رابعا – عهد الإمام علي بن أبي طالب
بعد مقتل عثمان توجه الصحابة إلى دار الإمام علي بن أبي طالب الذي كان قد اعتزل تلك المواقف الساخنة بسبب موقف عثمان الرافض لكل صيحة ونصيحة . أجتمع الناس بالإمام علي يطلبونه خليفةً لهم ، فاعتذر وخطب فيهم ونصحهم بأن يختاروا غيره لأن الأمور لم تعد كما كانت . ولما أبوا إلا أن يقبل الخلافة قال أن هناك من لا يتحمله إن حكم فيهم حيث سيرجعهم بالعهد الذي كان عليه رسول الله (ص) وهذا ما لا يرضيهم حيث أصبحوا لا هم لهم سوى المال والجاه والترف . وبدا تأثره الشديد لما وصل إليه الناس من قهر وظلم . وبينما استمر الناس في إلحاحهم عليه ، اشترط الإمام علي أن تكون البيعة عن رضا كل المسلمين وفي مسجد رسول الله (ص) فوافقوا وفي اليوم التالي توافد المسلمون وبايعوه في مسجد رسول الله (ص) ( راجع الطبري ج3 بيعة علي ) .
تولى الإمام علي الخلافة فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله (ص) ثم قال : ألا لا يقولن رجال منكم قد عمرتـهم الدنيا فاتخذوا العقار وفجَّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتـهم إلى حقوقهم التي يعملون فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا . كان ذلك أول تصريح موَّجه ضد الطبقيين الذين علوا في عهد عثمان وجمعوا أموالاً بغير حق وفضلوا أنفسهم على الآخرين لكونهم (بنو أمية) أقرباء الخليفة عثمان أو من كبار الصحابة ممن استحلوا الدنيا وصنفوا أنفسهم ضمن الطبقة العليا كطلحة بن عبيد الله . فقد رأى هؤلاء أن الصحابة من الدرجة الأولى ينبغي أن لا يتساوى بهم من لم يصاحب الرسول (ص) في كل غزواته ! فكانوا بذلك يظنون أنهم يستحقون مخصصات مالية أكبر من غيرهم ، ولهم الحق في أخذ المال من بيت المال متى أرادوا !!
كان الإمام علي يعلم مسبقا أنه في مواجهة إعصار قوي يبدأ فور البدء بالإصلاحات جراء المخلّفات التي تركزت في محورين أساسيين الأول تعطيل الحدود والثاني التجاوزات المالية التي أدت إلى ظهور إقطاعيين وسلاطين في هيئة ولاة ، فقد كان معاوية بن أبي سفيان يتصرف في عهد عثمان كملك على الشام وكان عبد الله بن أبي سرح دكتاتوراً على مصر والمغيرة بن شعبة - صاحب الجاه والترف - سلطان في الكوفة . أما باقي بني أمية فكانوا إقطاعيين يأخذون ما يرغبون من بيت المال دون رقيب ولا حسيب . وعندما ازداد المال في أيدي هؤلاء الصحابة ازداد حرصهم على الدنيا بسبب ازدياد ملكهم من الجواري والأنعام والمزارع والأموال ، واصبحوا أصحاب نفوذ وملجئ كل ناعق منافق . ولذلك كان الواجب يحتم على الإمام علي أن يضع حدا لتلك التجاوزات .
بسبب معاناة الناس أمر الإمام علي بتوزيع كل ما في بيت المال بالتساوي بين المسلمين دون تمييز مما سبب ذلك استياء أصحاب النفوذ من الصحابة الطبقيين الذين تعودوا أن يكون له نصيبا أكبر في بيت المال منهم طلحة بن عبيد الله . وكان ذلك بداية التحول مهدت فيما بعد لبدء الإعصار وقيام الحرب ، حيث أخذ هؤلاء الصحابة بمقاطعة مجلس الإمام علي ، وعندما استفسر عنهم علم أنهم يريدون ما كان نصيبهم في عهد عثمان فلم يأبه لهم الإمام علي .
أرسل الإمام علي إلى الولاة ليبايعوا فبايعوا باستثناء معاوية الذي لم يرد ! ظل الإمام علي ينتظر رد معاوية بن أبي سفيان والي الشام دون جدوى ، فبعث برسالة أخرى لكن معاوية لم يرد ! وبعد ثلاثة أشهر دخل مبعوث معاوية على الإمام علي وسلمه رسالة من معاوية ففتحه ليقرأ رده فلم يجد شيئا مكتوبا !! فأصدر الإمام علي قراراً بعزل معاوية بن أبي سفيان .
علم معاوية بقرار عزله فرفع شعار ( قميص عثمان ) وأخذ يردد واعثماناه ..وقُتل مظلوماً !! وقام بإثارة وتأليب أهل الشام ضد الإمام علي واتهامه بالتستر على قتلة عثمان معلنا بذلك بداية التمرد على الخلافة الإسلامية .
استطاع معاوية من تقوية نفوذه بالشام وأبدى الناس هناك ولاءهم التام له بدلاً من الخليفة فقام معاوية بتشكيل أول جيش خاص به معلناً بذلك قيام حكومة أموية داخل الحكومة الإسلامية ! ولم يكتفي بذلك بل قام بإرسال رجاله متسترين إلى مكة والمدينة طالباً دعم الصحابة الذين لم يميلوا للإمام علي لينضموا إليه .
في مكة المكرمة علمت أم المؤمنين عائشة بموقف معاوية وكانت هي الأخرى رافضة بيعة الناس للإمام علي من منطلق كراهيتها له منذ زمن النبي (ص) فأيدت شعار معاوية ( قميص عثمان ) وأخذت تطالب بدم عثمان !! شعر طلحة والزبير بموقفها فانضما إليها وراحوا يقنعونها باستخدام القوة ضد الإمام على من أجل التنازل عن السلطة تحت شعار التستر على قتلة عثمان !!
وافقت عائشة وقامت معهما تعد العدة لمحاربة الإمام علي وبذلك فقد تشكلت جبهة معادية للإمام علي في مكة بقيادة عائشة إضافة إلى جبهة الشام بقيادة معاوية الذي شعر بالارتياح لموقف عائشة .