سيد قطب يقول بخلق القرآن

 

قال سيد:ـ ( ولكنهم لا يملكـــون أن يؤلفوا مثــل هــذا الكتــاب، لأنه من صنع الله لا من صنع الإنســـــان ) [ الظلال 5/ 2719 ].

وقال عن القرآن:ـ ( والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعاً، وهو مثل صنع الله في كل شيء ).

وكفى بهذا الكلام حجة على مذهبه بخلق القرآن، ومما يزيدك يقيناً بذلك عدة أمور:ـ

 

أولاً /  أن سيداً من معطلة صفات الله عزوجل، ولا يمت لأهل السنة المثبتين بأي صلة في هذا الباب.

 

أ ـ فقد عطل صفة الأستواء لله سبحانه على عرشه، فقال عند قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) [ طه 4/ 2328] قال: (الاستواء على العرش كناية عن غاية السيطرة) وهو بذلك قد وافق الجهمية والأشاعرة حينما قالوا عن صفة الاستواء أي:ـ استولي.

 

ب ـ وعطل صفة مجيئة سبحانه يوم القيامة، فقال عند قوله تعالى (وجاء ربك والملك ..) [ الظلال 3906].

قال:ـ ( فأما مجيء ربك والملائكة صفاً صفاً، فهي أمر غيبي ) إلى أن قال:ـ (فأما حقيقة ما يقع وكيفيته فهي من غيب الله المكنون) فأنكر الحقيقة والكيفية وهذا مذهب المفوضة، أما أهل السنة فهم يثبتون الحقيقة ويكلون علم الكيفية إلي الله سبحانه.

جـ ـ وأنكر العرش وأنكر حمل الملائكة له:ـ

فقال عند قوله سبحانه ( فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ... إلى قوله سبحانه ـ والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذٍ ثمانية ...) قال: ( ونحن لا ندري على وجه التحقيق ما السماء المقصودة بهذا اللفظ في القرآن ... والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها، والعرش يحمله ثمانية، ثمانية أملاك أو ثمانية صفوف أو ثمانية طبقات من طبقاتهم أو ثمانية مما يعلم الله .. لا ندري نحن من هم ولا ماهم ، كما لا ندري نحن ما العرش ولا كيف يحمل .. وأخذ الكتاب باليمين وبالشمال ومن وراء الظهر قد يكون حقيقة مادياً وقد يكون تمثالاً لغوياً جارياً على اصطلاح اللغة العربية ). [ الظلال :ـ    ].

إذا كنا لا ندري عن كل هذا فكيف نتدبر القرآن إذاً، وكيف يكون قراناً عربياً مبين ونحن لا ندري ولا نفهم منه ما يقول، إن كلام سيد هو كلام أهل التفويض، الذين لا يثبتون معنى الصفة ولا كيفيتها، فيقولون في قوله تعالى مثلا (ثم استوى على العرش) الاستواء:ـ لا ندري ما معناه ولا كيفيته، والله أعلم بالمراد، فينخدع بهذا الكلام الجاهل بعقيدة السلف الصالح، خاصة إن قيل هذا مذهب السلف.

أما أهل الحق ( أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح ) فيقولون في الاستواء:ـ أي:ـ علا وارتفع وصعد واستقر، أما كيف علا؟ فهذا علمه إلى الله سبحانه، لذلك لما سئل الإمام مالك، عن قوله تعالى "استوى" كيف استوى؟ قال:ـ الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة. ورويت هذه القصة عن شيخه ربيعة الرأي.

فقول مالك :ـ ( الاستواء معلوم) أي نفهم معناه أنه بمعنى صعد وارتفع وعلا واستقر،ولا نقول لا ندري ما الاستواء، وكذا في سائر الصفات.

وقول مالك:ـ ( الكيف مجهول) أي لا نعلم كيفية صفة الله سبحانه فلانعلم كيف استوى أو كيف نزل ...الخ. فالسلف الصالح يثبتون المعنى ويفوضون أمر الكيفية إلى الله سبحانه، فيعرفون السماء والملائكة والعرش ما هو؟ وحملته وأخذ الكتاب باليمين أو بالشمال فكلها عندهم معلومة وليس في شيء منها مجازاً أبداً قال الشيخ ابن عثيمين في تقريب التدمرية 73.

( تتمة:ـ بهذا التقرير تبين به أنه لا يمكن أن يكون في القرآن شيء لايعلم معناه إلا الله وتبين بضلال مذهب المفوضة الذين يفوضون علم معاني آيات الصفات ويدّعون أن هذا هو مذهب السلف، وقد ضلّوا فيما ذهبوا إليه، وكذبوا، فيما نسبوه إلى السلف، فإن السلف يفوضون علم الكيفية دون علم المعنى، وقد تواترت النقول عنهم بإثبات معاني هذه النصوص إجمالاً أحياناً، وتفصيلاً أحياناً، فمن الإجمال قولهم:ـ "أمروها كما جاءت بلا كيف" ومن التفصيل ما سبق عن مالك في الاستواء.

قال شيخ الإسلام [...في العقل والنقل 1/ 16 ـ:] ( وأما التفويض فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه وعقله ـ إلى أن قال ـ فعلى قول هؤلاء:ـ

 

أ ـ يكون الأنبياء والمرسلون لا يعلمون معاني ما أنزل الله عليهم من هذه النصوص، ولا الملائكة، ولا السابقون الأولون، وحينئذ فيكون ماوصف الله به نفسه في القرآن، أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء معناه، بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه).

 

ب ـ ثم قال ( ومعلوم أن هذا قدح في القرآن والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسولَ أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم .. ومع هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته، أو عن كونه خالقاً لكل شيء .. أو عند كونه أمر ونهي، ووعد ووعيد، أو عما أخبر به عن اليوم الآخر لا يعلم أحد معناه فلا يعقل ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بين للناس مانزل إليهم... وعلى هذا التقدير فيقول كل ملحد ومبتدع:ـ الحق في نقس الأمر ما علمته برأيي وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك، لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة، ولا يعلم أحد معناها ومالا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به ـ إلى أن قال ـ فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد ) ا.هـ.

 

ثانياً :/ أنه يستعمل الألفاظ الفظفاظة في القضايا التي يخالف فيها أهل السنة حتى لا تتوجه إليه سهام النقد، فنراه يستعمل كلمة (صنع) وهي كلمة لا تحتمل في اللغة العربية إلا معنى الخلق.

ولقد رمى أهل السنة والجماعة أقواماً بالابتداع لما استعملوا لفظاً مجملاً في القرآن [ انظر لوامع الأنوار حاشية ابن سحمان 1/183].، ولم ينتظروا حتى يصرح بأن القرآن مخلوق.

قال الإمام أحمد:ـ ( من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال غير مخلوق فهو مبتدع ) [ كتاب السنة لعبد الله بن أحمد 1/165 ] مع أن هذا الكلام يحتمل احتمالين، فلم يتردد في الحكم عليه بأنه مبتدع حتى وإن صرح بأن : القرآن كلام الله.

فرحمك الله يا إمام المسلمين يابن حنبل، كيف بك لو رأيت من يقول:ـ القرآن من صنع الله، ولم يفصل عن مراده في جميع كتبه، ولم يقل ولو مرة واحدة إن القرآن كلام الله غير مخلوق.

قال الشيخ حسن بن حسين بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ( والقرآن كلام الله الذي تكلَّم به، ليس بمخلوق ، فمن زعم أن القرآن مخلوق، فهو جهمي، كافر، ومن زعم أن القرآن كلام الله ووقف، فلم يقل ليس بمخلوق فهو أخبث من القول الأول ) [ الدرر 1/352]. فإذا قال قائل: القرآن كلام الله ولم يتبعها بقوله غير مخلوق كان مثل من قال:ـ القرآن مخلوق، فكيف بمن لم يقل  لاهذا ولا هذا بل قال (صنع الله) وقال عن القرآن ( والشأن في هذا الإعجاز هو الشأن في خلق الله جميعاً).

 

 ثالثاً: /  إنه لا يتصور أن سيداً على ثقافته لم يسمع بفتنة وقعت بين أهل السنة والمعتزلة في أن القرآن كلام الله غير مخلوق، أو هومخلوق كما يقوله المعتزلة، وهذا خبر منتشر حتى بين الصبيان.

 

 رابعاً:  /أن سيداً قد تربي على كتاب الكشاف للزمخشري وهو معتزلي محترق وينقل منه كثيراً، فليس بعيداً أن يكون تأثربه.

 

 خامساً: / أن سيداً ينكر أن الله يتكلم، ويرى أن كلام الله سبحانه هو مجرد الإرادة فقط دون أن يتكلم. فقال عند قوله تعالى: (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) قال:ـ ( لقد صدر الكون عند خالقه عن طريق توجه الإرادة المطلقة القادرة (كن) فتوجه الإرادة إلى خلق كائن ما كفيل وحده بوجود هذا الكائن ) [ الظلال: ـ    ]. فإذا كان ينكر الكلام لله فكيف يقول: إن القرآن كلام الله، سيكون بذلك متناقضاً ولا بد.

 

الرجوع للصفحة الرئيسية