي تتوقف عليها صحة النتائج ودقتها، فإن جامعي البيانات يجب أن تتوافر لديهم الخبرة والدراية الكاملة بالبحوث الميدانية، وأن تكون لديهم من القدرات والمواهب الشخصية ما يؤهلهم لجمع البيانات كحسن التصرف  والصبر، وأن يكون لديهم إلمام ببعض القضايا الاجتماعية الخاصة بالمجتمع بعامة، ومجتمع البحث بصفة خاصة، كما أن من الضروري أن يقوم الباحث بتدريب جامعي البيانات قبل النزول إلى الميدان وذلك عن طريق شرح الهدف من البحث وخطته وكيفية تطبيق أدوات البحث على أن يشمل ذلك التدريب على الشروط الأساسية في تطبيق كل أداة وكيفية التصرف في المواقف المتوقعة، ويفضل أن يطبع دليل للعمل الميداني ليكون مرجعاً لجامعي البيانات يسترشدون به وقت الحاجة.

بعد كتابة المقدمة و ما يحبذ ذكره فيها، يتابع الباحث كتابة تقريره بنفس الأسلوب العلمي الذي أشرنا إليه متحاشيا الأحكام المسبقة في شخصه أو تلك الغير مبررة عن غيره من الذين يستشهد بهم متبعا تسلسا منطقيا بين الفصول، حيث أن الفصل المنتهي يمهد للفصل الموالي إلى أن يصل إلى خلاصة بحثه

        على الباحث أيضا أن يخصص فصلا أو جزءا من تقريره للمقترحات و التوصيات، و كذلك عليه أن يذكر قائمة للمصادر أو المراجع التي استند عليها. و يمكنه بعد هذه القائمة أن يضيف ملاحق يراها ذات فائدة للباحثين أو المحققين في صدق نتائج دراسته.

 

 

مصادر:

 

61/375

مناهج البحث العلمي و أساليبه

سامي عريفي و آخرون

66/375

مناهج البحث في التربية و علم النفس

سامي ملحم

72/375

مناهج البحث العلمي و طرق إعداد البحوث

عمار لوجونش

78/375

مناهج البحث العلمي في الفكر الإسلامي و الفكر الحديث

عبد الرحمان عيساوي

41/375

أسس و مناهج البحث العلمي

عثمان محمد هشام

42/375

مناهج البحث العلمي: دليل الطالب في كتابة الأبحاث العلمية

محمد الشريف عبدا

11/375

مناهج البحث العلمي

مورقان توني

7/375

محاضرات في منهجية البحث العلمي

خير الله

47/370

بحوث التربية و المنهج العلمي

السيد علي شتا

81/375

المنهج العلمي و العلوم الاجتماعية

السيد علي شتا

87/375

مناهج البحث في العلوم الاجتماعية

صلاح مصطفى

90/375

الاستقراء و المنهج العلمي

محمود زيدان

100/375

منهج البحث العلمي

خالد خامد

124/375

مناهج و أساليب البحث العلمي

يحي مصطفى

110/375

منهج البحث المقارن: بحوث و دراسات

عبد الجواد بكر

104/375

مناهج البحث في علم النفس: أساليب تصميم البحوث و طرق جمع المعلومات

عبد الرحمان عيون

101/375

أسس المنطق و النهج العلمي

محمد فتحي الشنيطي

107/375

مناهج البحث في العلوم التربية و النفسية

محمد الطيب و آخرون

108/375

مناهج  و طرق البحث الإجتماعية

عبد الله محمد عبد الرحمن

112/375

المنطق و مناهج البحث

محمد عزيز نظمي

114/375

المدخل إلى مناهج البحث العلمي

محمد مهد قاسم

121/375

المدخل إلى المناهج و تصنيف البحوث الإجتماعية

عبد العزيز الجوهري

129/375

مناهج البحث العلمي في المجالات التربوية و النفسية

 

 

               



[1] B. Holmes, « Some consideration of method  in comparative education : Student seminar papers » Department of Comparative Education, University of London Institute Of Education, 1975, P.31