مواقف‏!‏
بقلم : أنيس منصور

البحرين‏:‏

هذه شكوي منا‏..‏ إلينا‏.‏ فقد كان الناس سعداء بالحديث الطويل عن نجوم مصر في الفكر  والسياسة‏.. وكنت أنا أيضا‏..‏ وكانوا يتبارون في إعادة ما قرأوه عنهم ‏ وما شاهدوا وما سمعوا‏..‏ ثم تجيء النكت المصرية الكاسحة لكل نكت أخري‏.‏


ولابد أن نندهش ونفزع لسلوك بعض المصريين في هذه الظروف‏.‏ فجأة يلتقط سلاسل الكلام واحد منا‏‏ وهات ياكلام عن زوجة هذا وأمه وأبيه‏..‏ وكيف أنه وأنها وأنه من أسوأ البشر‏..‏ ويطيل في ذلك‏..‏ فما السبب؟‏!‏ إنه يريد أن يظهر في ملابس الإنسان الأكثر علما‏.‏ فهو يعرف ما وراء الحكايات وأسرار الزوجات والأمهات‏..‏ ويكون الكلام سخيفا فاضحا‏.‏ إنه يضحي بكل هذه الصفات الجميلة‏،‏ من أجل أن يبدو هو الأكثر علما ومعرفة‏..‏ وأن هؤلاء الناس السعداء بنا مخدوعون فينا‏!‏


ولكن لماذا؟ لأن لدينا نزعة عميقة هي لذة التخريب‏..‏ تخريب صور الناس وتاريخهم‏.‏ إننا لا نطيق أن نري شيئا جميلا دون أن نشوهه‏..‏ لا نطيق أن نري زهرة دون أن نقطفها‏،‏ ثم نلقي بأشلائها في الشارع‏..‏ لماذا قطفنا؟ لماذا قتلنا؟ لماذا لوثنا الأرض؟


ما معني أن يحتفظ إنسان بمسمار في جيبه‏،‏ ثم يمر به علي الجدران‏،‏ أو علي كل السيارات في الشارع‏!‏ لماذا يحتفظ بعض الناس بمظروف صغير في جيبه‏..‏ وفي المظروف‏(‏ موسي حلاقة‏)‏ فلا يكاد ينتهي العرض السينمائي أو المسرحي حتي يستخرج الموسي ويمزق به المقعد الجلدي الذي أراحه طوال العرض‏..‏ والذي يساوي ألوف الجنيهات؟‏!‏


لا أنسي أنني مشيت وراء شاب ليلا في شوارع الإسماعيلية الهادئة النظيفة‏،‏ ووجدت مع الشاب بطارية تضيء له فروع الأشجار‏..‏ ثم يطلق حجرا علي عش عصافير نائمة‏..‏ ويسقط منها واحد ميتا‏..‏ ولا ينظر إليه‏.‏ لقد استراح إلي أنه قتل كائنا جميلا بريئا ومضي يبحث عن ضحايا جديدة في أشجار أخري‏.‏ سألته فهز كتفيه قائلا‏:‏ كده‏.‏
فقلت‏:‏ كده يعني إيه؟
قال‏:‏ إنني أتسلي‏!!‏


إنه يتسلي بقتل الطيور‏..‏ والآخر يتسلي بخربشة السيارات والجدران‏،‏ وتمزيق المقاعد‏..‏ وتشويه مصر كلها‏..،‏ إنها عاهة صميمة‏!‏