ثالثا - عهد عثمان بن عفان
أصبح عثمان الخليفة الثالث للمسلمين ، وشعر الكثير من الصحابة بالارتياح بعد رحيل عمر الذي كان فظا غليظا . وعلى عكسه تماما كان عثمان في بداية عهده يحبب الناس إليه ، فكان يتجنب الاصطدام مع أحد من الصحابة ويحاول كسبهم عن طريق منحهم أموال أكثر من حقوقهم في بيت المال حتى أحكم قبضته على السلطة حيث أخذ يقرب عشيرته ، فجعل أعوانه ومستشاريه منهم . وأصبح مروان بن الحكم الأموي الرجل الثاني في السلطة ! وأصبح نفوذ بني أمية تزداد حتى قيل أنهم بلغوا أربعة آلاف شخص في حكومة عثمان يسيطرون على مختلف المناطق الإسلامية .
لم يتهاون عثمان في إعطاء المناصب القيادية لأحد من بني أمية حتى لمن لم يكن النبي راضياً عنه أو أهدر دمه من المنافقين ! فقد عيّن الخليفة عثمان عبد الله بن أبي سرح المنافق والياً على مصر ! وكان النبي (ص) قد أهدر دمه حتى لو تعلق بأستار الكعبة . وكان عبد الله بن أبي سرح يحرف كتاب الله ويشتم الإسلام ، ونزلت فيه الآية " ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب " (21 الأنعام) ، ومع ذلك جعله عثمان بن عفان والياً على مصر وأعطاه خراج إفريقيا من طرابلس إلى طنجه هبة له !! ( أنظر كتاب يوم الإسلام لأحمد أمين ص57 ) . وكرر عثمان نفس الشيء مع قريب آخر له وهو الحكم بن العاص ! يذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف ص131 أن الحكم بن عاص الذي كان الرسول (ص) قد طرده من المدينة وحرَّم عليه دخول المدينة ، دخل معززا لما تولى عثمان بن عفان الخلافة ، وأعطاه مائة ألف درهم من بيت مال المسلمين !! وكان الحكم بن عاص قد طلب من أبي بكر أثناء خلافته أن يرجعه إلى المدينة فرفض أبو بكر ، وكتب إلى عمر بن الخطاب أثناء خلافته ورفض عمر ، إلا أن عثمان بن عفان أدخله وصرف له مائة ألف درهم من بيت المال !! وكان الرسول (ص) قال عن الحكم بن عاص " ويلٌ لأمتي مما في صلب هذا " . ويقول أحمد أمين في كتابه يوم الإسلام ص57 أن عثمان في الست السنين الأخيرة من عمره قد كبر وخضع لأقربائه من الأمويين فترك تصرف الأمور لرئيسهم مروان بن الحكم . ويقول أيضاً أن علي والزبير وطلحة والصحابة غضبوا من عثمان ، وكذلك عائشة حيث قامت بتأليب الناس عليه . ويقول أيضاً ثار المصريون على عثمان عندما كتب عثمان إلى عامله عبد الله بن أبي سرح يأمره فيه بالتشديد على المصريين والفتك بزعمائهم !! ولما تمادى عثمان في غيّه طلب عبد الرحمن بن عوف من علي أن يقاتل عثمان لأنه خرج عما اتفق عليه أثناء البيعة !! وكان يقول عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه ( انظر الرياض النضرة ص389 ).
ومما كتب العلماء والمؤرخون ذكر ابن قتيبة في كتابه الإمامة والسياسة ص35 - 36 حيث قال : وذكروا أنه اجتمع أناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وسنة صاحبيه ، وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ، ومنهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبعة دور بناها في المدينة ، دار لنائلة ودار عائشة وغيرهما من بنات أهله ، وبنيان مروان القصور بذي خشب ، وعمارته للأموال من الخمس الواجب لله ورسوله ، وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث غلمة ، لا صحبة لهم للرسول-صلى الله عليه وسلم- ولا تجربة لهم بالأمور ، وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة -وهو أمير عليها – إذ صلى بهم الصبح وهو سكران أربع ركعات ، ثم قال : إن شئتم زدتكم ثلاثا ، وتعطيله إقامة الحد وتأخيره ذلك عنه .
وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ، ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم ، وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة ، وما كان من إدارة القصائع والأرزاق والاعطيات على أقوام بالمدينة ليس لهم صحبة بالنبي ، ثم لا يغدون ولا يذبون ، وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط ، وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس ، وإنما كان ضرب الخليفتين بالدرة والخيزران .
ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة ، فلما خرجوا والكتاب بيد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده ، فمضى حتى جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات ، فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب ؟ فقال نعم ، قال : ومن كان معك ؟ فقال : كان معي نفر تفرقوا فرقا منك ، قال من هم ؟ قال : لا أخبرك بهم ، قال : فلم اجترأت عليّ من بينهم ؟ قال مروان : يا أمير المؤمنين : إن هذا العبد الأسود – يعني عمارا – قد جرأ الناس عليك ، وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه ، فقال عثمان : اضربوه فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه ، فأغشي عليه ، فجروه حتى تركوه على باب الدار ، فأمرت به أم سلمة – زوج النبي (ص) فأدخل منزلها ، وغضبت فيه بنو المغيرة – وكان حليفهم – فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد فقال له : أما والله لو مات عمار من ضربه لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية ، فقال عثمان : لست هناك 000 الخ .
وقال الداعية سيد قطب في كتابه العدالة الاجتماعية في الإسلام ص 159 : وهذا التصور لحقيقة الحكم تغير شيئا ما دون شك على عهد عثمان ، وإن بقي في سياج الإسلام ، لقد أدركت الخلافة عثمان وهو شيخ كبير ، ومن وراءه مروان بن الحكم يصرف الأمر بكثير من الانحراف عن الإسلام ، كما أن طبيعة عثمان الرخية ، وحدبه الشديد على أهله ، قد ساهم كلاهما في صدور تصرفات أنكرها الكثيرون من الصحابة من حوله ، وكانت لها معاقبات كثيرة ، وأثار في الفتنة التي عانى الإسلام منها كثيرا .
منح عثمان من بيت المال زوج ابنته الحارث بن الحكم يوم عرسه مائتي ألف درهم ، فلما أصبح الصباح جاءه زيد بن أرقم خازن بيت مال المسلمين ، وقد بدا في وجهه الحزن ، وترقرقت في عينه الدموع ، فسأله أن يعفيه من عمله ، ولما علم منه السبب وعرف أنه عطيته لصهره من مال المسلمين ، فقال مستغربا : أتبكي يا ابن أرقم أن وصلت رحمي ؟ فرد الرجل الذي يستشعر روح الإسلام المرهف : لا يا أمير المؤمنين ولكن أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضا عما أنفقته في سبيل الله في حياة الرسول (ص) ، والله لو أعطيته مائة درهم لكان كثيرا . فغضب عثمان على الرجل الذي لا يطيق صدره هذه التوسعة من مال المسلمين على أقارب خليفة المسلمين ، وقال له : ألق يا ابن أرقم فإنا سنجد غيرك !
والأمثلة كثيرة في سيرة عثمان على هذه التوسعات ، فقد منح الزبير ذات يوم تسعمائة ألف ، ومنح طلحة مائتي ألف ، ونفل مروان بن الحكم ثلث خراج أفريقية ، ولقد عاتبه في ذلك ناس من الصحابة على رأسهم علي بن أبي طالب فأجاب : إن لي قرابة ورحما ، فأنكروا عليه وسألوه : فما كان لأبي بكر وعمر قرابة ورحم ؟ فقال : إن أبا بكر وعمر يحتسبان في منع قرابتهما وأنا أحتسب في إعطاء قرابتي ، فقاموا عنه غاضبين يقولون : فهديهما والله أحب إلينا من هذا .
وغير المال كانت الولايات تغدق على الولاة من قرابة عثمان ، وفيهم معاوية الذي وسع عليه في الملك فضم إليه فلسطين وحمص ، وجمع له قيادة الأجناد الأربعة ، ومهد له بعد ذلك أن يطلب الملك في خلافة علي ، وقد جمع المال والأجناد ، وفيهم الحكم بن العاص طريد رسول الله (ص) الذي آواه عثمان ، وجعل ابنه مروان بن الحكم وزيره المتصرف ، وفيهم عبدالله بن سعد بن أبي السرح أخوه من الرضاعة .
ولقد كان الصحابة يرون هذه التصرفات خطيرة العواقب فيتداعون إلى المدينة لإنقاذ تقاليد الإسلام ، وإنقاذ الخليفة من المحنة ، والخليفة في كبرته لا يملك أمره من مروان ، وإنه لمن الصعب أن تتهم روح الإسلام في عثمان ، ولكن من الصعب أيضا أن نعفيه من الخطأ الذي نلتمس أسبابه في ولاية مروان الوزارة في كبرة عثمان.
ولقد اجتمع الناس فكلفوا علي بن أبي طالب أن يدخل فيكلمه ، فدخل إليه ، فقال : الناس وراءي وقد كلموني فيك ، والله ما أدري ما أقول لك ، وما أعرف شيئا تجهله ، ولا أدلك على شيء لا تعرفه ، إنك لتعلم ما نعلم ، ما سبقناك إلى شيء فنخبرك عنه ولا خلونا بشيء فنبلغكه ، ولا خصصنا بأمر دونك ، وقد رأيت وسمعت وصحبت رسول الله (ص) ونلت صهره ، وما ابن قحافة بأولى بعمل الحق منك ، ولا ابن الخطاب بأولى بشيء من الخير منك ، وإنك أقرب إلى رسول الله (ص) منهما ونلت ما لم ينالا ، ولا سبقاك إلى شيء ، فالله الله في نفسك ، فإنك والله ما تبصر من عمى ولا تعلم من جهل ، وإن الطريق لواضح بيّن ، وإن أعلام الدين لقائمة .
تعلم يا عثمان أن أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى ، فأقام سنة معلومة ، وأمات بدعة متروكة ، فو الله إن كليهما لبين ، وإن السنن لقائمة لها أعلام ، وإن شر الناس عند الله إمام جائر ضل وضل به ، فأمات سنة معلومة وأحيا بدعة متروكة ، وإني سمعت رسول الله (ص) يقول " يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر فيلقى في جهنم " .
فقال عثمان : قد والله علمت ليقولن الذي قلت ، أما والله لو كنت مكاني ما عنفتك ولا أسلمتك ولا عبت عليك ، وما جئت منكرا أن وصلت رحما وسددت خلة ، وآويت ضائعا ، ووليت شبيها بمن كان عمر يولي ، أنشدك الله يا علي ، هل تعلم أن المغيرة بن شعبة ليس هناك ؟ ، قال نعم ، قال : فلم تلوموني إن وليت ابن عامر في رحمه وقرابته ؟ فقال علي : سأخبرك ، إن عمر كان كل من ولى فإنما يطأ على صماخه إن بلغه عنه حرف جلبه ، ثم بلغ به أقصى الغاية ، وأنت لا تفعل ، ضعفت ورققت على أقاربك ، قال عثمان : وأقرباؤك أيضا ، قال علي : لعمري إن رحمهم مني لقريبة ولكن الفضل في غيرهم ، قال عثمان : هل تعلم أن عمر ولى معاوية خلافته كلها ؟ فقد وليته ، قال علي : أنشدك الله هل تعلم أن معاوية كان أخوف من عمر من يرف غلام عمر منه ؟ قال نعم ، قال علي : فإن معاوية يقطع الأمر دونك ، وأنت لا تعلمها فيقول للناس هذا أمر عثمان فيبلغك ولا تغير على معاوية .
ثم يقول الأستاذ شهيد الإسلام بعد ذلك : وأخيرا ثارت الثائرة على عثمان واختلط فيها الحق بالباطل والخير بالشر ، ولكن لا بد لمن ينظر في الأمور بعين الإسلام ويستشعر الأمور بروح الإسلام أن يقرر أن تلك الثورة في عمومها كانت ثورة من روح الإسلام .
ويقول ابن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة في دفن عثمان : وذكروا أن عبدالرحمن بن أزهر قال : لم أكن دخلت في أمر عثمان لا عليه ولا له ، فإني لجالس بفناء داري ليلا بعد ما قتل عثمان بليلة إذ جاءني المنذر بن الزبير فقال : إن أخي يدعوك فقمت إليه ، فقال : إنا أردنا أن ندفن عثمان فهل لك ؟ فقلت : والله ما دخلت في شيء من شأنه وما أريد من ذلك ثم انصرف فاتبعته ، فإذا هم في نفر فيهم جبير بن مطعم ، وأبو الجهم بن حذيفة ، والمسور بن مخرمة ، وعبد الله بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير ، فاحتملوه على الباب ، وإن رأسه ليقول طق طق ، فوضعوه في موضع الجنائز ، فقام إليهم رجال من الأنصار فقالوا لهم : لا والله لا تصلون عليه ، فقال أبو جهم : ألا تدعونا نصلي عليه فقد صلى عليه الله تعالى وملائكته ، فقال له رجل : إن كنت فأدخلك الله مدخله ، فقال : حشرني الله معه فقال : إن الله حاشرك مع الشياطين ، والله إن تركناكم به لعجز منا ، فقال القوم لأبي الجهم : أسكت عنهم وكف ، فكف واحتملوه ، ثم انطلقوا مسرعين ، وإني أسمع وقع رأسه على اللوح حتى وضعوه في أدنى البقيع ، فأتاه جبلة بن عامر الساعدي من الأنصار ، فقال : لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله – صلى الله عليه وسلم ، ولا نترككم تصلون عليه ، فقال أبو الجهم : انطلقوا بنا فإن لم نصل عليه فإن الله قد صلى عليه ، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح حتى إذا أتوا ( حش كوكب ) حفروا له حفرة ثم قاموا يصلون عليه ، وأمهم جبير بن مطعم ، ثم أدلوه في حفرته ، فلما رأته ابنته صاحت ، فقال : والله لئن لم تسكتي لأضربن الذي في عينيك ، فدفنوه ولم يلحدوه باللبن ، وحثوا عليه التراب .
ونقل ابن الأثير والطبري عن الصحابة حيث قالا : وقيل كتب جمع من أهل المدينة من الصحابة وغيرهم إلى من بالآفاق منهم إن أردتم الجهاد فهلموا إليه فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم فأقيموه . ( تأريخ الطبري ج4، ص36 وابن الأثير ج3 ص 58).
لقد ارتكب عثمان بن عفان أخطاءً كثيرة بحق الدين والمسلمين بعد أن أحكم سيطرته على الخلافة ، فقد ترك أقربائه الأمويين يتسلطون على رقاب المسلمين بعد أن قويت شوكتهم دون اهتمام بمشاعرهم وآلامهم . فنـهبوا الأموال واستولوا على الأراضي ولم يطبق الشرع بحق من يرتكب المنكر منهم ، وأصبحت السلطة دكتاتورية . وبدلا من أن يستجيب عثمان لشكاوى المسلمين ، كان يأمر بضرب أو نفي كل من يطعن في أقربائه ! ومن ضمن من أمر عثمان بطرده من المدينة الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري حيث أمر عثمان بنفيه إلى الربذة لاعتراضه على سكوت عثمان عن ظلم أعوانه واستيلائهم على بيت المال و حقوق المسلمين فمات أبو ذر في منفاه غريباً . وكم هي مفارقة أن يطرد صحابي جليل كأبي ذر الغفاري من المدينة في حين أنه يعزز منافق قد طرده الرسول من المدينة فيعود إليها ويعزز وتغدق الأموال عليه !! فأين هذا من سنّة النبي (ص) ؟!!
يروي ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ج1 ص29 أن عثمان ضرب عمار بن ياسر ضرباً مبرحاً . مع أن النبي (ص) قال " من عادى عماراً عاداه الله ومن أبغض عماراً أبغضه الله " ( الإصابة ج2 ص512 ). ويروي ابن كثير في تاريخه ج7 ص163 أن عثمان ضرب عبد الله بن مسعود وكسر ضلعه ! وذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن عثمان كان يقول لو عندي مفاتيح الجنة لأعطيتها بني أمية !!
تعطيل الحدود وتغيير السنّة
لم يكن عثمان بن عفان أفضل فقهاً من سلفه عمر بن الخطاب ، بل انشغل بالتجارة والصفق بالأسواق أكثر من عمر ولذلك تكاد كتب الفقه أن تخلوا من مواقف فقهية له باستثناء ما قام بالتغيير في السنة النبوية الشريفة . يروي البخاري في صحيحه ج2 ص154 أن رسول الله (ص) صلى بمنى ركعتين وأبو بكر بعده وعمر بعد أبي بكر وعثمان صدراً من خلافته ، ثم أن عثمان صلى بعد أربعاً !! ( انظر أيضا مسلم ج1 ص260 ) . ولعل عثمان ارتكب أخطاء فقهية أقل بكثير مما ارتكبه عمر ، لكن عثمان الذي تلاعب بأموال المسلمين عطل الحدود وانشغل عن أمور المسلمين وتفرغ لرفع شأن بني أمية فكانت النتيجة ظلم الكثير من المسلمين . وتعطلت الحدود مما أدى ذلك إلى تذمر الصحابة والمسلمين فتمنوا موته . يروي ابن الأثير في الكامل ج3 ص83 أن الصحابة في المدينة أرسلوا الكتب إلى الصحابة الموجودين في الأمصار قالوا فيها إن أردتم الجهاد فهلموا إليه فإن دين محمد قد أفسده خليفتكم !! ( انظر أيضا الطبري ج3 ص400 ). وذكر البلاذري إن عائشة قالت لعثمان : ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد ( فتوح البلدان ج5 ص48 ) . وكان زيد بن أرقم مسئولاً عن بيت المال ولما منح عثمان مائة ألف درهم لمروان بن الحكم ومائتي ألف درهم لأبي سفيان بكى زيد بكاءً شديداً ورمى بالمفاتيح على عثمان فقال له عثمان : أتبكي لأني وصلت رحمي ؟! فقال زيد لا وإنما أبكي لأني أظنك أخذت هذا المال عوضاً عما كنت تنفقه في سبيل الله في حياة الرسول (ص)
لم يبالي عثمان لنقد الصحابة له وأعطى لمروان بن الحكم بعد فتح أرمينية الخمس كله له وحده !! وأعطى لشقيق مروان قطعة أرض من السوق تُسمى بـهزون كان الرسول (ص) تصدق بها إلى المسلمين !! وخصص مواقع في أطراف المدينة لرعي أغنام وإبل بني أمية ومنع باقي المسلمين عنها !!
اشتكى المسلمون عند عبد الرحمن بن عوف من تصرف عثمان وحمَّلوه المسؤولية في اختياره خليفة ، فقال ابن عوف : لكم مني أن لا أكلمه وهذا عهد عليّ !!
ازداد تذمر الناس ، وراحوا يتعاملون مع عثمان كل بطريقته ، وأصبح من كان يتمنى وفاة عثمان يسعى لقتله . يروي ابن خلدون في تاريخه ج2 ص521 أن عمار بن ياسر كان يكثر الطعن على عثمان ويدعو في السر لأهل البيت . ويروي اليعقوبي في تاريخه ج2 ص175 أن عائشة قالت : يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله لم يبل وقد أبلى عثمان سنَّته . فقال عثمان : رب أصرف عني كيدهن إن كيدهن عظيم !! وغضبت عائشة منه وغادرت إلى الحج وبقيت في مكة وكانت تقول اقتلوا نعثلاً فقد كفر ! ( انظر طبقات ابن سعد ج5 ص88 ).
أخذت عائشة تطالب بقتل عثمان ، ويبدو أنها كانت سبباً ضمن الأسباب التي أدت إلى قتله على اعتبار مكانتها واحترام الناس لرأيها . وفي يوم سألت عائشة رجلاً جاء من المدينة ما أخبار الناس ؟ فقال الرجل : عثمان قتل المصريين فقالت عائشة إنا لله وإنا إليه راجعون أيقتل قوماً جاءوا يطلبون الحق ؟ والله لا نرضى بهذا . ثم لقيت رجل آخر فسألته ما صنع الناس ؟ قال المصريون قتلوا عثمان . قالت : العجب زعم المقتول هو القاتل ! ولما قُتل عثمان وبايع الناس علياً خليفة ، جاء الخبر إليها وكانت عائشة تبغض علياً فرجعت في تأييدها لقتل عثمان وطالبت بدمه وادَّعت انه قُتل مظلوماً !!، ( انظر الطبري ج3 ص369 ، الكامل لابن الأثـير ج3 ص102 ).
لقد قام عثمان بتسخير الخلافة لخدمة مصالحه ومصالح عشيرته بني أمية بل تمادى أكثر فعطّل الحدود وغيَّر السنَّة ن وترك الحبل على الغارب لبني أمية ليفعلوا ما يريدون ، فازدادوا قوةً وقويت شوكتهم فأغضبوا المسلمين ولم يهتم عثمان لهم ، فلم يرد للمظلوم حقاً ولم يردع ظالماً فقُتل بسبب ذلك في بيته . قيل أن المصريين قتلوه وقيل أن محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر قتلاه .