( ام يـقـولـون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين )

( ام يقولون تقوله بل لا يؤمنون فلياتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين )

( قل فاتوا بكتاب من عند اللّه هو اهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لك فاعلم ان مـا يـتـبـعون اهواهم ومن اضل مم ن اتبع هواه بغير هدى من اللّه ان اللّه لا يهدي القوم الظالمين )

ركز الـقـرآن الكريم على مسالة التحدي (الدعوة الى المعارضة ) التي هي من اركان الاعجاز في جميع هذه الايات , فتارة يقول بصراحة ـ وتارة اخرى بالدلالة الالتزامية ـ :
ان هـذا الـكتاب السماوي هو من عند اللّه واذا كنتم في شك وريبة منه فاجمعواكل قواكم من اجل الاتـيـان بمثله او بية منه , لانه اذا كان نتاج فكر البشر فانتم بشرايضا ولديكم فكر وذكا , وفي الواقع ان بواسطة ذلك المنطق العقلي الواضح اثبت القرآن اعجازه بصورة اجمالية .
 

ان الايـة الاولـى تقف بوجه المعاندين قائلة : (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ).
فـهـذه الاية تدعو من جهة افراد البشر كافة دعوة عامة , ومن جهة اخرى فهي تدعو جميع افراد البشر في عصرنا والعصور الاتية نظرا الى خلود دعوة القرآن , ومن جهة ثالثة , وبملاحظة كلمة ( اجـتـمعت ) , وجملة ( بعضهم لبعض ظهيرا ) تبين انهادعوة للمخالفين كافة للتعاون فيما بينهم وشـحذ الهمم , وصب افكارهم في مصب واحد من اجل المقابلة بالمثل , ومن جهة رابعة , فان اثارة الـخصم والتحرش به من اجل تاجيج غيرته قد اتخذ اقوى اشكال التحدي , وحينما خاطبهم بكلام قاطع :( لاياتون بمثله ) , فهو دليل قوي على ارتباطه الوثيق بعالم ما ورا الطبيعة .

فـبـالرغم من ان هذه التحدي وهذا الندا كان موجها الى ابنا البشر جميعا , وان دوافع اعدا الاسلام للقضا عليه في عصر النبوة وفي كل عصر وزمان كانت قوية ,فمن المسلم انه لو كانت لديهم قدرة عـلى ذلك لما غضوا النظر عنه , ولان تاريخ ‌الاسلام والعالم لا يشير الى ان شخصا او جماعة قد اقدمت على هذا العمل كان دليلا على ضعفهم وعجزهم وفي النتيجة على احقية القرآن .
ويـستفاد من هذه الاية ان الاجتماع وحده لا يؤثر في حل المشكلات مالم يصحبه اتخاذ ( ظهير ) لحماية واسدا مساعدة بعضهم لبعض .
كما نلفت الانظار الى ان القرآن لا يكتفي في التحدي بالبلاغة وجمال البيان فقط , بل الشبه من جميع الـجوانب الشاملة للمحتوى والمعارف والاحكام وكل شي , وهذا ما تؤكده كلمة (مثله ) الواردة في الاية .
في الاية الثانية يتنازل القرآن عن الاتيان بمثله , ويطلب من الخصم ان ياتي بعشر سور وهو اقل من عـشـر كل القرآن قائلا : (ام يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سورمثله مفتريات ) ولم يكتف بهذا بل صرح : (وادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ).
وفي الاية الثالثة تنازل الى اقل من 1 % قائلا : (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله ) ثم اضاف : (وادعوا شهدائكم من دون اللّه ان كنتم صادقين ).
فـمـن الواضح ان المراد من : (شهدائكم من دون اللّه ) انصارهم وكل من اعتقداعتقادهم لانهم هم الذين شهدوا لصالحهم في رد وتكذيب رسالة النبي (ص ) ومن الطبيعي ان يتعاونوا فيما بينهم لياتوا بـسـورة واحـدة مـماثلة لسورة من القرآن والا لوكان المراد من (شهدائكم من دون اللّه ) الاتيان بـسورة تماثل سورة من القرآن لكان من المفروض مطالبة اللّه بالشهادة قبل اي شخص آخر , ولذا فـان اول تـفـسـيـر للاية نقله المرحوم الطبرسي في مجمع البيان عن ابن عباس هو : المراد منها الاعوان والانصار , واضاف : انه يطلق على الاعوان والانصار : شهدا , لحضورهم وشهودهم حين التعاون .
 

والـسـورة : هـي جـز من آيات القرآن , تبدا بـ ((بسم اللّه )) , وتختم قبل مجي ((بسم اللّه )) جديدة ـ ماعدا مورد واحد في القرآن وهي سورة البراة ـ.
قـيـل : ان الـسـورة مـاخـوذة مـن ( سور المدينة ) اي الجدار المحيط بها , فكانمااعتبرت هذه المجموعة القرآنية بمنزلة احدى الدول العظيمة الواسعة , والسورالقرآنية مدنها.
وبنا على هذا الدليل نعتقد بوجود ترابط واتصال بين آيات السورة الواحدة ,وان لم يكن واضحا في الظاهر احيانا وهذا نظير وجود نوع من الانسجام والارتباطبين البيوت والعمارات والشوارع لكل مـدينة مع ان فيها المساجد والمدارس والاسواق والمناطق الماهولة بالسكان , كل كيان في موضعه المناسب .
ويستفاد من هذا المعنى ان السور كانت في وقت نزول القرآن على هذه الهيئة العالية بخلاف تصور بـعـض الـج هال وان كان بعض من الايات النازلة احيانا يتخذ له مكان معين في سورة خاصة بامر من النبي (ص ).
وجـمـلـة : ((مـن مثله )) تتضمن معنى شي يكون على شاكلة القرآن في كل اوصافه التي تشمل ( الفصاحة ) و ( بلاغة الالفاظ ) مع المحتويات والمعارف القى مة  .
والشاهد على هذا الكلام هي الاية (38) من سورة يونس التي تقول : (فاتوابسورة مثله ) ونقرا في الاية (34) من سورة الطور (فلياتوا بحديث مثله ).
وعـلى هذا الاساس يستبعد كثيرا احتمال عودة ضمير (مثله ) الى النبي (ص )بان يكون معناها : اذا كـنـتم مرتابين في اصل هذه الايات السماوية فاعثرواعلى رجل مثل محمد (ص ) لم يكن قد درس على الاطلاق واتوا بيات تناظر الايات التي اتى بها.
ان هذا المعنى بعيد وان ذكره جماعة من المفسرين اما على وجه الاحتمال اوعلى وجه القبول .
ويحتمل ايضا اجتماع التعبيرين في هذا المعنى , ويصير مفهومه بهذا الشكل :آتوا بسورة مثل سور القرآن من شخص لا يعرف القراة والكتابة ,كالنبي (ص ).
والحديث الذي ورد في ((تفسير البرهان )) جمع هذين المعنيين في عبارة واحدة .
وعـلى كل حال يقول عز من قائل في تعقيب هذه الاية : ( فان لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا الن ار التي وقودها الن اس والحجارة اعدت للكافرين ).
وتـضـمـنـت الاية الرابعة ايضا التحدي بالاتيان بسورة تشابه سور القرآن فيقول عزوجل : ( ام يقولون افتريـه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه ان كنتم صادقين ).
ان لـفـظـة (( سـورة )) تشمل السور الطوال والقصار في القرآن , والتعبير ( بمثله )اشارة الى مماثلته من جميع الجهات , وجملة : ( وادعوا من استطعتم من دون اللّه )شاملة لكل ما سوى اللّه .
فعلى هذا الاساس اذا كان القرآن نتاج فكر بشري , فان انسانا آخر يستطيع ان ياتي بمثله فضلا عن ان يـستعين ايضا باشخاص لايحصون , وبالاخص مع كثرة وجود الفصحا والبلغا في اوساط العرب الجاهليين سابقا.
ويـسـتـفـاد ضمنيا من هذه الاية والايات السابقة بان افضل طريق للوصول الى الاهداف المهمة هو الاسـتـفـادة مـن الاطـروحـات الـمشتركة , وقد ذكر القرآن ذلك في الوقت الذي لم تكن مسالة الاجـتـماعات والمؤتمرات للوصول الى حقائق المسائل المهمة مطروحة على صعيد الواقع وحتى مساعي وجهود العلما كانت تتخذ صبغة فردية وشخصية .
فـي الاية الخامسة ذكر هذا المعنى نفسه في قالب آخر يقول عز من قائل : ( ام يقولون تقوله بل لا يؤمنون فلياتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ).
و (( تـقـول )) مـاخوذة من لفظة (( تقول )) وعلى حد قول المرحوم (( الطبرسي )) في مجمع الـبـيـان : هو بمعنى الكلام الذي يختلق ويفتعل بتكلف ومشقة , ويستعمل عادة في الكذب والزور , لانه ليس من الواقع في شي ولايخلو من تكلف  .
ويمكن الاشارة (( بحديث مثله )) الى تمام القرآن او بضع سور او سورة واحدة ,او حتى اقل من ذلك لاطلاق كلمة ( الحديث ) على كل منها.
يقول الراغب في المفردات : كل كلام ينقل الى الانسان عن طريق السماع المباشر , او الوحي , في اليقظة , او في المنام , فهو يسمى بالحديث .
فـي الايـة الـسـادسة من سورة القصص تطر ق الى الحديث عن الاتيان بكتاب يشابه هذا الكتاب ( الـقرآن ) , يقول عز من قائل : ( قل فاتوا بكتاب من عند اللّه هواهدى منهما اتبعه ان كنتم صادقين ).
ثم من اجل تعرية حقيقتهم الباطنية الملوثة , وبيان الاعجاز القرآني يعقب اللّه تعالى بقوله : ( فان لم يستجيبوا لك فاعلم انـ ما يت بعون اهواهم ).
اي : اذا عجز هؤلا عن الاتيان بمثله فهو دليل على ان هذا الكتاب ليس وليدفكر البشر والا فليس هناك مبرر لعجز الفصحا والبلغا الذين يعيشون بين ظهرانيهم مع كل جهودهم ومساعيهم التي بذلوها .
لفظة ( كتاب ) تعني كل شي ( مكتوب ) و ( مد ون ).
وبنا على هذا فهو شامل لتمام القرآن ولاجزائه المختلفة ايضا , خصوصا اذانظرنا الى ان هذه الاية جات في سورة القصص , وقد نزلت في مكة ومن المعلوم ان القرآن لم ينزل بتمامه في ذلك الزمان , فيتضح انه اضافة الى كونه معجزة باجمعه فان اجزائه المختلفة معجزة ايضا.
وفـي الايـة السابعة والاخيرة من البحث جا الرد على المحتجين فيقول تعالى على لسانهم : (وقالوا لولا انزل عليه آيات من رب ه ) , فيرد عليهم بقوله : ( قل ان ماالايات عند اللّه وانما انا نذير مبين ).
ثم يعقب على ذلك بقوله : ( اولم يكفهم ان ا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم ).
يعني لماذا يطلب هؤلا معجزات اخرى على الرغم من وجود هذه المعجزة الالهية العظيمة ؟
فعلى هذا الاساس يعلن بصراحة عن اعجاز القرآن ويتحدى المناوئين بالدلالة الالتزامية ويدعوهم الى المنازلة .
يـقـول الـمـفـسر الكبير المرحوم الطبرسي في مجمع البيان : ان في انزال القرآن دلالة واضحة ومعجزة لائحة وحجة بالغة تنزاح معه العلة وتقوم به الحجة فلا يحتاج في الوصول الى العلم بصحة نـبـوتـه الـى غيره على ان اظهار المعجزات مع كونها ازاحة للعلة تراعى فيه المصلحة فاذا كانت المصلحة في اظهار نوع منها لم يجز اظهارغيرها  .
وتـتـبين اهمية هذا البحث من خلال التوجه الى النكتتين اللتين وردتا في ( تفسيرالقرطبي ) و ( ظلال القرآن ) :
احداهما : ان خوارق العادات الجسمية تتوافق غالبا مع الافراد المبتلين بالمسائل الحسية , وتتناسب مع بداية التفكير البشري , اما مثل هذه المعجزة الروحية التي تنطوي على جنبة معنوية فهي تنسجم مع الحقبة المتفتحة للفكرالبشري .
والاخرى : اضافة الى مخالفته خوارق عادات الانبيا ( نظير معجزة موسى وعيسى (ع ) التي القيت عـلـيها مسوح السحر تشكل هذا الاعجاز ( الذي هو من جنس الكلام ) من الفاظ يقوى عليها جميع الافراد من اصحاب تلك اللغة .
تـحـصل من ذلك ان القرآن الكريم اشار في سبع آيات من السور المختلفة على الاقل الى ان القرآن معجزة الهية كبرى , وقام بتحدي المنكرين له بطرق مختلفة .
ومن المعلوم ان اي شخص قام بعمل خارق للعادة ودعا جميع الناس الى معارضته ومنازلته وعجزوا عن القيام بها فذلك دليل على اعجازها.
وبعبارة اخرى احتج القرآن عليهم في هذه العبارات بكلام فريد من نوعه بقوله :اذا كنتم تعتقدون بـان هذه الايات هي من صنع عقل البشر فانتم ايضا بشر , ولكم عقول وافكار ولا يندر وجود البلغا والـمـتكلمين والفصحا في اوساطكم , فاذا كنتم صادقين في هذا الادعا فاتوا بيات مثل هذه الايات فيدعوهم الى المشاركة في هذه المنازلة من خلال عباراته المتنوعة والمثيرة .
من جهة اخرى لو كان بامكان اولئك الانتصار في مثل هذه المنازلة , لحشدواكل قواهم لان الانهزام في هذه المواجهة يساوي التضحية بكل شي عندهم .
لـقـد كان القرآن في مواجهة حادة مع اسس ثقافتهم المتمثلة في عبادة الاوثان والمتغلغلة في مختلف شؤون حياتهم , ولم يقف الامر عند هذا الحد , بل انزل شيوخهم ووجهاهم واثرياهم المغرورين من اوج جبروتهم وقدرتهم الى منتهى الحضيض , وسلب منهم امتيازاتهم المصطنعة والموهومة كافة .
وبـغـض الـنظر عن الشواهد التاريخية التي سوف نشير اليها لاحقا فان العوامل المحركة للمقابلة بـالـمثل كانت كثيرة جدا واذا كان باستطاعتهم حقا ان يجردوا النبي محمدا (ص ) من السلاح بهذا الاسـلوب , لما دعت الحاجة الى كل هذه الحروب الدموية , والمجابهات الساخنة وحيث اننا نراهم قـد توسلوا بكل شي سوى محاولة الاتيان بمثل آيات القرآن , فهذا بنفسه اكبر دليل على انهزامهم في هذه المنازلة .
ملاحـظات .
 

 

ا. تاثير القرآن وجاذبيته المنقطعة النظير

نـواجه على طول خط التاريخ حوادث عجيبة وموثقة تبين من جهة النفوذالقرآني العميق في قلوب الـمـسـتـمعين وحتى الغربا عن عقيدة الاسلام والقرآن ومن جهة اخرى تعتبر دليلا واضحا على عـجـز المناوئين من المقابلة بالمثل , والبحث في هذه الحوادث التاريخية يرشد الانسان الى مسائل كـثـيرة , ويوقفنا دائما على عظمة هذا الكتاب السماوي وصدق ما ورد في الايات السابقة , وفيما يلي نماذج حية منها :
 

1. قصة الوليد بن المغيرة المخزومي

تـتـحدث آيات سورة المدثر بشكل واضح عن الشخص الذي خطر في ذهنه ان يجابه القرآن وآل امره الى مصير اسود ونطالع معا الواقعة التي حدثت بصدد نزول هذه الايات التي نقلها جمع غفير من المفسرين كالطبرسي , والقرطبي , والمراغي ,والفخر الرازي وغيرهم وهي كما ياتي :
يـروى ان الـنـبـي (ص ) لما انزل عليه حم تنزيل الكتاب من اللّه العزيز العليم غافرالذنب وقابل التوب شديد العقاب قام الى المسجد والوليد بن المغيرة قريب منه يسمع قراته فلما فطن النبي (ص ) لاسـتماعه لقراته اعاد قراة الاية فانطلق الوليدحتى اتى مجلس قومه بني مخزوم فقال : واللّه لقد سـمـعـت مـن مـحمد آنفا كلاما ما هومن كلام الانس ولا من كلام الجن وان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان اعلاه لمثمر وان اسفله لمغدق وانه ليعلو وما يعلى , ثم انصرف الى منزله فقالت قريش صـبـا واللّه الـولـيد واللّه لتصبان قريش كلهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش : فقال لهم ابو جهل انـااكـفـيـكموه فانطلق فقعد الى جنب الوليد حزينا فقال مالي اراك حزينا ياابن اخي قال هذه قريش يعيبوك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد فقام مع ابي جهل حتى اتى مجلس قومه فقال اتزعمون ان محمدا مجنون فهل رايتموه يخنق قط , فقالوا : اللهم لا , قال : اتزعمون انه كاهن فهل رايـتم عليه شيئا من ذلك ؟ قالوا :اللهم لا , قال : اتزعمون انه شاعر فهل رايتموه انه ينطق بشعر قط ؟ قالوا : اللهم لا ,قال : اتزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب ؟ فقالوا : اللهم لا , وكان يسمى الصادق الامين قبل النبوة من صدقه , فقالت قريش للوليد : فما هو ؟ فتفكرفي نفسه ثم نـظـر وعبس فقال : ما هو الا ساحر ما رايمتوه يفرق بين الرجل واهله وولده ومواليه فهو ساحر وما يقوله سحر يؤثر  .
 

2. استماع زعما قريش الى القرآن

نـقرا في سيرة ابن هشام : ان ابا سفيان بن حرب وابا جهل بن هشام والاخنس بن شريق ابن عمرو بـن وهب الثقفي , حليف بني زهرة خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول اللّه (ص ) وهو يصلي من الليل فـي بيته فاخذ كل رجل منهم مجلسا يستمع منه وكل لا يعلم صاحبه , فباتوا يستمعون له , حتى اذا طـلـع الـفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا , فلو رآكم بعض سـفـهائكم لاوقعتم في نفسه شيئا , ثم انصرفوا , حتى اذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم الى مـجـلسه , فباتوايستمعون له , حتى اذا طلع الفجر تفرقوا , فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض مـثـل مـا قـالوا اول مرة , ثم انصرفوا حتى اذا كانت الليلة الثالثة اخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يـسـتـمـعون له حتى اذا طلع الفجر تفرقوا , فجمعهم الطريق , فقال بعضهم لبعض : لا نبرح حتى نتعاهد الا نعود , فتعاهدوا على ذلك , ثم تفرقوا  .
نعم لقد كانت جاذبية القرآن شديدة الى درجة بحيث خضع لها حتى الاعداالالدا , فلو انزاحت عنهم حجب العصبية واللجاجة والتعلق بالمنافع الشخصية لكانوا يؤمنون باللّه بصورة قطعية .
 

3. قصة ابن ابي العوجا واصدقائه

يـنـقـل الـمـرحوم الطبرسي في الاحتجاج عن هشام بن الحكم العالم المعروف واحد تلامذة الامام الصادق (ع ) يقول :
اجتمع كل من ( ابن ابي العوجا ) , و ( ابي شاكر الديصاني ) , و ( عبد الملك البصري ) , و ( ابن المقفع ) وقد كانوا جميعا من الملحدين وغير مؤمنين , اجتمعواالى جوار الكعبة واخذوا يسخرون مـن اعـمال الحجاج ويوجهون الطعن الى ساحة القرآن قال ابن ابي العوجا : هلموا جميعا لينقض كل واحـد من ا ربعا من القرآن وناتي بشي مثله , وسيكون موعد لقائنا في السنة الاتية في هذا المكان , عندماننقض القرآن باكمله , لان نقض القرآن هو السبب المؤدي الى ابطال نبوة محمد (ص ) وابطال نبوته هو ابطال للاسلام واثبات لاحقية ادعائنا فاتفقوا وتفرقواعلى ذلك .
وفـي السنة المقبلة , وفي اليوم نفسه اجتمعوا الى جوار الكعبة واخذ ابن ابي العوجا يحدثهم ويقول مـنذ اليوم الذي تركتكم وابتعدت عنكم , كنت افكر في هذه الاية ( فلما استياسوا منه خلصوا نجيا ) , فـوجدتها على جانب كبير من الفصاحة والغزارة المعنوية بحيث انني لم اتمكن من ان اضيف شيئا اليها , اضافة الى ان هذه الاية شغلت ذهني عن التفكير بغيرها.
واما عبد الملك فقال : وانا كذلك كنت افكر في هذه الاية حينما افترقت عنكم ( يااى ها الناس ضرب مـثـل فـاستمعوا له ان الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقواذبابا ولو اجتمعوا له وان يسلبهم الذباب شـيـئا لا يـسـتنقذوه ضعف الطالب والمطلوب )  , وقد وجدت نفسي عاجزا عن الاتيان بمثلها.
وقـال ابـو شاكر : منذ ذلك الوقت الذي ابتعدت عنكم كنت افكر في هذه الاية :( لو كان فيهما الهة الا اللّه لفسدتا )  .
ولم اجد نفسي قادرا على الاتيان بمثلها.
واضـاف ابـن المقفع فقال : (( ياقوم ان هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر لانني منذ تلك اللحظة الـتـي افترقت فيها عنكم كنت اتامل في هذه الاية : (وقيل يا ارض ابلعي ماك وياسما اقلعي وغيض الـمـا وقـضي الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظ المين ) , ورايت نفسي عاجزا عن الاتيان بمثلها.
يقول هشام بن الحكم : في هذه الاثنا مر بالقرب منهم جعفر بن محمدالصادق (ع ) وتلا هذه الاية : (قـل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذاالقرآن لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) .
عـندئذ اخذ ينظر كل واحد منهم الى الاخر ويقول : اذا كان للاسلام حقيقة قائمة بذاتها , ولم يكن يـمـثـل محمد (ص ) سوى جعفر بن محمد (ع ) فتاللّه لا يقع نظرناعليه في وقت من الاوقات الا وتستحوذ علينا ابهته , وتقشعر ابداننا من هيبته قالواهذا الكلام وتفرقوا معترفين بعجزهم .
 

4. قصة عثمان بن مظعون

وهـو احـد صـحابة نبي الاسلام (ص ) المعروفين قال عثمان بن مظعون : كنت اسلمت استحيا من رسول اللّه (ص ) لكثرة ما كان يعرض علي الاسلام ولم يقرالاسلام في قلبي فكنت ذات يوم عنده حال تامله فشخص بصره نحو السما كانه يستفهم شيئا فلما سري عنه سالته عن حاله فقال : نعم بينا انـا احـدثـك اذ رايـت جـبـرائيـل فـي الـهوا فاتاني بهذه الاية ( ان اللّه يامر بالعدل والاحسان ) وقراهاعلي الى آخرها فقر الاسلام في قلبي واتيت عمه ابا طالب فاخبرته فقال : يا آل قريش اتبعوا مـحـمدا (ص ) ترشدوا فانه لا يامركم الا بمكارم الاخلاق واتيت الوليدبن المغيرة وقرات عليه هذه الاية فقال : ان كان محمد قاله فنعم ما قال وان قاله ربه فنعم ماقال  .
 

5. قصة اسعد بن زرارة

جـات فـي كـتاب ( اعلام الورى ) و ( بحار الانوار ) حكاية اخرى عن الجاذبية والتاثير الهائل لايات القرآن في نفوس المستمعين .
استنادا الى ( بحار الانوار ) ننقل الحكاية بصورة مركزة وكمايلي :
((قـدم اسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس في موسم من مواسم العرب وهما من الخزرج , وكان بـيـن الاوس والـخـزرج حرب قد بقوا فيها دهرا طويلا وكانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بـالـنهار , وكان آخر حرب بينهم يوم بعاث , وكانت للاوس على الخزرج , فخرج اسعد بن زرارة وذكـوان الى مكة في عمرة رجب يسالون الحلف على الاوس , وكان اسعد بن زرارة صديقا لعتبة بن ربـيـعـة فنزل عليه فقال له : انه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئنا نطلب الحلف عليهم , فقال له عتبة : بعدت دارنا من داركم , ولنا شغل لا نتفرغ لشي , قال : وما شغلكم وانتم في حرمكم وامنكم ؟ قـال لـه عتبة : خرج فينا رجل يد عي انه رسول اللّه , سف ه احلامنا وسب آلهتنا وافسدشبابنا , وفر ق جماعتنا , فقال له اسعد : من هو منكم ؟ قال ابن عبد اللّه بن عبدالمطلب من اوسطنا شرفا , واعظمنا بيتا , وكان اسعد وذكوان وجميع الاوس والخزرج يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم : النضير وقريظة وقينقاع ان هذا اوان نبي يخرج بمكة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلن كم به يا معشر الـعـرب فـلما سمع ذلك اسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود , قال : فاين هو ؟ قال : جالس في الحجروانهم لا يخرجون من شعبهم الا في الموسم , فلا تسمع منه ولا تكلمه فانه ساحريسحرك بكلامه .
وكـان هذا في وقت محاصرة بني هاشم في الشعب فقال له اسعد : فكيف اصنع وانا معتمر لابد لي ان اطوف بالبيت ؟ قال ضع في اذنيك القطن , فدخل اسعدالمسجد وقد حشا اذنيه بالقطن , فطاف بالبيت ورسـول اللّه جالس في الحجر مع قوم من بني هاشم فنظر اليه نظرة فجازه , فلما كان في الشوط الـثـاني قال في نفسه , مااجد اجهل مني ؟ ايكون مثل هذا الحديث بمكة فلا اتعرفه حتى ارجع الى قـومـي فاخبرهم , ثم اخذ القطن من اذنيه ورمى به , وقال لرسول اللّه : انعم صباحا , فرفع رسول اللّه (ص ) راسه اليه وقال : قد ابدلنا اللّه به ما هو احسن من هذا , تحية اهل الجنة : السلام عليكم , فـقـال له اسعد : ان عهدك بهذا لقريب , الى ما تدعوا يا محمد ؟قال : الى شهادة ان لا اله الا اللّه , واني رسول اللّه , وادعوكم الى (( ان لا تشركوا به شيئاوبالوالدين احسانا ولا تقتلوا اولادكم من امـلاق نـحن نرزقكم واياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه الا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفـوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا الا وسعها واذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد اللّه اوفواذلكم وص اكم به لعلكم تذكرون )).
فلما سمع اسعد هذا قال له : اشهد ان لا اله الا اللّه وانك رسول اللّه , يارسول اللّه بابي انت وامي انا من اهل يثرب من الخزرج , وبيننا وبين اخوتنا من الاوس حبال مقطوعة , فان وصلها اللّه بك , ولا اجـد اعـز منك , ومعي رجل من قومي فان دخل في الامر رجوت ان يتمم اللّه لنا امرنا فيك , واللّه يـارسول اللّه لقد كنا نسمع من اليهود خبرك , ويبشروننا بمخرجك , ويخبروننا بصفتك , وارجو ان يـكـون دارنـا دارهجرتك عندنا , فقد اعلمنا اليهود ذلك , فالحمد للّه الذي ساقني اليك , واللّه مـاجئت الا لنطلب الطف على قومنا , وقد آتانا اللّه بافضل مما اتيت له ثم اقبل ذكوان فقال له اسعد : هـذا رسـول اللّه الـذي كـانت اليهود تبشرنا به , وتخبرنا بصفته , فهل م فاسلم ذكوان , ثم قالا : يـارسـول اللّه ابعث معنا رجلا يعلمنا القرآن , ويدعو الناس الى امرك , فقال رسول اللّه لمصعب بن عمير , وكان فتى حدثا مترفا بين ابويه يكرمانه ويفضلانه على اولادهم ولم يخرج من مكة , فلما اسـلـم , جـفاه ابواه , وكان مع رسول اللّه في الشعب حتى تغى ر واصابه الجهد , وامره رسول اللّه بـالـخـروج مـع اسـعـد , وقد كان تعلم من القرآن كثيرا , فخرجا الى المدينة , ومعهما مصعب بن عـمـيـرفـقـدمـوا عـلـى قـومـهـم واخـبـروهم بامر رسول اللّه وخبره , فاجاب من كل بطن الرجل والرجلان  .
 

6. القصة المثيرة للاصمعي

يـنقل الزمخشري في تفسير ( الكشاف ) عن الاصمعي  انه قال : اقبلت من جامع البصرة فـطلع اعرابي على قعود له فقال : من الرجل ؟ قلت : من بني اصمع ,قال : من اين اقبلت ؟ قلت : من مـوضع يتلى فيه كلام الرحمن , فقال : اتل علي ,فتلوت (( والذاريات )) فلما بلغت قوله تعالى : ( وفي السما رزقكم ) قال : حسبك ,فقام الى ناقته فنحرها ووزعها على من اقبل وادبر , وعمد الى سـيـفه وقوسه فكسرهما وولى , فلما حججت مع الرشيد طفقت اطوف فاذا انا بمن يهتف بي بصوت دقـيـق , فالتفت فاذا انا بالاعرابي قل نحل واصف ر , فسلم علي واستقراالسورة , فلما بلغت الاية صـاح وقـال : قـد وجـدنـا مـاوعـدنا ربنا حقا , ثم قال : وهل غيرهذا ؟ فقرات : ( فورب السما والارض انه لحق ) , فصاح وقال : ياسبحان اللّه , من ذاالذي اغضب الجليل حتى حلف , لم يصدقوه بقوله حتى الجاوه الى اليمين , قالهاثلاثا وخرجت معها نفسه  .
 

7. رد فعل اعرابي تجاه آية من القرآن

وروي ان رجـلا تعلم من النبي (ص ) القرآن فلما انتهى الى قوله تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) قال : يكفيني هذه ,وانصرف , فقال : رسول اللّه (ص ) : انصرف الرجل وهو فقيه .
 

 

نفوذ القرآن في اوساط العلما الاجانب

لـم يقتصر نفوذ القرآن على العرب والاحقاب الماضية , وانما شمل في عصرناهذا ـ ايضا ـ اولئك الـذيـن لايـحيطون علما برموز الادب العربي , فان تاثيره بينهم قوي عجيب , ولهذا السبب انبرى عدد من العلما الغربيين الى تعظيم القرآن والاعتراف بحقائقه التي هي مورد اعتزازنا.
من جملتهم الدكتور (واغليري ) الاستاذ بجامعة (فاپل ) يقول في كتابه المعروف (التطور السريع للاسلام ) : ((كتاب الاسلام السماوي هو احد نماذج الاعجاز , والقرآن هو الكتاب الذي لا يمكن ان يقل د ؟ فكيف يمكن ان يكون هذا الكتاب الاعجازي من انشا محمد (ص ) الرجل العربي الذي لم يـتـعـلـم القراة والكتابة , اننا نجد في هذا الكتاب من المحتويات والمضامين العلمية ما يفوق قابلية واستعداد اذكى افرادالبشر واكبر الفلاسفة واقوى رجال السياسة ))  .
ويـقـول (كـارلايل ) العالم الانكليزي المعروف بصدد القرآن : ((اذا القينا نظرة واحدة على هذا الكتاب المقدس , لوجدنا حقائق جليلة , وخصائص اسرار الوجودمكنونة في مضامينها الجوهرية , بالصورة التي تبين حقيقة القرآن وعظمته بوضوح ,وهذا بحد ذاته مزية كبرى يختص بها القرآن وتـفتقر اليها كل الكتب العلمية والسياسية والاقتصادية , وان كانت بعض الكتب تحدث تاثيرا عميقا في ذهنية الانسان , الا انها لا تشابه القرآن في نفوذه وتاثيره )).
يذكر (جان ديون بورت ) في كتابه (اعتذار الى حضرة النبي والقرآن ) : القرآن منزه عن النواقص , والعيوب بحيث لا يحتاج الى ادنى تصحيح او تقويم .
ثـم يضيف على ذلك قائلا : ان القسيسين اوجدوا ـ ولسنوات طويلة ـ هوة بعيدة بيننا وبين التعرف عـلـى حـقـائق القرآن المقدسة وعظمة المبشر به (محمد) (ص ) الا اننا كلما قطعنا خطوة في طريق العلم والمعرفة , كلما انزاحت عنا ححب الجهل والتعصب , وسيستقطب هذا الكتاب الغني عن الـوصـف الـعـالـم الـى نـفسه في القريب العاجل , ويحدث تاثيرا عميقا في العلم والفكر البشري , وسيصبح محور افكارالدنيا .
ويقول الشاعر الالماني الكبير (غوته ) : ((نحن كنا في بادئ الامر مبتعدين عن القرآن , ولم تنقض مدة طويلة حتى اصبح هذا الكتاب موضع توجهنا واهتمامناومبعث حيرتنا , الى الحد الذي اذعنا فيه بالتسليم لاصوله وقوانينه العلمية الكبيرة )).
ويـقـول الـعـالـم الـفـرنسي (جول لابن ) في كتاب (تفصيل الايات ) : ((ان الذي اوقدفتيل العلم والـمـعـرفة في العالم هم المسلمون , ونهلوا العلوم والمعرفة من بحر القرآن واجروا منه انهارا وينابيع الى البشرية في العالم ))

 

الصفحة الرئيسية مواقع صديقة شبهات عن الاسلام الشيعه اليهود نصارى هؤلاء أسلموا