الباب الثاني

البحث عن سبيل النجاة

 

الاختلافات العقائدية

 

 

   قال رسول الله (ص) " تنقسم أمتي بعدي إلى بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة " . لم يحدد رسول الله (ص) أسم تلك الفرقة وإنما ذكر في مواضع عدة ملامح تلك الفرقة ، فهم اتبعوا ما أمر الله به أن يوصل ، وتمسكوا بالثقلين ، ولم يهمهم من خذلهم . 

 

  إن الفرق أو المذاهب الإسلامية التي صمدت وبقيت إلى اليوم ليست كلها في الجنة بل إن واحدة منها فقط في الجنة والباقي إلى النار كما أخبرنا بذلك نبينا الكريم (ص) . لقد بين الله تعالى أن فريق سيضل الطريق بالرغم من التحذير ، ويعتقدون أنهم مهتدون " فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون " (30 الأعراف) . وقال تعالى " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين " (8 البقرة) . وقال تعالى " كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين " (86 آل عمران) . وقال تعالى : " وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون " (37 الزخرف) . وقال تعالى  " ونـزعنا من كل أمة شهيداً فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون " (75 القصص).

  لقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أن هؤلاء ضلوا في حين أنهم يعتقدون أنهم مهتدون وعندما يجمع الله الناس يوم القيامة للحساب وتأتي كل فئة بإمامها " يوم ندعو كل أناس بإمامهم " يكتشف هؤلاء أنهم لا برهان ولا إثبات أو حجة لديهم ، بل أنهم كانوا فرقة ضالة ومن حق الله تعالى أن يدخلهم النار ، فيدركون أنهم كانوا ضالين في حين أنهم كانوا يعتقدون أنهم مهتدون فيقولون : " ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس لنجعلهما تحت أقدامنا وليكونا من الأسفلين " .

 

  وبالمقابل فقد تطرق الله تعالى للذين اهتدوا وبين أنهم قليلون ، فقد ذكر في سورة الواقعة في الآيات من 7 إلى 40  أن الذين سيدخلون الجنة من المقربين هم ثلّة من الأولين وقليل من الآخرين ، ومن أصحاب اليمين الذين سيدخلون الجنة ثلّة من الأولين وثلّة من الآخرين ، أما الباقي فهم أصحاب الشمال ومصيرهم جهنم .

إن الثلّة في اللغة ترمز إلى عدد بسيط من أصل مجموعة كبيرة ، فالذين سيدخلون الجنة عدد قليل كمقربين وعدد قليل كأصحاب اليمين والغالبية العظمى مصيرهم جهنم . فكما هو واضح أن أصحاب الجنة قليلون كما ورد في آيات سورة الواقعة ، تلك السورة التي قال عنها النبي (ص) " من أراد أن ينظر إلى يوم القيامة فليقرأ سورة الواقعة " .

  إن المسلمين اليوم يشكلون أكثر من ربع تعداد سكان العالم ، وهذا بالتأكيد لا يمكن أن يطلق عليه بالقليل ولا بالعدد البسيط ، فمن المستبعد أن يكون المقصود بالقليل الذي سيدخل الجنة هم المسلمون ، وحيث أنهم فرق ، لذلك لابد أن يكون المقصود إحداها . إن هذا الواقع المحتوم الذي ذكره القرآن الكريم والمصير الذي سيلاقيه الكثير من المسلمين يوم القيامة يستدعي أن نفكر ونتأمل ونطرح أسئلة كثيرة .

 

  هل حقاً نعتنق مذهباً يقودنا إلى النجاة يوم البعث ؟

  ما الذي يؤكد أننا من الفرقة الناجية يوم القيامة ؟

  على ماذا نستند في ذلك ؟

  لماذا لا نطمئن على أنفسنا قبل أن نواجه ذلك المصير المحتوم ؟

 

  إن الفرقتين الإسلاميتين السنّة والشيعة كل منها تدعي أنها الفرقة الناجية ، وحيث أن هناك فرقة اهتدت وفرقة في الضلال كما بينت الآيات القرآنية والسنه النبوية المطهرة فإن مقارنة كل فرقة منها فقهياً وعقائدياً بثوابت من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يكشف لنا ملامح الفرقة التي اهتدت .

 

  إن الفرقتين الإسلاميتين السنة والشيعة تتفقان في غالبية أركان الدين الإسلامي ، فالسنة والشيعة يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والبعث والجنة والنار وقبلتهما واحدة وكتابهم واحد ، ويقيمون الفروض كالصلاة والصوم والحج والزكاة والجهاد في سبيل الله ، وأمور شرعية كثيرة . لكنهما تختلفان أيضاً في كثير من المبادئ والمسائل الشرعية أهمها الإمامة أو الخلافة الإسلامية بعد النبي (ص) . فالخلافة والإمامة عند الشيعة أصل لا يقل أهمية عن باقي أصول الدين ، حيث يعتبرونه امتداد للقيادة الدينية التي أرادها الله تعالى للبشر . فالشيعة يرون إن الله تعالى كما اختار نبيه قائداً للبشرية لينذرهم اختار أيضاً من يستخلف نبيه إماماً هادياً ليكمل المسيرة ويعلمهم الكتاب ليهديهم بالإضافة لبيان ما يستجد عليهم من الأحكام الشرعية . أما السنة فإنهم يرفضون ذلك الاعتقاد ويدَّعون أن الخلافة أو الإمامة شأن البشر هم يختارون الخليفة أو الإمام . وتختلف الفرقتين السنة والشيعة أيضا في عدالة الصحابة حيث يعتبر أهل السنة أن جميع الصحابة بدون استثناء عدول ، أي أن أعمالهم كلها حسنة وأن الله قد رضي عنهم جميعا حتى ماتوا ، وبذلك لهم منـزلة رفيعة عند الله ورسوله (ص) ولا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن أحدهم . ويعتبرون كل من سمع أو رأى النبي (ص) من الذين أسلموا هو صحابي وإن كان طفلاً . أما الشيعة فهم يخالفون السنة ويقولون أن من الصحابة من انقلب على عقبيه وارتكب الكبائر أو كان فاسقا أو كفر بعد إيمانه ويستحق غضب الله عليه . وأن الفقه السني يحتوي على أحاديث موضوعة كذبت على الرسول (ص) هي التي ترفع من مكانة بعض هؤلاء الصحابة . وبالمقابل تدَّعي السنة أن الشيعة تستند إلى أحاديث ضعيفة  أيضا .

  ومن الأمور التي اختلفت السنة والشيعة فيها صفات الله سبحانه وتعالى ، وفي الوضوء والصلاة وأمور أخرى كصلاة الجنازة والطلاق وزاوج المتعة والتقية . واختلفتا أيضا في المهدي المنتظر حيث اختلفوا في شخصه وحياته ، وذهب بعض أهل السنة إلى عدم الاعتقاد به أصلاً ! في حين أن الشيعة تعتبره الإمام الثاني عشر . ويعتبرونه منقذ البشرية من الظلم والجور والفساد . وأنه سيظهر بأمر الله تعالى ليقاتل من أجل أن يكون الإسلام دين كل المعمورة تأكيدا لقوله تعالى " والله متم نوره ولو كره المشركون " ، فيقضي على الشرك والفساد والظلم ، ويملئ الدنيا قسطا وعدلا .

 

  يتضح مما سبق أن الاختلاف بين الفرقتين الإسلاميتين في واقع الأمر يتعلق بصلب الدين كذات الله سبحانه وتعالى ، وكذلك الصلاة التي هي عمود الدين إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدَّت رُد ما سواها . والوضوء الذي موضع الاختلاف صحته شرطاً أساسياً لقبول الصلاة وضياع الصلاة كفيل بالهلاك . أما الاختلاف في الإمامة أو الخلافة فإن كانت أمراً إلهياً كما تدعي الشيعة فإن تركه يستوجب غضب الله عز وجل والهلاك هو المصير . كذلك بالنسبة للسنة النبوية الشريفة التي أمر الله تعالى بها إذ قال " ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " ، فمن يلغي منها أو يضيف إليها فهو ضال زنديق صاحب بدعة ، ومن يتبع الضال فهو ضال مثله ، ومصير الضلال الهلاك يوم القيامة والعياذ بالله . كما أن زواج المتعة مسألة حرام وحلال عند الفرقتين ، فما هو الحكم على من يحرم حلالاً أو يحلل حراماً ؟!!

 

  إن المسائل الفقهية الأخرى التي اختلفت الفرقتين فيها لا شك هي تبعات لاختلاف الفرقتين في المبادئ الأساسية كالإمامة مما يعني أن هناك انحراف كبير لدى الفرقة الضالة ، ومن هذا المنطلق فإن الله تعالى لن يقبل من تلك الفرقة الضالة حتى ما صح لديها حيث يقول تعالى : " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " (23 الفرقان) . إن إحدى الفرقتين الإسلاميتين لاشك قد ضلت عن الإسلام النبوي ، وستكتشف ذلك يوم القيامة .

 

  إن السنة والشيعة يجب أن لا يركنوا إلى انتمائهم الفطري ، فيتعذرون بها يوم القيامة ، فقد ذم الله عز وجل ذلك  مسبقا حيث قال تعالى  " بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون " (22 الزخرف) فلا يُشفع لهم هذا القول إن كانوا مضلين ، فتلك الحجة محسومة مقدماً . إن الله تعالى أمرنا أن نتدبر آيات القرآن " أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها " (24 محمد) ، وأمرنا أن لا نركن إلى الذين ظلموا حتى لا تمسنا النار ، لذلك علينا أن نتدبر آيات القرآن الكريم عندما نصطدم بشك يتعلق بالمصير يوم القيامة ، ولا نركن إلى الظن ، لأن الظن لا يغني عن الحق شيئا كما جاء في القرآن الكريم ، بل علينا أن نتدبر الآيات ونبحث عن الحق ونتمسك به لننجو من الهلاك . فالخلود في الجنة أو النار مسألة مصيرية يجب ألا نتركها بيد غيرنا ، فذلك ليس شيئا هينا نترك أمره بيد غيرنا إن ضاع منا حزنا ثم ننساه وكأن شيئا لم يكن ، لكنه المصير الأبدي المحتوم ، فإما نار وقودها الناس والحجارة ، وإما جنة النعيم .

 

 

الصفحة الرئيسية