|
|||||||||||
"الله يعينه على مقارعة اليهود" قالها جدُّه لوالده عندما بشَّره بميلاد
حفيده محمود يوم ميلاد محمود أبو هنود في
وعندما سمع الأب هذه العبارة من أبيه انطلق مهرولاً نحو زوجته وأخبرها بما دار، وهو لا يستطيع منع عقله من التساؤل: هل أصيب والدي في عقله؟ كيف يقول هذا الكلام ومحمود ما زال عمره ساعات؟ .. لكن الأيام أثبتت فراسة الجد وبصيرة شيبته في الإسلام، أصبح محمود من أشد "المقارعين" للاحتلال.. بل ذاق الاحتلال على يديه الكثير من الويلات.
لم يكن محمود طفلاً عاديًّا، بل تميز كثيرًا عن رفاقه، لم يمارس ألعاب الأطفال العادية.. كان دائمًا يقود المعارك، وينظم رفاقه في الشارع، تعوَّد على القيادة وملك خصالها، كان يصنع أهدافًا من خامات البيئة البسيطة من حوله، ويصوِّب نحوها فيصيبها بكل دقة، يفعل ذلك وهو لا يعلم أن القدر يهيئه ليكون قائدًا في كتائب "الشهيد عزّ الدِّين القسَّام كان محمود منذ بواكير صباه متعلقًا بالمساجد دائم الصلة بها، يشهد له المقربون أنه منذ بلوغه السابعة من عمره وهو حريص على صلاة الفجر في المسجد مع والده، ويضيفون: "لم ينقطع عنها طوال ما عرفناه"، يصف أهل قريته أحوال قريتهم قبل أن يثب فيهم البطل ويؤجج حبهم لله قائلين: "كان الجميع نائمًا فأيقظ محمود عصيرة الشمالية".. وبدأ مع أطفالها وأشبالها يعقد لهم الجلسات الدينية في حفظ القرآن الكريم، والحديث عن أمور الدين حتى ربَّى أجيالاً من المسلمين تعتز بهم عصيرة الشمالية وما حولها.
لا يزال أهله يذكرون كيف كانت تأتيهم الشكاوى من مدرس التاريخ في مدرسته الثانوية، عندما كان مدرس التاريخ يطرد محمود من حصَّته عندما كان يتحدث عن تاريخ الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد، وكيف كان – حسب المنهج – تاريخًا أسود على الأمة، فكان محمود يقف له ليدافع عن هذا التاريخ، وينعت المنهج المدرسي بأنه "تاريخ مزور وغير حقيقي"، لم يكن هذا الأمر يروق للمدرس، فيطرده من الحصة، ويرسل بالشكاوى إلى والده، ويأبى محمود أن يقبل الظلم والكذب أول أجزائه السابقة للجنة.. بعض رئتيه وكبده
يقول شقيقه مصطفى: كنت على علاقة قوية جدًّا به، فكنا دومًا معًا، وذات يوم
في عام
يقول صديقه الدكتور عبد الوهاب صديق: عندما زرته في المستشفى، وقلت له: "الحمد لله على السلامة"، أجابني بحزن شديد "ليتها كانت شهادة". لم يتركه اليهود بعد شفائه من الإصابة، فقد جاء اليهود بعد شهر تمامًا من الإصابة واعتقلوه، واعتقلوا معه عشرين طفلاً صغيرًا كل ما يربطهم به أنه كان يحفظهم القرآن الكريم، ويشرح لهم أمور دينهم في مسجد "أبو خليل"، واستمر اعتقاله ستة أشهر.
يقول ناهي
لم يكن متزمتًا ولا مكتئبًا، دومًا له روح شفافة تحب الفن منذ صغره، يشارك في فرق التمثيل والإنشاد، يحكي صديقه الدكتور عبد الوهاب عن محمود الصبي ذي الأحد عشر عامًا فيقول: "ذات مرة أردنا القيام بعمل مسرحية عن إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في المسجد، واحتاج الأمر أن يقوم أحدنا بدور أخت عمر فلم يقبل أحد القيام بهذا الدور وتهربنا منه جميعًا، لكن محمود قال قولة ما زالت تتردد على ألسنتنا كثيرًا: "وهل لنا أن نكون مثل أخت عمر رضي الله عنها؟!"، كان شديد الحب لله ولرسوله وللصحابة، وكان يرى دومًا أنه ليس ثمة ما يمنعنا أن نكون مثلهم؛ فالذي تربَّى عليه الصحابة موجود عندنا؛ أقصد القرآن الكريم.
منذ صغره وهو ذو دمٍ حام وغضب لله؛ فوالدته تذكر عن محمود الطفل وهو ابن عشر سنوات عندما دخل عليها وهو غاضب، وسأل: أين الخوصة؟.. أريد أن أضرب أهل فلان؛ لأنهم يسبون الدين". وحتى في بيته كان يأخذ بالعزيمة، وله رأي يؤمن به ويدافع عنه. يقول والده: "كان لي بقرتان أرعاهما على الطريق العام، وكان يشاهدني المئات من سائقي السيارات، وكنت حريصا جدًّا على ألا تدخل بقراتي إلى أرض الناس الخاصة، وذات يوم إذا بمحمود يرفض أن يشرب اللبن، فقلت له: لماذا لا تشرب يا ولدي؟ فقال: لا أريد شرب اللبن هذه الأيام.. أخشى أن تكون هذه البقرات قد رعت في أرض الناس، وأكلت حرامًا، فآكل أنا حرامًا، فربما هذه البقرات دخلت دون علمك إلى أرض الناس". ويقول والده وطوال فترة الرعي من الأعشاب أثناء الصيف لم يكن محمود يتناول لبن أو جبن هذه البقرات أبدًا، ولكن يعود لأكل ذلك بعد أن تأكل من الطعام الذي نشتريه من الأسواق في فترة الصيف، لقد كان ورعًا، وكان لا يغضب إلا لله، أو إذا رأى حرمات الله تُنتهك.
أُبعِد محمود في
كانت المجموعة الأولى التي كان محمود يُشرف عليها مكوَّنة من أربعة شبان ينتمون إلى تنظيمات مختلفة، ولم يكن أحد منهم من حركة حماس، ولكن تمكَّن محمود من تنظيمهم جميعًا في حركة حماس، وصنع منهم استشهاديين، وأعدَّهم للقيام بعمليات استشهادية، وكان الأربعة هم الشهداء: "معاوية زراعة – يوسف الشولي – توفيق ياسين – بشَّار صوالحة"، ثم كان الشهيد "خليل الشريف" من نابلس.
يقول والد الشهيد محمود: إنه كان ذات مرة في الأراضي الحجازية، وهناك التقى بقريب لهم، فقال له: لقد شاهدت "محمود" في المنام يعتمر ويطوف بالكعبة، ولما سألته: ألست مطاردًا؟ فرد عليَّ: هذه العمرة الثانية. وعندما عاد الوالد إلى نابلس وزار "محمود" في سجن السلطة الفلسطينية، روى له ما قاله قريبهم، فقال لوالده: نعم، لقد دفعت لشهيدين قبل استشهادهما ثمن عمرة، وذهبا واعتمرا، ثم عادا واسْتُشْهِدا.
لقد عانى محمود الكثير سواء من السلطة الفلسطينية أو من اليهود، فبَعْد
العمليات الاستشهادية التي أشرف عليها أصبح مطلوبًا للسلطة الفلسطينية، ناهيك
عن مطاردة قوات الاحتلال له، وعندها رحل من نابلس إلى الخليل، لكنه أراد
العودة عام
لقد حدَّث محمود شقيقه "مصطفى" عن تلك الليالي التي نام فيها أثناء عودته إلى عصيرة، وكيف كان ينام هو والثعابين في مكان واحد!! ويقول: "كنت أنام في مواسير المياه القديمة، وذات يوم كنت نائمًا في كهف، وإذا بثعبان ذي صوت يخرج ويقترب نحوي، ثم يعود دون أن يصيبني بأذى، وكنت ألتفت شمالاً ويمينًا، وإذا بالثعابين من حولي وفي كل مكان".
في ليلة
وصمم محمود على الخروج من حبسه لينضم إلى صفوف إخوانه المجاهدين لشدة رغبته في الشهادة مقاتلا العدو الصهيوني لآخر لحظة من عمره. فأضرب عن الطعام لمدة ناهزت عشرة أيام؛ ضغطًا على السلطة الفلسطينية لإطلاق سراحه، ولم يلتفت أبو هنود إلى توسلات أسرته خوفا على صحته، والعجيب أن محمود أبو هنود كان قد تنبأ بقصف الكيان الصهيوني له في السجن، فقد قال لأهله ذات مرة: "إنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وإن قصف القوات الإسرائيلية للسجن الذي أنا فيه ليس بالبعيد، وأنا لا أريد أن أموت في السجن، بل أريد أن أموت مجاهدا مقاتلا". وخلال تواجده في سجن نابلس حاولت قوات الاحتلال اغتياله عندما قصفت السجن الذي كان فيه، ولكن بحمد لله ورعايته خرج سالمًا ليقضى بعد ذلك شهيدًا.
ونختم مع "عاشق الأقصى" كما سمَّى
نفسه بذلك، فقد كان محمود متعلقًا بالأقصى بشكل غير عادي،
وكان كثير التردد عليه حتى وهو مطارد، يقول د. عبد الوهاب: إن الشهيد بعد
عودته من إبعاد عام
"أتمنى أن يكون في كل بيت من الرجال مثل محمود، وأقدمهم جميعًا في سبيل الله، لقد أحببته؛ لأنه طلَّق الدنيا وأحبَّ الآخرة" بهذه الكلمات ختم والد أبو هنود
كان محمود أبو
هنود الذي استشهد في هجوم صاروخي إسرائيلي أمس
قائدا عسكريا رفيعا في حركة المقاومة
الإسلامية "حماس" وواحدا من أبرز الشخصيات
المطلوبة لإسرائيل .
ويمثل رحيل أبو
هنود خسارة كبيرة للجناح
العسكري لحركة حماس ، فقد كان امتدادا لجيل الشهيد
يحيى عياش الملقب بالمهندس والذي
اغتالته إسرائيل بهاتف نقال مفخخ عام 1996وردت حماس
على اغتياله - في غضون أشهر
قليلة - بموجة من التفجيرات قتل فيها عشرات
الإسرائيليين ، وزرعت الرعب في الدولة
العبرية.
ونقل رفات أبو
هنود إلى بلدة جنين بالضفة
الغربية بعد أن مزق هجوم صاروخي قرب مدينة نابلس في
الضفة الغربية جسده إلى أشلاء
هو ونائبه . وأعلنت مكبرات الصوت في المساجد استشهاد
أبو هنود وجرى تحريض
الفلسطينيين على الثأر في أقرب وقت ممكن ، في حين
أكدت حماس أنها سترد على اغتياله
ردا قاسيا وعاجلا . وشنت حماس عشرات العمليات الفدائية في السنوات الأخيرة ردا على ما تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني . كما تلعب الحركة دورا مهما في الانتفاضة التي اندلعت في سبتمبر من العام الماضي. وقالت مصادر إسرائيلية إن أبو هنود كان قائد كتائب عز الدين القسام - الجناح العسكري لحركة حماس - في الضفة الغربية وعضوا في خلية للحركة في منطقة نابلس . وأضافت المصادر أن إسرائيل اغتالت معظم أعضاء الخلية التي دبرت بعض التفجيرات الأشد فتكا داخل إسرائيل منذ بدء الانتفاضة. ويتهم الفلسطينيون إسرائيل باغتيال أكثر من 70 فلسطينيا منذ سبتمبر من العام الماضي.
كما اتهمت
إسرائيل أبو هنود بأداء دور
رئيسي في هجومين بالقدس عام 1997 والذي سقط
فيه 21 قتيلا. وفي مايو الماضي استخدمت
إسرائيل طائرات حربية من طراز إف -16 لقصف السجن الذي
كان أبو هنود موجودا فيه. وهرب أثناء العراك
الذي أعقب الهجوم . وفي أغسطس من العام الماضي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين بأيدي زملائهم في محاولة فاشلة لاغتيال أبو هنود في قرية عصيرة الشمالية بالضفة الغربية حيث نجح حينها في الانسحاب إلى نابلس بعد أن أصيب بجرح في كتفه . |