للدكتور : ابراهيم ناجي علوش   عن جريدة السبيل عدد350 تاريخ 5/9/2000

لا يهم الخطاب الذي تفيض به الشخصيات العامة ، بقدر ما يهم سجلها وتهم مواقفها تجاه المسائل التي

تضعها الأحداث أمامنا . فآخر ما نحتاجه كعرب هو المزيد من الأيقونات المقدسة والرموز التي لا تمس

في مجالي الفكر والعمل السياسي . وقد تدّعي إحدى هذه الشخصياتالعامة انها تقدم هذا أو ذاك التنازل

للصهاينة الآن من  أجل الحصول على تأييد الرأي العام (الإسرائيلي) أو العالمي ، أو من أجل عشرة

عصافير على الشجرة أو سرب من الأسماك في محيط السياسة . ولكن إذا كان هذا التكتيك هو الذي يميز

القادة الجيدين عن غيرهم، فلماذا نقبل بإدوارد سعيد نموذجا أعلى للقيادة على الطريق إلى فلسطين

كما يقترح بعض المثقفين هذه الأيام؟! اذ أن ياسر عرفات أقدم وأبرع في ممارسة هذا التكتيك. فادوارد

سعيد يمنح الصهاينة مسبقا حق الوجود في فلسطين،كصهاينة، كما أوضح في مقابلته مع هآرتز يوم

الثامن عشر من آب الماضي ، من أجل دفعهم بالقبول بحق العودة ..واسرائيل الثنائية القومية..و..وما

شاكل ذلك . هنا هو سرب الأسماك في محيط السياسة

أما الاعتراف المسبق بحق الصهاينة بالوجود في فلسطين ، فهو التنازل الذي يقدمه سعيد الآن بعد

اعلانه على الملأ في هآرتزيوم 18 آب : "أنا آخر مثقف يهودي".. دعونا اذن ننظرفي بعض مواقف ادوارد

سعيد وسجله فيما يتعلق بالقضايا العربية والفلسطينية . ولكن قبل ذلك، لا بد من الإشارة إلى

ننا نتناول فيما يلي مواقفه السياسية ، ولا نتناول إدوارد سعيد المثقف ، كما تجلى مثل في كتابي

الاستشراق أو "التقافة والامبريالية" اللذين تعرض لهما آخرون مثل الدكتور عادل سمارة وغيره

فاذا سلكنا طريقا مختصرة عبر كل الغلو والمبالغات عن دور ادوارد سعيد المزعوم في النضال

الفلسطيني ، حيث أن هآرتز وصفته يوم 18 آب بأبو الوطنية الفلسطينية فاننا سنصل إلى ما يلي

أولا : المصطلحات : دأب ادوارد سعيد على تسمية الصراع العربي - الصهيوني بالنزاع الفلسطيني

الاسرائيلي .. وشتان ما بين التعبيرين ! فالقول هذا يحول الصراع بيننا وبين الصهاينة إلى مجرد

نزاع إقليمي ، قابل للحل ، ولكن على أساس شرعية الوجود الاستعماري الصهيوني في فلسطين

ويغيب تعبير احتلال عن الأراضي المحتلة عام 1948 في كتابات سعيد . فاذا نظرت غلى مقابلته مع

هآرتز ستجده يستخدم تعبير احتلال عندما يتحدث عن الأراضي المحتلة عام 1967 فقط. أما ما حدث عام

النكبة الأولى فيسميه Dispossession وهي الكلمة التي تفيد معنى الحرمان من الملكية ونقيض هذه

هو Possession بمعنى ملكية أو امتلاك وهو الأمر الذي يمكنه حله ببساطة عن طريق التعويضات

اذا اعتبرنا أن المسالة هي فقط مسألة امتلاك و ملكية. وفي لعبة المصطلحات ، يحاول ادوارد سعيد ، كما

يحاول عزمي بشارة ، أن يثبت أن اسرائيل دولة عنصرية أساسا ، ونقيض ذلك أن تكون اسرائيل دولة

لكافة مواطنيها أو دولة ثنائية القومية ولا غرو أن دولة العدو الصهيوني دولة عنصرية غير أن هذه ليست

سمتها ألأساسية ا السمة الأساسية لدولة العدو هي أنها دولة احتلال واحلال استيطان ، وهذا هو الذي يتم

تجاهله عمدا من خلال التركيز أساسا على سمة العنصرية

أما مصطلح " دولة لكافة مواطنيها " أو " دولة ثنائية القومية " فانه يفيد في طمس الهوية العربية

لفلسطين ، وفي جعل هدف النضال الوطني الفلسطيني الأعلى الحصول على حقوق أقلية في اسرائيل

ومع أن سعيد وبشارة يتفقان على هذه الاستراتيجية ، الا أنهما يختلفان في أن ادوارد سعيد يعادي

الهوية العربية والاسلامية لفلسطين علنا ، أما عزمي بشارة فيتبنى استراتيجية أسرلة فلسطين و

هو يطرح نفسه رمزا ناصريا عروبيا

ثانيا : قضية المحرقة .. يطالب ادوارد سعيد الفلسطينيين أن يتفهموا معاناة اليهود التاريخية في

المحرقة المزعومة ، وأن يقبلوا الحجة الصهيونية عن العلاقة الضرورية ما بين اغتصاب فلسطين وهذه

المخرقة "بالخاء" وقد كتب سعيد هذا الموقف مرارا ، ويهاجم سعيد المفكر روجيه جارودي بشدة ويتبنى

تجاهه الموقف نفسه الذي يتبناه الاعلام الغربي ، ويطلب من الفلسطينيين أن يفعلوا مثله . ويبدو

أن سعيد لا يعقد رابطة بين تأسيس الكيان الصهيوني والمخطط الاستعماري لتقسيم الوطن العربي

ولا يفسر سبب انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي عام 1897 ، ووعد بلفور عام 1917 ، قبل المحرقة

المزعومة بعقود . كما أنه ينسى أن العرب والمسلمين استقبلوا اليهود قرونا وأعطوهم الأمان ، دون أن

يحتاجوا إلى تأسيس دولةيهودية ، اذا كانت المسألة مسألة اضطهاد أوروبي لهم فقط

ثالثا : قضية القنابل البشرية : يريد سعيد من الفلسطينيين أن يتخلوا وأن يدينوا هذا الشكل

المشروع من النضال ضد المحتلين الصهاينة وأن يعتبروه " إرهابا" وهو يساوي ما بين حماس و

الصهاينة هنا ، وكان أبلغ تعبير عن ذلك مقاله الحماسي في اللوموند ديبولماتيك في عدد آب /أيلول

لعام 1998 وهو يريد أن نقاوم المستعمرين باللاعنف وأن نشرك اليهود معنا في النضال من أجل

تحقيق اسرائيل ثنائية القومية . وهو يتناسى أن العدو الصهيوني ما كان ليكلم عرفات لولا

الانتفاضة وحماس والجهاد

رابعا : قضية موقفه من الحصار على العراق : في احدى شد مقالاته وضوحا بهذا الصدد عشية

الاستعدادات الأمريكية لضرب العراق مجددا في نهاية عام 1998، يطالب ادوارد سعيد العراق بتطبيق

كل قرارات الأمم المتحدة ويطالب المجتمع الدولي بايجاد آلية مراقبة دائمة لئلا يطور العراق أسلحة دمار

شامل !! ومع أنه من الذين يطالبون برفع الحصار ، فانه أيضا من الذين يطالبون باسقاط النظام العراقي

الآن وحالا وهو المطلب نفسه الذي تضعه الإدارة الأمريكية شرطا لرفع الحصار ، وقد عدل ادوارد سعيد

جزئيا من هذا الموقف ، وصعد من مطالبته برفع الحصار خلال مؤتمر اللجنة العربية الأمريكية في

واشنطن عام 1999 ، وفي مقالات لاحقة ، الا أن المتتبع لمقالاته فب هذا المضمار يستطيع أن يلحظ

بسهولة أن كراهية شديدة تنضح من بين السطور عن حديثه عن العراق ، وهو ما ينسجم مع ما ذكرناه سابقا عن موقفه ازاء العروبة وكل ما هو عروبي

خامسا : تاريخه السياسي : بعد ترويجه لطروحات السلام خلال السبعينات وبداية الثمانينات في كتابات عديدة ، يطرح إدوارد سعيد نفسه الآن كمعارض لياشر عرفات ويقول ادوارد سعيد عن نفسه في
في أواخر السبعينات طلب مني وزير الخارجية الأمريكي سايروسPeace and its Discontents

فانس اقناع عرفات بقبول قرار 242 مع ضافة تحفظ من قبل م.ت.ف  تقبل به أمريكا ..و قال فانس يومها أن أمريكا سوف تعترف مباشرة بـ م.ت.ف وتوفر مفاوضات بينها وبين اسرائيل .. لكن عرفات رفض العرض تماما كما فعل مع عروض أخرى .. فهذا المعارض لعرفات اذن ، وسيط أمريكي سبق عرفات في مسيرة التسوية وعارضه في حقوق الانسان والفساد .. فهل نحتاج أن نضيف إلى هذا السجل السياسي ما يريب أكثر أو ما يعيب ؟!       انتهى