رد على
الأنبا يوسف
بدايةً
نشكر نيافتكم
على صلاتكم من
أجل أن يرشدنا
الله إلى
التوبة. ونرجو
من الله أن
يجعل لنا مكاناً
دائماً في
خورس
التائبين
بصلواتكم.
لقد
وصفت رسالتنا
إليكم بأنها
رسالة مخادعة،
ولكنك لم
ترشدنا إلى
مصدر الخداع
فيها. ودعوتنا
أن نفكر بشكل ينتهي
بنا إلى القول
بأن اللاهوت
لم يمت على الصليب،
ولكن من مات
هو ناسوت ربنا
المتحد بلاهوته
بغير انفصال
ولو للحظة
واحدة أو طرفة
عين، وإذا كان
اللاهوت لم
يمت على
الصليب، فبالتالي
فإنه لا يؤكل
في
الإفخارستيا.
هذه هي
الطريقة التي
دعوتنا
للتفكير بها.
وفي
الحقيقة يا
نيافة الأسقف نحن
لا نستطيع أن
نفكر بهذه
الطريقة على
الإطلاق؛ لأن
التفكير بهذه
الطريقة هو
الخداع بحد
ذاته. فمن
يجرؤ على
القول بموت
اللاهوت وهو عنصر
الحياة
وأصلها. لم
يقل أحد أبداً
إن اللاهوت
مات على
الصليب، ولم
يقل أحد إن
اللاهوت يؤكل،
أو يُشرب ... الخ.
المشكلة
الواضحة في
كلامكم يا
نيافة الاسقف،
هي فقدانكم
لسر المسيح،
المشكلة هي الفصل
بين اللاهوت
والناسوت. أنت
لا تتكلم عن شخص
المسيح ابن
الله، ولكن
تتكلم عن
لاهوت وناسوت،
وعند الفصل
بين اللاهوت
والناسوت لا يموت
اللاهوت ولا
يُؤكل،
وأيضاً لا
يفيد الجسد شيئاً،
ويصبح الموت
على الصليب
والجسد في
الإفخارستيا
لا لزوم لأي
منهما.
لكن
الأمر يختلف
تماماً عندما
نتكلم عن شخص
السيد
المسيح،
الطبيعة
الواحدة من
طبيعتين. العنصر
المؤثر هنا يا
نيافة الاسقف
هو الاتحاد
الأقنومي
الذي يُعبَّر
عنه بعبارة
"بغير اختلاط
ولا امتزاج ولا
تغيير"،
عندئذ تؤتي
عبارة "أؤمن
أن لاهوته لم
يفارق ناسوته
لحظة واحدة
ولا طرفة عين"
نتيجتها، حيث
تصبح تأكيداً
أن هذا الجسد
لهذا الدم
وهذا الدم
لهذا الجسد،
أي جسد ودم
شخص ربنا يسوع
المسيح "الله
الكلمة
المتجسد".
إن
الجسد الواقع
تحت الموت على
الصليب هو جسد
الابن
الكلمة، وليس
مجرد جسد، ولذلك
تُسمي
الكنيسة موت
المسيح على
الصليب بـ "الموت
المحيي"، ولا
يمكن أن يكون
الموت محيياً
إلاَّ لأنه موت
الابن الكلمة،
لا مجرد موت
الناسوت.
والجسد
والدم المقدمان
على المذبح هما
جسد ودم الابن
الكلمة، وليسا
مجرد جسد ودم. ولذلك
تقول الكنيسة
عنهما أن هذا
هو الجسد
المحيي الذي
أخذه من
سيدتنا ... إلخ.
وهو جسد محيي
لأنه جسد
الكلمة، وليس
لأنه مجرد
ناسوت.
إن
القول بغير
ذلك يعني إن
من مات على
الصليب لم
يفدِ أحداً،
كما يعني أننا
في الإفخارستيا
نأكل لحوم
البشر كما قال
ذلك ق. كيرلس
الكبير في
كتاب "شرح
تجسد الابن
الوحيد". ولا
تنسى ياسيدي
أن الرب يسوع
نفسه هو من
قال إن الجسد
لا يفيد شيئاً،
فإذا قلنا
أننا نتناول
الناسوت فقط
في الإفخارستيا
نكون نتناول
شيئاً لا
فائدة منه، حتى
لو قلت انه
ناسوت ربنا
المتحد
بلاهوته بغير انفصال
ولو لحظة
واحدة أو طرفة
عين؛ لأنكم
ببساطة
تتكلمون عن
"الناسوت"،
لا عن "شخص
الكلمة
المتجسد".
الكلام
عن "شخص
الكلمة
المتجسد" هو
كلام خاص بالإعلان
الإلهي في
الإنجيل
المقدس. أما
الكلام عن
اللاهوت
والناسوت فهو
كلام لا يخص
تدبير
الخلاص، ولا
يخص المسيحية
تحديداً، فكل
الأديان
تستطيع أن تتكلم
عن "إله"، وعن
"إنسان".
وحدها
المسيحية
تتكلم عن
"الكلمة الذي
صار إنساناً".
اسمح
لنا يا نيافة
الاسقف أن نضع
أمام نيافتكم
بعض حقائق:
1- هناك فرق
واضح عند
الكلام عن
الله في
الفلسفة والأديان
الأخرى،
والكلام عن
الله في المسيحية.
في الفلسفة
والأديان
الأخرى كالإسلام
مثلاً،
نستطيع أن
نتكلم عن
الألوهة
المجردة، عن
"الله"، عن
تلك القوة
المحتجبة
البعيدة عن
الهم الإنساني.
أمَّا في
المسيحية
فنحن لا نعرف
تلك المفاهيم
المجردة، نحن
نعرف الله:
الآب ضابط الكل،
أبو ربنا يسوع
المسيح. إن
لغة الإنجيل
تختلف عن لغة
الفلسفة، ولغة
الأديان
الأخرى.
الكلام عن
اللاهوت
والناسوت هو
كلام في الفلسفة،
أما الكلام عن
الله الآب،
وابنه يسوع المسيح
والروح القدس
هو كلام
الإعلان
الإلهي في
الإنجيل
المقدس.
2- لا بد وأن
نيافتكم
تعلمون أنه
يمكننا
التعبير عن
الله بما يسمى
باللاهوت
السلبي Apophatic وما يسمي
باللاهوت
الإيجابي Kataphatic
واللاهوت
السلبي هو نفي
ما ليس هو
الله، كأن تقول:
غير المحوي،
غير المرئي ...
إلخ وأفضل
مثال له هو ما
ورد في القداس
الغريغوري،
ولكن القداس
الغريغوري لم
يكتفي بالنفي
بل وضع اللاهوت
السلبي إلى
جوار اللاهوت
الإيجابي،
فهو لم يتكلم
عن مجرد قدرة
الله
المطلقة، أو
عن أوصاف الألوهة
المطلقة،
ولكنه وظَّف
هذه الأوصاف.
لم يتكلم
الإنجيل، ولا
القداسات عن
مجرد قوة الله
المطلقة أو أوصافه
(كما تظهر في
بعض الأسماء
الحسنى)، ولكنه
وظَّف هذه
المطلقات في
إطار تدبير
الخلاص، فأصبحت
قوة الله هي
للخلاص لا
للترهيب أو
الإفزاع كما
لو استخدمت
بشكل مجرد.
بناءً
على ما تقدم
نستطيع أن
نقرر من
البداية أن
الإعلان
الإلهي في
المسيحية هو
إعلان خاص لا
يتشابه مع ما
تقول به
الأديان
الأخرى عن الله،
ولذلك ليس
هناك تمييز –
إلاَّ نظرياً
فقط – في شخص
المسيح بين
اللاهوت والناسوت.
المسيح ليس
شخصين
منفصلين، ولا
كيانين
متباعدين.
المسيح هو
كلمة الله
المتجسد. طبيعة
واحدة من
طبيعتين. ومن
هنا نستطيع أن
نتكلم عن محبة
الله، وألم الله
وجوعه وعطشه،
بل وصلبه
وموته
وقيامته وصعوده،
دون أن نقول
أن هذا الفعل
أو ذاك يحدث باللاهوت
دون الناسوت
أو بالناسوت
دون اللاهوت.
إن
خصوصية
المسيحية في
انها تبشر
بإله متأنس،
ويجب أن نحافظ
على هذه
الخصوصية، لأن
تجنيب أي عنصر
من عناصر هذه
البشارة يعني
أننا خرجنا من
دائرة
البشارة
المسيحية. إن
الكلام عن
"الله" فقط لا
معنى ولا
رسالة له في
المسيحية.
والكلام عن
الإنسان فقط
لا معنى ولا
رسالة له في
المسيحية.
فالمسيحية
تختلف من جهة
عن الديانات
الأخرى، ومن
جهة ثانية
تختلف عن
الفلسفات
الأخلاقية.
المسيحية هي
خبرة الألوهة
المتجسدة،
والإنسانية
المتألهة في
المسيح يسوع.
ما
نود الإشارة
إليه بمزيد من
الحسم هو
التأكيد على
الاتحاد بين
اللاهوت
والناسوت في
شخص الابن
الكلمة، وإن
كان هناك
تمييز في الأفعال،
فهذا يتم بحسب
المجال الذي
يقصده النص،
وما إذا كان
العمل
تدبيرياً أو
غير تدبيري.
إن ما نؤكد
عليه هو أن كل
الأفعال التي
أتي بها السيد
له المجد إنما
أتاها بصفته
الكلمة
المتجسد.
3- إذا
علمنا أن
الإنجيل
مترجم عن أصل
يوناني، أو
عبري، أو
آرامي، فلا
يصح على
الإطلاق
الاعتماد على
الترجمة
العربية إذا
كانت هذه
الترجمة لم
توضح كل زخم
الأصل ومعناه.
فلاشك أن
كلمات "جسد"
و"دم" باللغة
العربية لا
تعبِّر عن
معناها في
الأصل الآرامي
الذي قصده
السيد له
المجد. فعندما
يتكلم الكتاب
المقدس عن
خلاص الله
الذي ينظره كل
جسد، فلا شك
أنه لا يقصد
مجرد اللحم،
بل هو يقصد
الكيان
البشري ككل،
ولذلك تترجم
كلمة "جسد"
هنا إلى "بشر". وبالتالي
كان يجب أن
تُفهم كلمة
"جسد"، وكلمة
"دم" على أنها
تعني الكيان
ككل، لا بضعة
منه.
وإذا
كان السيد له
المجد يقول إن
الجسد لا يفيد
شيئاً - وذلك
في مقارنه بين
الجسد والروح
-، فكيف 䃢عطي
البشرية ما لا
فائدة منه، في
الوقت الذي
يؤكد فيه على
إن من يأكل
جسده ويشرب
دمه تكون له
الحياة الأبدية؟
إن السؤال
الذي يطرح
نفسه هنا هو
كيف يعطي الجسد
– الذي لا يفيد
شيئاً - حياةً
أبدية؟ بل
وكيف يأخذ
الإنسان
الحياة
الأبدية التي
هي حياة الله
ذاته دون أن
يكون هذا
"الجسد"
كياناً
واحداً غير
منفصل عن هذه
الحياة. نحن
لا نأكل
اللاهوت، بل
ولا حتى نأكل
الناسوت، بل
نحن نأكل
الكلمة المتجسد،
نحن نأكل جسد
الكلمة ونشرب
دمه، نحن
نتناول هذا
الكيان
الواحد الذي
لا انفصال
فيه.
السيد
المسيح عندما
أعطى تلاميذه
جسده ودمه - وقال
لهم خذوا كلوا
هذا هو جسدي
وهذا هو دمي -
كان يقول خذوا
كلوا هذا هو
أنا؛ لأن السيد
المسيح له
المجد لا يعرف
نفسه إلاَّ
إلهاً
متجسداً، ولا
يعطي نفسه
إلاَّ كإله
متجسد. تقول
النبوة في
العهد القديم:
"لأنه يولد
لنا ولد ونعطى
ابناً" هل هذه
العطية شيء
آخر غير
الكلمة
المتجسد؟
4- إذا
اتبعنا طريقة
التفكير التي
اقترحتها نيافتكم،
أفهل تساعدنا
هذه الطريقة
على أن نفهم
لماذا تذمر
اليهود على
السيد المسيح
عندما قال أنا
هو الخبز الذي
نزل من السماء
(يو 6: 41)؟ وهل
تفسر لنا هذه
الطريقة
السبب الذي
جعل كثيرون من
تلاميذه
يرجعون إلى
الوراء ولم
يعودوا يمشون
معه؟ هل تفسر
لنا هذه
الطريقة كيف
نفهم قول
السيد له
المجد إن عطش
أحد فليقبل
إليَّ ويشرب؟ لا
أريد أن أرهق
نيافتكم ببعض
الاقتباسات
من عند
الآباء،
ولكني أرجو نيافتكم
مخلصاً أمام
الله أن تقرأ
تفسير ق. كيرلس
الكبير
ليوحنا 6
واعتقد أنه من
السهل عليكم
ان تتحصلوا
عليه باللغة
التي
تفضلونها.
5- ياسيدنا
إن الأمر ليس
هو أمر
البطريرك
المحبوب، ولا
هو مسألة
حرمانه بالحق
أو بالباطل،
فهذه المسائل
هي في يد الله
الذي سوف يطلب
منكم حساب
وكالتكم، بل
الأمر هو
الإيمان
المسيحي
بالسيد
المسيح. هناك
مسيحٌ في
الإسلام، وهناك
مسيحٌ في
المسيحية، أفهل
يتساوى
المسيحان؟
المسيح في
الإسلام
"جسد"، أي
"بشر"، عن أي
مسيح
تتكلمون،
وبأي مسيحٍ
تبشرون؟ هل
تعتقد نيافتكم
أن عبارة
المتحد
بلاهوته بغير
انفصال لحظة
واحدة ولا
طرفة عين - إذا
لم تكن تعني
شخص الكلمة
المتجسد –
تجعل الإيمان
بعيد عن الانحراف؟
إن كنت تشرب
ماءاً مثلجاً
أو ساخناً
فأنت لا
تستطيع أن
تفصله عن
الحالة التي
هو عليها، فقد
تنعشك برودة
الماء، أو
تلهبك
سخونته،
والماء هو الماء.
6- نحن
نتمنى لو اتخذ
الأساقفة
والكهنة
موقفاً - لأن
التعليم
مسئوليتهم
المباشرة
التي سوف يسألهم
عنها رب المجد
- قبل أن ⵚطلب
منكم حساب
وكالتكم. وأما
عن موقفنا
نحن، فها نحن
ندعوكم أن
تتحملوا
مسئوليتكم
التي تعهدتم
بها أمام مذبح
الله.
7- لا بد وأن نيافتكم
قرأت يوماً
عبارة القديس
بولس "عظيم هو
سر التقوى،
الله ظهر في
الجسد"، فإذا
كنتم تجردون
الإفخارستيا
من "الله"،
فماذا أبقيتم
لنا؟
يا نيافة
الأسقف،
عندما كان
القديس
أثناسيوس
الرسولي
يواجه الأريوسية
لاحظ أن
أسئلتهم
تتجاوز حدود
الإيمان،
فعاب عليهم أن
أسئلتهم "ضد
التقوى". يا
نيافة الأسقف
إن التساؤل
عما إذا كنا
نأكل اللاهوت
في الإفخارستيا
هو سؤال ضد
التقوى، وكان
يجب الرد على
هذا السؤال في
حدود "سر
التقوى"،
أمَّا أن نؤكد
على أننا
نتناول
"الجسد / الناسوت"،
فهو تأكيد
خارج الإيمان
حتى لو قلتم
أنه متحد
بلاهوته بغير
انفصال لحظة
واحدة أو طرفة
عين، طالما
أبعدتم
العنصر
المؤثر في
الإفخارستيا
"اللاهوت".
نطلب
من الله أبي
ربنا يسوع
المسيح أن
ينير عيون
قلوبنا
وأفهامنا
وسرائرنا، وأن
يجنب الكنيسة
شر التعليم
المنحرف،
ونطلب منه أن
نفهم لنحيا، له
المجد الدائم
من الآن وإلى
الأبد آمين.