الدليل سلسلة علمية  إسلامية ألبوم الصور سلسلة العقيدة
 

مسائل الإيمان  والكفر

 

المسألة الأولى: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.

الإيمان قول وعمل، قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح

وهو يزيد وينقص قال تعالى: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً) وقال أيضاً (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ).

1-قول القلب: وهو التصديق بما علم أنه من الدين

وأصل قول القلب هو  زوال الشك بكل ما بلغه بالدليل القطعي أنه من الدين وهو شرط في أصل الإيمان فمن سمع قول الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) فشك أو كذب بكفر النصارى زال من قلبه أصل الإيمان وأصبح كافراً. بخلاف من شك أو كذب بوجوب اللحية لأن الدليل في هذه المسألة ليس قطعياً (مع كون الخلاف فيها غير سائغ ويبدع فيه المخالف).

ملحوظة: من كذب حديثاً في الصحيحين فهو مبتدع وليس كافراً بخلاف من كذب حديثاً متواتراً تلقته الأمة بالقبول والكل يعلم أنه من قول النبي r

وقول القلب يزيد وينقص في كميته وكيفيته

1-من جهة الكمية: أصل قول القلب هو التصديق بالمعنى الإجمالي للا إله إلا الله (وهو ألا يستحق العبادة إلا الله) فمن لم يكن لديه هذا القدر فهو كافر في الدنيا سواء بلغته لا إله إلا الله أم لم تبلغه فإن كانت قد بلغته فهو مخلد في النار وإن كانت لم تبلغه فهو من أهل الاختبار يوم القيامة قال النبي r "أربعة يحتجون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئاً ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً وأما الأحمق فيقول رب جاء الإسلام وما أعقل شيئاً والصبيان يحذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك من رسول فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها سحب إليها" صحيح الجامع.

ومن صدق بلا إله إلا الله ولم تبلغه دعوة أي نبي فهو من أهل الإيمان يوم القيامة وليس من أهل الاختبار فإن بلغه أن محمداً رسول الله لزمه التصديق بها وإلا كان كافراً. وكلما بلغه أمر من الدين بالدليل القطعي لزمه التصديق به وإلا زال أصل إيمانه فمثلاً من سمع قول الله (إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ) لزمه التصديق بأن من أسماء الله العليم والحكيم ومن سمع قول الله (قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) لزمه التصديق بأن الله وحده يعلم الغيب وكلما علم الإنسان شيئاً من الدين سواء بالدليل القطعي أم لا فصدق به ازداد قول القلب عنده وازداد إيمانه (كمن صدق بوجوب اللحية واستحباب السواك ووجود الحوض والصراط) فإن نسيه بعد ذلك نقص إيمانه

2-من جهة الكيفية: أصل التصديق هو زوال الشك وهو شرط  في أصل الإيمان قال تعالى (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا) وزوال التصديق يكون بالشك (وهو الاعتقاد غير الجازم) أو التكذيب (وهو الاعتقاد المخالف) والتكذيب أشد من الشك.

وهناك من حقق أصل التصديق لكن تصديقه ناقص بمعنى أنه لا يشك في أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكنه إذا شكك شك أي أنه إذا جاءه من يلقي عليه الشبهات ويراوده عن دينه زال منه أصل التصديق يقول تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ) وقال أيضاً (وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِم مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلاَّ يَسِيراً) وهذا التلبث اليسير دليل على أنهم لم يكونوا كفاراً في الأصل.

وصاحب التصديق الناقص لو مات قبل أن يفتن مات مؤمناً ولا يخلد في النار وإن كان يستحق دخولها بسبب ضعف تصديقه وهو في المشيئة إن شاء الله عذبه وإن شاء أدخله الجنة لأول وهلة.

وهناك من بلغ درجة التصديق الواجب (أو التصديق الكامل) وهو الذي لا يزول أصل تصديقه بالشبهات فإذا شكك لم يشك وإذا فتن لم يفتن لكنه لا يسلم من وسوسة الشيطان فيما يتعلق بذات الله ووحدانيته ونبوة محمد r وغير ذلك من أمور الشرع وهو يضيق بهذه الوساوس ويردها ولا ينساق معها حتى تصل به إلى الشك. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء ناس من أصحاب النبي r فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به: قال "وقد وجدتموه؟" قالوا "نعم" قال "ذاك صريح الإيمان" وليس وجود الوساوس هو صريح الإيمان وإنما خوفهم منها وتعظيمهم لأمرها ومدافعتهم لها فهذا هو التصديق الواجب.

وهناك من بلغ درجة التصديق المستحب وهو الذي لا يوسوس له الشيطان أصلاً لعلمه بعدم تأثير هذه الوسوسة في إيمانه الراسخ وهذه هي درجة الصديقين.

وهذه الدرجات في كل مسألة من المسائل فهناك من عنده أصل التصديق بالقضاء والقدر وهناك من عنده التصديق الواجب وإن كانت تراوده بعض الوساوس في القضاء والقدر وهناك من زالت من عنده هذه الوساوس تماماً فبلغ التصديق المستحب.

وهناك من درجات التصديق المستحب درجة أعلى من درجة الصديقين وهي درجة عين اليقين.

فتصديق من عاين الشيء بنفسه أشد من تصديق من أخبر به ولو كان المخبر هو الله. ولهذا قال إبراهيم عليه السلام (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) فإبراهيم لم تكن لديه وسوسة في مسألة إحياء الموتى ولكنه أراد أن يصل إلى درجة عين اليقين في هذه المسالة ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ) ولهذا رفع الله النبي r في المعراج إلى أعلى مقام وأراه من أمور الغيب ما لم يشاهده غيره ورأى نور الحجاب الذي لو كشف لرأى الله عز وجل ليبلغ من درجات التصديق ما لم يبلغه غيره من أهل الدنيا. قال تعالى : (مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى).

فأصل التصديق شرط في أصل الإيمان والتصديق الواجب شرط في الإيمان الواجب والتصديق المستحب شرط في الإيمان المستحب والإيمان لا يبلغ منتهاه أبداً لقوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) فهناك أشياء لا يمكن أن يصل فيها أحد إلى درجة عين اليقين.

2-قول اللسان: هو  النطق بالشهادتين وهو  شرط في أصل الإيمان ومن لم يبلغه أن محمداً رسول الله فقول اللسان عنده شهادة أن لا إله إلى الله فقط وأجمع أهل السنة على أن تارك النطق بالشهادتين مع القدرة كافر مخلد في النار ولو وجد التصديق بهما في قلبه والدليل على كفره قول النبي r "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" والدليل على خلوده في النار قول النبي r "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قبله وزن ذرة من إيمان" رواه مسلم وهناك كثير من الأحاديث تشترط النطق بلا إله إلا الله لحصول الثواب في الآخرة. ومما يدل على ذلك أيضاً قصة أبي طالب كما في صحيح مسلم أن النبي r قال له قبل موته "قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة" فقال "لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك" فقد كان أبو طالب مصدقاً في قلبه بلا إله إلا الله ولكن منعه من النطق بها الخوف من كلام الناس ومات دون أن ينطقها فكان من أصحاب الجحيم وفيه نزل قوله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ).

ولا يجزئ قول "أسلمت" أو غير ذلك من الأقوال لمن يعلم أن دخول الإسلام لابد فيه من قول لا إلا الله والعاجز عن النطق يكفيه التصديق بالقلب والذي لا يحسن قول لا إله إلا الله (كمن لا يحسن العربية) يجزئه النطق بمعناها كما في قصة خالد بن الوليد عندما أرسله النبي  r إلى بني خزيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل منهم ويأسر فلما علم النبي  r بهذا قال "اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد" وأرسل إليهم الدية مما يدل على صحة إسلامهم

3-عمل القلب: وهو أمور زائدة على مجرد التصديق كالمحبة والخوف والرجاء والتوكل والقبول والانقياد والإخلاص وغيرها وأصل كل عمل من أعمال القلوب الواجبة شرط في أصل الإيمان ولا يتصور مؤمن ليس في قلبه ذرة من محبة الله أو خشيته أو الانقياد لأمره. وكل هذه الأعمال تزيد وتنقص والتفاوت فيها بين الناس ظاهر.

4-عمل الجوارح (ومنها اللسان): كالصلاة والصوم والزكاة وقراءة القرآن والذكر والجهاد ومما يدل على أن أعمال الجوارح من الإيمان قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي صلاتكم إلى بيت المقدس فسمى الصلاة إيماناً وقول النبي  r "الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" وإماطة الأذى من أعمال الجوارح والحياء من أعمال القلوب. وقوله  r لوفد بني عبد القيس "أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال" شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس" متفق عليه. فسمى هذه الأعمال إيماناً. وهذا موضع خلاف بين أهل السنة والمرجئة الذين يقولون أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان أما عمل القلب وعمل الجوارح فليسا من الإيمان (وهو قول المعتزلة) وعلى هذا يكون مرتكب الكبيرة والمصر عليها مؤمن كامل الإيمان والنبي  r يقول "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن" مما يدل على أن هذه المعاصي تؤثر في إيمانه (وليس المقصود بالحديث زوال أصل الإيمان بهذه المعاصي وإنما زوال الإيمان الواجب) وغلاة المرجئة (وهم الجهمية) يقولون أن الإيمان هو المعرفة (أي المعرفة بوجود الله) ويلزم من قولهم أن يكون إبليس واليهود والنصارى مؤمنين.

وأعمال الجوارح ليست شرطاً في أصل الإيمان بإجماع أهل السنة وإن كان هناك خلاف سائغ في المباني الأربعة (الصلاة والزكاة والصوم والحج) وخاصة الصلاة ومذهب الجمهور (وهو الراجح) أن ترك هذه الأعمال بغير جحود ليس كفراً ناقلاً من الملة، وهذا موضع خلاف بين أهل السنة والخوارج الذين يجعلون أعمال الجوارح ضمن أصل الإيمان فمنهم من يقول أن مرتكب الكبيرة كافر مخلد في النار ومنهم من يكفر بمجرد المعصية (ولو لم تكن كبيرة). ومن أدلة أهل السنة قول الله عز وجل (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) وهذه الآية في غير التائب لأن التائب يغفر له كل شيء حتى الشرك وغالب الصحابة كانوا مشركين ثم تابوا قول النبي  r "أتاني جبريل عليه السلام فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" قلت "وإن زنى وإن سرق" قال "وإن زنى وإن سرق" متفق عليه وأحاديث خروج عصاة الموحدين من النار وفيها أن الله يخرج أقواماً من النار ويدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه.

وأصل الإيمان هو الحد الأدنى من الإيمان اللازم لكل مسلم وهو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر وهو قول اللسان وأصل قول القلب وأصل عمل القلب.

فقول اللسان هو النطق بالشهادتين

وأصل قول القلب هو زوال الشك بكل ما بلغ الإنسان بالدليل القطعي انه من الدين وأصل عمل القلب هو أصل كل عمل من أعمال القلوب الواجبة.

وكل أمر من هذه الأمور يعد شرطاً أو ركناً في أصل الإيمان بمعنى أنه بزواله يزول الإيمان وقد يجتمع أصل الإيمان والشرك الأصغر في شخص واحد أما الشرك الأكبر فقد يوجد معه شيء من الإيمان لكنه لا يعتد به شرعاً لعدم اكتمال أصل الإيمان.

المسألة الثانية: أحكام الناس في الآخرة.

من مات على التوحيد (أي وعنده أصل الإيمان) فمآله في النهاية إلى الجنة وإن دخل النار قبلها. قال النبي  r "يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قبله وزن ذرة من إيمان".

فمن رجحت حسناته على سيئاته دخل الجنة لأول وهلة ومن تساوت حسناته مع سيئاته فهو من أهل الأعراف ومآلهم في النهاية إلى الجنة ومن رجحت سيئاته على حسناته فقد استحق دخول النار وهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه.

من مات على الشرك فهو مخلد في النار قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) فإن كان لم تبلغه الرسالة ولم تصله لا إله إلا الله فهو من أهل الاختبار في عرصات القيامة

مرتكب الكبيرة والمصر عليها من أهل التوحيد لا يخلد في النار خلافاً لقول الخوارج (ووافقهم المعتزلة في هذا القول وإن كانوا خالفوهم في عدم تكفيره في الدنيا)

 

المسألة الثالثة: ثبوت حكم الإسلام

يثبت حكم الإسلام في الدنيا بأي من الأمور الثلاثة الآتية:

1-النطق بالشهادتين: قال النبي  r أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" وعن أسامة بن زيد قال: "بعثنا رسول الله  rفي سرية فصبحنا الحرقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال لا إلا إله الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي r فقال رسول الله  r أقال لا إله الله وقتلته؟ "قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح قال "أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟ "فما زال يكررها على حتى تمنيت أني أسلمت يؤمئذ" قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: ومن المعلوم بالضرورة أن النبي  r كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام الشهادتين فقط ويعصم دمه بذلك ويجعله بذلك مسلماً.

وعلى هذا فمن البدعة اشتراط تفاصيل زائدة عن مجرد النطق بالشهادتين في ثبوت حكم الإسلام والتوقف في الحكم بالإسلام لمن نطق بالشهادتين ولم يعلم عنه شرك ولا ردة فضلاً عن تفكيره ابتداءاً (وهذا قول جماعات التوقف والتكفير وهو بدعة وضلالة بلا شك لمخالفته للأدلة الصريحة وإجماع السلف) ولا يصح الاحتجاج بأن العرب على عهد النبي  r كانوا يعلمون معنى لا إله إلا الله ولوازمها فيكفي النطق بالشهادتين في حقهم أما الآن فالناس لا يعلمون معنى لا إله الله فلابد لهم من الإقرار ببعض التفاصيل وهذا قول باطل من وجهين:

1-لم يكن كل الناس على عهد النبي  r والصحابة من العرب خاصة في عهد الصحابة حيث دخل في الإسلام عدد كبير من الحجم ولم يشترط أحد شيئاً زائداً على النطق بالشهادتين وفي رسالة النبي  r إلى هرقل ملك الروم (وهو أعجمي) دعاه إلى عبادة الله وحده لا شريك له بدون بيان لتفاصيل العبادة والشرك.

2-لا يصح الزعم بأن العرب كانوا يعلمون كل تفاصيل لا إله إلا الله فحديث ذات أنواط يدل على أن من الصحابة من كان يجهل أن التبرك بالشجر والحجر من مخالفات التوحيد وكذلك حديث عدي بن حاتم الذي خفى عليه أن اتباع الأحبار والرهبان في تبديل الشرع من الشرك ويعد عبادة لهم تنافي لا إله إلا الله

وعلى هذا فحكم الإسلام يثبت بمجرد النطق بالشهادتين ثم يلزم بعد ذلك تعليمه ما قد يجهله من معاني العبادة وأنواع الشرك وسائر العقائد الواجبة ولا يستثنى من ذلك إلا من كان مقراً بالشهادتين حال كفره فيلزمه إضافة إلى الشهادتين أن يتبرأ مما كان عليه من الكفر كمن كان كفره باعتقاد أن محمداً رسول الله إلى العرب فقط فيلزم أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله إلى الناس كافة  ومن كان كفره بححد معلوم من الدين بالضرورة فليزم إضافة إلى الشهادتين أن يقر بما جحد

2-الولادة لأبوين مسلمين أو أحدهما مسلم: قال النبي  r "ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو  يمجسانه" ولا خلاف بين أهل العلم أن الأبوين إذا كانا مسلمين كان أولادهما كذلك والجمهور على أنه إذا كان أحد الأبوين مسلماً دون الآخر فالأولاد مسلمين أيضاً وكذلك من أسلم أحد أبويه وهو دون البلوغ ومن سباه المسلمون بعيداً عن أبويه وهو دون البلوغ ومن وجد لقيطاً في بلد عامة أهلها مسلمون ولم تظهر فيه قرينة تدل على غير الإسلام (ولو كان من وجده كافراً)

3-الصلاة: على الراجح من أقوال أهل العلم (وإن كان في المسألة خلاف) لحديث جرير بن عبد الله قال: بعث رسول الله  r سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فأسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي  r فأمر لهم بنصف العقل وقال "أنا برئ من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين" وذهب بعض أهل العلم إلى أن الكافر إذا صلى حكم بإسلامه سواء كان ذلك في دار الإسلام أو دار الكفر وذهب آخرون (كالشافعي) إلى أن الصلاة تعتبر إسلاماً في دار الكفر فقط أما إذا صلى الكافر في دار الإسلام (حيث لا مانع من نطقه بالشهادتين) لا يحكم بإسلامه حتى يسأل عن ذلك.

من حكم بإسلامه لأي سبب من هذه الأسباب الثلاثة ثم ظهر كفره بعد ذلك فإنه يعامل معاملة المرتد حتى ولو صرح أنه كافر من البداية.

من لا نعلم إسلامه ولا كفره ولكنه أظهر شعار الإسلام (كتحية الإسلام أو التسمي بأسماء المسلمين أو الوجود في المسجد) فإننا نعامله بمقتضى ما أظهر فإن ظهر منه بعد ذلك ما يدل على كفره فإنه يكون كافراً أصلياً وليس مرتداً. ودليل المعاملة بالقرائن حديث أنس -رضي الله عنه- قال "كان رسول الله  r إذا غزا قوماً لم يغز حتى يصبح فإذا اسمع أذاناً أمسك وإن لم يسمع أذاناً أغار بعد ما يصبح" وحديث ابن عباس (رضي الله عنه) قال: "مر رجل من بني سُلَيمْ بنفر من أصحاب النبي  r يرعى إنما له فسلم عليهم فقالوا: لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه النبي  r فنزلت هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي رواية أن الرسول  r أرسل بديته.

استمرار العصمة للمسلم يختلف عن استمرار حكم إسلامه فقد تزول عصمة دم المسلم أو ماله بدون أن يرتد. فمثلاً القاتل أو والزاني المحصن تزول عصمة دمه ويجب على الإمام قتله وإن قتله أحد غير الإمام لا يقتل به (وإن كان يعذر لافتياته على حق الإمام) ومن منع واجباً عليه من المال تزول عصمة ماله. وتاركي الصلاة أو ا لزكاة أو غير ذلك من شعائر الإسلام الظاهرة إن كانوا جماعة ولهم قوة ومنعة وجب على الإمام قتالهم مع كونهم غير مرتدين

 

 

المسألة الرابعة: زوال حكم الإسلام (ثبوت حكم الردة)

-يزول حⵓم الإسلام في الدنيا بأي قول أو عمل يدل على انتفاء أصل اليمان. ولما كان قول القلب وعمل القلب أمور باطنة لا يمكن معرفتها فإننا نحكم بانتفائها بما يدل على ذلك من الأعمال فمثلاً التصريح بما يناقض وحدانية الله أو التوجه بالعبادة إلى غيره يدل على انتفاء التصديق أو القبول وجحد المعلوم من الدين بالضرورة يدل على انتفاء الانقياد.

-أجمع أⵗل السنة على أن المسلم الذي يرتكب المعاصي (ولو كانت من الكبائر) ويصر عليها لا يكفر بذلك ولا يخلد في النار ما لم يستحلها. وهناك فرق بين الإصرار والاستحلال فالإصرار هو العزم على تكرار المعصية (كمن يصر على شرب الخمر وليست عنده نية في أن يتوب منه) وهذا لا يتنافى مع الإقرار بحرمة هذه المعصية والاعتراف بالذنب. أما الاستحلال فله نوعان:

1-التكذيب: وهو انتفاء التصديق كمن يقول أن الربا والخمر حلال وأن الزنا حرية شخصية. ومن كذب بأمر معلوم من الدين بالضرورة فهو كافر. يقول تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلاَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ) مع إقراره بأن الله أمره بالسجود

2-الإباء: وهو انتفاء الانقياد كإبليس الذي قال: (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وكمن يقول أن قطع يد السارق ورجم الزاني المحصن وحشية وهمجية مع علمه أنه من حدود الله. ومن أبى أمراً ثبت عنده أنه من الشرع فهو كافر ولو كان هذا الأمر ليس معلوماً من الدين بالضرورة ما دام صدق به وأباه. يقول تعالى: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ)

وهناك خلاف سائغ بين أهل السنة في تكفير من يرتكب بعض الكبائر مثل الانتحار و ترك الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج وإن كان الراجح أن هذه الأفعال بذاتها ليست من الكفر الأكبر ما لم تقترن بانخرام الباطن (كاليأس من رحمة الله في حالة الانتحار والجحود في حالة ترك المباني الأربعة).

-لابد فⵚ تكفير المعين من استيفاء شروط وانتفاء موانع وهذه الموانع هي الصغر والجنون والجهل والتأويل والخطأ والنسيان والإكراه. وأهم هذه الموانع وأكثرها وجوداً في واقعنا هو الجهل. والعذر بالجهل ثابت في الأصول والفروع بإجماع أهل السنة والجماعة (نقله ابن حزم في الفصل وأقره ابن تيمية في منهاج السنة)

ومن أدلة أهل السنة والجماعة على العذر بالجهل قوله تعالى: (إِذْ قَالَ الحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فلم يكفرهم عيسى عليه السلام مع شكهم في قدرة الله بسبب جهلهم وحديث أبي هريرة رضي الله عنه- أن النبي  r قال "كان رجل يسرف على نفسه لما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فاحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً. فلما مات فُعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه. ففعلت فإذا هو قائم. فقال: ما حملك على ما صنعت. قال: يارب خشيتك فغفر له" متفق عليه فهذا الرجل شك في قدرة الله على جمعه وإعادته وشك في البعث والحساب ومع هذا غفر الله له لأنه كان جاهلاً.

والجهل ثلاثة أنواع:

1-جهل التحريم: كمن يجهل أن دعاء الموتى والذبح لهم محرم شرعاً ويظنه أمراً طيباً مشروعاً وهذا الجهل يمنع تعيين الأحكام (كالكفر والابتداع والفسق) وإن كان صاحبه قد يكون آثماً لتقصيره في طلب العلم الواجب.

2-جهل العاقبة: كمن يعلم أن دعاء الموتى محرم و لكنه لا يعلم أنه عمل كفري. وهذا الجهل لا عذر فيه فمن اليهود من كان يظن أن تكذيبهم للنبي  r معصية وليس كفراً قال تعالى: (قَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ).

3-جهل إعراض: وهو الجهل الناشئ من الإعراض عن فهم الحجة فمن أقيمت عليه الحجة بطريقة يفهمها مثله فأعرض عن فهمها (كأن يضع أصابعه في أذنه أو يتشاغل أو  أو يمتنع عن التفكير فيما قيل له) وظل يعتقد أنه على الحق فلا يعذر بجهله. قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا). وعلى هذا فلا يشترط وصول من تقام عليه الحجة إلى درجة المعاندة وإنما يكفي أن تقام عليه الحجة بطريقة يفهمها مثله وتزال كل الشبهات التي قد توجد عند مثله (ولا يشترط أن يفهمها هو أو أن يزال كل ما في نفسه هو من الشبهات فهذا أمر لا يمكن العلم به).

-المعل䃠م من الدين بالضرورة: هو ما انتشر علمه بين المسلمين حتى علمه الخاص والعام والعالم والجاهل (كوجوب الصلاة والزكاة ووجوب تعظيم الله والدين والقرآن) وهذا لا يتصور فيه الجهل ولا يحتاج إلى إقامة الحجة والأصل تكفير المخالف فيه إلا أن تدل القرائن على عدم علمه. والمعلوم من الدين بالضرورة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فمثلاً مسألة كفر اليهود والنصارى كانت من المعلوم بالضرورة في زمان السلف غير أنها ليست كذلك الآن

وفي الجملة ينبغي الحذر من تكفير أحد من المسلمين إلا بيقين جازم لقول النبي  r "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت إليه" أي رجع إليه إثم التكفير وقال النبي  r "لعن المؤمن كقتله"

 

( الرئيسية - إتصل بنا - أضف موقعك للدليل - للتعليق والاستفسار )