الباب الأول

أحداث في التاريخ

أحداث في عهد النبي (ص)

  في بداية عهد الرسالة كان الإسلام عزيزاً لما كان يؤدي إلى انتشار المحبة والتلاحم وصفاء الروح ونقاوة القلب وإحياء الضمير . وكان الصحابة والمسلمون يتقبلون أحكام الدين بصدر رحب ، وهم على قلب رجل واحد تحت قيادة رسول الله (ص) يقدمون إنجازا تلو الآخر في سبيل نصرة الإسلام . كان هذا هو واقع المسلمين لفترة طويلة من الزمن في حياة رسول الله (ص) ، لكن سلبيات كثيرة ذكر المؤرخون أنها ظهرت فيما بعد وأصبحت تسير موازيا مع تلك الإنجازات العظيمة . إلا أن غالبية المؤرخين لم يعطوا تلك السلبيات أهمية لتجنب الإشارة بالاتهام لبعض الصحابة بالمسئولية عنها خاصة في أواخر حياة النبي (ص) .

  تعرض رسول الله (ص) للمضايقات علناً من بعض الصحابة الذين كانوا يبغضون علي بن أبي طالب نتيجة لتفضيل رسول الله (ص) له وتقريبه إليه أكثر ، ورفع مكانته والتحدث عن فضائله . ومع مرور الوقت ازداد هؤلاء بغضهم وحسدهم لنزول آيات قرآنية ترفع من مكانة علي بن أبي طالب .

  شعر رسول الله (ص) بتلك المضايقات فحزن لذلك وأخذ يُرغب الصحابة في علي بشكل خاص وأهل بيته بشكل عام ، فكان النبي (ص) يذكر فضائل علي ويحذر من يعاديه . يروي ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة ص 143 أن رسول الله (ص) قال :  من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله ، ومن آذني في عترتي فقد آذى الله ، إن الله حرم الجنة على من ظلم أهل بيتي .

  أستمر النبي في التطرق لفضائل علي ، فأدرك المبغضون له بأن مركزه  يزداد قوةً بمرور الأيام الأمر الذي ليس في صالحهم فقد يُنصِبه الرسول (ص) بهذه الطريقة خليفةً بعده ، فبدأ هؤلاء بتشكيل حزب في الخفاء هدفه ضمان عدم بلوغ علي للخلافة بعد رسول الله (ص) .

   بدأ هذا الحزب التحرك نحو صحابة آخرون لتهيئتهم لعدم قبول علي خليفةً للمسلمين إذا فكر الرسول (ص) أن ينصبه بعده . متذرعين صغر سنه ووجود من هو أكبر منه في السن ، حيث كان العرب في الجاهلية لا يتقبل الكبير في السن أن يأمره شاب بل كانت القيادة تُعطى لكبار السن دائماً .  من ناحية أخرى قام هذا الحزب بالبحث عن أية  هفوة أو غلطة  لعلي لكي يشكونه لرسول الله (ص) . يروي الترمذي في صحيحه ج 2 ص 297 عن عمران بن حصين قال :  بعث رسول الله (ص) جيشاً واستعمل عليهم علي بن أبي طالب فمضى في السرية فأصاب جارية فأنكروا عليه وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله (ص) فقالوا : إذا لقينا رسول الله (ص) أخبرناه بما فعل علي ، وكان المسلمون إذا رجعوا من السفر بدءوا برسول الله فسلموا عليه وانصرفوا إلى رحالهم ، فلما قدمت السرية سلموا على النبي (ص) فقام أحد الأربعة فقال : يا رسول الله ألم ترى إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا ؟ فأعرض عنه رسول الله (ص) ، ثم قام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثم  قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا ،   فأقبل رسول الله (ص) والغضب يُعرف في وجهه فقال : ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ ما تريدون من علي ؟ إن علياً مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي  ( أنظر تاريخ بغداد ج4 ص339 ، أسد الغابة لابن الأثير ج5 ص94 ) . وتحوي كتب التاريخ على الكثير من هذه المواقف التي تُظهر بغض هذا الحزب لعلي ومحاولة خلق صورة سلبية له ، إلا أنه لم يكن يهتم طالما رضي عنه الله ورسوله . فكان لا يشغله شيء عن عبادة الله تعالى وحمل لواء رسوله (ص) ، وكان يكتفي بما يرد النبي (ص) على من ينال منه إضافة للآيات القرآنية التي كانت تنزل فيه وتمجده . يروي أبن عساكر عن أبن عباس أنه قال : نزلت في علي ثلاث مائة آية في القرآن ( تاريخ الخلفاء ص 161 ) .

  لم تكن تلك الآيات والأحاديث الشريفة تثني ذلك الحزب عن كراهيته لعلي بل أخذ ذلك الحزب يروّج أن رسول الله (ص) يعمل لصالح ابن عمه لتلميع صورته لاستلام الخلافة بعده ! وأخذ أفراد ذلك الحزب كلما يرون شيئاً من رسول الله (ص) في علي يسألونه هل هذا منك أم من الله ؟‍‍‍! فيرد عليهم النبي (ص) بل من الله .

  ظل الصراع يستمر ويتصاعد  مع مرور الوقت ، وأدرك ذلك الحزب أنه لا سبيل أمام وقف الرسول من التراجع عن دعمه لعلي ، فأخذ يخطط للوصول إلى الزعامة بعد رحيل الرسول (ص) بكل وسيلة ممكنة لمنع خلافة علي بن أبي طالب في حالة وجود توجه لدى النبي (ص) لإقرار ذلك .

  إن التاريخ الإسلامي الذي حمل في طيّاته إنجازات عظيمة فإنه حمل أيضا جانباً سيئاً كان يسير موازياً مع تلك الإنجازات العظيمة ، ويكمن هذا الجانب فيما خطط ذلك الحزب لتحقيق غاياته للوصول إلى الخلافة الإسلامية بعد رحيل الرسول (ص) ، وقد نزلت آيات قرآنية تحذر من منعطف جديد في سلوك بعض الصحابة نتيجة لتخطيط ذلك الحزب وتربصه ، فكان الله يحذر رسوله (ص) منهم ويذمهم ، فأنزل قرآنا فيهم قال " اتخذوا أيمانهم جُنَّةً فصدوا عن سبيل الله أنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبـهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهـم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون " (2،3،4 المنافقون) . لقد كان الله تعالى محذراً رسوله منهم وكان الرسول (ص) عالماً بتحركاتهم لكنه لم يرد معاقبتهم بضرب أعناقهم حتى لا يقال بين العرب أن النبي يقتل أصحابه .

  أنزل الله تعالى آية تحدد الحزب الذي يريده الله للمسلمين ليتفادوا مخططات ذلك الحزب وأمرهم بأن يتمسكوا  بحزب الله فقال تعالى  " إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون " (55 المائدة) . يروي الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل تفسير الآية إنه روي عن أبي ذر أنه قال : صليت مع رسول الله (ص) يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطيه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء فقال : اللهم اشهد أني سألت في مسجد الرسول (ص) فما أعطاني أحد شيئاً ، وعلي كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي (ص) فقال : اللهم إن أخي موسى عليه السلام سألك فقال رب اشرح لي صدري ، ويسر لي أمري ، واحلل العقدة من لساني يفقهوا قولي ، واجعل لي وزيراً من أهلي ، هارون أخي ، أشدد به أزري ، وأشركه في أمري فأنزلت قرآناً ناطقاً سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري . قال أبو ذر فوالله ما أتم رسول الله (ص) هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد أقرأ  " إنما وليكم الله ورسوله  إلى آخر الآية " ( أنظر ابن جرير في تفسيره ج 6 ص 186 والسيوطي في الدر المنثور والطبري في ذخائر العقبى ص 88 وآخرون ) . كانت هذه الآية بمثابة بيان من الله  بالالتزام بحزب الله والذي شمل أيضا رسوله وعلي بن أبي طالب ، وإن حزب الله هم الفائزون ، واعتبر الله الحزب الآخر هو حزب الشيطان .

  إن القرآن الكريم كان يكتمل شيئاً فشيئاً فكما كانت تنزل آيات قرآنية تبين الأحكام وتضع القواعد الشرعية كانت آيات قرآنية أخرى تنزل وتحذر وتندد وتذم أفراد ذلك الحزب وتحذر من الفتنة وتطلب الالتفاف حول النبي والأخذ بما يقوله ، وكان النبي (ص) يوصي ويحذر أصحابه وأمته ويخشى عليهم أن يقعوا في الفتنة بعده بسبب ما يخطط له ذلك الحزب . يروي أبن حجر في الإصابة ج 7 ص 167 عن أبي ليلى الغفارية قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فألزموا علي بن أبي طالب فأنه أول من آمن بي وأول من يصافحني يوم القيامة وهو الصديق الأكبر وهو فاروق هذه الأمة وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين . وقال الرسول (ص) :  يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً . قالوا بلى يا رسول الله . قال : هذا علي فأحبوه بحبي وأكرموه بكرامتي فإن جبريل أمرني بالذي قلت لكم من الله عزّ وجل  ( حلية الأولياء ج 1 ص 63 ، مجمع الزوائد ج 9 ص 132 ، فرائد السمطين ج 1 ص 197 ، الرياض النضرة ج 2 ص 233 ) ، وقال الرسول (ص) : لا يؤمن رجلٌ حتى يحب أهل بيتي بحبي  ( ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج 2 ص 96 ) .

  لقد كان النبي (ص) يعيش هاجس الخوف من انقسام أمته بعده بسبب ذلك الحزب ، فأخذ يحذر وينصح أصحابه وأمته ضمن أحاديث كثيرة لا مجال لذكرها الآن وسنتطرق إليها فيما بعد .

 

الصفحة الرئيسية