جامع العادلية بحلب
إعداد المهندس عبدالله حجار
كان للأوقاف في الفترة العثمانية دور كبير في إحياء مدينة حلب وازدهارها العمراني والاقتصادي وبخاصة في الجهة الجنوبية من الشـارع المستقيم الممتد بين باب أنطاكية والقلعة ، حيث قامت مدارس الخسروفية والعادلية والجلبية والبهرمية وانتشرت الخانات والأسـواق والحوانيـت التي تؤمّن العيش للدارسين في هذه المساجد ومدارسها . وكان عصر السلطان سيلمان القانوني من أزهى عصور الامبراطورية العثمانية وقد رافقه وصول المعمار سنان (1489ـ1585 م ) إلى أعلى درجات عبقريته المعمارية والفنية الفذّة التي تجلّت في جامع شاهزادة وجامع السليمانية في استنبول وفيما بعد عصر سليمان في جامع السليمية في أدرنة . وقد عرفت حلب أول عمل لسنان كمهنـدس معمار في جامع الخسروفية الذي بني عام 1546 م أمام قلعة حلب الشمّاء كتحدّ لها ، وقد وفق فيه سنان في توزيع كتلة البنـاء والفراغ رغم وجود مئذنة ضخمة المقطع نسبياً . أمّا جامع العادلية ، وهو من تصميم سنان كذلك ، فقد بني بحلب عام 1557 م أيام واليها محمد باشـا ابن أحمـد دوقـاكين الأرناؤوطي ولد السلطانة كوهر ملكشاه بنت عمة السلطان سليمان بن عثمان ، وهي مدفونة قرب جامع ولدها في السفاحيـة . وقد سمي ( جامع العادلية ) لبنائه إلى جوار دار العدل التي كانت دار الحكومة آنئذ وهي سراي منقار ، ويعتبر من أجمل الجوامـع العثمانية في حلب ويشتهر بكثرة أوقافه ومنها خانات النحاسين والفرّايين والعلبية وعدّة قيساريات وأسواق ومبلغ 30000 دينار ذهباً .
يتألف الجامع من قبلية واسعة تشبه قبلية جامع البهرمية تتميّز بزخرفة مدخلها الخارجي وشبابيكها المطلة من جهـاتها الثلاث على حديقة ، واستندت قبتها على رقبة ذات دعامات خارجية قامت بينها نوافذ الإنارة العديدة وقد امتدّ أمـامها من الداخـل وعلى كامل المحيط ممر للقيام بأعمال الصيانة عند الحاجة ، وقد قام أعلى نوافذ الإنارة شريط من الآيات الكريمة على كامل محيط الدائرة مع شريط زخرفي في أعلاها .
وملأت ألواح القاشـاني الزرق أعلى النوافذ السفليـة داخل القبلية وخارجهـا . ويمتـاز محراب القبلية بألواحه المرمرية الشاقولية المتناوبة بين اللون الأسود والأبيض وقـد انتهى قي أعلاه بمقرصنات جميلة ذات متدليات علاها إفريز زخرفي جميل . وقام الى غرب المحراب منبر مرمري في قسمه الواقع أسفـل مكان وقوف الواعظ فتحة لبيان الاستقامة أثناء الصلاة خلف الإمام وفي الزاوية الشمالية الغربية من داخل القبلية قامت سدّة مرتفعـة وعريضة من الخشب تستند على ثلاثة أعمدة مرمرية تنتهي بتيجـان مزخرفة
أمّا مدخل القبلية فتتناوب فيه الأحجار الصفر والسود وفي أعلاه قوس بديع الزخرفة بأحجاره السود والبيض المتداخلة وقد تقدّم المدخل عمودان رشيقان مزخرفان وعلاه كتابة . قام أمام مدخل القبلية رواق ذو خمس قباب تستند على أعمدة بتيجان جميلة فيها متدليات قابلة للفـك والتركيب فقد معظمها وتتم الصلاة في هذا الرواق إذا غصّت القبلية بالمصلّين . وانتصبت المئذنة الدائرية قرب الجهة الشمالية الغربية من القبلية وهي طويلة ورشيقة تنتهي بغطاء مخروطي يشبـه قلم الرصاص المدبب . أمّا في صحن الجـامع الواسع فقد قامت الميضأة في وسطـه بالإضافة الى جناح مؤلف من أربع غرف مقببّة في الجهة الشرقية . وللجامع مدخلان أحدهما من الجهة الغربية أمام خان البرغل والآخر جهـة الشرق يؤدي الى مدفن السيدة كوهر ملكشاه والمدرسـة السفاحية . ونظراً للحالة التي آلَ إليها الجامع فقد عمدت مديرية الأوقاف بالتعـاون مع مديريـة الآثار إلى القيـام بأعمال الترميم الضرورية وبخاصة في قبّة الجامع وفي مئذنته الرشيقة ليغدو قبلة أنظار المصلين والسيّاح .