سادسا – الاختلاف في المهدي المنتظر
اختلفت السنّة والشيعة في الاعتقاد بالمهدي المنتظر ، فالشيعة تعتبره أمامها الثاني عشر من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، والاعتقاد به أنه حي غائب يظهر بأمر الله لينشر لواء العدل والإسلام في كافة أرجاء المعمورة بعد أن تملئ الدنيا ظلما وجورا ، فينتشر الإسلام ويصبح دين البشرية كلها ويتبع ذلك العدل والمساواة والأمن ، وتنعم بحياة طيبة في ظل حكم المهدي عليه السلام الذي يدوم لسنوات طويلة . أما عند السنّة فقد اختلفت الآراء فيه ، فمنهم من ذهب إلى القول بصحة نبأ المهدي المنتظر لكنه اختلف في شخصه ، ومنهم من أنكره بل أعتبره وهم !! وهاجم رأي الشيعة واتخذوا موقفا ساخرا منه ( الوهابية ) . وذهب بعض المفكرين السنّة في العصر الحديث إلى احتمال صحة رأي الشيعة استنادا إلى ظهور علامات تؤكد ما كانت الشيعة تدعيه قبل ألف وأربعمائة سنة من أنها ستظهر قبل ظهور المهدي ، خاصة وأن كل الشرائع السماوية الأخرى كاليهودية والنصرانية تترقب ذلك في آخر الزمان وإن كان هناك تباين في شخصية منقذ البشرية بين تلك الشرائع . واستنادا إلى الأحداث المتلاحقة خاصة في العقود الأخيرة والتي تسير باتجاه الدمار الشامل مما تستدعي الحاجة لمنقذ البشرية من الفناء المحتوم في ظل الواقع المرعب والمستقبل المجهول بسبب التهديدات النووية وهيمنة قوى الشر على شعوب الأرض .
إن الاختلاف بين السنّة والشيعة بشأن المهدي المنتظر في واقع الأمر ناتج عن اختلاف عقائدي وفكري أيضا ، فمن ناحية العقيدة جاء هذا الاختلاف بسبب اختلاف فهم آيات القرآن الكريم لدى الفرقتين الشيعة والسنّة مما أنعكس ذلك أيضا على الروايات التي تطرقت للمهدي المنتظر .
من ناحية الاختلاف الفكري فقد نتج ذلك بسبب الفارق بين علم أئمة أهل البيت الذي انعكس على الشيعة وفكر علماء الدين الذي انعكس على السنّة ، فتميزت كل فرقة بمنظورها وأسلوبها الخاص في شرح الآيات القرآنية ، وانعكس ذلك على قابلية كل منها لاستيعاب آيات القرآن الكريم وفق أسلوب محدد . فالشيعة الذين أخذوا تفاسير القرآن اعتمادا على مدرسة أئمة أهل البيت لديهم قابلية أكثر في التسليم بالمعجزات والأمور الغيبية المستقبلية بسبب وجود كم هائل من الروايات لأئمة أهل البيت تتركز حول بعض أسرار القرآن الكريم في بواطن آياته تتحدث حول هذا الجانب . بينما السنّة أخذوا التفسير عن مدرسة علماء دين الذين لا يمتلكون علم بواطن آيات الكتاب وبالتالي فإن شرحهم ينحصر في نطاق القدرة الاستيعابية للبشر . ولذلك اكتفوا بشرح ظواهر الآيات بأسلوب لا يتعدى نطاق قدرة البشر الغير مخولين لفهم أسرار القرآن ، وجاء الشرح للقرآن عندهم خال من الأمور الغيبية المستقبلية مع إقرارهم بأن القرآن يحتوي على علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة . وبذلك أصبح للشيعة القابلية أكثر في فهم وتقبل المعجزات والأمور الغيبية واستيعابها خاصة في ظل تأكد ظهور بعض تلك الغيبيات في أزمنة لاحقة . وكمثال خطبة الإمام علي التي اشتملت على رسم صورة الدولة الأموية وما سيلحقها من أحداث تليها قيام الدولة العباسية . وبلغت من الدقة أن الإمام علي ذكر ملامح القادة في الدولتين وبعض الأحداث ، ثم حدث بالفعل ما تطرق له الإمام علي .
إن النبي (ص) الأعلم بالقرآن الكريم ظاهره وباطنه وبما احتوى من أسرار سواء البشرية أو الكونية ، قد أورث علمه أئمة أهل البيت عليهم السلام ، كما قال النبي (ص) " أنا مدينة العلم وعلي بابها ". وبلا شك فإن القرآن الكريم فيه الأعجاز والأسرار الكثيرة التي لم يفهمها البشر غير النبي (ص) وأهل بيته الذين خصهم بهذا العلم . ولو اكتشف أحدا من المسلمين سرا قرآنيا وحاول التحدث به دون أن يستند إلى حديث أو رواية لقيل عنه أنه مجنون حتى لو كان صادقا لأن الإنسان لا يتوقع غير المألوف من إنسان لم يخول بمعرفة تلك الأسرار . لكن الوضع يختلف إذا قيل أن النبي (ص) قد كشف ذلك السر لأن النبي (ص) كان مخوَّلاً بذلك العلم .
إن واقع السنّة والشيعة هو انعكاس للواقع السابق ، فعلماء الدين السنَّة هم في حقيقة الأمر أُناس تتلمذوا لمعرفة الدين وفهم القرآن على أيدي علماء دين آخرين ، وبذلك فإن فهمهم واستيعابهم للقرآن الكريم كان ضمن نطاق فهم واستيعاب البشر الغير مخوَّلين لمعرفة كل أسرار القرآن الكريم ، ولذلك انحصر شرحهم للآيات في أسباب النزول والتأويل الظاهري وبما يتقبله العقل البشري مضافا لما كان متاحا لهم من روايات تطرقت لبعض المعجزات والأمور الغيبية المستقبلية والتي غالبيتها عن أهوال يوم القيامة فقط . أما التأويل الباطني لتلك الآيات تكاد تغيب كليا ، لأن علمها كان محصورا على النبي (ص) وأئمة أهل البيت عليهم السلام .
إن الباحث يرى بوضوح في تفاسير السنةّ الآيات التي اختصت بالأحداث والوعيد وما شابه ذلك قد تم تأويلها كأحداث وقعت وانتهت في زمن النبي (ص) ، مما يجعل القرآن الكريم كأنه مرجع تاريخ فقط لزمن الرسول (ص) . ويكاد أن يخلو من أسرار قرآنية كأحداث مستقبلية لم يحن تأويلها بعد ، إلا ما كان بخصوص يوم القيامة أو قبيل ذلك بقليل كأخبار المسيح ابن مريم أو يأجوج ومأجوج .
إن القرآن الكريم وبشهادة علماء السنّة أنفسهم يحتوي على علم ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة " فيه تبيان كل شيء " . فالقرآن الكريم فيه أسرار منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى الكون إلى أن يفنيه مرة أخرى بشهادة الروايات الكثيرة ، لذلك فإن تأويل كل القرآن على أحداث وقعت في عهد النبي فقط فيه تهميش وتحجيم لعظمته .
إن القرآن الكريم في حقيقة الأمر يحمل بين دفتيه أخبار ما كان وما سيكون حتى أهوال يوم القيامة ، بل حتى بعده يبين أحوال من في الجنة ومن في النار ، لذلك لا بد من وجود آيات قرآنية تشير إلى كل تلك الأحداث طالما فيه تبيان كل شيء . فكما جاء تأويل آيات قرآنية لأحداث وقعت في زمن النبي (ص) ، كذلك تطرقت الآيات لأحداث لم يكن قد أتى تأويلها بالنسبة لمن عاش في زمن النبي (ص) ثم جاءت بعد ذلك ، وهكذا بالنسبة لمن كان قبلنا ومن سيأتي بعدنا . فأسلوب علماء السنَّة في تفسير غالبية آيات القرآن الكريم المتعلقة بالأحداث ، لا يعدو أن يكون أسلوب توثيق للأحداث في زمن النبي (ص) ليس إلا.
إن الشيعة اعتمدوا في تفاسير القرآن الكريم على روايات أئمة أهل البيت ، ولكون أهل البيت مصدر الرسالة السماوية اطمئن الشيعة إلى صحة أقوالهم استناداً إلى روايات نبوية تقر بها السنَّة والشيعة من أنهم أعلم الناس بالقرآن الكريم . فقد استمر فهم القرآن الكريم وأسراره يتداول بين النبي (ص) والإمام علي ومن ثم أهل بيته الذين نقلوا ما يُسمح لهم بها إلى علماء الشيعة الذين تتلمذوا على أيدهم آنذاك . فكما صُدم النبي (ص) عندما رأى جبرائيل أول مرةً وأخذ عنه هذه الأسرار ، وصُدم من سمع من النبي (ص) ، وهكذا فإن كل خبر يتناقل يُصدم إلى أن يصل إلى مستوى الإنسان العادي الذي لا سبيل أمامه سوى أن يصدّق أو لا يصدّق . من هنا يُصدم أتباع المذاهب السنيّة عندما يسمعون ببعض الحقائق القرآنية من الشيعة لكونهم لم يتمكنوا الوصول إليها لاختلاف مدرسة علوم القرآن لديهم . فالمدرسة التي أخذوا عنها السنّة غير مدرسة أئمة أهل البيت الذي نزل فيه القرآن ، لذلك لم يتلقوا تلك الأخبار الغيبية المستقبلية ، وبالتالي يتهمون الشيعة بالشرك تماما كما اتهمت قريش النبي بالسحر والجنون وما شابه ذلك جراء الصدمة مما سمعوا . لذلك أصبح من الطبيعي أن يحدث اختلاف عقائدي بين السنَّة والشيعة لاختلاف مصدر فهم الآيات القرآنية لدى الطرفين وبالتالي فإن الطرف الذي يتحدث بما هو خارج نطاق عقل البشر لن يتقبله الطرف الآخر . من هنا اصطدم أتباع المذاهب السنيّة مع أتباع المذهب الشيعي الذين أحتوى تفاسيرهم للقرآن على روايات أئمة أهل البيت المتعلقة بالأمور الغيبية المستقبلية .
إن الاختلاف بين السنّة والشيعة في موضوع المهدي المنتظر إنما يعود لذلك السبب ، وعلى سبيل المثال قوله تعالى " عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون " ( 1-5 النبأ ) هذه الآيات الكريمة لها تأويل مختلف عند الفرقتين السنَّة والشيعة ، فكما أوضحنا أن كتب تفسير القرآن الكريم عند السنَّة تأول هذه الآيات إلى زمن رسول الله (ص) ، حيث تدَّعي أن تأويل الآيات هي أن بعض قريش يسأل بعضاً عن الذي جاء به النبي (ص) فالمؤمنون يثبتونه والكافرون ينكرونه ثم سيعلمون ما يحل بهم من إنكارهم له . هذا التأويل من تفسير الجلالين عند السنَّة قد أول المستقبل آنذاك إلى الماضي بالنسبة لمن جاء بعد الرسول (ص) فأصبح التفسير مرجعا تاريخيا . أما الشيعة يرون تأويل هذه الآيات يتعلق بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي هو تاسع حفيد للإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، فقالوا أن النبأ العظيم هو المهدي المنتظر . وبمقارنة هذا التأويل مع تأويل السنَّة نجد أن رأي الشيعة هو أقرب للمنطق وإن كان التأويل بحاجة إلى أدلة والتي هي متوفرة في سُوَر أخرى من القرآن الكريم سنتطرق إليها لاحقا . فالآيات السابقة تبدأ بعبارة " عمَّ يتساءلون " ثم " عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون " . فالله سبحانه وتعالى عالم بسبب اختلافهم فأجاب بقوله تعالى " كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون " . دلَّ ذلك الجواب أن " النبأ العظيم " لم يكن معلوماً آنذاك بل سيعلمون ، أي الكل سيعلم في المستقبل . فعبارة " كلا سيعلمون " ليست مقصورة على كفار قريش كما ادَّعى علماء السنَّة في كتب التفسير وإنما عامة تفيد الجميع ماعدا النبي (ص) الذي كان يخاطبه الله تعالى عنهم ، بدليل قوله تعالى " الذي هم فيه مختلفون " أي الجميع بدون استثناء . وجميعاً هؤلاء " سيعلمون " أي في المستقبل . لذلك فإن تأويل الآية ليس كما جاء في تفسير علماء السنَّة من أن الاختلاف كان بين كفار قريش والمسلمين على الإسلام ، لآن المسلمين بالتأكيد لم يكونوا بحاجة للمستقبل بل كانوا على يقين بحقيقة الإسلام . إن تأويل الآيات تفيد الاختلاف بين المسلمين أنفسهم في معجزة المهدي المنتظر عليه السلام والمتعلقة بولادته وغيبته ، وإنهم سيعلمون فيما بعد الحقيقة . ومما يؤكد على هذا التأويل ، ما جاء في باقي الآيات اللاحقة للآيات السابقة حيث قال تعالى " ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وبنينا فوقكم سبعاً شدادا .. إلى آخر الآيات " فقد جاءت تلك الآيات للتذكير بقدرة الله تعالى على كل شيء ، أي ليس هناك المستحيل في قدرة الله سبحانه وتعالى على صنع المعجزة ، وكأنما هو جواب لمن يستنكر معجزة المهدي المنتظر عليه السلام .
لماذا يا ترى جاءت هذه الآيات متتالية مع ما سبقها ؟ لقد جاءت هذه الآيات متتالية مع ما سبقت لتوضيح جوهر الاختلاف بين الذين مختلفون فيه ، وهو الغيبة الطويلة يفوق العمر الافتراضي للبشر.
إن هذا الإعجاز الذي يرفضه السنَّة من منطلق أن الإنسان لا يعيش أكثر من العمر الافتراضي ، فإن الآيات القرآنية اللاحقة التي أشرنا إليها جاءت للتذكير بقدرة الله على كل شيء . فكما أن قدرته تعالى في خلق الجبال والأرض والأزواج وغيرها ، فكذلك هو قادر على أن يجعل الإنسان يعيش لفترة طويلة من الزمن . وكأنما هو رد مباشر على إنكار إمكانية بقاء المهدي المنتظر طوال تلك المدة الطويلة ، من هنا تأتي أهمية الآيات اللاحقة للآيات الأولى المتعلقة بالنبأ العظيم . لكن ترتيب هذه الآيات لا تأخذ الأهمية نفسها في تفاسير السنّة ، بل ينتقل الموضوع إلى وادي آخر تماما عندهم . من ناحية أخرى فإن الكفار ينكرون الله أصلا فكيف يحتج الله عليهم بقدرته في خلقه للجبال إذا كانت تلك الآيات تقصد الكفار والمشركين ؟!!
إن تكرار قوله تعالى " كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون " جاء هذا التكرار لأهميته وليس تكرار من أجل تكرار كما اعتقد علماء السنّة . وجاء التكرار بصيغة المستقبل لتبيّن أن المسلمين سيعلمون أنه حقيقة عندما يولد المهدي المنتظر . فالعبارة الأولى " كلا سيعلمون " تفيد المرحلة الأولى من الترقب لمولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ، والتي حدثت بالفعل وبذلك علم الناس بالحقيقة الأولى التي ترقبوها منذ زمن النبي إلى زمن ولادته ، فانتهى تأويل العبارة الأولى " كلا سيعلمون " . أما العبارة الثانية " ثم كلا سيعلمون " للإفادة عن الحقيقة الثانية وهي أنهم سيعلمون حقيقة ظهور الإمام المهدي المنتظر بعد مرحلة الغيبة عندما ينتشر نبأ ظهوره . فالمرحلة الأولى كانت انتظار ولادته والتي انتهت ، والمرحلة الثانية انتظار ظهوره المبارك بعد غيبته والتي لازالت قائمة ، ولذلك تكررت العبارة " كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون " لتفيد مرحلتين من الترقب والعلم بالحقيقة . لكن ذلك التكرار لم يكن ذات أهمية في تفسير السنّة وكأنما مجرد تكرار والعياذ بالله الذي جعل كل حرف في القرآن الكريم له مدلوله بشهادة كل علماء المسلمين ، فأين تفسير العبارة الثانية عند السنة ؟!!
ذلك النموذج الذي أشرنا إليه في الاختلاف الفكري والعقائدي بين السنّة والشيعة والتي نتجت بسبب الانتماء لمدرستين مختلفين ، مدرسة فهمت القرآن الكريم وفق قدرة البشر على الفهم وهي مدرسة علماء السنّة ، ومدرسة أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين توارثوا علم القرآن بأسراره من مصدره الذي هو الله تعالى دون الحاجة لهم في الدراسة عند غيرهم لتعلم القرآن الكريم ، فهم آل إبراهيم الذي آتاهم الله الحكمة والنبوة والملك العظيم ، وخصَّهم الله تعالى دون غيرهم بأسرار السماوات والأرض منذ أن خلقها الله إلى يوم القيامة . ولذلك يقول الإمام علي عليه السلام " اسألوني عن طرق السماوات فإني أعلم بها عن طرق الأرض " (انظر كتاب سلوني قبل أن تفقدوني) .
لقد تطرق الرسول (ص) في روايات كثيرة إلى المهدي المنتظر عليه السلام ، فقال أنه سيولد رجل من أهل بيته يحمل لواء الإسلام إلى كل العالم وان المسيح عليه السلام سيصلي خلفه . فقد روي عنه (ص) أحاديث كثيرة سنتطرق إليها فيما بعد . وأيضا تطرق الإمام علي وباقي أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى علامات ظهوره المبارك في آخر الزمان . لذلك كان المسلمون يترقبون ولادة المهدي المنتظر عليه السلام منذ العقود الأولى في التاريخ الإسلامي .
إن النبي (ص) قد ذكر في روايات كثيرة عن ذلك الإمام الذي سيأتي آخر الزمان وسيصلي المسيح بن مريم خلفه حيث قال (ص) " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " ( البخاري ج4 ص205 ، الترمذي ج3 ص342 ). وقال (ص) " لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملئ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً ".
قال تعالى " ولتعلمن نبأه بعد حين " ( 88 سورة ص ) وكأنما الآية مكملة للآية الأولى والثانية من سورة النبأ " عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم " وعبارة " نبأه بعد حين " دليل واضح على أن العلم بحقيقة المهدي المنتظر سيأتي في المستقبل كما في قوله تعالى " كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ".
قال تعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله " (28 الفتح) . إن قوله تعالى " بالهدى " إشارة إلى أن الرسول (ص) سيتبعه المهدي لأن عبارة " دين الحق " التي جاءت معطوفة تكفي للتعبير الشامل لو لم يكن القصد " بالهدى " هو المهدي . وما يؤكد أن باطن كلمة " بالهدى " تشير إلى المهدي ، ما جاء في آخر الآية " ليظهره على الدين كله " فالنبي لم يظهر الدين الإسلامي على كل الأديان ، بل بقيت الأديان الأخرى في الجزيرة إلى أن مات النبي (ص) ، ناهيك عن الأديان الأخرى خارج الجزيرة العربية . لذلك لابد أن يكون واقع " ليظهره على الدين كله " عند ظهور المهدي المنتظر عليه السلام .
قال تعالى " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون " (8 الصف) . استنادا للآية السابقة فإن هذه الآية تبين بشكل غير مباشر وقت ظهور المهدي المنتظر حيث يكون عندما يتم البدء بمحاربة الإسلام للقضاء عليه ، فقوله تعالى " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " كأنما القصد من " بأفواههم " كناية عن وسائل الأعلام والدعاية ، وهذا ما حدث بالفعل ويحدث الآن من غزو غربي وصهيوني فظيع حيث تم تسخير وسائل الإعلام لتصدير انحرافاتهم إلينا للقضاء على الإسلام . لذلك عبّر الله تعالى بقوله " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " كناية عن الحرب الإعلامية .
قال تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " (39 الأنفال)، تأويل هذه الآية الكريمة لم يحن بعد ، فدين الله المقصود بالآية الإسلام وحاليا هناك أديان كثيرة غير الإسلام ، وقد ترك النبي (ص) اليهود والنصارى على دينهم يدفعون الجزية ولذلك استمرت الفتنة إلى اليوم وإلى أن يظهر المهدي المنتظر عليه السلام الذي يقاتلهم حتى يكون الإسلام هو الدين الوحيد على الكرة الأرضية وتختفي الأديان الأخرى بما فيها البوذية والأديان الغير السماوية الأخرى .
قال تعالى " ويقولون لولا أُنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين " (20 يونس) . لقد طلب المشركون دليل أو معجزة فكان الجواب من الله " الغيب " ، لاحظ عبارة " إنما الغيب لله فانتظروا " وكأنما الله تعالى أجابهم بأن المعجزة وجود غيبة وانتظار لشيء ما . وإلا فإنه لا ارتباط بين دعوتهم بطلب المعجزة وبين جواب الله إنما الغيب لله فانتظروا إذا كان المقصود ب " الغيب " علم الغيب ، فلماذا الانتظار إذن ؟ فعلم الغيب لا يمكن إثباته للمشركين ولا يفيد فيه الانتظار إلا بعد فوات الأوان ( يوم القيامة ) وبذلك تسقط الحجة عليهم . فالموضوع يتعلق بمعجزة مطلوبة ، ورد الله عليهم بالتأكيد له علاقة بالمعجزة المطلوبة . والمعجزة هي غيبة المهدي المنتظر لسنين طويلة تفوق قدرة حياة الإنسان الطبيعي من البقاء لتكون الغيبة حجة لله على الجميع ، ولذلك طلب الله منهم الانتظار لحين موعده .
قال تعالى " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة " ( 8 هود ) هذه الآية تؤكد رواية الشيعة التي تقول أن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام سيظهر في آخر الزمان ومعه 313 من رجاله عند بداية ظهوره المبارك . لذلك أشار الله إلى ذلك العدد بكلمة ( معدودة ) أي معروفة العدد ومحدودة العدد ، وهم الـ 313 أصحاب المهدي المنتظر في بداية ظهوره .
قال تعالى " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " ( 8 هود ) . سوف يدفعون ثمن الاستهزاء بغيبة المهدي المنتظر والذي نراه من البعض خاصة الوهابية . وقوله تعالى " ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم " يدعم الحديث الشريف " لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لأطال الله ذلك اليوم حتى يبعث رجل من أهل بيتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملئ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً " .
قال تعالى " وله أسلم من في السماوات والأرض " . إن تأويل هذه الآية لم يحن بعد ، فليس كل من في الأرض أسلم لله تعالى ، فهناك المشركين والملحدين الذين يزدادون كل يوم . ولكن ليسلم كل من في الأرض بعد ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي يقاتل الكفار والمشركين حتى يسلم لله تعالى من في الأرض إلى جانب من في السماء .
قال تعالى " أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض" (62 النمل) . إن هذه الآية الكريمة تدل دلالة واضحة أن هناك علاقة بين السوء الذي يكشفه الله والخلافة أي نظام الحكم . فالدعاء لله للكشف عن ذلك السوء لا بد أن يكون عن ظلم وجور في أنظمة الحكم ، بدليل أن الله سيكشف ذلك السوء ويجعل المؤمنين هم خلفاء الأرض أي حكامها بدلاً ممن كانوا يسيئون ، فقوله تعالى " ويجعلكم خلفاء الأرض " التي هي معطوفة على ما قبلها " ويكشف السوء " يدل على تسلسل حدوثها . فهذه الآية المباركة تفيد عن حدوث ظلم وجور وعلى ضوء ذلك يستجيب الله دعاء المؤمنين المظلومين ، وسينصرهم بأن يجعلهم هم خلفاء الأرض . وذلك بالطبع لم يحدث إلى الآن أن أصبح المسلمون هم خلفاء كل الأرض ، لكنه سيحدث زمن ظهور المهدي المنتظر عليه السلام حينما يبدأ ومعه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً كما قال تعالى " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة " ومن ثم تكبر دولته حتى يتم نور الله الإسلام في كافة المعمورة ويصبح المسلمون قادة الأرض .
قال تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " تفيد الآية الكريمة أن الله أراد أحداً أن يكون خليفته على الأرض وحيث أن ذاك الخليفة هو إنسان يموت بعد انتهاء عمره لذلك فإن خليفة الله على الأرض باق إلى يوم القيامة ، فقوله تعالى " إني جاعل في الأرض خليفة " تفيد الاستمرار ، فلم تخلو الأرض من خليفة الله . فقد كان أوصياء الأنبياء يشغلون ذلك المنصب الرباني بعد رحيل الأنبياء ، بمعنى أنه في غياب وجود النبي كان وصي ذلك النبي هو خليفة الله على الأرض بإرادة الله الذي كان يبلغ ذلك النبي قبل أن يموت أن يوصي به . وعندما جاء نبينا محمد (ص) أصبح هو خليفة الله على الأرض وقبل أن يرحل أخبرنا أنه سيكون بعده أثني عشر خليفة لله على الأرض ليبقى الإسلام عزيزا كما جاء في حديث " لا يزال الإسلام عزيزا ما ولاهم أثنى عشر خليفة ". والسؤال الذي يطرح نفسه أليس يفترض أن يكون لله خليفة على الأرض في الوقت الحالي ؟
من قال لا فقد أنكر الآية ، فمن عساه أن يكون هذا الخليفة الذي يمثِّل الله على الأرض ؟! لاشك أن يكون إنسان غير مقيد بعالمنا اليوم ، فما من أحد في هذا الزمان إلا وله انتماء لوطنٍ ما ، وبذلك لا يستحق أن يكون خليفة الله على الأرض . لذلك لابد أن يكون ذلك الخليفة إنسان ليس له انتماء لوطنٍ ، وهذا ما يعزز نظرية المهدي المنتظر الذي لا يتقيد بحدود حيث الأرض كلها متسعة له . كما أن خليفة الله على الأرض لا بد أن يكون مخولا بعلم الله ليكون خليفته على الأرض . فمن عساه أن يكون ذلك الخليفة العلم بأسرار الله ؟ لا بد أن يكون شخصا قد ورث علم رسول الله (ص) فمن يمكن أن يكون غير رجلا من أهل بيته صلى الله عليهم .
قال رسول الله (ص) " إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثني عشر خليفة " . وقال (ص) " لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة " (صحيح مسلم كتاب الإمارة) . هذا الحديث المتواتر والذي أتفق عليه كافة المسلمين يطرح سؤالا من هم الخلفاء الاثنا عشر المقصودون ؟ كيف يمكن أن يستمر الإسلام عزيزاً منذ رحيل النبي إلى اليوم وإلى المستقبل من خلال حياة اثني عشر شخصاً ؟!!
استنادا للحديث الشريف لابد أن يكون أحد الاثنا عشر خليفة موجوداً طالما كان الإسلام موجوداً . لكن المنطق يتساءل كيف يمكن أن يعيش اثنا عشر شخصاً لفترة أكثر من ألف وأربعمائة سنة يُضاف إليها من السنين ما هو في عالم الغيب مادام الإسلام عزيزاً ؟ كما هو الآن حيث يدخل المئات يوميا في هذا الدين الحنيف . فلو تم جمع العمر الافتراضي لاثني عشر شخصاً نجده لا يتعدى ألف عام في أفضل الأحوال لو كانوا متتاليين بحيث يموت أحدهم وفي نفس اليوم يولد الآخر خليفة من أول يوم !! إذن لابد من وجود معجزة لله في ذلك .
إن نظرية الإمام المهدي المنتظر هي التي تدعم وجود تلك المعجزة فلابد للغيبة أن تدخل لإطالة وجود أحد هؤلاء الاثنا عشر خليفة الذين قصدهم النبي (ص) .
روى القندوزي الحنفي في ينابيع المودة أن رسول الله (ص) قال " النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض " (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج1 ص19) . يتضح مما سبق أن الأثنى عشر أميراً الذين قال النبي عنهم أنهم سيكونون بعده ويكون الإسلام عزيزاً بهم هم في حقيقة الأمر من أهل بيته وانهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء ، والأمان المقصود لابد أن يكون أمان من الضلال لأنهم مصدر عزة الإسلام ، وحيث أن البشرية بعد رحيل النبي استمرت لأكثر من ألف وأربعمائة سنة هجرية إلى أن يشاء الله ولما كان عددهم اثني عشر أميراً فقط لذا ينبغي أن يكون أحدهم موجوداً في كل زمان منذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة ليكون أمان لآهل الأرض وهذا ما لا يمكن في ظل العمر الافتراضي لأثنى عشر إنسان ، لذلك كانت الحاجة إلى قدرة إلهية ومد عمر بعض هؤلاء الاثنا عشر أو أحدهم ، فكان عصر الغيبة التي دخل فيها الإمام المهدي المنتظر فلا تنطبق عليه القوانين الفيزيائية الطبيعية حتى يظهره الله لأمر يريده الله أن يتم . وبذلك يكتمل منطق بقاء حجة لله على الأرض طوال أكثر من ألف وأربعمائة سنة من خلال أثني عشر خليفة لله أو حجة الله على الأرض . فقد شاء الله أن يعيش إحدى عشر منهم عمره الافتراضي ويبقي الثاني عشر حياً طوال تلك المدة لحكمة هو يعلمها . فقد يكون لسبب أن يفتن به المسلمين ليرى من يؤمن ومن يسقط في الفتنة كما في قوله تعالى " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " ( 2 ـ 3 العنكبوت ) .
قال رسول الله (ص) " إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي اثنا عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي . قيل يا رسول من أخوك ؟ قال علي بن أبي طالب . قيل فمن ولدك ؟ قال : المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبقى من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب " (ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ج3 ص108).
قال المسيح بن مريم عليهما السلام : " الحق أقول لكم ، من الحاضرين هنا لا يذوقون الموت حتى يشاهدوا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " (إنجيل متى 16 / 13 - 28 ) . من الواضح في هذه الرواية أنها ليست محرَّفة ، وتدل أنها من الروايات التي لم تحرَّف في إنجيل المسيح بدليل ما جاء في سياق الرواية وموافقته للقرآن الكريم ، فلو تمعَّنت في الرواية تجد أن قول المسيح (ع) " من الحاضرين هنا لا يذوقون الموت " ، قد قصد به نفسه أنه لا يموت وهذا ما يؤكده الإسلام أنه لم يموت وأن الله قد رفعه ، على عكس ما يدّعي المسيحيون أنه مات ، فالمسيح يقول " الحق أقول لكم من الحاضرين هنا لا يذوقون الموت " فهو يتكلم عن نفسه . وقوله " حتى يشاهدوا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " فإن هذا القول يدعم قول النبي محمد (ص) لأصحابه حينما قال " كيف أنتم حينما يكون إمامكم منكم يصلي خلفه عيسى بن مريم " أي أن إمام المسلمين هو خليفة الله على الأرض وليس عيسى بن مريم . فقول عيسى بن مريم في الإنجيل يدعم قول رسول الله (ص) حينما قال " حتى يشاهدوا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " أي أن المسيح (ع) أراد القول أنه لا يموت إلى أن يشاهد إمام المسلمين ( المهدي المنتظر ) هو خليفة الله على الأرض ويصلي المسيح خلفه ومتبوعا له . ولو أدرك النصارى بحقيقة تلك الرواية لحرَّفوها في الإنجيل لأن ذلك يدعم رأي المسلمين ويثبت صحة القرآن الكريم .
قال المسيح عيسى بن مريم : " وكما أن البرق يخرج من الشرق ويلمع حتى الغرب فكذلك يكون مجيء ابن الإنسان " . أي أن المهدي المنتظر سيحكم الشرق والغرب ، يؤكد ذلك قول الرسول (ص) " المهدي من وُلدي .. تكون له غيبة وحيْرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب " . وقد ذكر الإمام جعفر الصادق الآية " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " فقال أن تأويل هذه الآية في المهدي المنتظر .
قال المسيح ابن مريم : " يجب عليّ أن أبشر سائر المدن أيضاً بملكوت الله فإني لهذا أُرسلت " (إنجيل لوقا 4/42-43) ، أي أنه يقصد أن الإسلام سوف يكون دين كل مدن العالم .
قال المسيح ابن مريم : " والذي يثبت إلى النهاية فذاك الذي يخلص ، وستعلن بشارة الملكوت هذه في المعمورة كلها شهادة لدى الوثنيين أجمعين وحينئذ تأتي النهاية " (إنجيل متى 24/13-14) . وكأنما يقول المسيح (ع) في هذه الرواية أن من يؤمن بالمهدي إلى أن يظهر فذاك الذي قد نفعه إيمانه ويكون ظهوره بشارة لمن آمن به ويكون ظهوره حقيقة تصدم كل المعتقدات الأخرى فتنتهي تلك المعتقدات وتضطر أن تؤمن به .
قال المسيح ابن مريم عليهم السلام : " مثل ملكوت السماوات كمثل حبَّة خردل أخذها رجل فزرعها في حقله ، هي أصغر البذور كلها فإذا نمت كانت أكبر البقول بل صارت شجرة حتى أن طيور السماء تأتي فتعشش في أغصانها " (إنجيل متى 3/31-32) . لقد عبَّر المسيح ابن مريم عن المهدي المنتظر بملكوت السماوات إشار إلى أنه للخلق كافة ، وقوله " كمثل حبَّة خردل أخذها رجل فزرعها في حقله " المقصود به حقل النبي محمد (ص) أي من أهل بيته ، وقول المسيح " هي أصغر البذور كلها " المقصود هو أصغر أئمة أهل البيت كلهم أي كما هو حال المهدي المنتظر أصغر الأئمة عند الشيعة وهو الإمام الثاني عشر . وقد شبهه المسيح بن مريم بالبذرة لأن البذرة عندما تُزرع تختفي في الأرض للدلالة إلى أن الإمام المهدي يختفي عن الناس . وقول المسيح " فإذا نمت " أي ظهر الإمام المهدي " كانت أكبر البقول " أي أصبح أكبر حاكم على الأرض أي الخليفة على الأرض أي يحكم كافة العالم ، كما قال تعالى " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " ، " ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون " . أما قول المسيح ابن مريم أن الطيور تعشش في أغصان الشجرة الكبيرة فهذا ما يؤكده رأي الشيعة من أنه عندما يحكم الإمام المهدي المنتظر العالم يسود الأمن والأمان بين كل المخلوقات لأنهم يقبلون بحكمه وعدله .
قال عيسى ابن مريم : " أنا لا أطلب مجدي فهناك من يطلبه ويحكم " (إنجيل يوحنا 8/50) . يقصد المسيح أنه إذا نزل لا يحكم بل يكون الحكم للمهدي المنتظر عليه السلام ويؤكد ذلك قول رسول الله (ص) " كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم " ( البخاري ج4 ص205 ، الترمذي ج3 ص342 ) .
إن المسلم منا عندما يقرأ القرآن الكريم والكتب الإسلامية التي تشير الأحداث التي وقعت بين المشركين والكفار من جهة ، وبين الأنبياء عليهم السلام من جهة أخرى ، يتبادر إلى ذهنه إن هؤلاء المشركون والكفار كانوا أناس سذج بلا عقول لعدم إيمانهم بالرسالات السماوية ولمحاربتهم الأنبياء . ويعتقد مسلم هذا اليوم أنه لو كان في تلك الأزمنة ما تأخر في الوقوف إلى جنب ذلك النبي ، وآمن بما أنزل إليه فورا .
إن مسلمي اليوم هم في حقيقة الأمر مسلمي الفطرة ، أي ولدوا لآباء مسلمين وليسوا أبناء مشركين أو كفار ، فهم على آثار آبائهم كما قال تعالى " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " ، فهم ولدوا مسلمين بالفطرة ، أي مبرمجين على الإسلام وبالتالي فإن قابليتهم للكفر ضعيفة . وعلى العكس من ذلك فإن أحفاد المشركين والكفار ولدون على الفطرة غير مبرمجين لدين ، ولذلك فإن قابليتهم للإيمان كبيرة ، وتتوقف تلك القابلية على القناعة وحسن الإدراك .
إن قوم نوح وهود وغيرهم كانوا أصحاب حضارات ، و كان بعضهم أشد بأسا وقوة منا كما عبّر القرآن الكريم ، فبالتأكيد كان لديهم علماء ومفكرين وشعراء وعظماء ساهموا في بناء تلك الحضارات . وبوجود تلك العقليات ، لم يؤمن أولئك القوم لأنبيائهم . وعدم إيمانهم ليس لكون تفكيرهم كان محدودا أو لصغر عقولهم ، بل كفروا لعدم قناعتهم بما جاء به أنبيائهم . وعدم قناعتهم كان بسبب المقارنة العقلية بما جاء به الأنبياء .
إن نوح عليه السلام عندما جاء برسالة سماوية لقومه أخذوا يحاورونه بمنطقهم لا بمنطق الرسالة السماوية التي جاء بها نوح عليه السلام ، وعندما بدأ نوح عليه السلام والمؤمنون ببناء سفينة بحجم جبل صغير ، أخذ قومه يتغامزون فيما بينهم ويسخرون من نوح ومن معه . ولما مر على نوح سنين وهو يبني السفينة ، أخذوا من نوح مثالا للجهل والجنون !! إذ كيف يبني سفينة في وسط الصحراء وبين الجبال . ولم يجد الكفار صعوبة للطعن فيما يعتقده نوح عليه السلام ومن آمن معه ، فالمنطق يقول أن السفينة يجب أن تبنى قرب بحر من أجل الإبحار بها وليس وسط الصحراء التي ليس بها قطرة ماء . وكم كان موقف المشركين نابع من الثقة بأنهم عقلاء أصحاب منطق يقولون الحق ، وأن نوح ومن اتّبعه مساكين ضالين يتبعون خرافات . لكن بالمقابل هل كانت ثقة المشركين ومنطقهم هو منطق الحقيقة التي كانت تنتظرهم ؟
لقد كان الكفار يسخرون بمنطق العقل البشري ، وكان نوح ومن معه يسخرون بمنطق الحقيقة والواقع الذي أراده الله سبحانه وتعالى . ولو كان المشركون يعلمون الغيب لأدركوا من كان له الحق أن يسخر .
إن نظرية المهدي المنتظر عليه السلام تشبه نظرية سفينة نوح عليه السلام ، وما المهدي عليه السلام إلا كسفينة نوح كما قال النبي (ص) " مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك " ( رواه الحاكم في المستدرك ) . وقال الرسول (ص) " النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس " ( مستدرك الحاكم ج3 ص149 ) . إن الذين ينكرون أو يسخرون من المهدي المنتظر عليه السلام هم في حقيقة الأمر يفكرون بعقلية ومنطق قوم نوح عليه السلام ، فهم يعتمدون في تقييمهم للموقف على الواقع البشري وليس على الحقيقة السماوية . فالذي ينكر المهدي عليه السلام هو كمن أنكر على نوح عليه السلام سفينته ، وبالتالي فإن المسلم الذي ينكر المهدي عليه السلام ليس من حقه أن يتهم الكفار من قوم نوح بالسذاجة ، فكلاهما ساذج لأنه استنتج على ضوء الواقع البشري لا على ضوء الحقيقة السماوية . وبالتالي لو كان من أنكر وجود المهدي عليه السلام موجودا في عصر نوح لما تأخر في الانضمام إلى أولئك الذين وقفوا ضد بناء سفينة في الصحراء بين الجبال ، وأخذوا يسخرون ويتهمون نوح ومن معه بالخرافات والبدع والضلال !!
لقد كان الصراع بين الأنبياء وأقوامهم صراع بين الواقع البشري والحقيقة السماوية ، فالكفار استندوا إلى واقعهم ، والأنبياء استندوا إلى الحقيقة ، وحيث أن الحقيقة كانت مغيبة دائما والواقع كان موجودا دائما ، لقي الأنبياء المشقة في إقناع الكفار بالحقيقة ، وعلى العكس كان من السهل على الكفار إقناع الآخرين بالواقع وهكذا يضل الواقع صامدا في وجه الحقيقة ، لذلك أكثر الناس لا يؤمنون ، إلا من سعى للبحث عن الحقيقة .
إن المحقق أي محقق وعلى سبيل المثال المحقق القانوني عندما يرى واقعا ما أمامه كجريمة قتل ويبدأ بالبحث عن الحقيقة كم يكون سعيدا عندما يكشف جزء من الحقيقة ، وبالتالي لا يستغني عن هذا الجزء ويعتبره حقيقة كاملة ستقوده إلى الجاني ، وتتولد لديه قناعة كبيرة بالحقيقة التي لم يكتشفها كليا بعد ، لذلك يتشبث بجزئية صغيرة . إن أسلوب هذا المحقق لو أتبعه أي مسلم يبحث عن حقيقة المهدي المنتظر عليه السلام لوجد الدلالات الكثيرة في القرآن والسنة النبوية المطهّرة ، ومن لا يريد فذلك شأنه كشأن المحقق الذي يخشى الحقيقة ، ولذلك يسعى إلى طمسها أو إنكارها لمصلحة ما .
لقد قال تعالى " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " ( 2 ، 3 العنكبوت ) . إن الله تعالى الذي خلق الجنة والنار لم يخلقها من أجل أن يدخل أبناء من آمن بالفطرة إلى الجنة ، ولا أبناء من كفر بالفطرة إلى النار ، بل جعل موضع اختبار لمن آمن بالفطرة لعله لا يستحق الجنة ، وباب نجاة لمن كفر بالفطرة لعله يدرك ويلتحق بأهل الجنة وهو قمة العدل الإلهي . إن ذلك الاختبار هو اختبار لعقل الإنسان والذي هو مصدر أفعاله ، فكما قالت الروايات إن الله عندما خلق العقل قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل فقال تعالى وعزتي وجلالي بك أثيب وبك أعذب ، فقد أراد الله أن يرى هل يقبل العقل بأوامره تعالى أم سيعمل العقل تلقائيا من نفسه . يعمل وفق نظام الله أم وفق نظامه الخاص وهيهات بين النظامين .
إن من أنكر وجود حجة الله على خلقه من منطلق الواقع ومنطق العقل البشري كمن أنكر وجود الله سبحانه وتعالى ، تماما كالملحدين ، فالنظرية هي نفسها ( عدم الرؤية تساوي عدم الوجود ) . إن الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فعندما فضّل آل إبراهيم عليهم السلام على غيرهم وآتاهم الحكمة والنبوة وملك عظيم ، أخذ الميثاق على آدم وذريته وأشهدهم على ذلك ، فخاطب عقولهم قبل أن يُخلقوا وأمرهم باتباعهم فهم أبوابا للجنة . ثم خلق الجنة وخلق النار ليجزي العقول التي تقيدت بأوامره ويعذب العقول التي لم تلتزم . وجعل الله سبحانه وتعالى بابا للجنة في كل زمان لكي لا تكون للعقول على الله حجة ، فمنذ زمن آدم عليه السلام جعله بابا لنفسه حتى لا يحتج على الله ، وهكذا يفتح بابا لكل قوم ، وما أن يغلق باب إلا فتح الله آخر .
لقد فتح الله سبحانه وتعالى أبوابا للجنة في كل زمان إلى أن جاء المصطفى (ص) فقال أنا مدينة العلم وعلي بابها ، وبمعنى آخر أنا الجنة وعلى بابها ، وفتح الله في جنة محمد (ص) أثني عشر بابا كما قال النبي (ص) " لا يزال الإسلام عزيزا ما ولاهم أثنى عشر أميرا " ، فأولهم أمير المؤمنين علي وآخرهم المهدي عليهم السلام كلما يغلق بابا إلى الجنة يفتح آخر ، لكن الكثير من الناس رفض الدخول كالأمم السابقة ، لذلك قال تعالى " وقليلا تؤمنون " وقال تعالى " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتّبعوه إلا فريقا من المؤمنين ". فقد رفض الغالبية أبواب آل إبراهيم ، وتمسكوا بأبواب غيرهم ، فجعلها الله أبوابا إلى النار ، فقال تعالى " وجعلناهم أئمة يهدون إلى النار " ، وبذلك أصبح أهل الجنة قلة " ثلة من الأولين وقليل من الآخرين " هم المقربين وأصحاب اليمين " ثلة من الأولين وثلة من الآخرين " أما الباقي إلى النار وبئس المصير .
لقد بعث الله سبحانه وتعالى الكثير من الأنبياء والرسل إلى البشر ، لكنه كان يبعث كل رسول أو نبي لجزء من هؤلاء البشر قبل أن يختم الرسالات بمحمد (ص) رسولا لكافة الناس . وكان الأنبياء والرسل يتعرضون للسخرية والاضطهاد والقتل ، إلا أن الله سبحانه وتعالى لم ينتقم لهم كافة ، بل منذ أن أرسل موسى عليه السلام إلى اليهود لم ينتقم كما كان ينتقم من قبل ، فيبعث ريحا صرصرا أو الرجفة أو الصيحة كما فعل مع الآخرين . وحيث أن أمم اليهود والنصارى لم يتعرضوا للانتقام الإلـهي وقد أعطوا فرصة أخيرة من خلال رسول ليس منهم كما كانت العادة تجري فيهم ، إذ جاء بمحمد (ص) ، ولم يؤمنوا به واستحقوا العقاب ، وحيث أن الله تعالى ترك المسلمين بعد نبيهم دون أن يرسل لهم كما كان يفعل مع اليهود ، فقد أراد الله تعالى أن يكون شخص المهدي المنتظر كنفس محمد (ص) كما جاء في آية المباهلة " وأنفسنا وأنفسكم " فقد جعل الله أوصياءه كنفس رسول الله (ص) ، وبذلك أراد الله سبحانه وتعالى أن يكون آخرهم سيفا يسلطه على الظالمين من الأمم الثلاثة اليهود والنصارى وكذلك المسلمين الذين أتّبعوا نفس مسار اليهود والنصارى حيث بدّلوا في دينهم كما قال النبي (ص) " لتتبعن سنن من كان قبلكم كحذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم ، قالوا من يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال فمن " ولذلك سيكون المهدي عليه السلام سوط عذاب عليهم .
وشاء الله أن يجمع في المهدي عليه السلام من كل نبي جاءهم شيئا ظلم به لينتقم . فظروف ولادة المهدي تشبه ظروف ولادة موسى ( مطارد من السلطة ) وحياة المهدي تشبه عيسى ( خوفا على حياته ثم غيبة ) ويشبه النبي (ص) في تعرضه للسخرية والاستهزاء . فالويل لهم من يوم حاق بهم ما كانوا به يستهزئون .