الخلاصة

 

 

  إن واقع المسلمين اليوم هو ناتج طبيعي لما كان عليه واقع الصحابة بعد وفاة رسول الله (ص) ، بل إن الواقع الإسلامي اليوم هو امتداد لواقع الصحابة بعد وفاة النبي (ص) مع فارق بسيط يكمن في قلَّة المغريات في عصر الصحابة وكثرتها في العصور التي توالت  ومع ذلك فالسمة المشتركة هي حب الدنيا وملذاتها ، ولعل حب التملك أقوى غرائز النفس وخلافة المسلمين أكبر غاية سعى إليها ويسعى من أحب الدنيا .

 

  لقد كانت زعامة قريش في الجاهلية تقوم على أساس التدوير بين سادات لا أفضلية لهم على الناس سوى كبر سنهم وانتماءاتهم القبلية ، وعندما ظهر الإسلام ، خشي أولئك السادة من ذهاب ملكهم ، إذ ناد الإسلام صريحا بأفضلية آل إبراهيم على العالمين ، وأن الحكم والمُلك لهم " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما " لذا سعى زعماء قريش لمحاربة الإسلام لأن فيه ذهاب ملكهم لكنهم فشلوا .

 

  ومع أن الإسلام كان ينتصر شيئا فشيئا ، كان هناك من يخطط للحفاظ على الهوية الجاهلية حيث الزعامة تكون وفق النظام الجاهلي وعلى أساس التدوير بين سادات قريش لا على أساس الأفضلية لآل إبراهيم على العالمين . ورأوا بأن النبي الهاشمي الذي تزعم العرب ، لو جاء بعده زعيم آخر غير هاشمي فلن يضر الإسلام شيئا مادام يحكم باسم الإسلام ! بل سيكون ذلك لمصلحة الإسلام !! حيث أن ذلك من شأنه أن يقضي على أسباب الخلاف بين سادات قريش والنبي (ص) والتي نتجت عنها حروب وكراهية طوال عقدين من الزمن . فعندما يصبح لكل منهم حق في الزعامة ، فلا تعد هناك حاجة بعده حرب بين المسلمين والمشركين إذا رحل النبي (ص) عنهم . وبذلك يضمنون صفاء الأجواء وبقاء الحكم . 

 

  لقد خطط عمر بن الخطاب وحزبه من أجل الحفاظ على هوية الزعامة كما كانت عليها قريش ، وأضطر أن يصطدم مع الرسول (ص) في مواقف كثيرة لمنعه من تطبيق النظام الإسلامي الجديد الذي يمسح هوية قريش تماما حيث جعل الحكم مختصا بآل إبراهيم . لذا قام عمر وحزبه في رزية يوم الخميس بالتهديد بالطعن في الدين كله لو طبق النبي (ص) نظام الزعامة الإسلامي واستخلف بعده ابن عمه الهاشمي الإمام علي .

  لقد تعمد عمر وحزبه في رزية يوم الخميس بالقول أن النبي(ص)  يهجر ، أي يهذي ، وهو طعن يفتح بابا للطعن في الدين كله بعد وفاة النبي (ص) . فكان ذلك أشبه بالابتزاز السياسي لتحقيق مكسب على حساب شيء آخر . وقول عمر في ذلك اليوم ( حسبنا كتاب الله ) حق أراد به الباطل ، فكتاب الله فيه تبيان كل شيء وكذلك يدعو صراحة إلى الأخذ بما يأتي به النبي (ص) " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " في حين أن عمر يريد أن ينتقي ما يناسبه فيمتنع ويمنع النبي (ص) من أن يكتب كتاب يبين فيه الخليفة بعده ، لأن من شأن ذلك أن تفوت الفرصة على عمر لبلوغ الخلافة . لذلك هدد عمر إما أن يتوقف النبي عن الكتابة ، وإما سيفتح بابا للطعن في الدين كله ، فقال أن النبي يهجر ، فلم يكن أمام النبي بعد أن سمع منه ذلك إلا أن يرضخ خشية على الدين كله بعده ، وكان ذلك أول إبتزاز علني تعرض له النبي (ص).

 

 لقد استخلف النبي (ص) أئمة أهل البيت قبل رزية يوم الخميس من خلال الدعوات الصريحة بالتمسك بهم للوقاية من الضلال والانقسام ، وعندما أراد أن يستخلفهم بمرسوم نبوي ، وقف عمر بالمرصاد ليمنع كتابة ذلك المرسوم . وعندما نجح عمر وتحققت الخلافة لأبي بكر ، وجد نفسه مضطرا لمسح الآثار الدالة على الخلافة الإسلامية ، لذلك سعى لمحاربة الآثار ومنع تدوينها لطمس معالمها . فأحرق الأحاديث بعد جمعها من الصحابة ، وهدد من يروي الحديث . وما لم يكن باستطاعة عمر ، فعله من جاء بعده ليكمل مشروع عمر بن الخطاب الرامي لحفظ مبدأ الزعامة وفق الهوية الجاهلية . ولعل الرواية التالية تكشف لنا أن من تزعم المسلمين فيما بعد وفق المبدأ الذي أراده عمر يحقد لمجرد أن زعيم بني هاشم لازال يذكر اسمه أثناء زعامته هو للمسلمين . فقد جاء في كتاب مروج الذهب عن مطرف بن المغيرة بن شعبة قال : وفدت مع أبي المغيرة إلى معاوية ، فكان أبي يأتيه يتحدث عنده ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية ، ويذكر عقله ويعجب مما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء ، فرأيته مغتمّا ، فانتظرته ساعة وظننت أنه لشيء حدث فينا أو في عملنا ، فقلت له : مالي أراك مغتما منذ الليلة ؟ قال : يا بني جئت من عند اخبث الناس . قلت له : وما ذاك ؟ قال : قلت له ( أي لمعاوية ) وقد خلوت به : انك قد بلغت منّا يا أمير المؤمنين ، فلو أظهرت عدلا ، وبسطت خيرا ، فانك قد كبرت ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه . فقال لي : هيهات هيهات .. ملك أخو تيم ( يعني أبو بكر ) فعدل وفعل ما فعل , فوالله ما عدا ان هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل أبو بكر ، ثم ملك أخو عدي ( يعني عمر ) فاجتهد وشمر عشر سنين والله ما عدا أن هلك فهلك ذكره الا ان يقول قائل عمر ، ثم ملك أخونا عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه فعمل ما عمل وعمل به فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذكره وذكر ما فعل به ، وإن أخا هاشم ( يعني النبي ) يصرخ به في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله ، فأي عمل يبقى مع هذا ؟ لا أم لك ، والله دفنا دفنا . ( مروج الذهب ج 4 ص 41 ).   

فهذا معاوية زعيم وفق مبدأ تدوير الزعامة الذي أراده عمر ، يحارب الإسلام باسم الإسلام ، فانا لله وانا إليه راجعون .

 

  لقد أحدث عمر ثورة من أجل وقف تطبيق نظام الزعامة الإسلامية ليحل محله نظام الزعامة القرشي الجاهلي ، ولذلك بعد أن سيطر على مجريات الأمور سارع في محو الآثار الدالة إلى نظام الزعامة الإسلامية . ثم جاء معاوية بن أبي سفيان لينسف نظام الحكم الذي أراده عمر ويحوله إلى نظام حكم رومي هرقلي ، ليستمر في بني أمية دون غيرهم .

 

  لقد قال الرسول (ص)  " ألا إن مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (مستدرك الحاكم ج3 ص151 ، تلخيص المستدرك للذهبي بذيل المستدرك ، نظم درر السمطين للزرندي ص235 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص30 ص370 طبعة الحيدريه ، الصواعق المحرقة لابن حجر ص184 ص234 ، فرائد السمطين ج2 ص246 ، وأيضا تاريخ الخلفاء للسيوطي) .

 

  وقال رسول الله (ص) " نحن سفينة النجاة ومن حاد عنا هلك فمن كانت له حاجة إلى الله فليسأل بنا أهل البيت " ( فرائد السمطين للحمويني الشافعي ج1 ص36 ) .

 

  وقال رسول الله (ص) لعلي  " ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، فرقة ناجية والباقون هالكون ، والناجون الذين يتمسكون بولايتكم ويقتبسون من علمكم ولا يعملون برأيهم فأُولئك ما عليهم من سبيل " ( سنن الدارمي ج2 ص224) .

 

  وقال رسول الله (ص) " أنا وأهل بيتي شجرة في الجنة وأغصانها في الدنيا فمن تمسك بنا اتخذ إلى ربه سبيلا " ( الصواعق المحرقة ص123 ) .

 

  وقال رسول الله (ص)  " إن علياً وشيعته هم خير البريَّة " . (تفسير الطبري ج30 ص171 ، الصواعق المحرقة ص96 ، نور الأبصار ص70 ،  الدر المنثور تفسير قوله تعالى "أُولئك هم خير البريَّة") .

 

  وقال رسول الله (ص) لعلي " ادني مني يا علي ، خُلقت أنا وأنت من شجرة ، فأنا أصلها وأنت فرعها والحسن والحسين أغصانها ، فمن تعلق بغصن منها أدخله الله الجنة " ( مستدرك الحاكم ج3 ص160 ، ذخائر العقبى ص16 ،  شواهد التنزيل ج1 ص291 ، كنوز الحقائق للمناوي ص155 ، ميزان الاعتدال للذهبي ج3 ص41 ، لسان الميزان ج4 ص144 ) .

 

  وقال الرسول (ص)  " نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد " ( ذخائر العقبى ص17 ، كنز العمال ج6 ص218 ) . وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي تبين للناس خط نظام الخلافة الإسلامية .

 

  وبعد أن نجح عمر بن الخطاب في تحقيق هدفه بنقل الخلافة من البيت الهاشمي ، سعى لمسح آثار النظام الإسلامي خدمة لمعاوية وبني أمية في تحقيق مآربهم . لقد جمع عمر ما لدى الصحابة من أحاديث وقام بحرقها ، وحارب رواية الحديث . قال أبو هريرة : ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله (ص) حتى قبض عمر ( البداية والنهاية ج: 8 ص: 107 ) . ونجح بذلك عمر في وضع قواعد تدوير الحكم بين قريش كما كان في العهد الجاهلي وتبع عمر كل من استخلف بعده من بني أمية في شن حملات بهدف طمس معالم وفضائل أئمة أهل البيت ، لكونهم مصدر خطورة على حكمهم بعد أن اغتصبوا الخلافة منهم . ثم حاصر سلاطين بني أمية أئمة أهل البيت وشيعتهم ومارسوا ضدهم كل وسائل الإرهاب ، وذهب فقهاء السلاطين إلى تكفير من يوال أهل البيت لتوفير كل دعائم بقاء النظام الملكي الجديد الذي جاء به معاوية . فإلى جانب قتلهم عناصر من ذرية الإمام علي بين حين وآخر ، وسجن آخرين بحجة أنهم تكلموا ضد النظام الملكي الجديد ، كان فقهاء السلاطين يسيئون إلى أئمة أهل البيت وشيعتهم ليبرروا فعل السلاطين وليضفوا الشرعية على ظلمهم . ثم توالت الأنظمة الملكية ، كلما يسقط نظام يأتي جديد . وبلغ الاضطهاد لشيعة أهل البيت من قبل نظام الحكم الأموي والعباسي بأن منعوهم حتى من السفر . ومنعوا أن يعمل لدى الشيعي اكثر من عبد واحد في الحقول أو غيرها وكان العبد آنذاك يعني قوة العمل . وبلغ الأمر لدرجة عدم قبول شهادة الشيعي ، وإذا تخاصم شيعي مع غيره يأخذون برأي الآخر حتى بدون بيِّنة !!  وفي عهد الخليفة الهادي العباسي عام 169هـ كان أهل بيت النبي يُستعرضون كل يوم أمام الولاة كنوع من الإهانة لهم ، وقام أحد الولاة من ذرية عمر هو عبد العزيز ابن عبد الله ابن عمر بن الخطاب وأمر أحد رجاله بحبس ذرية أهل البيت لمراقبتهم فقط !! فحبسهم شخص يُدعى الحائك فثارت المدينة لأجلهم وكسروا السجن وأخرجوهم ( كتاب الإمام الصادق ص108 للمستشار عبد الحليم الجندي ) .

 

  لقد تعرض أهل البيت للكثير من الأذى هم وشيعتهم إرضاء للسلاطين وولاتهم . وكانت الوسيلة للتقرب إلى السلاطين والولاة ، هي إظهار البغض لأئمة أهل البيت ! جاء في كتاب العقد الفريد ج3 ص287  أنه عندما سُئل ابن أبي حفصة عن سبب بغضه لأهل البيت قال : ما أحد أحب إليَّ منهم ولكن لم أجد شيئاً أنفع عند القوم منه . أي من البغض لهم فكان يشعر في ذم أهل البيت !! ولعل مقولة الشعبي واضح في مدى المعاناة التي كان يلاقيه الشيعة حيث قال : ماذا لقينا من آل علي إن أحببناهم قُتلنا وإن أبغضناهم دخلنا النار !!

 

  لقد كان الخليفة العباسي المتوكل أكثر قسوةً من غيره ضد أئمة أهل البيت وشيعتهم فقد قام على حراثة قبر الإمام الحسين في كربلاء بعد أن هدم ضريحه وقام بإغراق الأرض بالمياه بعد ذلك لكن إرادة الله كانت أقوى منه فقد بقيت المنطقة المحيطة بالقبر مرتفعة عن سطح المياه كالجزيرة !! وكذلك أمر المتوكل بقتل الحسين بن علي بن الإمام الحسن مع أصحابه وقطع رؤوسهم وحملها على الرماح إليه تماماً كما فعل يزيد بن معاوية مع الإمام الحسين في كربلاء .

 

  ظل واقع التنكيل بأئمة أهل البيت وشيعتهم منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان واستمر لأكثر من قرنين من الزمان أسفر عن إرساء دعائم البغض والكراهية لأئمة أهل البيت وشيعتهم . فمنذ أن أمر معاوية بن أبي سفيان بسب الإمام علي على المنابر إلى بداية خلافة المأمون العباسي  بلغ الأمر بأتباع المذاهب الأخرى أنهم أنكروا الإمام علي كخليفة رابع !! فكانوا يكتفون بذكر أبي بكر وعمر وعثمان فقط كخلفاء راشدين ، ولا يذكرون الإمام علي ضمنهم بسبب تشبعهم بالكراهية له جرَّاء ما سمعوا وقرؤوا من الإساءات إليه وصدقوها .

 

  لقد كانت السخرية والإساءة للشيعة على أشدها في تلك الفترة ، بل تكفيرهم وتشنيعهم ، ورفضوا أن يدفن أمواتهم في مقابر المسلمين!! بل غيروا أشكال القبور لكي لا تتشابه مع قبور الشيعة !! وبذلك خالفوا الصحيح لمجرد الاختلاف !

  لقد تلاعب فقهاء السلاطين بالدين الإسلامي من أجل مصالح دنيوية فمنهم من استبدل رضا الله برضا السلطان ، قال الله تعالى " واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا " وقال لهم السلطان فرقوا ففرقوا . ومنهم من استبدل أمر الله بالمودة لأهل البيت إلى أمر السلطان بالبغض لأهل البيت والتنكيل بهم وسجنهم وقتلهم . ومنهم من خالف شرع الله  من أجل أن يخالف الشيعة فقط !!

 

  إن الحرب الإعلامية والنفسية التي استمرت ضد الشيعة بغضاً في أئمتهم لأكثر من قرنين من الزمن ، تركت مخلفات من المجلدات والكتب للأجيال اللاحقة ، فأصبحت أصول وتراث . وبعد أن انهارت الخلافة العباسية ولم يعد هناك خلفاء يعادون أئمة أهل البيت ولم يعد أئمة أهل البيت على الساحة ، لذلك تحول العداء إلى عداء للشيعة !! وأصبح ذلك التراث المعادي لأهل البيت وشيعتهم منهجا تمسك به اتباع بعض المذاهب اعتقادا منهم أنه المنهج الحق ،  فاستمر أتباع المذاهب الأربعة يعادون الشيعة استناداً إلى ما لديهم من تلك المخلفات ، وأصبحت الافتراءات على الشيعة أبان الخلافة الأموية والخلافة العباسية حقائق عند خصوم الشيعة فيما بعد ، فتعرضوا لمآسي بسبب ذلك .

 

  لقد تعرضت الشيعة للاضطهاد على مر التاريخ بسبب تمسكهم بمنهج الخلافة الإسلامية التي أمر بها الله تعالى وموالاتهم ومودتهم لمن أمر الله عز وجل . يروي ابن كثير أن جماعة من السنة خرجوا لمضايقة الشيعة عام 363 هـ فجاءوا بامرأة سموها عائشة تركب جمل ومعها رجلين سموهما طلحة والزبير وبعض الأسماء الأخرى تشبيهاً بمعركة الجمل التي كانت بين عائشة والإمام علي ، فأخذ هؤلاء يتحرشون بالشيعة فجرى قتال حقيقي مات خلق كثير ( تاريخ ابن كثير ج11 ص235 ) .

 

  وقام الخليفة العباسي القادر بأمر السلطان محمود بإرسال السنة إلى خراسان وقتل جماعة من المعتزلة والشيعة وأمر بلعنهم على المنابر عام 408 هـ ( شذرات الذهب ج3 ص186 ) . وقطعوا لسان أحد الشيعة في العراق لأنه كان يشعر في مدح أهل البيت فأمر القاضي بقطع لسانه ، ولما قطعوا لسانه رقد للعلاج فجاء السنة يرمونه بالحجارة فهرب وألقى بنفسه في الدجلة ليهرب فغرق ومات فأخرجه السنة وأحرقوا جسده !! ( شذرات الذهب ج4 ص246 ) .

 

  وذكر ابن الأثير أن في أفريقيا تعرض الشيعة لنفس المصير عندما قام أهل السنة بتشجيع من المعز بن باديس في عام 407هـ وبتشجيع من عامل القيروان قام أهل السنة بقتل خلق كثير من الشيعة وأحرقوهم بالنار ونُهبت أموالهم وديارهم وهرب قسم منهم إلى قصر المنصور قرب القيروان فحاصروهم هناك ثلاثة أيام بدون أكل وماء وضيقوا عليهم حتى خرج الشيعة يطلبون الماء فقتلوهم السنة عن آخرهم ( الكامل في التاريخ ج9 ص123) .

 

  ويذكر أن الشيخ نوح الحنفي أفتى بأن دم الشيعي وماله حلال هدره إن تاب أو لم يتوب !! فقتل حوالي أربعون ألفاً من الشيعة في حلب ونُهبت أموالهم وهرب الباقون إلى القرى المجاورة لحلب وكان هؤلاء الشيعة موجودين منذ زمن الحمدانيين ( راجع أيضا كردي علي في كتابه خطط الشام ).

 

  وقام السلطان سليم المتوفي عام 926هـ بقتل الكثير من الشيعة لمقاومة التشيع معتمدا على فتوى لابن تيميه الذي أجاز قتل الشيعي والأجر على قتله !! ( مصباح الساري ونزهة القاري ص 123،124 ) .

 

  لقد تعرضت الشيعة للمآسي على مر التاريخ ليس لذنب سوى حبهم لأهل البيت والاقتداء بهم طاعةً لأمر الله ورسوله الذين أمرا بمودتهم والاقتداء بهم عليهم السلام . ولولا ما فعله عمر بن الخطاب ، لما تعرضت الشيعة لتلك المآسي ، بل لما انقسم المسلمون شيعة وسنّة ، ولكان الكل شيعة لأهل البيت . فهم أهل بيت نزل فيه القرآن وهم أعلم الناس بكتاب الله وسنّة نبيّه (ص) . لكن عمر ضيع تلك الفرصة عن سبق إصرار وترصد منذ رزية يوم الخميس عندما منع النبي (ص) أن يكتب ذلك الكتاب لكيلا يضل بعده أحد . وحقق ما كان يهدف إليه ، وأحدث تغييرات في الدين ليلائم مشروعه والنتيجة ضلال أغلبية المسلمين وابتعادهم عن الإسلام النبوي الأمر الذي كان يخشاه النبي (ص) . وما بقي غير قلة تمسكوا بما أمرهم الله ورسوله (ص) . وصدق عز من قائل " وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون " ( 42 الحاقة ) .

 

  إن الصراع الذي بدأ منذ الإعلان الأول للرسالة بين صاحب الرسالة النبي الأكرم وبين سادات قريش ، كان صراعا مكشوفا من أجل الزعامة ونظام الحكم ثم تحول الصراع خفيا قبيل وفاة رسول الله (ص) . واستمر ذلك الصراع في الخفاء حتى أخذ منحنى آخر ليشمل الهوية الإسلامية ككل ، حيث أصبح الصراع بين المسلمين في تحديد الهوية الإسلامية ، تلك الهوية التي هدم عمر بن الخطاب أهم ركن فيها وهو الزعامة ونظام الحكم . وسيظل المسلمون منقسمون فرق ما لم يكتشفوا هويتهم ، وما لم يفعلوا فكل فرقهم سيكون مصيرها إلى النار إلا واحدة لم تسكن في مساكن الذين ظلموا أنفسهم . وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، وما ربك بظلام للعبيد ، والحمد لله رب العالمين .

 

" أسلمت لرب العالمين " ربنا وإليك المصير ".

 

الصفحة الرئيسية