من المعروف أن عُـمان ليست دولة حديثة، ولكنها دولة قديمة قدم التاريخ ذاته. وأسهمت في مراحل تاريخية عديدة بنصيب حضاري وافر، كما كانت في فترات أخرى قوة بحرية سياسية مؤثرة امتدت علاقاتها وصلاتها إلى الصين والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مراحل تاريخية مبكرة واستقبل سفراؤها باحترام في عواصم تلك الدول وغيرها قبل قرون من الزمن.

            ومما لاشك فيه ان الخيط الأساسي الذي يمتد عبر حقب التاريخ المختلفة، ويربط النهضة العُـمانية الحديثة بمراحل الازدهار التاريخية لعُـمان، يتمثل في الواقع في قدرة القيادة العُـمانية على تحقيق الوحدة الوطنية، وبناء القوة الذاتية، وإقامة اقتصاد قوي على أساس من الأمن والاستقرار و إدارة السياسة العُـمانية بحنكة ودراية على المستويات المختلفة.

            بينما تشير الدراسات التاريخية إلى الصلات العديدة بين الحضارة العُـمانية، وحضارة الشرق القديم في الصين والهند وبلاد ما بين النهرين فضلا عن الصلات مع حضارات شرق البحر المتوسط ووادي النيل وشمال إفريقيا، فان الدور الذي اضطلعت به عُـمان في نشر الدعوة الإسلامية منذ دخولها طواعية إلى الإسلام في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام هو أوسع بكثير مما هو معروف في كثير من الدوائر، باستثناء الدوائر العلمية المتخصصة.

أسماء عُـمان

عُرفت عُـمان في المراحل التاريخية المختلفة بأكثر من اسم ومن أبـرز أسمائها "مجان" و "مزون" و "عُـمان" حيث يرتبط كل منها ببعد حضاري أو تاريخي محدد. فأسم "مجان" ارتبط بما اشتهرت به من صناعة السفن وصهر النحاس حسب لغـة السومريين حيث كانت تربطهم بعُـمان صلات تجارية وبحرية عديدة وكان السومريون يطلقون عليها في لوحاتهم "أرض مجان" أما أسم "مزون" فانه ارتبط بوفرة الموارد المائية في عُـمان في فترات تاريخية سابقة وذلك بالقياس إلى البلدان العربية المجاورة لها. وكلمة "مزون" مشتقة من كلمة "المزن" وهي السحاب والماء الغزير المتدفق. ولعل هذا يفسر قيام و أزدها الزراعة في عُـمان منذ القديم وما صاحبها من حضارة أيضا.

            وبالنسبة لاسم "عُـمان" فانه ورد في هجرة القبائل العربية من مكان يطلق عليه عُـمان في اليمن، كما قيل أنها سميت بعُـمان نسبة الى عُـمان بن إبراهيم الخليل عليه السلام، وقيل كذلك أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى عُـمان بن سبأ بن يغثان بن إبراهيم.

            وكانت عُـمان في القديم مواطنا للقبائل العربية التي قدمت إليها وسكن بعضها السهول واشتغل بالزراعة والصيد، واستقر البعض الآخر في المناطق الداخلية الصحراوية اشتغل بالرعي وتربية الماشية.

المساهمة في نشر الإسلام

            بالنظر للطبيعة السمحة للشعب العُـماني كانت عُـمان من أوائل البلدان التي اعتنقت الدين الإسلامي طواعية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. فقد بعث عليه السلام عمرو بن العاص الى "جيفر" و"عبد" ابني الجلندي بن المستكبر -ملكي عُـمان آنذاك-يدعوهما الى الاسلام فاستجابت عُـمان بقيادة ابني الجلندي وأصبحت منذ ذلك التاريخ واحدة من القلاع الحصينة للإسلام والتي ساعدت على انتشاره في كثير من المناطق خاصة في شرق ووسط أفريقيا. 

وخلال السنوات الأولى للدعوة الإسلامية ساهمت عُـمان بدور بارز في حروب الردة التي ظهرت بعد وفاة الرسول علية السلام، كما شاركت في الفتوحات الإسلامية العظيمة برا وبحرا خاصة في العراق وفارس وبلاد السند بالإضافة إلى المشاركة في الفتوحات الإسلامية لعدد من البلاد الأخرى في المنطقة وخارجها. على أن الإسهام الأبرز لعُـمان تمثل في الواقع في قيامها عبر نشاطها التجاري والبحري الكبير في شرق افريقيا خاصة خلال القرن الماضي بالتعريف بالإسلام ونشره في كثير من مناطق الساحل الشرقي لأفريقيا والى مناطق وسط أفريقيا التي وصل إليها العُـمانيون، كما حمله العُـمانيون معهم ذلك الى الصين والمواني الآسيوية التي تعاملوا معها. وفي نفس الوقت مثل الإسلام والقيم الإسلامية، رابطا قويا بين العُـمانيين حافظوا عليه وتمسكوا به والتفوا حوله.

اليعاربة وطرد البرتغاليين

            في أوائل القرن السادس عشر، وتحديدا في عام 1507م استطاع البرتغاليون أن يسيطروا على أجزاء كبيرة من السواحل العُـمانية وذلك بعد مقاومة شديدة من جانب العُـمانيين. وبرغم طبيعة الأوضاع الداخلية في عُـمان في ذلك الوقت، إلا أن البرتغاليين، أو غيرهم لم يستطيعوا تجاوز بعض المناطق الساحلية المحدودة وظلت مناطق الداخل في عُـمان بمثابة العمق الاستراتيجي الذي انطلقت منه، ومن بعض المناطق الساحلية كصحار حملات المقاومة الوطنية العُـمانية حتى تم التخلص من الاحتلال البرتغالي بعد نحو قرن ونصف القرن.

            يمثل تولي الإمام ناصر بن مرشد إماما على عُـمان في عام 1624م بداية دولة اليعاربة، وقد تمكن الإمام ناصر بن مرشد من خلال توحيد البلاد تحت قيادته للمرة الأولى منذ سنوات عديدة، وعبر تجهيز أسطول بحري قوي، تمكن من تقليص نفوذ البرتغاليين وتحرير بعض المدن الساحلية منهم، وقد واصل الإمام سيف بن سلطان المعروف بـ " قيد الأرض " هذه المهمة الجليلة في مطاردة البرتغاليين خاصة وأنه توفرت له الكثير من عناصر القوة المادية والعسكرية حتى تمكن من تحرير مسقط عام 1650م وهو من كان إيذانا بأفول نجم البرتغاليين الى سواحل الهند وشرق أفريقيا.

            وبالرغم مما حققه اليعاربة خاصة في المراحل الأولى من حكمهم من ازدهار اقتصادي وسطوة خارجية، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا خاصة مع عودة الخلافات الداخلية إلى الظهور مرة أخرى مما أدى إلى إضعافهم وتعرض البلاد لغزو خارجي مرة أخرى.

البوسعيد 250 عاما من التحرير إلى بناء الدولة العصرية

            تمثل مبايعة الإمام أحمد بن سعيد الذي كان واليا على صحار وما حولها في عام 1744م بداية لحقبة جديدة في التاريخ العُـماني، استمرت بمراحلها المختلفة على امتداد المائتين والخمسين عاما الأخيرة، وجدير بالذكر أن تولي الإمام أحمد بن سعيد الإمامة في عُـمان جاء نزولا على رغبة أهل الحل والعقد في عُـمان في ذلك الوقت بالنظر لمواقفه وشجاعته وبخاصة في تخليص البلاد من الغزاة الفرس. وقد تمكن الإمام أحمد بن سعيد الذي أسس الدولة البوسعيدية من إعاده توحيد البلاد وإخماد الفتن الداخلية وإنشاء قوة بحرية كبيرة إلى جانب أسطول تجاري ضخم وهو ما أعاد النشاط والحركة التجارية الى السواحل العُـمانية. كما أعاد لعُـمان دورها في المنطقة. وليس أدل على ذلك من أنه أرسل نحو مائة مركب تقودها السفينة الضخمة -الطراد- " الرحماني " في عام 1775م الى شمال الخليج لفك الحصار الذي ضربه الفرس حول البصرة في ذلك الوقت بعد استنجاد والي بغداد به وقد تم له ما أراد.

       وبعد أن توفي الإمام أحمد بن سعيد في الرستاق سنة 1198 هـ / 1783م والتي اتخذ منها عاصمة له، خلفه عدد من الأئمة والسلاطين البارزين الذين حافظوا على استمرار حكم أسرة البوسعيد، وفي عهد حفيده حمد(1189هـ/1784م) - 1206 هـ / 1792م انتقلت العاصمة من الرستاق الى مسقط ولتستقر فيها حتى الآن.

            وبغض النظر عن بعض فترات الضعف والانكماش والتخلف التي حدثت خلال القرنين ونصف القرن الأخير، الا أن هذه الحقبة قد أثمرت عددا من الإنجازات الهامة في مسيرة عُـمان التاريخية لعل من أبرزها ما يلي :

         - التخلص من كل صور ومظاهر الاحتلال والنفوذ الأجنبي.  

 - بناء إمبراطورية عُـمانية كبيرة امتدت لتشمل مناطق عديدة في شرق افريفيا خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، وقد فرضت هذه الامبراطورية وجودها البحري في المحيط الهندي وأقامت علاقات سياسية متوازنة مع القوى العظمة في ذلك الوقت خاصة بريطانيا وفرنسا بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

         - التغلب على مختلف التحديات الداخلية والإقليمية وإرساء أساس قوي لعلاقات متوازنة خليجيا وإقليميا ودوليا أتاح للسلطنة الحفاظ على مصالحها الوطنية.

         - ثم بناء دولة عصرية مزدهرة تمثل الأم بالنسبة لكل أبنائها.

         - وقبل ذلك وبعده تحقيق استمرارية ووحدة التاريخ العُـماني.