رسالة الى القشطيني بطلب المزيد

 

سعدنا بلقائك كل صباح ياخالد على صفحات جريدة الشرق الأوسط الغراء. فأنت أحد الكتاب المفضلين في عصر الهزيمة أو اليأس ، فأرفع شراعك عالياً ، وأبحر بنا الى الشواطىء التي لم تطأها اقدام الحاقدين والمستعمرين والارهابيين الحقيقيين ، الى المدن النائية او الكهوف التي لم تشهد ابداً دهاى السياسة أو قراصنة القرن العشرين. حدثنا عن برنارد شو وروائع شكسبير وعن عبقرية الفاروق وعن عازف القيثارة البائس الذي يعزف اعذب الالحان في ساحة بيكاديللي، أو قرب دار الأوبرا الملكية في لندن مقابل بنسات معدودة يسد بها رمقه ، بدل التسول على قارعة الطريق.

أبحر بنا الى الشواطىء التي تخفق لها القلوب الحزينة التي شردها الطغيان الى يافا وحيفا وعكا وعسقلان فلقد أقسم رابين أحد قراصنة القرن العشرين الجدد ان لا يدع رحلة سفينة العودة تمر بسلام. حدثنا عن رحيل عام 1948 وعن الف رحيل بعده. وعن رحيل الزجاج المطحون التي يمارسها جنرالات الحجارة ، وعن الغربة السحيقة التي تلفنا بأفاق من الكآبة واليأس.

حدثنا بقلمك الساخر عن معايير الرقي وعن وحشة الأنسان، واجابيات الحضارة الحديثة. عن الديمقراطية الحقيقية لا ديمقراطية الاستعراض اوديمقراطية التسعة والتسعين بالمائة التي اصابتنا بما يشبه الاحباط.

حدثنا عن أنور خوجا الذي ظل يحكم البانيا بالحديد والنار زهاء نصف قرن من الزمان، فعزلها عن العالم أجمع وكأنها رقعة من الأرض لم يكتشفها انسان بعد.

حدثنا كيف ظلت الحرية حبيسة القضبان في اسبانيا الى أن لفظ الجنرال فرانكو انفاسه الاخيرة بعد حكم دام ثلاثين عاما او ما يزيد.

حدثنا عن المرأة الحديدية التي تقبع في عشرة داوننج ستريت .. قل لها ياخالد بأسلوبك اللاذع الشبيه بلذعات البرد القارس ان الديمقراطية التي تتشدق بها تحت مظلة مجلس العموم ستظل محاطة بالشبهات ما لم ترأب الصدع الذي احدثه اسلافها في فلسطين .. لا .. لاتقل لها شيئاً فلا فائدة ترجى منها .. لأنها تساند الصهيونية حتى النخاع مهما حاولت ان تخفي ذلك وعجرفتها تشبه عجرفة الرومان.

أبحر بنا الى الشاطىء الأخر الى البلاد التي تكفي فضلاتها لاطعام عشرات الملايين من البشر الذين لايجدون ابسط وسائل العيش.

وكما حدثتنا ياخالد عن قطة صديقك فيليب وعن قطة بيروت ، حدثنا عن حياة القطط والكلابفي أوربا حيث تنعم بالحنان والدفء واشهى انواع الأطعمة الدسمة من اللحم الطازج ، بل وحتى الكافيار ، والويل كل الويل لمن يعذب هذه المخلوقات فلديها من يدافع عنها كجمعيات الرفق بالحيوان. فيما يعيش الفلسطينيون منذ أربعين عاماً حياة البؤس والفاقة والتشرد وكلنا لايزال يذكر كيف أكل هؤلاء لحم البغال والقطط والكلاب .. أثناء حصار بيروت الشهير..ولقد قيل ان طعم لحم الكلاب شديد المرارة وهذه مأساة تضاف الى تاريخ البشرية الحزين.

أعزف لنا ياخالد النغم الحزين على أوتار القلوب ، فالدموع لم تجف بعد، أشهر قلمك ليكون نصير للمظلومين والمعذبين والمقهورين والمشردين، ولاتخشى في الحق لومة لائم، فلقد علمتنا ان القل اشد من المدفع كما جاء على لسان نابليون ، لكنه قد يجف اذا لم تعل اصوات المدافع وهدير الطائرات والحروب المفتعلة بين أبناء البلد الواحد او العقيدة الواحدة او رفاق السلاح هو في حقيقته صراع العمالقة أو تجار السلاح الذين يصطادون في المياه العفنة.

الا ترى ياخالد اننا نعيش في غابة كبيرة.

 

نزار الرملي – 21/7/1988م