علياء

 

و كعادة المتطوعين وقفت فى مكتب الاستعلام نشيطا متحمسا أمارس عملى دون ملل فأنا الذى اخترته دون اجبار.

كل شىء على ما يرام ؛ أستقبل المرضى بابتسامة صافية خالية من أى شوائب أو رياء و لكن ما كان حقا يتعبنى هو وجوه المرضى فيوميا أرى ما يزيد عن مائة مريض ؛ الكل بنفس الشكل أصلع الشعر نتيجة للعلاج الكيماوى؛ باهت الوجه لا يعرف سيشفى أم لا فمرض السرطان لا يعترف بالجنس أو السن و لربماتجد أطفالا رضع و آخرون فى عمر الزهور لم يعرفوا من الدنيا الا المرض و لربما لا يسمح لهم الوقت بمعرفة أكثر من هذا.. و فى مستشفى معهد الاورام أيضا ستجد شبابا لم يخطف حماسهم و شبابهم الا المرض و ستجد آباء يوارون وجوههم عن أبناءهم حتى لا يروا دموعهم تتساقط على وجوههم بعد أن أصبحوا يحتاجون للمساعدة فى كل شىء حتى أبسط الاشياء كالجلوس؛ انه ذل المرض.. ذل المرض.

و بينما أنا فى طريقى الى مكتب المتطوعين داخل مستشفى المعهد لأحصل على تصريح إخراج سيارة إسعاف ؛ رأيتها فى طريقى ..

إسمها علياء طفلة في  السابعة  من عمرها تمشى بساق واحدة و تستند على عاكزين فالساق الأخرى راحت ضحية مرض السرطان. قضت في  معهد الأورام أسبوعين بعد أن أجرت عملية البتر و الحمد لله شفيت تماما و ستعود إلى سوهاج بلدتها لتكمل حياتها كطفلة عادية تحمل من المرض  ذكرى يصعب نسيانها.  حين ترى ابتسامتها تنسى الدنيا وما فيها و حين تفكر في مدلولها تجد وراءها هم لا تستطيع حملة الجبال ؛ وجدتها تمشى حتى جلست فى ركن من أركان الطابق؛ جلست وحيدة فقد سأمت رائحة الأدوية و أنين المرضى و مطاردة حقن الكيماوى لجسدها النحيف.

ذهبت و جلست بجوارها و أعطيتها قطعة من الحلوى فإبتسمت إبتسامة شفافة رقيقة جعلت عيناى إغرورقت بالدموع و قالت لى ببراءة " شكرا " ..؛ و رأت دمعة تتساقط من عينى فمسحتها بيدها الصغيرة و هى تقول " هو إنت كمان يا عمو هيقطعوا رجلك و مش هتعرف تلعب كوره ذيى " ؛ تلعثم لسانى أمام قمة البراءة التى تحمل جبالا من الهموم فقمت و ساعدها على الوقوف و قلت لها هيا الى حجرتك فالجو هنا بارد للغاية ؛ و عرفت منها أن موعد رحيلها الى سوهاج هو غدا فقررت الا أذهب إلى المعهد غدا حتى لا أودعها .

و بالفعل لم أذهب و مضى اليوم و كأنه شهر ؛ و فى اليوم التالى ليوم رحيلها وقفت فى مكتبى أنظر الى حجرة علياء و أتخيلها تخرج و تسلم على ؛ فإذا بمن يداعب ساقى فأنظر تحتى لأجد علياء تبتسم و تقول " إحنا ماشيين يا عمو " .. لقد شاء الله تعالى ان يتأخر رحيلها يوم حتى أراها و أودعها.

 

قصة مضمونها حقيقى

دعوة من متطوع فى جمعية أصدقاء معهد الاورام القومى

لمساعدة هؤلاء المرضى و التخفيف عن آلامهم من خلال المشاركة فى نشاط الجمعية

و لتكن البداية أجمل نهاية لكل الآلام

 

بكم و معكم نرسم الابتسامة على شفاه من نسيها

مجموعة أهل الخير