قول ( سيد) بعقيدة:ـ ( وحدة
الوجود ) واضطرابه فيها:ـ
[الظلال 4002].
فقال
عند قوله تعالى (قل هو الله أحد ) : ( لا شيء غير معه، وأن ليس كمثله شيء، إنها
أحدية الوجود، فليس هناك حقيقة إلا حقيقته، وليس هناك وجود حقيقي إلا وجوده، وكل
موجود آخر فإنما يستمد وجوده من ذلك الوجود الحقيقي، ويستمد حقيقته من تلك الحقيقة
الذاتية ـ إلى أن قال ـ فلا حقيقة لوجود إلا ذلك الوجود الإلهي، ولا حقيقة لفاعلية
إلا فاعلية الإرادة الإلهية ...).
ثم
قال ( ... ومتى استقر هذا التصور الذي لا يرى في الوجود إلا حقيقة الله، فستصحبه
رؤية هذه الحقيقة في كل وجود آخر انبثق عنها، وهذه الدرجة يرى فيها القلب يد الله
في كل شيء يراه، ووراء ها الدرجة التي لا يرى فيها شيئاً في الكون إلا الله، لأنه
لا حقيقة هناك يراها إلا حقيقة الله ) ومن ثم واصل كلامه في إثبات وحده الوجود
واستدل على ذلك بالأدلة والشبهات، وأن كل شيء نراه أمامنا فهو الله. فعلى قوله:ـ
الجدار هو الله، والسيارة هي الله، والبعير، والحمام والزاني ... الخ فتعالى الله
عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وقال
في تفسيره عنده قوله تعالى ( هو الأول والآخر والظاهر والباطن ) قال (... ويتلفت
القلب البشري فلا يجد كينونة لشيء إلا الله ) ثم قال: ( فهذا الوجود هو الوجود
الحقيقي الذي يستمد فيها كل شيء حقيقته، وليس وراءها حقيقة ذاتيه ولا وجود ذاتي
لشيء في هذا الوجود ) ثم قال: ( ... ولقد أخذ المتصوفة بهذه الحقيقة الأساسية
الكبرى، وهاموا بها وفيها، وسلكوا إليها مسالك شتى، بعضهم قال إنه يرى الله في كل
شيء في الوجود، وبعضهم قال:ـ إنه رأى الله من وراء كل شيء في الوجود، وبعضهم قال:
إنه يرى الله فلم ير شيئاً غيره في الوجود ... وكلها أقوال تشير إلى الحقيقة إذا
تجاوزنا عن ظاهر الألفاظ القاصرة في هذا المجال، إلا أن ما يؤخذ عليهم ـ على وجه
الإجمال ـ هو أنهم أهملوا الحياة بهذا التصور. والإسلام في توازنه المطلق يريد من
القلب البشري أن يدرك هذه الحقيقة ويعيش بها ولها ...) [ص3480 الظلال ].
قلت:
انظر كيف يثني على الصوفية بهذه العقيدة ولا ينتقد عليهم سوى أنهم تركوا الدنيا
وأهملوا العمل والدعوة. بل يؤكد أن هذا هو الإسلام بقوله:ـ (والإسلام في توازنه
المطلق يريد من القلــب البشــري أن يــدرك هذه الحقيقة ويعيش بــها ولها ...).
ولا
عجب أن يقول هذا سيد قطب وهو الإمام المجدد !! والدليل على ذلك:ـ
أ- أن هذه العقيدة عقيدة قد ضربت أطنابها في
العالم الإسلامي إلا من رحم الله فكثير من الناس يعتقدها ( وحرك ترى ).
ب ـ أن سيد قد اضطرب فيها، ففي سورة البقرة
نفي وحدة الوجود فلما وصل إلى تفسير الحديد والصمد قرر "وحده الوجود"
بالأدلة ومدح أصحابها ولم يعبهم إلا في شيء واحد هو عدم تحركهم للدين .
جـ ـ ما يقال:ـ إن سيد قد أعاد التفسير مرة
أخرى فتراجع عن ما وقع فيه من خلل وتراجع عن "وحدة الوجود" ولكنه مات
قبل أن يتمه،. قأقول:ـ ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) فإن محبيه وأتباعه قد
ذكروا أن مراجعه سيد للظلال لم تكن لإصلاح ما وقع فيه من خلل في المعتقد بل كان
لإثبات المنهج الحركي في القرآن، مصداق ذلك أن في هذه الأجزاء العشرة الأولى من
الخبط والتكفير للمجتمعات ما الله به عليم، فاستمع ماذا يقول صلاح الخالدي عن
تفسير سيد قطب ومراحل تأليف.
إذ
قال ما ملخصه:ـ ( وقد مر الظلال بأربع مراحل:ـ
المرحلة الأولى:ـ لما
طلب سعيد رمضان من سيد قطب أن يشاركه بمقال في مجلة ( المسلمون)، إختار سيد أن
يبدأ الكتابة في تفسير القرآن تحت عنوان ( في ظلال القرآن )، واستمرت هذه المشاركة
على هيئة حلقات حتى وصل آية [103] من البقرة ثم توقف.
المرحلة الثانية:ـ توقف سيد عن إصدار هذه
الحلقات من التفسير في مجلة المسمون، ووعد أن سيظهر التفسير في كتب مستقلة، على
عدد أجزاء القرآن، كل جزءٍ من القرآن في جزء من الظلال، ووفى سيد بوعده حيث أصدر
ستة عشر جزءاً من الظلال.
المرحلة الثالثة:ـ أدخل سيد السجن، وحكم
عليه بالسجن خمسة عشر عاماً، فلم يصدر أجزاءً جديدة من الظلال في أول الأمر، ولكن
بعد ذلك واصل المسيرة في تأليف الظلال حتى أكمل سيد الظلال في السجن في نهاية
الخمسينيات ...
المرحلة الرابعة:ـ كان سيد في تفسير لا
يعدو أن يكون تسجيلاً لخواطرة حول الآيات، ولكنه في سجنه طالت حياته مع القرآن حتى
اكتشف المفتاح الحركي الذي فتح به كنوز القرآن الحركية، ووقف به على المنهج الحركي
في الدعوة والحركة، وعلى الطبيعة الحركية للقرآن الكريم .
وقف
على ذلك وهو يفسر الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الظلال، فسجل في تلك الأجزاء بعض
مفهوماته الحركية الجديدة. وكان هذا في أواخر الخمسينات كما قلنا. ولذلك دعت
الحاجة إلى أن يعيد تفسير القرآن على أساس هذا المنهج الحركي الجديد، وأن يعيد
كتابة الظلال ليضمنه هذه المعاني الجديدة).
قلت:
إذاً إعادة سيد للظلال لم تكن لاستدراك ما وقع فيه من خلل في العقيدة وتصويبه ـ
كما يقال ـ وإنما كان لإثبات المنهج الحركي كما أثبته في الأجزاء الثلاثة الأخيرة
من القرآن.
ثم
واصل صلاح الخالدي حديثه قائلاً :ـ ( كتب سيد الأجزاء العشرة الأولى من
الطبعة المنقحة، على ضوء منهجه الحركي الجديد، في فهم القرآن وتفسيره ....
ولما أفرج عنه بعفو صحي عام 1964م، تابع كتابة الأجزاء، فنشر الأجزاء:ـ الحادي
عشر، والثاني عشر والثالث عشر، وبذلك يكون قد وصل في الطبعة المنقحة من الظلال إلى
آخر الجزء الثالث عشر، الذي تنتهي به سورة إبراهيم عليه السلام. وكان سيد يريد
أن يكمل باقي الأجزاء من الرابع عشر
حتى السابع والعشرين على أساس منهجه الحركي الجديد في التفسير، ولكن الطغاة
عجلوا بإعدامه قبل تحقيق أمنية ) [هذا ملخص ما قاله صلاح الخالدي في كتابه:ـ سيد
قطب من الميلاد إلى الاستشهار ص 548].
د ـ أن سيد كان يومن بعقيدة وحدة الوجود في
صباه وقد أشربها، يصدِّق ذلك أبياته التي قالها:ـ
إلى الشاطيء المجهـول والعالم الـذي حننت لمرآه إلى الضفة
الأخـــرى
إلى حيث لا تـدري إلى
حيث لا ترى معالم
للأزمان الكـون تستقـــرا
إلى حيث (لاحيث) تميــز حـدوده إلى حيث تنسى الناس والكون والدهر
وتشعـر أن الجـزء والكل واحــد وتمرج في الـحس البداهـة
والفكـر
فليس هنـا أمس وليس هنا غـــد
ولا اليوم فالأزمان
كالحلقة الكـبرى
وليس هـنا (غير) وليس هنـا (أنــا) هنا الوحدة الكبرىالتي احتجبت سرا
[انظر: ديوان الشاطيء المجهول (11)] فانظر
إلى قوله ( وتشعران الجزء والكل واحد) و ( فليس هنا غير وليس هنا أنا ) وهذه من
الألفاظ الصريحة عند أهل وحدة الوجود .
قال الشيخ حمد بن عتيق ـ عن مذهب وحدة
الوجود الذين يقولون إن كل حقيقة هي الله :ـ ( ومذهب هذه الطائفة الملعونة أن الرب
تعالى وتقدس هو عين الوجود، ويصرحون في كتبهم .. إن الرب هو المربي وغيره ليس له
حقيقة ـ إلى أن قال ـ (وأما وجه تبيعهم وتكفيرهم، فإن الله تعالى قال ( لقد كفر
الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ) .. فإذا كان الله قد كفر من قال: إن الله
هو المسيح بن مريم ومن قال إن الله ثالث ثلاثة فكيف لا يكفر من جعل جميع الخلق
أربابا وقال إن كل مخلوق هو الله ... ولقد أحسن من قال من السلف:ـ إن كفر هو هؤلاء
أغلظ من كفر اليهود والنصارى وقد قال ابن القيم عنهم:ـ
حاشا النصارى أن يكونوا مثلهم وهم
الحمير أئمة الكفــران
هـم خصصوه بـالمسيح وأمـه وألاء
ما صانوه عـن حيـوان
[
الدرر 3/ 346 - 356 ].
قال
شيخ الإسلام: ( القائل:ـ ماثَمَّ إلا الله؛ إن أراد ما يقوله أهل الاتحاد: أن ما
ثم موجود إلا الله، والذي يقول:ـ إن الله بذاته في كل مكان، يستتاب فإن تاب وإلا
قتل ..) [حاشية ابن قاسم 7/400]
هـ ـ أن سيد يستعمل الألفاظ الفظفاظة التي
ترضي الفريقين ـ بزعمه ـ كي لا تسلط عليه سهام السنة ، وأمور العقيدة يجب الجزم
فيها، إذا المتردد والشاك يحمل قوله على الباطل.
و ـ لو كانت هذه المراجعة لإصلاح ما وقع فيه
من خطأ ـ كما يقال ـ لبين ذلك ورد على الشبهات التي أثارها في سورتي الحديد والإخلاص
.
ز ـ وقد وجدت له كلاماً في كتابة ( التصور
الإسلامي ) ينفي فيه عقيدة وحدة الوجود وأن الخالق شيء والمخلوق شيء آخر، فتحصل من
هذه النقولات أن الرجل مضطرب في هذه المسألة التي هي من أوضح الواضحات، فكيف يجعل
من كان مضطرباً بعقيدة (وحدة الوجود ) إماما ومجدداً؟ وعلى أي أساس كان ذلك ؟ !!!