هذه شكوي منا.. إلينا. فقد كان الناس سعداء بالحديث الطويل عن
نجوم مصر في الفكر والسياسة..
وكنت أنا أيضا.. وكانوا يتبارون في إعادة ما قرأوه عنهم وما شاهدوا
وما سمعوا.. ثم تجيء النكت المصرية الكاسحة لكل نكت أخري.
ولابد أن نندهش ونفزع لسلوك بعض المصريين في هذه الظروف. فجأة يلتقط سلاسل الكلام
واحد منا وهات ياكلام عن
زوجة هذا وأمه وأبيه.. وكيف أنه وأنها وأنه من أسوأ البشر.. ويطيل في
ذلك.. فما السبب؟! إنه يريد أن يظهر في ملابس الإنسان الأكثر علما.
فهو يعرف ما وراء الحكايات وأسرار الزوجات والأمهات.. ويكون الكلام
سخيفا فاضحا. إنه يضحي بكل هذه الصفات الجميلة، من أجل أن يبدو هو
الأكثر علما ومعرفة.. وأن هؤلاء الناس السعداء بنا مخدوعون فينا!
ولكن لماذا؟ لأن لدينا نزعة عميقة هي لذة التخريب.. تخريب صور الناس
وتاريخهم. إننا لا نطيق أن نري شيئا جميلا دون أن نشوهه.. لا نطيق أن
نري زهرة دون أن نقطفها، ثم نلقي بأشلائها في الشارع.. لماذا قطفنا؟
لماذا قتلنا؟ لماذا لوثنا الأرض؟
ما معني أن يحتفظ إنسان بمسمار في جيبه، ثم يمر به علي الجدران، أو
علي كل السيارات في الشارع! لماذا يحتفظ بعض الناس بمظروف صغير في
جيبه.. وفي المظروف( موسي حلاقة) فلا يكاد ينتهي العرض السينمائي أو
المسرحي حتي يستخرج الموسي ويمزق به المقعد الجلدي الذي أراحه طوال
العرض.. والذي يساوي ألوف الجنيهات؟!
لا أنسي أنني مشيت وراء شاب ليلا في شوارع الإسماعيلية الهادئة النظيفة،
ووجدت مع الشاب بطارية تضيء له فروع الأشجار.. ثم يطلق حجرا علي عش
عصافير نائمة.. ويسقط منها واحد ميتا.. ولا ينظر إليه. لقد استراح
إلي أنه قتل كائنا جميلا بريئا ومضي يبحث عن ضحايا جديدة في أشجار أخري.
سألته فهز كتفيه قائلا: كده.
فقلت: كده يعني إيه؟
قال: إنني أتسلي!!
إنه يتسلي بقتل الطيور.. والآخر يتسلي بخربشة السيارات والجدران،
وتمزيق المقاعد.. وتشويه مصر كلها..، إنها عاهة صميمة!
|