قصة قصيرة

انا وحماري في السجن

حماري مخلوق من دم ولحم و عظم، يبصر كما نبصر، ويتألم كما نتألم، ويحس كما نحس، ويبكي ولايكاد يبين. لافرق بينه وبين الآدميين سوى انه يمشي على أربعة، ولا ييستطيع النطق.. وقد يكون راضياً او ناقما على حياته. هذا ما لا اعرفه. لكنه يؤدي رسالتة على خير وجه، فلا يحقد على أحد ، ولا ينبس بحرف ، ولايذيع سر صاحبه، ولايماريء ، ولايتلون ، ولا يعرف الهمز او اللمز.

قررت ان احتفل به على طريقتي الخاصة، وان ادعو للرفق بهذه المخلوقات.. ولم لا؟ ألا يحتفل الغرب بكلابهم وقططهم فيطعموهم احسن الطعام ويلبسونهم أغلى الثياب؟ وهو الذي حملني على ظهره مئات الاميال عن طيب خاطرأليس جزاء الاحسان سوى الاحسان.

اشتريت له بردعة جميلة ومريحة وزينته بالزهور والورود من رأسه حتى اخمص قدميه وعلقت على رقبته جرس حتى يطرب كما يطرب البشر.

أمطيته وطفت به ارجاء القرية. فاستوقفني احد الناس وقال: لمن هذه الزهور؟ قلت لحماري في عيد ميلاده الخامس. فضحك وقال حقاً .. ان اصحاب العقول في راحة! واستوقفني أخر وقال: حقا الحياة لا تخلو من المجانين! وبعدها تجمع عدد كبير من الصبية فأخذو يصفقون ويضحكون. مر خلالها خفير من رجال الشرطة فاقتادني الى مأمور القسم واخبره بما حدث. فضحك طويلا..ثم كشر عن انيابه وقال.. هذا العمل نعتبره شاذا وغير قانوني من شأنه ان يؤدي ال بلبلة الافكاراو الى الجمهرة التي تؤدي بدورها الى المظاهرات والاضطرابات. وهو قانون يعاقب عليه بالسجن والغرامة. فهل سبق لك ان اشتركت في اي عمل سياسي او حزبي او دعائي لاية فئة من الفئات؟

قلت معاذ الله. انا لاأفقه في السياسةشيئا فانا أخرج الى الحقل عند الفجر واعود عند الغسق فقال اذا انت من الطابور الخامس، زجوا به وحماره في السجن.

فلما مثلت أمام القضاء استحلفني القاضي بألا أقول إلا الحق. فأقسمت له بأني بريء من هذه التهم براءة الذئب من دم يوسف.. وان مادفعني لاحتفل بحماري بهذه الطريقة هو الرحمة والوفاء، فمن لايرحم لايُرحم.فلم اشاهد حماراً في هذه القرية الا وصاحبه يعاملة بقسوة وقد ينهال علية بالعصا. العصى لمن عصى. او من خرج على القانون ياسيدي فلماذا نبطش بهذا الضعيف الاعزل الذي لايملك اية وسيلة للدفاع عن نفسه؟

نزار الرملي