وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ... قرآ كريم
أ.د. مظفر شعبان
يأتي
هذا العدد من مجلة ( هندسة ) وسط أحداث جسام تمر بها أمتنا العربية ، فإخوتنا في
فلسطين يتعرضون إلى أشرس حملة في تاريخ المنطقة ، وكل ذلك يحدث أمام أعين العالم
العربي والإسلامي ، وهكذا هبَّ الشعب العربي في كل أقطاره من محيطه إلى خليجه وهو
يستنكر المجازر الإسرائيلية ، ويشجب التواطؤ الأمريكي مع العدو الصهيوني : مادياً
وعسكرياً وسياسياً . ومع أنني لست من السياسيين ، اذ لم أتعاط السياسة لامن قريب
ولامن بعيد ، إلا إنني أود أن أتناول الموضوع باعتباري واحداً من المواطنين ، الذين
يتابعون قضايا الساعة بقلق .بينما يراهن كثير من الزعماء العرب على الموقف الأمريكي
من الصراع ، ويناشدون الدولة العظمى الوحيدة أن تكون ( راعياً للسلام نزيهاً ) ،
فإنني أود أن أشير إلى موقف حزب الله الذي يعتبر أن ( إسرائيل هي موقع أمريكي متقدم
) ، وهذا الاعتبار ، مع أنه قديم ، إلا أنه يفسر سذاجتنا السياسية ونحن نتساءل كيف
نقبل أن تسلّح الولايات المتحدة إسرائيل بأسلحة كافية لتواجه العرب مجتمعين ؟ كيف
نفسر امتلاك اسرائيل للقنبلة الذرية في وقت تتكالب فيه الولايات المتحدة على تطبيق
مبدأ ( الحد من انتشار التكنولوجيا النووية ) ؟ كيف نفسر استهتار العدو الإسرائيلي
بجميع القوانين الدولية مما جعل الدولة الإسرائيلية دولة فوق القانون كما أشار إلى
ذلك الرئيس بشار الأسد في مؤتمر القمة في بيروت … لن أسترسل في هذا السياق ، لأن
الهدف هنا هو شيء آخر .. نحن نعيش في عالم لايؤمن إلا بالقوة ، إنه عالم يعيش في ظل
قوانين الغاب . ومن حسن حظنا ، أو من سوئه ، فإن عدّونا الذي يستتر وراء إسرائيل ،
( هو سيد الغاب ) وعليه فإن أمامنا طريقين : إما أن نرفع الراية البيضاء ونسلّم
البلاد والعباد لسيد الغابة كي يفعل بنا مايشاء ،فيصادر قرارنا كما فعل مع الدولة
العربية الأكبر : جمهورية مصر العربية ، لقاء ( حفنة من الدولارات ) وفعل الشيء
ذاته مع حليفته المسلمة : الجمهورية التركية ، فنتحول إلى التوسل كما قال أحد
الحكام العرب المعتدلين :إن أقصى مايستطيع العرب أن يمارسوه للضغط على أمريكا هو
التوسل ، علماً أن سوريا رفضت أن تساوم على مواقفها منذ خمسينيات القرن الماضي ،
عندما زار جون فوستر دالاس ـ وزير الخارجية الأمريكية آنذاكـ سوريا لإقناعها
بالانضمام إلى حلف بغداد ،فقوبل بمظاهرات عنيفة اضطرته إلى مغادرة دمشق على الفور …
فالشعب السوري يرفض أن يشبع على حساب التبعية … والطريف ، أن بعض السياسيين الأمريكيين يتساءل على صفحات الأنترنت : لماذا يكرهوننا إلى هذا الحد في الشرق الأوسط ؟ إذا قبلنا الموقف السوري الذي رسمه الشعب السوري اعتباراً من سنوات الاستقلال الأولى وإذا تذكرنا أن ( الثور الأمريكي الهائج ) يريد إذلالنا ، وتمريغ وجوهنا بالطين ، حيث يساعد عدوّنا ، ويسلحه ، ويحميه ،ويزوده بالمساعدات بالتكنولوجيا وبوسائل القتل والبطش ، لوجدنا أن الطريق أمامنا الوحيد هو طريق المقاومة والنضال في سبيل
استرداد الحقوق .وعلينا هنا أن نستلهم تجارب الأمم التي سبقتنا ومنها الشعب الفيتنامي والشعب الكوري والشعب الروسي والشعب الياباني والشعب الألماني وشعوب أخرى كثيرة غيرهم . فالشعب الفرنسي مثلاً بعد أن اجتاحته القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية لم يستسلم ، بل نهض من كبوته وأعاد ترتيب صفوفه وقواته حتى انتصر … الشعب الياباني ، والشعب الروسي ، وشعوب أخرى عملت الشيئ ذاته ، إلا أن الشعب العربي ينفرد بموقف يخالف كل مواقف الشعوب المضطّهدة التي تصر على التصدي للعدوان … ولعل الموقف العربي الغريب يتجلى في أن العدو يجتاح المدن الفلسطينية واحدة بعد الأخرى ، ويقتل أبناءنا ويستحيي مدننا وأراضينا ، ويرفض الانسحاب من جولالنا ، فنقابله بمبادرات للسلام ، وبمواقف مؤيده للعدل والحضارة..وبالطبع فإن عدونا الهمجي لن يفسر مواقفنا المتمسكة بالسلام إلا على أنها مواقف ضعف فيمعن في البطش والتنكيل بالشعب الفلسطيني ، وبالاستهتار بالقرارات الدولية . ومع أن الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر كان أول من نادى : ماأخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، وهو نفسه القائل في حزيران 1967 : إنها ليست ساعة للدموع ولكنها ساعة للعمل إلا أن عدوّنا لن يفهم ميلنا للسلام إلا على أنها علامة على الضعف ، وعلينا أن نتخذ الأساليب والإجراءات الكفيلة بتحويل حياتنا إلى قلعة نؤكد فيها للعدو قبل الصديق أننا مصممون على دحر العدوان وتحرير الأرض ، وأن نؤكد على ذلك بتجنيد الشعب كله : كل رجل ، وكل شاب ، وكل شابة ، وكل طفل ، على استخدام السلاح وإنشاء التحصينات وتحويل المصانع والمراكز إلى الوجهة العسكرية ، وتصنيع القنابل وإعداد الراجمات والقاذفات وعلينا ألا ننتظر حتى يهاجمنا العدو كي نتعلم تصنيع قنابل القّسام استعداداً ليوم الفصل ، كما كتب نجيب محفوظ في روايته : كفاح طيبة … ما هي قيمة حياتنا ومنشآتنا ومشاريعنا وهي في متناول طائرات العدو وصواريخه إن لم نكن قادرين على التصدي لها ، هل نقبل الحياة مع ذل الاحتلال ؟ ومن المفارقات أن عدد أفراد الجيوش العربية التي خاضت حرب عام 1967 مجتمعة كان أقل من عدد أفراد الجيش الإسرائيلي !!ويتوجب علينا ألا ننسى لحظة واحدة أن الشعب الفيتنامي لم يقابل المعتدين الأمريكيين بأغصان الزيتون ، بل استعد لهم وقارعهم بأظافره وأسنانه رغم تفوقهم العسكري والتكنولوجي والاقتصادي حتى ألحق بهم هزيمة نكراء بقيت وصمة عار في تاريخهم الحديث( ويحق لنا هنا أن نتذكر أن شعبنا السوري سطر ملاحم بطوليــة عده في مقارعة الاستعمار والصهيونيـة .ففي عام 1973 أسقطنا اسطورة العدو الذي لايقهر ، وبإيماننا وإخلاصنا واتحادنا وتكاتفنا فسنكون قادرين على رد جحافل البغي والعدوان ..وفي هذا المقام يطيب لي أن أتذكر منظر وزير خارجية إسرائيل الأسبق وهو يعلن أن الجيش الإسرائيلي عازم على الانسحاب من جنوب لبنان ، علماً أنه – أي الجيش الإسرائيلي – حاول جاهداً أن يحفظ ماء وجهه بتوقيع اتفاق ما مع اللبنانيين ، إلا أن الرد اللبناني كان حازماً وحكيماً على الجيش الإسرائيلي أن ينسحب من جنوب لبنان كما دخله بدون قيد ولا شرط .إن عدونا الإسرائيلي غدّار ، ينتهك كل الحرمات وينقض كل المواثيق ولا يتورع على خرق كل التعهدات ، وهو لايخفي أطماعه في بلاد العرب ..والعرب يتراجعون على طول الخط ويصابون بالنكسات الواحدة بعد الأخرى . في البداية دخلت الجيوش العربية فلسطين في العام 1948 وهي تنوي طرد الصهاينة إلى البحر ، وسرعان ما تحول الشعار إلى السلام مقابل الأرض وهذا تحول بدوره إلى المبادرة السعودية – العربية : التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل وهذه رفضتها إسرائيل لأنها تتوقع تنازلات عربية جديدة … وفي وجه هذا التراجع أنادي بموقف موحد
يتلخص في قوله تعالى : وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لاتعلمونهم الله يعلمهم … ( الأنفال 59 )
في خضم المظاهرات العارمة التي اجتاحت العالم العربي وعواصمه طرحت شعارات عدة كان منها شعار الوحدة العربية ،ومع أن هذا الشعار يمثل أفضل آمالنا في الحصول على مقعد مشرف وفاعل بين دول العالم . إلا أنني لن أتكلم عنه كثيراً ، لأن الجماهير عبرت عن مشاعرها بشكل واضح ، ولكنني سأورد حكاية قد نسيها معظمنا … في منتصف العام 1961 -وكنت يومها في مرحلة الدراسة الثانوية … رفض العمال الأمريكيون تفريغ الباخرة المصرية كليوباترا في محاولة سياسية للضغط على حكومة الجمهورية العربية المتحدة … يومها شهدت الموانئ العربية اتفاقاً لم يسبق له مثيل حيث اتحد عمال الموانئ العربية ورفضوا تفريغ البواخر الأمريكية تضامناً مع الموقف العربي . ويسرني أن أذكر هنا أن عمال ميناء نيويورك وجدوا أنفسهم مضطرين لتفريغ كليوباترا . من الشعارات المطروحة حالياً : مقاطعة البضائع الأمريكية ، وحتى دون انتظار أية مواقف رسمية ، اتفقت مع عائلتي وأهلي على التمسك بهذه المقاطعة وعلى حض جميع من أعرف على اتخاذ موقف مماثل . ويسرني بهذا الصدد أن أشير إلى أن الشعب الياباني بعد أن اضطرته قوات الماجور الأمريكي بيري وسفنه البخارية على فتح البلاد رغماً عنه للتجارة العالمية في العام1860 فإنه - أي المجتمع الياباني - انطلق يتزود بالمعرفة والتكنولوجيا الأوروبيتين استعداداً ليوم الفصل . أما آن لشعبنا العربي أن يدرك حقيقة الدور الأمريكي الذي لايخفي دعمه ومساندته للقوى الصهيونية ، حتى إن الرئيس الأمريكي بوش الابن لايتحرج عن الإشادة بحليفه هتلر الصغير : شارون واعتباره نصيراً للسلام !! نعم لقد زرع شارون ، المحب للسلام منطقتنا العربية بالشهداء ، وروى هذا الزرع بالدماء ، وعسى أن ينبت هذا الزرع ويؤتي ثماره رجالاً: صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ....إن صراعنا مع العدو الإسرائيلي طويل طويل ، كما جاء في الحديث الشريف : لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر أو الشجر فيقول الحجر أو الشجر يامسلم ياعبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الفرقد فإنه من شجر اليهود . وآخر دعوانا قوله تعالى : ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .... ( الحج 22 ) .